يمانيون| بقلم/ محمد الفرح|

بينَ عشيةٍ وضُحاها ومع إرهاصات الهزيمة الإسرائيلية، خرج علينا مجموعةُ زعماء عرب، الأولُ يحشُدُ جيشه، والآخر يهدّد ويندّد، والثالث ينزلُ المساعدات بنفسه… إلخ.

وفي نظري أن هذا التحوُّلَ المفاجِئَ ليس صحوةً ولا صدفةً، بل دورٌ مخطَّطٌ له لأهدافٍ عدة منها:

التهيئةُ لقابليتهم لدى شعوب وجماهير أمتنا ليكونوا بديلًا عن قادةِ محور المقاومة وليسدُّوا الفراغَ الذي تتلهف إليه الجماهيرُ العربية، بعد أن طغت سُمعةُ قادة الجهاد والمقاومة وتدنست سمعة الزعماء والحكام.

وشيءٌ آخرُ -يجبُ أن ندركَه جميعاً- أن العدوان العسكري على غزة فشل في تحقيق أهدافه المتمثلة في منع تهديد حماس وبقية الفصائل المجاهدة مستقبلاً لكيان العدوّ، واستعادةِ الأسرى الصهاينة؛ ونتيجةً للعجز عن تحقيق أَيٍّ منها أصبحت “إسرائيل” بحكم المهزوم عمليًّا ولم يتبقَّ سوى أن تعلن الهزيمة.

إلا أن أمريكا أرادت أن ينتهيَ العدوانَ بتسوية سياسية تحقِّقُ ضمانةً من تكرارِ ما حصل في ٧ أُكتوبر، وتستعيدُ بموجبها الأسرى الصهاينة، وتكونُ مبرّراً لتطبيع السعوديّة بشكل علني، وتقلِّلُ من فاعلية ودور محور المقاومة والفصائل الفلسطينية في تحقيق هذا الانتصار.

فدفعت بالإماراتِ والسعوديّة ِوبعضِ الدول العربية للاجتماع في الرياض ومعهم منظمة التحرير الفلسطينية؛ لبحث تسوية تقضي بحَلِّ الدولتَينِ وتقضي بتطبيع النظام السعوديّ، وتكون السلطة الفلسطينية هي الممثلَ الشرعيَّ لفلسطين في التسوية، أما فصائلُ المقاومة فهي بين خيارِ القبول بالتسوية فتكون مُجَـرّدَ تابعٍ لا قرارَ لها، أَو رفضِ التسوية فسيتم عزلُها واتّهامُها أنها تعرقل السلام.

غير أن هنالك مشكلتَين تعترضان هذه المؤامرة، الأولى هي: الأسرى المتواجدون في قبضة المجاهدين الفلسطينيين الذي يمثلون ورقةً ضاغطةً على العدوّ وورقةً رابحةً للمقاومة ولن تفرِّطَ المقاومةُ فيهم مهما تآمروا.

المشكلةُ الأُخرى: أن هذه الزعاماتِ التي يريد الأمريكيُّ تمريرَ هذه التسويةِ عبرَها هي شخصياتٌ مرفوضةٌ في الشارع العربي والفلسطيني تحديداً؛ نتيجةَ تواطؤها مع العدوِّ ولم تسجِّلْ أيَّ موقفٍ إيجابي منذ بدء العدوان؛ فكان لا بُـدَّ من تهديد إسرائيلي باقتحام رفح والضغط على حماس لتسليم الأسرى والقبول بالتسوية ومحاولة انتزاع اعتراف فلسطيني جديد بالعدوّ الإسرائيلي، وفي المقابل يدخلُ ابنُ سلمان وابنُ زايد والسيسي على خط منع اقتحام رفح بحيث يُمنَحون دوراً بطولياً؛ باعتبارهم من حقّقوا الانتصار وبما يهيئ الرأيَ العامَّ العربيَّ لقبول ما سيقرّرونه مستقبلاً في الشأن الفلسطيني.

النتيجةُ ستكونُ سرقةَ انتصار فصائل المقاومة ومحور المقاومة، وتصويرَ تطبيع النظام السعوديّ بأنه عملٌ خيري لمنفعة غزة وأهل رفح، وإيجادُ خلافٍ فلسطيني داخلي؛ لأَنَّ هنالك من سيؤيِّدُ حَـلَّ الدولتَينِ وهنالك من سيرفضه، ومن يعارض من محور المقاومة والجهاد فسيقدمه إعلامُهم بأنه لا يريدُ وقفَ القتال ولا يحب السلام، في المقابل سيقدم الإعلام الشكرَ للسعوديّة والإمارات والسيسي و…؛ لأَنَّهم من أنهَوا الحربَ وأوقفوا العدوانَ على رفح وعلى غزة.

والأهمُّ في الموضوع أنه بدلًا عن هزيمةِ “إسرائيل” بشكل واضح ستخرجُ رابحةً؛ لأَنَّها ستنجو من الورطة التي تورَّطتها في غزةَ وتطلقُ أسراها.

وأيُّ اعترافٍ بها تنتزعُه من أي طرف فلسطيني هو مكسبٌ جديد.

وفي الواقع لن تنسحبَ من أي مكان احتلته ولن تسلِّمَ شبرًا واحدًا للفلسطينيينَ، بل ستماطل وتنقض الاتّفاقياتِ كما فعلت عقب اتّفاقية أوسلو ١٩٩٣م.

نخلُصُ إلى أن التهديدَ الإسرائيليَّ لمدينة رفح يأتي بتنسيق مع هذه الزعامات التي تحول موقفُها بشكل مفاجئ، وهو بمثابة تهيئةٍ لمنح هذه الزعامات العربية عملاً بطولياً يجمِّلُ وجهَها ويهيِّئُها للعبِ دورٍ سياسيٍّ مستقبليٍّ لصالح “إسرائيل”، كما يهدفُ إلى ابتزاز فصائل المقاومة والجهاد لإطلاق الأسرى وتقديمِ تنازلات للعدو.

ولا يُستبعَدُ أن ينفِّذَ العدوُّ إجرامَه بحق النازحين في رفح بالذات في ظل هذا التواطؤ المكشوف والاتّفاقات المسبَقة مع زعماء التطبيع.

المصدر: يمانيون

إقرأ أيضاً:

“أنّكم لن تعرفوا.. كيف يبني حجر من أرضنا سقف السماء”!

الحقيقة أبرع دعاية أصدرها القحاتة خلال الحرب ما اسموه ب”نموذج الهلالية”. أرادوا من ورائه قول: استسلموا للغزاة، تعايشوا مع الجنجويد ولو ضربوا ظهوركم وأخذوا نساءكم وأموالكم، لا معنى من المقاومة ولا طاقة لكم بحمْيدتي وجنوده؛ ولا سبيل أمامكم سوى التصالح مع العدوان أيها الضعفاء!

وفي نهايةِ المطاف يستردُّ الأهالي الغبش شرفهم الغالي، وتعود إليهم قُراهم القرية تلو القرية؛ بل وتمدُّ أيديهم -وقد باتت أيادٍ ذات بأسٍ شديد- لتحرير المُدن والبلدات المُجاورة.
ولأنّ “السَيفُ أصدقُ أنباءً مِنَ الكُتُبِ” كان من الصعب أنْ نقول للقحاتي -عديم المروءة والرجولة والشرف المُستخف بأسمى المعاني والقيم- وقتئذٍ: أنّ “منطق المقاومة” ينطلقُ في الأساس من حقيقة أنّك تُقدِّم في حدود ما عندك من موقع (ضعف).. وأنّ القوة لا تعلو على الحقِّ، وأنّ الحقَّ لا محالة مُنتصر بما وعد الله، وأنّ استمرار المقاومة رغم البطش الدموي والارهاب في حدِ ذاته انتصار.

محمد أحمد عبد السلام

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • كيلوغ : واشنطن قد تتوقع “تنازلات إقليمية” من موسكو في إطار مفاوضات التسوية في أوكرانيا
  • المقاومة الفلسطينية ترفع شارة النصر وتضع إصبعاً في عين “نتنياهو” وأخرى في عين “ترامب
  • جبهات غزة والإسناد.. إفرازات مدمّـرة ترافق “إسرائيل” في كُـلّ الظروف
  • أبو حمزة : معاملتنا لأسرى العدو تتفوق على ممارساته ضد أسرانا
  • الناطق باسم سرايا القدس: معاملتنا لأسرى الاحتلال تتفوق على ممارساته ضد أسرانا
  • كيف قرأ إعلام العدو مشاهد تسليم المقاومة الفلسطينية لأسرى الاحتلال الثلاثة؟
  • “حماس”: استئناف التبادل يعتمد على التزام إسرائيل بتنفيذ البروتوكول الإنساني وفق ضمانات الوسطاء
  • المقاومة الفلسطينية تسلم 3 أسرى صهاينة ضمن الدفعة السادسة من صفقة تبادل الأسرى
  • استعدادات للإفراج عن 3 أسرى صهاينة في خانيونس
  • “أنّكم لن تعرفوا.. كيف يبني حجر من أرضنا سقف السماء”!