فوزي بشرى: خطبة الحجاج في مدني
تاريخ النشر: 14th, February 2024 GMT
صعد الحجاج منبر مسجد في مدني و الناس وجوم. وقف يطيل النظر فيهم ساعة لا يكلمهم حتى ظنوا أنه لن يحدثهم في شيءٍ. أبدا. كان يجيل بصره بين الصفوف ثم يمده الى آخر صف ثم يضيِّق عينيه و يقطب جبينه تارة و يفتحهما واسعتين تارة أخرى حتى لا يبق أحد خارجهما. صمت مطبق لا يبدده غير أصوات الرصاص بين الفينة و الأخرى.
سم الحجاج باسم الله و صلى على نبيه محمد عليه أفضل الصلاة و التسليم فذهب ذلك بروع أكثر الحاضرين ثم صمت طويلا و حدق كثيرا في الوجوه واحدا واحدا، وصفا صفا فما تسمع غير السكون ثم قال: إن الذي أصابكم قد كتب في جنوبكم و صحافكم و لا راد لأمر الله. فهمَّ كل واحد أن يتحسس جنبه و صفحته. ثم صمت ساعة أخرى زادت فيها معدلات ثاني أكسيد الكربون فالمراوح ساكنة سكون الناس ثم قال: أنتم آمنون في بيوتكم ما لزمتموها لا تخرجون منها أبدا. نوفر لكم الأكل و الشراب و الدواء فإن شغب عليكم شاغب فعليكم بإبلاغ أقرب ارتكاز للأشاوس يأتونكم من فورهم فقد جعل الله حماية رقابكم و نسائكم في أيدينا حتى يقضي الله أمره فيكم. و لكن حتى ذلك الوقت إني محذركم و متوعدكم و لا عذر لمن أنذر: إياكم و اللخبطة.. إياكم و جقجيق النقار. ثم نزل.
كانت أول كلمة سمعت بعد قول الحجاج هي ما همس به مصل لمن بجواره: جقجيق النقار ده شنو؟
قال له جاره هامسا أظنه التحول الديمقراطي.
اها و اللخباطي ده شنو؟ كان أشوس قد رمق الجارين المتهامسين فلزما الصمت وتباعدا. ظل المصلون بالمسجد ينتظرون توقف صوت الرصاص للخروج. أخرج الحجاج هاتفه وما زاد في حديثه عن جملة بدت كما لو أنها أمر بإيقاف إطلاق الرصاص. قال لهم قوموا و خرج.
فخرجوا إلى شوارع مدينة تنكرهم و ينكرونها، كأنها ما هي، كأنهم ما هم.
تقع الخطى ثقيلة على الأسفلت أو على الشوارع المتربة، و تقع الأرواح أشد ثقلا في قلوب حامليها. ابتلعت المدينة صوتها فتبكمت امحت ذاكرتها إلا من جملتين توقعان خطى السائرين: جملتان برزخيتان تقفان بك بين الموت و الحياة: دخيل الأيدي في النقار والاجتراء على أن تكون إمرأً لخباطيا.
تمر التواتشر ناهبات شوارع المدينة فيصاعد غبار كثيف فوق رؤوس الناس. بدا الغبار يصاعد و يصاعد كأنه انبعاث للمدينة من قبر. ثم فجأة تراءى لبعضهم أنه رأى صورة الكاشف في الغبار و قال آخرون إنهم رأوا قبة السني ازدادت طولا و اخضرارا، و قال بعضهم إنهم سمعوا أحمد خير يخطب وأبو اللمين يغني و تناهت إلى آخرين أصوات المشجعين في دار الرياضة و أصوات الناس عند انبلاج الفجر من جهة النيل تلاميذ و عمال و نساء و رجال يمنحون الشوارع حياتها، الشوارع المتلهفة الى الخطى غادرتها آخر الليل. لا تقوم للشوارع حياة بغير خطى.
سأل رجل رجلا آخر يسايره في الشارع: هل ترى و تسمع ما أرى و أسمع؟
تقصد حديث الخطبة؟
أي خطبة؟
خطبة اللخباطي.
أي لخباطي؟
اللخباطي الذي.. بدا كأن الرجلين ينتميان الى زمنين مختلفين و إلى مزاجين ليسا سواء: واحد عالق بلحظته الراهنة و آخر مستغرق في رؤية متحررة من سلطان وقتها. تعذر التواصل بينهما فصمتا كل واحد غرق في ذات نفسه.. في غباره.. للدقة في مدينته الحاضرة الغائبة.
فوزي بشرى
المصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
حكم تبادل التهنئة في بداية السنة الميلادية الجديدة
قالت دار الإفتاء المصرية، برئاسة الدكتور نظير عياد، إنه لا يوجد مانع شرعًا من تبادل التهنئة في بداية السنة الميلادية الجديدة؛ لما فيه من استشعار نعمة الله تعالى في تداول الأيام والسنين، وذلك مما يشترك فيه المجتمع الإنساني كله، فكان ذلك داعيًا لإبراز معاني التهنئة والسرور بين الناس.
أقوال العلماء في حكم التهنئة بقدوم الأعوام والشهوروأوضحت دار الإفتاء أن التهنئة بالسنة الميلادية الجديدة استشعار لنعمة الله في تداول الأيام والسنين؛ وذلك أن تجدد الأيام وتداولها على الناس هو من النعم التي تستلزم الشكر عليها.
وأضافت الإفتاء أن الحياة نعمة من نعم الله تعالى على البشر، ومرور الأعوام وتجددها شاهد على هذه النعمة، وذلك مما يشترك فيه المجتمع الإنساني ككل، فكان ذلك داعيًا لإبراز معاني التهنئة والسرور بين الناس، ولا يخفى أن التهنئة إنما تكون بما هو محل للسرور.
وأكدت الإفتاء أن جمهور الفقهاء نصوا على استحباب التهنئة بقدوم الأعوام والشهور:
قال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري الشافعي في "أسنى المطالب" (1/ 283، ط. دار الكتاب الإسلامي): [قال القمولي: لم أر لأحد من أصحابنا كلامًا في التهنئة بالعيد والأعوام والأشهر كما يفعله الناس، لكن نقل الحافظ المنذري عن الحافظ المقدسي أنه أجاب عن ذلك: بأن الناس لم يزالوا مختلفين فيه، والذي أراه: أنه مباح لا سنة فيه ولا بدعة. انتهى] اهـ.
وقال العلامة ابن حجر الهيتمي الشافعي في "تحفة المحتاج" (3/ 56، ط. المكتبة التجارية الكبرى): [وتسن التهنئة بالعيد ونحوه من العام والشهر على المعتمد، مع المصافحة] اهـ.
وقال العلامة القليوبي في حاشيته على "شرح المحلي على المنهاج" (1/ 359، ط. دار الفكر): [(فائدة) التهنئة بالأعياد والشهور والأعوام، قال ابن حجر: مندوبة، ويُستأنَسُ لها بطلب سجود الشكر عند النعمة، وبقصة كعب وصاحبيه رضي الله عنهم وتهنئة أبي طلحة رضي الله عنه له] اهـ.
وقالت الإفتاء إن اقوال جمهور الفقهاء بينت لنا أن تبادل التهنئة في بداية السنة الميلادية الجديدة جائز شرعًا ولا حرج فيه؛ لما فيه من استشعار لنعمة الله في تداول الأيام والسنين.