د. كاظم ناصر أعلنت دولة الاحتلال اعترافها بسيادة المملكة المغربية على الصحراء الغربية، المستعمرة الإسبانية السابقة، التي تسيطر المملكة على 80% من أراضيها، وتطالب بضمها إليها ومنحها حكما ذاتيا تحت سيادتها، في حين ترفض الحركة التحررية الصحراوية ” الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب (بوليساريو) ” الانضمام للمغرب، وتسعى لتحرير البلاد مما تراه استعمارا مغربيا، ونطالب بالاستقلال.

هذا القرار ليس مفاجئا، فالعلاقات الدافئة بين النظام المغربي وإسرائيل ليست جديدة، فقد بدأت في عهد ملك المغرب الراحل الحسن الثاني، وازدهرت في عهد محمد السادس، وتوجت بالتطبيع بين دولة الاحتلال والمغرب عام 2020 في إطار ” اتفاقيات إبراهام ” التي أدت إلى تعاون وثيق في المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية بين الطرفين.  لكن الملاحظ هو أن هذا الاعتراف الإسرائيلي بسيادة المغرب على المنطقة الذي جاء في رسالة وجهها رئيس الوزراء لإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى ملك المغرب محمد السادس يأتي في سياق التوتر بين المغرب والجزائر التي تدعم ال” بوليساريو” وقطعت علاقاتها الدبلوماسية مع المغرب عام 2021. فما الذي ستجنيه إسرائيل من الاعتراف بالسيادة المغربية على الصحراء؟ إسرائيل لها أهداف سياسية واقتصادية وأمنية وثقافية تسعى لتحقيقها كنتيجة لهذا الاعتراف الذي من المتوقع أن يعزز علاقاتها مع المغرب، ويساعدها في التغلغل في المنطقة العربية والقارة الأفريقية. فعلى الصعيد السياسي ستقوم بفتح سفارة لها في الرباط، وقنصلية في مدينة ” الداخلة ” الصحراوية تمكنها من التدخل المباشر في شؤون المغرب والصحراء السياسية، وتساعدها في كسر عزلتها السياسية والانفتاح على العديد من الدول الإفريقية، والعمل على تأجيج النزاع بين المغرب والجزائر، وتعميق الخلافات بين دول المغرب العربي. وعلى الصعيد الاقتصادي فأن التغلغل في المغرب والصحراء سيساعد إسرائيل على فك الحصار الاقتصادي العربي من خلال توسيع شبكة العلاقات التجارية مع المغرب والأسواق الإفريقية لتصدير منتجاتها، وحصولها على المواد الخام لصناعاتها، وتعزيز سيطرتها شبه الكاملة على استخراج وتجارة الألماس، واستحواذها على المعادن والاستثمار في الزراعة. أما على الصعيد الأمني فإن تدخل إسرائيل في ملف الصحراء في هذا الوقت يهدف إلى مساعدة المملكة المغربية عسكريا واستخباراتيا لبسط نفوذها على منطقة الصحراء، وإلى تأجيج الخلافات بين دول المغرب العربي، وتهديد الأمن القومي العربي بزعزعة أمن واستقرار بلدان شمال إفريقيا، خاصة أمن الجزائر التي قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع المغرب، وتدعم الشعب الفلسطيني ومقاومته وترفض التطبيع مع دولة الاحتلال. أما على الصعيد الثقافي فإن إسرائيل تطمح إلى تحقيق تغلغل ثقافي في المغرب ودول شمال إفريقيا عن طريق إحياء الثقافة اليهودية في المغرب، ومن خلال السياحة والاتصالات المباشرة بين الإسرائيليين من أصول مغربية والشعب المغربي، وإعادة ترميم المعابد والأماكن الأثرية اليهودية. ولهذا فإن اعتراف إسرائيل بسيادة المغرب على الصحراء الغربية يتماشى مع استراتيجيتها الرامية لتأجيج النزاعات البينية العربية، وتمزيق الوطن العربي وإخضاعه لإرادتها!

المصدر: رأي اليوم

كلمات دلالية: على الصحراء على الصعید مع المغرب

إقرأ أيضاً:

لماذا فجّرت إسرائيل اتفاق وقف إطلاق النار ؟

زعمت إسرائيل أنّها استأنفت حربها على غزّة بسبب رفض حماس التوصل إلى صفقة لإعادة الأسرى الإسرائيليين لديها.

هذا الزعم لا يعدو أن يكون دعاية كاذبة تمامًا، حتى لو دعمته الولايات المتحدة الأميركية؛ في سياق دعمها الحرب الإسرائيلية على غزّة، ابتداء واستمرارًا وتجددًا، لا فرق في ذلك بين إدارتَي بايدن وترامب.

يكفي التذكير بأنّ إسرائيل استعادت عددًا كبيرًا من أسراها بوقف إطلاق النار، لا بإطلاق النار، ولا ينبغي أن نكون في حاجة إلى تصريحات أدلى بها وزير الحرب السابق يوآف غالانت، وقال فيها إنّ الصفقة التي أبرمت مع حماس في يناير/ كانون الثاني 2025، كان يمكن إنجازها قبل ذلك بشهور، وبشروط أفضل لصالح الإسرائيليين لولا تعنّت بنيامين نتنياهو.

إذا ضممنا تصريحات غالانت هذه إلى السلوك الإسرائيلي منذ إبرام الاتفاق، يتأكد أنّ إسرائيل لم تكن تريد إلا استعادة أسراها، ثم استئناف الحرب بطابعها الإبادي، فقد امتنعت عن الالتزام بملفات أساسية مترتبة عليها بموجب الاتفاق، كإدخال المساعدات والمساكن المؤقتة، والبدء بمفاوضات المرحلة الثانية، والتي يفترض بحسب الاتفاق أن تفضي إلى الإفراج عن بقية الأسرى الإسرائيليين على أساس مفاتيح تفاوضية جديدة مختلفة عن مفاتيح المرحلة الأولى.

إعلان

ولم تكتفِ إسرائيل بالامتناع عن تنفيذ ما يترتب عليها من استحقاقات المرحلة الأولى، ولكنها وبعد استعادتها العدد الكبير من أسراها، سعت إلى تفريغ الاتفاق من مضمونه بوصفه وقف إطلاق نار، وتحويله إلى مجرد اتفاق تبادل أسرى لا يترتب عليه وقف إطلاق نار وانسحاب قوات، ودعمتها في ذلك الولايات المتحدة الأميركية.

يتأكد بهذا أنّ المشكلة طوال فترة الحرب، كانت في الإرادة الإسرائيلية التي تفصل ملف الأسرى عن استمرار الحرب، فهي تريد أسراها ولكن دون وقف الحرب، فحتى لو تنازلت حماس عن جميع الأسرى الإسرائيليين، بشرط وقف الحرب فقط بلا أيّ مطالب بالإفراج عن أسرى فلسطينيين، فإنّ هذا لن يكون مقبولًا إسرائيليًّا، وقد تأكد هذا الأمر، حتى صار حقيقة ظاهرة الآن.

وهو ما يستوجب إعادة تقييم الحرب والنوايا الإسرائيلية بخصوصها بمعزل عن سلوك حركة حماس وخياراتها، فإسرائيل لا تريد أن تبقي للفلسطينيين أي خيارات، ولو كان الاستسلام منها، ويضاف إلى ذلك، المسألة المتعلقة بما يسمى اليوم التالي، فقد وافقت حركة حماس على المقترح المصري القاضي بتشكيل لجنة إسناد تدير قطاع غزّة لا تكون حماس جزءًا منها، وقَدَّم العرب خطتهم لإعادة إعمار غزة، إلا أنّ الرفض يأتي من إسرائيل والولايات المتحدة، وربما دول في الإقليم لا ترحب بانتهاء الحرب دون هزيمة حماس والمقاومة الفلسطينية بنحو لا يحتمل الالتباس!

، بقطع النظر عن وتيرتها وأدواتها، فعلى الأقل، ظلت أدوات التجويع وحرمان الفلسطينيين من أسباب الصمود، معتمدة إسرائيليًّا طوال المرحلة الأولى، ومن المؤكد أنّها كانت سوف تستمر على سياسة الابتزاز بالمساعدات والمساكن المؤقتة وإعادة الإعمار، في حال استمر الاتفاق، وهي إجراءات عدوانية ذات طابع حربي غير منفك عن سياسات الإبادة والتهجير.

لا يمكن فصل السياسة الإسرائيلية في قطاع غزّة عنها في مجمل المشهد الإقليمي، فإذا كانت تنتهج التمدد في سوريا ولبنان، مع استمرار العدوان على البلدين، وبالرغم من أنّ الإدارة الجديدة لسوريا ليس لها سابق اشتباك مع الاحتلال، وأبدت امتناعًا في بعض الأوقات حتى عن النقد الخطابي الحاد للعدوان الإسرائيلي على سوريا، وبقدر وصفه حتى بعض محبيها بالمبالغة والإفراط في الطمأنة، فكيف يمكن لها أن تنسحب في هذه اللحظة التاريخية من قطاع غزّة؟!

إعلان

لقد قامت السياسة الإسرائيلية الاستعمارية تاريخيًّا على فرض الوقائع وتكريسها، ثم الارتكاز إلى هذه الوقائع في أي جهد تالٍ، سواء كان حربيًّا أم تسوَوِيًّا.

وإذا كانت هذه هي السياسة الإسرائيلية في الإقليم، فكيف بالضفة الغربية، التي تقود فيها إسرائيل حملة أمنية مكثفة تتسم بالعمق والطول أفضت إلى تهجير عشرات آلاف الفلسطينيين من مخيمات شماليّ الضفة الغربية، دون أن يعارضها أيّ موقف جاد إقليميّ أو دوليّ.

وبما أنّ الإبادة على غزة طوال خمسة عشر شهرًا لم تواجه في المقابل بمعارضة إقليمية ودولية جادة، وتاليًا سياسات التهجير والتدمير في الضفة الغربية بالرغم من انتفاء ذريعة حماس والسابع من أكتوبر/ تشرين الأول، وكل الدعايات الإسرائيلية التي أسست بها حرب الإبادة على غزّة؛ فإنّ العودة إلى الحرب على غزة ممكنة، مهما كانت أكلافها على الغزيين، فقد استشهد في القليل من الساعات أكثر من 400 فلسطيني، وأصيب أكثر من 500، والدعم الأميركي للعودة الحربية بطابعها الإبادي مضمون، كما هو واضح الآن.

لا ينفصل الأمر عن السياسات الإسرائيلية الداخلية، ومنها هروب بنيامين نتنياهو المستمر من الملاحقة القضائية، والمساءلة عن القصور فيما يتعلق بيوم السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، وآخر تجليات ذلك صراعه مع رئيس "الشاباك" رونين بار.

بيدَ أنّ هذه الاعتبارات الداخلية، جزء من مشهد أكبر، وهو صراع اليمين الإسرائيلي على الإمساك بمفاصل الكيان الإسرائيلي، وهو ما يحتاج التغطي بهذه الحرب، وبهذا يمكن تفسير عودة حزب "عظمة يهودية" بزعامة إيتمار بن غفير لحكومة بنيامين نتنياهو، وقد تبين أنّ اتفاق العودة هذا قد أنجز بين الطرفين قبل خمسة أيام من استئناف الحرب الإسرائيلية الإبادية من جديد على الفلسطينيين في قطاع غزّة.

تتداخل هنا مشاريع اليمين الإسرائيلي الداخلية، والرؤى الإستراتيجية للكيان الإسرائيلي، مع هواجس بنيامين نتنياهو الشخصية، والذي يسعى إلى اطمئنان أكبر بشأن تماسك ائتلافه الحاكم، بالنظر إلى المخاوف من الأحزاب الحريدية المتحالفة معه، والتي قد تتخذ، أو يتخذ نواب منها في الكنيست، قرارات بالتصويت ضد الميزانية المقترحة أو ضدّ قانون التجنيد.

إعلان

لقد شعرت إسرائيل طوال حربها على غزة، ثم نقلها تاليًا إلى الضفة الغربية، والدفع بها نحو الجوار الإقليمي، أنها مطلقة اليد، ففي الوقت الذي استأنفت فيه الحرب الإبادية على غزة، وسّعت حملتها الأمنية والعسكرية على شمالي الضفة الغربية لتشمل نابلس ومخيماتها.

وهو ما يعني أنها قد تنتقل تاليًا بالكثافة نفسها إلى مناطق أخرى في الضفة كانت طوال السنوات الأخيرة أكثر هدوءًا، وهو أمر يندرج من جهة في خطة اليمين الداخلية فيما يخص السيطرة على مفاصل الكيان، والاستعمارية فيما يخص سياسات الضمّ والتهجير، وفي الرؤى الإستراتيجية الإسرائيلية التي ترى أنّ هذه فرصة تاريخية لتكريس وقائع جديدة وتجديد الهيمنة الإسرائيلية، وما دامت مطلقة اليد، فما الذي يمنعها من تجديد حربها، وما الذي يحول دون أن يستخدم نتنياهو دماء الغزيين لتقوية تحالفه وتمرير قانون الموازنة؟!

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • هل يطوى النزاع نهائياً؟ مركز أمريكي: ترامب يدرس إنهاء مهام المينورسو في الصحراء بعد فشلها في مهمتها رغم صرف المليارات
  • لماذا جددت إسرائيل غاراتها على غزة؟
  • اتحاد المغرب العربي بعد 36 عام إلى أين؟
  • لماذا أنهت إسرائيل وقف إطلاق النار في غزة؟
  • البرلمان العربي يدين بشدة استئناف إسرائيل العمليات العسكرية في غزة
  • عباس صابر يزور مصابي حادث الصحراء الغربية بمستشفى رأس الحكمة والعلمين
  • لماذا فجّرت إسرائيل اتفاق وقف إطلاق النار ؟
  • البرلمان العربي: إسرائيل تمارس جريمة حرب مكتملة الأركان
  • تبون يمنع الموز على الجزائريين بعد حظر الإستيراد من البلدان التي تدعم مغربية الصحراء
  • لماذا استأنفت إسرائيل الحرب على غزة؟