يمر اليمن بأوضاع غير مستقرة على المستوى المالي والنقدي وفي ظل ضبابية الدعم الدولي مع اضطراب الممرات المائية ومواصلة مهاجمة الحوثيين السفن المتجهة لدولة الاحتلال في البحر الأحمر، سواء المعلن منها كمنح خارجية مقدمة للبنك المركزي اليمني، أو على مستوى التمويلات التي تخصص للمشاريع التنموية والمؤسسية والإنسانية.

 

وسارعت السعودية إلى تخصيص 250 مليون دولار هي الدفعة الثانية من المنحة التي أعلنت تقديمها لليمن في منتصف العام الماضي من إجمالي مليار دولار، حيث تشهد مناطق إدارة الحكومة المعترف بها دولياً انهياراً متجدداً للعملة المحلية مع تسجيل تهاوي الريال لمستوى قياسي بتجاوزه 1625 ريالاً للدولار الواحد لأول مرة منذ عامين.

 

وذكرت مصادر مطلعة، فضلت عدم الإشارة لهويتها، لـ"العربي الجديد"، أن العدوان الإسرائيلي على غزة، واضطراب الممرات المائية في البحر الأحمر وباب المندب، تسببا في تأخير إتاحة المنحة السعودية للاستخدام من قبل الحكومة اليمنية والبنك المركزي في عدن.

 

ولفتت إلى أن ذلك أثر على الترتيبات المتعلقة بتخصيص المنحة وارتباطها بالتحركات التي كانت تجري قبل 7 أكتوبر/ تشرين الأول للتوصل إلى اتفاق بين السعودية والحوثيين برعاية الوساطة العمانية، والتي تتضمن مساراً آخر موازياً للتوافق بين الأطراف اليمنية التي كان هناك تأخير في الإعلان عن توصلها لخريطة طريق برعاية المبعوث الأممي والذي يعد بمثابة إطار تمهيدي للتسوية السياسية.

 

أزمة عميقة

 

رئيس مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي مصطفى نصر، أوضح في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن هناك أزمة عميقة في النقد الأجنبي داخل الأسواق اليمنية، في حين ما تم استخدامه من الوديعة السعودية خلال الفترة الماضية لا يغطي احتياجات السوق المحلي في ظل أزمة سيولة تتزامن مع شح غير مسبوق في احتياطيات الحكومة من العملات الأجنبية، مشيراً إلى أن اقتراب شهر رمضان يشكل ضغطا واسعا على الأسواق المحلية والنقد الأجنبي من قبل التجار للاستيراد.

 

وأكد رئيس الحكومة اليمنية الذي تم تعيينه أخيراً أحمد بن مبارك أن الدفعة من المنحة التي أعلنت السعودية إتاحتها للاستخدام والبالغة 250 مليون دولار سيتم تخصيصها لدعم مرتبات وأجور ونفقات التشغيل والأمن الغذائي.

 

وحدد مجلس القيادة الرئاسي مجموعة من الأولويات العاجلة التي ينبغي أن تضطلع بها حكومة بن مبارك خلال المرحلة المقبلة عقب إجراء تغيير على مستوى رئاستها، والتي تتضمن معالجة الملف الاقتصادي، والأوضاع المعيشية، مع التركيز على ضرورة وفاء الدولة بالتزاماتها الحتمية، بما في ذلك انتظام دفع رواتب الموظفين، وتحسين الخدمات الأساسية.

 

الباحث الاقتصادي والمصرفي وحيد الفودعي، رأى في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن سعر الصرف السائد في السوق الموازي خلال الفترة الراهنة مبالغ فيه، كما أن الصعود الأخير قبل تغيير رئيس الحكومة لم يكن طبيعياً أيضاً، وخصوصاً أنه شهد ارتفاعاً قياسياً في قيمة الريال السعودي خلال أقل من أسبوع.

 

يأمل الفودعي باستقرار الصرف عند وضعه الحقيقي خصوصاً بعد الإعلان عن استلام البنك المركزي الدفعة الثانية من دعم الموازنة والذي يعد مؤشراً جيداً ويعطي نوعاً من الاطمئنان للمتعاملين في سوق الصرف، ويساعد الحكومة على الوفاء بالتزاماتها الحتمية وبنكها المركزي على الاستمرار ببيع الدولار عن طريق المزادات الأسبوعية لتمويل جزء من فاتورة الاستيراد.

 

وضع خطير

 

في السياق، حذر خبراء اقتصاد ومؤسسات دولية من خطورة الوضع الراهن الذي يمر به اليمن والذي دفع لإجراء تغيير على مستوى رئاسة الحكومة، مطالبين بضرورة تفعيل وفرض أجهزة الدولة لتمارس نفوذها ودورها الحقيقي في إدارة المؤسسات العامة ووضع يدها على القطاعات الإيرادية بما يؤدي إلى استعادة الموارد العامة للدولة وإعادة الدورة النقدية.

 

شرح الفودعي في هذا الجانب أن المرحلة الراهنة التي يمر بها اليمن تحتاج إلى تقييم شامل يعيد تشخيص الوضع الراهن وتحديد متطلبات استعادة موارد الدولة، والتي أصبحت أخيراً تشمل إلى جانب الرسوم الضريبية والجمركية، إعادة تصدير المورد الاقتصادي الوحيد المتمثل بالنفط، إضافة إلى بقية القطاعات الإنتاجية بما يؤدي إلى تعزيز الثقة بالاقتصاد اليمني.

 

وكان وفد من خبراء البنك الدولي قد زار عدن، العاصمة المؤقتة للحكومة المعترف بها دولياً، خلال الفترة الماضية لمناقشة مستوى تنفيذ الحكومة اليمنية برنامج الإصلاحات الشاملة في الجوانب الاقتصادية والمالية والنقدية والإدارية، ومستوى الإجراءات التصحيحية في القطاع المصرفي.

 

وعلمت "العربي الجديد" أن وفد البنك الدولي الذي زار عدن قبل أحداث 7 أكتوبر/ تشرين الأول والعدوان الإسرائيلي على غزة، طالب الحكومة اليمنية بمكافحة الفساد في مؤسسات الدولة، وتفعيل الأجهزة الرقابية لتعزيز الشفافية في إدارة المال العام والمشاريع الحكومية، إضافة إلى أهمية استعادة الموارد العامة وتنظيم أداء المؤسسات الاقتصادية الإيرادية، وتشديد الإجراءات الهادفة لضبط الإنفاق الحكومي وتأمين الموارد من مصادر غير تضخمية.

 

بالمقابل، أشار خبراء الاقتصاد إلى أن تضخم الإنفاق الحكومي بمثابة ثقب أسود يلتهم الموارد المتاحة مع توسع الهدر المالي كمشكلة مزمنة لا حلول لها حتى الآن، إضافة إلى عشوائية النمو الاقتصادي بالنظر إلى تفاوت النمو من قطاع لآخر، إذ إن هناك قطاعات حققت نمواً نسبياً، مثل التجارة والزراعة والأشغال العامة والإنشاءات، بمقابل انكماش في قطاعات أخرى مثل الصناعة والصيد البحري.

 

تنافس وصراع

 

المحلل الاقتصادي إبراهيم عبيد، لفت في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن هناك تنافسا شديدا وصراعا واسعا تشهده محافظة حضرموت بسبب موقعها الجغرافي نتيجة قربها من الحدود الشمالية للمملكة العربية السعودية، إذ إن هناك توجها لمنحها استقلالية تامة في إدارة شؤونها ومواردها وموانئها وحقولها النفطية، لافتاً إلى اختلاف الوضع في سقطرى، الأرخبيل اليمني الشرقي الذي يشهد نفوذا إماراتيا واسعا واستثمارات تركز على السياحة بدرجة أساسية.

 

بدوره، أوضح الباحث الاقتصادي رشيد الحداد، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن إضعاف مؤسسات الدولة ونزع قبضتها في مناطق حكومة عدن تسبب في فقدان مختلف الموارد العامة المتاحة التي تمكنها من التعامل مع سوق الصرف حيث لا توجد على الأرض في المحافظات الجنوبية، إذ ينازعها المجلس الانتقالي الجنوبي السيطرة عليها.

 

وتجد الحكومة اليمنية صعوبة بالغة في وضع يدها على موارد وأجهزة السلطات المحلية في المحافظات التي يفترض وقوعها تحت إدارتها بالرغم من تزايد الأنشطة الاقتصادية والحركة التجارية في بعض المحافظات، مثل المهرة، أقصي شرقي اليمن، المتاخمة لسلطنة عمان، والتي أصبحت نقطة عبور رئيسية للتجارة البحرية والتجارة عبر الحدود.

 

كما تشهد تزايد حجم الحركة البحرية والتدفقات التجارية عبر الحدود البرية مع سلطنة عمان بشكل ملحوظ خلال السنوات الماضية، وهو ما مكنها من زيادة النشاط التجاري من ضرائب الاستيراد المحصلة محلياً وعائدات الجمارك، في حين أوقفت سلطتها المحلية تحويل الإيرادات إلى البنك المركزي اليمني في عدن.


المصدر: الموقع بوست

كلمات دلالية: اليمن اقتصاد البحر الأحمر العملة المحلية الحکومة الیمنیة العربی الجدید إلى أن

إقرأ أيضاً:

انهيار صناعة السفن الأمريكية وصعود العملاق البحري الصيني.. ماذا يعني هذا للعالم؟

سلطت مجلة "نيوزويك" الضوء على التراجع الكبير في صناعة السفن الأمريكية في مقابل النمو الهائل للصين كقوة بحرية؛ حيث تتزايد الفجوة بين الدولتين في مجال بناء السفن مع تزايد الهيمنة الصينية العالمية في هذا القطاع.

وقالت المجلة، في تقرير ترجمته "عربي21"، إن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يسعى لإعادة تنشيط صناعة السفن الأمريكية المتراجعة؛ حيث أعلن في خطابه أمام الكونغرس الأسبوع الماضي عن إنشاء مكتب بحري جديد في مجلس الأمن القومي لتنشيط بناء السفن العسكرية والتجارية على حد سواء.

ويأتي ذلك بالتزامن مع تقرير نشره هذا الأسبوع مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية، وهو مركز أبحاث في واشنطن، يسلط الضوء على مكانة الصين كلاعب مهيمن عالميًا في مجال بناء السفن، مما يشكل تحديات اقتصادية وأمنية للولايات المتحدة.


وأشارت المجلة إلى أن البحرية الأمريكية تمتلك أربعة أحواض بناء سفن عامة نشطة فقط، بينما تمتلك الصين ما لا يقل عن 35 موقعًا معروفًا بصلته بالمشاريع العسكرية أو مشاريع الأمن القومي في هذا المجال، وفقًا لباحثي مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، الذين حللوا 307 من أحواض بناء السفن الصينية، وجميعها "تعمل بتوجيهات من الدولة".

وقد وصف تقرير وزارة الدفاع الأمريكية السنوي حول القوة العسكرية الصينية، الصادر نهاية السنة، البحرية التابعة لجيش التحرير الشعبي الصيني بأنها الأكبر في العالم "بقوة قتالية تزيد عن 370 سفينة وغواصة، بما في ذلك أكثر من 140 سفينة حربية سطحية رئيسية".

وأفاد مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية السنة الماضية بأن البحرية التابعة لجيش التحرير الشعبي الصيني تشغل 234 سفينة حربية، مقارنةً بـ 219 سفينة تابعة للبحرية الأمريكية، وتتمتع الولايات المتحدة بميزة في الطرادات والمدمرات المزودة بصواريخ موجهة، بالإضافة إلى الحمولة الإجمالية، بفضل أسطولها المكون من 11 حاملة طائرات، مقابل ثلاث حاملات للصين.

ومع ذلك؛ قال مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية هذا الأسبوع إن الصين في طريقها للوصول إلى أسطول من 425 سفينة بحلول عام 2030، مقارنة بـ300 سفينة تمتلكها البحرية الأمريكية.

وأكدت المجلة أن تضاؤل النفوذ البحري الأمريكي إلى جانب تنامي حجم البحرية الصينية وقوتها يشكل تحديات كبيرة للاستعداد العسكري للولايات المتحدة وحلفائها في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.

وقال مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية إن أكبر شركة بناء سفن مملوكة للدولة في الصين، وهي شركة بناء السفن الحكومية الصينية، قامت ببناء سفن تجارية في عام 2024 أكثر مما بنته صناعة السفن الأمريكية بأكملها منذ الحرب العالمية الثانية.

وأوضحت المجلة أن بكين قامت بدمج الإنتاج التجاري والعسكري في العديد من أحواض بناء السفن التابعة لها، مما أتاح لبحرية جيش التحرير الشعبي الصيني الوصول إلى البنية التحتية والاستثمار والملكية الفكرية الخاصة بالعقود التجارية.

وقال مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية إن الشركات الأجنبية، بما في ذلك شركات من دول حليفة للولايات المتحدة، اشترت 75 بالمئة من السفن التي بنيت في أحواض بناء السفن الصينية ذات الاستخدام المزدوج، مما منح البلاد إيرادات وخبرات تكنولوجية.

وعلى النقيض من ذلك، أغلقت البحرية الأمريكية خلال العقود السابقة عددًا من أحواض بناء السفن العامة التي كانت تديرها، والتي كانت حيوية للمجهود الحربي الأمريكي في الحرب العالمية الثانية.


وأفادت المجلة بأن تقريرا للكونغرس الأمريكي لعام 2023 سلط الضوء على تضاؤل قدرات الولايات المتحدة في بناء السفن؛ حيث ذكر أن أحواض بناء السفن الأمريكية كانت تبني في سبعينيات القرن الماضي حوالي 5 بالمئة من حمولة السفن في العالم - أي ما يصل إلى 25 سفينة جديدة في السنة - ولكن بحلول الثمانينيات، انخفضت هذه النسبة إلى المعدل الحالي البالغ حوالي خمس سفن في السنة.

وفي الوقت نفسه، كشفت إحاطة مسربة للبحرية الأمريكية أن قدرة الصين على بناء السفن كانت أكبر بـ 232 مرة من قدرة الولايات المتحدة.

وختمت المجلة بأن التقرير الصادر عن مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية بعنوان "حروب السفن"، أوصى بضرورة اتخاذ الولايات المتحدة إجراءات حاسمة للتصدي للتحديات الأمنية والاقتصادية متعددة الأوجه التي تفرضها صناعة بناء السفن الصينية، مؤكدًا أن التجارب السابقة في صناعات مثل الألواح الشمسية وبطاريات السيارات الكهربائية، حيث تم إقصاء الشركات الأمريكية والحليفة بالكامل تقريبًا من السوق بسبب التصنيع الصيني منخفض التكلفة، تقدم تحذيرات واقعية لما يمكن أن يحدث في صناعة بناء السفن.

مقالات مشابهة

  • وزارة الإعلام : نؤكّد أنّ هذا الاعتداء يُعد انتهاكاً صارخاً للقوانين والأعراف الدولية التي تكفل حماية الصحفيين خلال أداء مهامهم، وندعو الدولة اللبنانية إلى تحمل مسؤولياتها في محاسبة الجناة
  • نائبة تستعرض طلب مناقشة حول سياسة الحكومة في أدوات التمكين الاقتصادي
  • تناول استطلاعات عن عدد من المناطق اليمنية: صدور العدد الجديد من مجلة »اليمنية« السياحية الثقافية
  • وزير الدفاع يبلغ الحكومة الفرنسية: القوات المسلحة بمختلف تشكيلاتها تعمل بانسجام تام من خلال هيئة العمليات المشتركة وتأمين الملاحة الدولية مرهون بدعمها
  • الريال اليمني يعود للهبوط مجددا بعد فترة من الاستقرار النسبي: آخر تحديث
  • الريال اليمني يواصل الانهيار مجددًا أمام العملات الأجنبية في عدن وصنعاء
  • البيت الأبيض: حان الوقت لإنهاء تهديدات الحوثيين للأمن الاقتصادي
  • الريال اليمني يفتتح تعاملات الأسبوع بسعر صرف مفاجئ: تحديث مباشر
  • انهيار صناعة السفن الأمريكية وصعود العملاق البحري الصيني.. ماذا يعني هذا للعالم؟
  • الريال اليمني ينهي تعاملات الأسبوع بسعر مفاجئ أمام الدولار والسعودي.. آخر تحديث