السفير علي محسن حميد كان ١٧ يوليو/تموز ١٩٧٨ اليوم اعتلى فيه علي عبد الله صالح عرش الجمهورية في اليمن كارثيا في الحسابات الوطنية وعملا محسوبا بعناية لإخفاء ملف اغتيال الرئيس إبراهيم الحمدي وشقيقه عبد الله وعلي قناف زهرة والشمسي وثالثا لإرواء عطشه الشديد للثروة وتطلعه للجاه وللسلطة. عبر صالح في اغسطس عام ١٩٩٠ عما كان يخفيه بقوله أنه سيحكم اليمن لخمسين عاما.
بمعنى أنه وضع وثائق الوحدة ومبادئ الجمهورية والديمقراطية ومنها التداول السلمي للسلطة تحت نعليه. ولإخفاء أطراف الإغتيالات الآنفة الذكر ولأهدفها وأصحاب المصلحة فيها لم يكن هناك من هو أقدر من صالح على القيام بذلك. تلك الاغتيالات كانت على كل لسان وعلى لسان فلاحة أمية في قرية من قرى بعدان عام ٢٠١٠ ولم ينكرها من سمع رصاصات اغتيال الأخوين الحمدي من الذين حضروا مأدبة الدم والغدر في منزل الغشمي وقد حدث أنه من خوف أحدهم ورعبه تبول على بنطلونه وعلى الكرسي، ولكن كما هو ديدن السياسي العربي عمل هؤلاء جميعا مع المجرمَين الرئيسيين وكأن شيئا لم يكن. بُعيد اغتيال الغشمي، المجرم الأول، في ٢٤ يونيو ١٩٧٨ فرض الثاني، أي صالح ، نفسه كرئيس بالقوة بانتقاله الخاطف من تعز إلى صنعاء واحتلاله مكتب رئيس
مجلس القيادة وتصرفه كحاكم عسكري وإرساله رصاصة بداخل ظرف إلى القاضي عبد الكريم العرشي الذي سد الفراغ الرئاسي وأصبح قائما بأعمال الرئاسة لكي لا تسول له نفسه ترشيح نفسه لمنصب الرئيس. ولتعبيد طريقه نحو
السلطة والثروة كان من خطواته الأولى فرض إقامة جبرية على رئيس أركان القوات المسلحة المقدم علي الشيبة استمرت لثلث قرن ولم تنته إلا عام ٢٠١١ عام ثورة الشباب الشعبية السلمية التي أطاحت بصالح وبأسرته من السلطة. اعترض الشيخ الأحمر على الترشيح السعودي لصالح للرئاسة خلفا للغشمي ليس من باب الالتزام بما أسمته حركته ،حركة خمسة نوفمبر ١٩٦٧ الانقلابية، ب احترام ” الذات اليمنية” أو الحرص على استقلال القرار الوطني ولكن لأمور تتعلق فقط بشخص صالح وسيرته ، وقد انصاع الشيخ في النهاية للقدر السعودي الذي لايرد حتى اليوم . بعد أن استمرأ صالح السلطة كان لابد من نسج أسطورة إيثاره حتى النخاع لمصلحة الوطن واختراعه أكذوبة” الكفن” الذي حمله بيديه لإنقاذ الوطن بعد أن تخلى عنه غيره ورفض تولي منصب الرئيس.هذا الإيثار ترجمه بسرعة البرق عندما أصبح شريكا بدون مساهمة مالية منه في مزرعة رصابة لإنتاج الألبان في محافظة ذمار .والحقيقة هي أن لا”كفن” ولايحزنون وإنما استخفاف بذكاء الناس. سألت وزير الدفاع الراحل اللواء محمد ضيف الله في القاهرة عام ٢٠١٠ لأستوثق من معلومة ذكرها السيد رياض نجيب الريس ، تنفي على لسان صالح نفسه حكاية الكفن، في كتابه ” رياح الجنوب”وهي أن صالح قال للريس بأن ضيف الله هو الذي رشحه للرئاسة في اجتماع عسكري. نفى ضيف الله أولا أكذوبة “الكفن” وثانيا عبر عن ندمه على ترشيحه لصالح ولام الرافضين للمنصب وذكر منهم الراحل عبد العزيز عبد الغني. مرحلة الإفساد والدم : من بدأ حياته باسترخاص حياة ضحاياه نجح بامتياز في تدجين بعض النخب لتكون قوته الناعمة. هذه النخب كانت ولاتزال من أهم إنجازات الثورتين اليمنيتين وقدصمت بعضها وأصبح جزء من الواقع والسلطة يفسر ويبرر ويدافع، وصوتا وقلما وأحيانا أذنا وأعينا لنظام صالح، يحب من يحب ويعادي من يعادي. ولاشيئ مجانا بالطبع. شيئا فشيئا أحكم صالح قبضته على السلطة وتعاون مع القاعدة وحمى بعض قياداتها ووظفها ضد خصومه واستعان بالأفغان العرب والفارين من الإرهابيين من الإخوان المسلمين السوريين والمصريين الذين وجدوا ملاذا آمنا أيضا لدى الشيخ الأحمر. المادة ١١٦ من الدستور أوجز تجسيد لعدم ديمقراطية صالح: قُصد من هذه المادة الحيلولة دون التداول السلمي للسلطة واحتقار الديمقراطية والدستور والمؤسسات وصندوق الانتخابات في نظام جمهوري كثيرا ما زعم صالح أنه حاميه وأن صندوقه الانتخابي هو الحكم. بهذا النص غير المسبوق أحكم صالح الخناق على الجمهورية التي تمنع وبالنص نفسه أي شخص من أن يصبح رئيسا، وتمهد الطريق لتوريث السلطة لنجله لأن الشروط المستحيلة التي صاغها بإشرافه وبتوجيهه” قانونيين” فصلوه على مقاس مصالح الأسرة السلطوية. يقول نص المادة ١١٦ مايلي ” في حالة خلو منصب رئيس الجمهورية أو عجزه الدائم عن العمل يتولى مهام الرئاسة مؤقتا نائب الرئيس لمدة لاتزيد عن ستين يوما من تاريخ خلو منصب الرئيس يتم خلالها إجراء انتخابات جديدة للرئيس وفي حالة خلو منصب رئيس الجمهورية ونائب الرئيس معا يتولى مهام الرئاسة مؤقتا رئاسة مجلس النواب وإذا كان مجلس النواب منحلا حلت الحكومة محل رئاسة مجلس النواب لممارسة مهام الرئاسة مؤقتا ويتم انتخاب رئيس الجمهورية خلال مدة لاتتجاوز ستين يوما من تاريخ اجتماع مجلس النواب الجديد”. أغفل النص عمدا ذكر الإقالة المسببة للرئيس واعتبره معصوما ولن يرتكب خطأ واحدا في حياته وغفل النص عن ذكر تولي رئيس السلطة التشريعية منصب الرئيس مؤقتا في حالة شغور منصبي الرئيس ونائبه وهذا نص تقليدي في الدساتير.من جهة أخرى ركز النص فقط على العجز الدائم وأجاز الاستمرار في السلطة في حالة العجز الجزئي!. وفجأة، في نظام استبدادي فردي، حضرت روح القيادة” الرئاسية” المتعددة الأطراف التي تجعل النجاح في قيادة البلد مستحيلة لأن رئاسة مجلس النواب مكونة من خمسة أشخاص ومجلس الوزراء مكون من أكثر من ثلاثين وزيرا ولايمكن لهم أن يكونوا سلطة فعالة.من ناحية ثانية تم عمدا تجاهل حق رئيس مجلس النواب في تولي منصب الرئيس مؤقتا وحشر الوزراء جميعا بتكليف عجيب يباشروا بموجبه مهام الرئاسة مؤقتا.ومن العجيب أيضا مساوات رئيسي السلطتين بمرؤسيهما أعضاء المجلسين .هذه سابقة إبليسية في نص دستوري، سلطوي/ توريثي بوضوح هدفها ألا يتذوق فردما طعم السلطة ثم يطمح فيها. وهذا هو عين مانعانيه اليوم نتيجة شلل سلطة مجلس القيادة الرئاسي المكون من ثمانية لاشرعية لهم اختارتهم لنا الرياض في ابريل ٢٠٢٢. لقد افترضت المادة ١١٦ وجود مجلس نواب وقيامه بمهامه الدستورية بالتعارض مع النص نفسه الذي ذكر بأن مجلس النواب قد يكون منحلا، وإذا كان المجلس منحلا فعلا فإن فترة الستين يوما غير كافية لانتخاب رئيس جديد ومجلس نواب جديد في انتخابات حرة ونزيهة. تجدر الاشارة هنا بان الدستور لم ينص على إجراء الانتخابين في وقت واحد .ومن المفجع الذي يعبر عن خواء الديمقراطية وهامشية دور المعارضة أن الكل لم يلتفت إلى خطورة هذا النص على الديمقراطية وتأصيله للتوريث. وكان من غير الطبيعي أن أحدا لم يعترض عليه رغم ثغراته الديمقراطية الواضحة . ولكن الجميع استسلم أو قل تبلّد .كان أحد الأ صدقاء يردد أن مايهم بعض السياسيين ومن في حكمهم هو توفر ثمن الشِّركة (اللحمة) الغنمي والمداعة(الشيشة) والقات وسيارة ورصيد ونفوذ وطز بعد توفر كل هذا في كل شيئ..ذلك كان وضع الديمقراطية في عهد علي صالح التي احتُفل بها، في ١٧ يوليو/ تموز وسمي اليوم ب” يوم الديمقراطية” وبه كزعيم وطني لانظير له .لقد ترك صالح السلطة شكليا عام ٢٠١٢ واليمن دولة شبه فاشلة ومأوى للإرهابيين ومن أفقر دول العالم ومعدل وفيات الأطفال والأمهات فيها عند الولادة مرتفعا جدا لانعدام الخدمات الصحية والأمية فيها هي الأعلى في الوطن العربي. ثم بعد هذا كله وغيره يجل عن الحصر يُحتفل بزهو بسجله التدميري لكل مايتصل بالجمهورية وبالوحدة . *كاتب يمني
المصدر: رأي اليوم
كلمات دلالية:
مجلس النواب
فی حالة
إقرأ أيضاً:
مصطفى بكري: الحفاظ على الأمن القومي على رأس أولويات الرئيس السيسي
قال الإعلامي مصطفى بكري عضو مجلس النواب، إن الرئيس السيسي يواصل الليل بالنهار للعمل على مصلحة المصريين، لافتاً إلى أن الحفاظ على الأمن القومي يأتي على رأس أولويات الرئيس السيسي منذ توليه رئاسة المخابرات المصرية.
وأضاف بكري خلال تقديمه برنامج "حقائق وأسرار" على قناة "صدى البلد" أن الرئيس السيسي يواجه الفساد بكل حسم، وأننا في فترة تاريخية تمر بها المنطقة بمرحلة صعبة، الرئيس السيسي أكد على جاهزية القوات المسلحة لحماية الأمن القومي المصري في الداخل والخارج في أي وقت.
وأوضح عضو مجلس النواب، أن الجيش المصري حافظ على الدولة المصرية بعد 2011 من اختطافها من قبل الجماعة الارهابية التي أرادت تقسيم الدولةالمصرية، مشيراً إلى أن القوات المسلحة هي صمام أمان الدولة المصرية وهي المسئولة عن حماية الحدود المصرية والأمن القومي.