هل تنسحب القوات الأمريكية من العراق؟
تاريخ النشر: 14th, February 2024 GMT
سرايا - بعد مرور ما يقرب من عشر سنوات على تشكيل التحالف الدولي لمواجهة تنظيم داعش بالعراق جاء إعلان رئيس وزراء العراق محمد شياع السوداني مطلع يناير 2024 عن تشكيل لجنة ثنائية لجدولة انسحاب قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية من العراق، ليعكس الرغبة العراقية التي تتجدد بالمطالبة بانسحاب قوات التحالف الدولي الذي تشكل في عام 2014 بعد سقوط الموصل في يد تنظيم داعش، وبناء على طلب من الحكومة العراقية التي كان يرأسها نور المالكي في ذلك التوقيت.
وقد تعددت مطالبات العراق بانسحاب التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية من أراضيه كان أبرزها: عقب إعلان رئيس الوزراء العراقي الأسبق حيدر العبادي في يوليو 2017 عقب تحرير الموصل من تنظيم داعش بفضل جهود القوات العراقية ومساعدة قوات التحالف الدولي بعد توجيه ضربات قاصمة للتنظيم حيث تعالت الأصوات العراقية التي تطالب برحيل قوات التحالف الدولي ، ثم تزايدت تلك الدعوات عقب قيام الولايات المتحدة الأمريكية باغتيال قاسم سليماني قائد فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني ومعه نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي العراقي أبو مهدى المهندس في يناير 2020 في مطار بغداد، حيث اتخذ مجلس النواب العراقي قرارًا بإنهاء مهام التحالف الدولي، وهو ما جعل الولايات المتحدة الأمريكية تعلن في 17 مارس 2020 عن انسحاب الجيش الأمريكي من 3 قواعد من إجمالي ثماني قواعد لها في العراق، ثم تبعه إعلان القوات الأمريكية في العراق في 19 مارس 2020 عن تعليق جهود التدريب المشتركة بهدف مكافحة داعش لمدة 60 يومًا كإجراء احترازي بسبب أزمة كوفيد، وفى الآونة الأخيرة تجددت المطالبات العراقية برحيل قوات التحالف الدولي عقب عملية طوفان الأقصى التي نفذتها حركات المقاومة الفلسطينية في 7 أكتوبر 2023 في ظل الانحياز الأمريكي لإسرائيل ودعمها عسكريًا برًا وبحرًا وجوًا.
جدل مستمر
يشهد العراق منذ تشكيل قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية لمواجهة تنظيم داعش جدلًا مستمرًا ما بين اتجاهين رئيسيين في العراق:
الاتجاه الأول: يؤيد انسحاب القوات الأمريكية من العراق، ويتبنى ذلك الاتجاه القوى العراقية المدعومة من إيران، والتي تنادى بذلك التوجه بشكل مستمر، فعقب عملية اغتيال قاسم سليماني، طلب مجلس النواب العراقي في جلسة استثنائية في 5 يناير 2020 من الحكومة العراقية إلغاء طلب المساعدة المقدم منها إلى التحالف الدولي لمواجهة تنظيم داعش، وذلك لانتهاء العمليات العسكرية والحربية في العراق ضد التنظيم، وتحقيق التحرير والنصر وفقًا لما جاء في نص البيان. كما طلب مجلس النواب أيضًا من الحكومة العراقية العمل على إنهاء تواجد أي قوات أجنبية في الأراضي العراقية، ومنعها من استخدام الأراضي والمياه والأجواء العراقية لأي سبب كان.
أما الاتجاه الثاني يرفض انسحاب القوات الأمريكية، ويرى مؤيدو هذا الاتجاه أن الانسحاب الأمريكي من العراق ربما يسهم في تأزيم الواقع الأمني وعودة تنظيم داعش لممارسة أنشطته في العراق بعد نجاح القوات الحكومية مدعومة بجهود التحالف الدولي في الاعلان عن الموصل خالية من تنظيم داعش في يوليو 2017، ويحذر هذا الاتجاه من أن انسحاب القوات الأمريكية من العراق قد يؤدى إلى تكرار السيناريو السوري في العراق.
تحديات ماثلة
هناك العديد من التحديات المحتملة التي تواجه انسحاب القوات الأمريكية من العراق يمكن إبراز أهمها في التالي:
(*) النفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط: تمحورت استراتيجية الرئيس الامريكي الأسبق باراك أوباما في التوجه شرقًا، وذلك لمحاصرة الصعود الصيني في آسيا. والاتجاه نحو تقليل الارتباطات الأمريكية بتفاعلات الشرق الأوسط، وذلك لارتفاع تكلفة صراعاتها. وبرغم تماهى سياسة الرئيس الحالي جو بادين بالانسحاب من مناطق الصراعات، ومنها أفغانستان على سبيل المثال ،إلا أن العديد من الممارسات الأمريكية تؤكد على عودة التفاعل الأمريكي مع قضايا الشرق الأوسط، والرغبة في الحفاظ على مناطق النفوذ الاستراتيجية ودعم الحلفاء التقليديين، وهو الأمر الذى تجلى في الدعم الأمريكي المطلق لإسرائيل في عدوانها الغاشم على غزة، منذ عملية طوفان الأقصى أكتوبر 2023 واستخدام حق النقض (الفيتو) ضد كل مشروعات القوانين التي طرحت في مجلس الأمن، والتي تبنت وقف إطلاق النار، أو إدانة العدوان الإسرائيلي على غزة. كما جاء تشكيل تحالف حماية الازدهار ديسمبر 2023 بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، لحماية الملاحة والتجارة الدولية في البحر الأحمر بعد استهداف الحوثيين للناقلات والسفن التجارية، ليؤكد على محورية الإقليم في الاستراتيجية الأمريكية، ويثبت أن الحديث عن الانسحاب الأمريكي من الشرق الأوسط كان دعائيًا أكثر منه سلوك على أرض الواقع، وهو الأمر الذي يشكل أحد التحديات التي تواجه الانسحاب الأمريكي من العراق في ظل إعادة التموضع الأمريكي، والسعي لتعزيز النفوذ في منطقة الشرق الأوسط.
(*) الصراع الأمريكي – الإيراني: يمثل الصراع الأمريكي الإيراني تحديًا ماثلًا أمام الرغبة العراقية في الانسحاب الأمريكي من أراضيه، فإيران التي تعتبر العراق بمثابة الرئة الاقتصادية لها كقوة إقليمية، وترتبط بعلاقات استراتيجية سواء مع نخبته الحاكمة أو مع الفصائل العراقية المسلحة منذ سقوط نظام صدام حسين، تسعى لمواجهة الولايات المتحدة بعيدًا عن أراضيها حتى تتمكن من استكمال مشروعها النووي، لذلك أضحى العراق ساحة للتنافس بين المشروعين الأمريكي والإيراني، وهو الأمر الذى تجلي مؤخرًا في استهداف الفصائل العراقية المسلحة للعديد من مرتكزات القوات الأمريكية، والتي دخلت مرحلة نوعية بتوسيع نطاق ضرباتها العسكرية لتشمل القواعد الأمريكية خارج حدود العراق وسوريا باستهداف برج المراقبة العسكرية "تى 22" في أقصى الشمال الشرقي للأردن 28 يناير 2024. بما جعل الولايات المتحدة الأمريكية ترد بشكل انتقامي من خلال قصف مواقع للفصائل العراقية المسلحة المرتبطة بإيران أبرزها حزب الله العراقي وحركة النجباء، وقوات الحشد الشعبي. لذلك فإن تصفية الحسابات الإقليمية والدولية على الأراضي العراقية يشكل تهديدًا مستمرًا لاستقرار العراق، ودافعًا نحو توظيف الوجود الأمريكي لمواجهة إيران على أراضيه. وهو ما جعل رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني يؤكد على رفضه لأي هجوم عسكري يمس الأراضي العراقية، ومشيرًا إلى أن إنهاء مهمة قوات التحالف الدولي في العراق يهدف لنزع فتيل التوترات والصراعات في البلاد، وأنه لا مجاملة على حساب أمن وسيادة ومصالح الشعب العراقي.
(*)عودة تنظيم داعش: برغم الجهود التي بذلت من القوات العراقية ودعم التحالف الدولي للقضاء على تنظيم داعش وتمركزاته في العراق ، والتي تجلت في إعلان الموصل عام 2017 خالية من مقاتلي تنظيم داعش، واستهداف الولايات المتحدة لقيادات التنظيم والقضاء على عدد منهم، إلا أن ثمة اتجاه يرى أن هناك عودة للتنظيم، صحيح أنها ليست من خلال السيطرة على أراضي في العراق أو سوريا كما حدث عام 2014، وإنما من خلال تنفيذ عمليات إرهابية تجعل من إنهاء التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية لمهمته في العراق وفق اتجاهات عديدة أمر يحتاج للتأني حتى تتمكن القوات العراقية من استعادة قدرتها على مواجهة التنظيم من دون مساعدة خارجية. وهو ما يعنى ضرورة الاتجاه نحو إعادة إعمار المناطق التي تواجد فيها مقاتلي التنظيم في فترات سابقة، وإعادة تأهيلها وتنميتها بما يحول دون عودة التنظيم إليها مجددًا.
مجمل القول إن تجدد المطالبات العراقية بانسحاب قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية من العراق تعكس رفض العراق أن تكون أراضيه ساحة للتنافس الإقليمي والدولي بين مشروعات متضادة يسعى كل منها لتوظيف قدرات العراق في تلك المواجهة، لحماية مصالحه وخدمة أهداف مشروعه، وهو ما يرفضه الشعب العراقي ونخبته الحاكمة، بهدف الحفاظ على سيادة وأمن الهراق القومي، يعزز من ذلك الموقف عودة العراق إلى الحاضنة العربية، واستعادة عافيته الاقتصادية، وثقته في مؤسساته لمواجهة التنظيمات الإرهابية وفى مقدمتها تنظيم داعش الذي أفُلت دولته.
المصدر: وكالة أنباء سرايا الإخبارية
كلمات دلالية: القوات الأمریکیة من العراق انسحاب القوات الأمریکیة الانسحاب الأمریکی من قوات التحالف الدولی الشرق الأوسط تنظیم داعش فی العراق من خلال وهو ما
إقرأ أيضاً:
السوداني: مقتل ما يسمى والي العراق وسوريا في عملية مشتركة مع التحالف الدولي
بغداد "د ب أ": أعلن رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني القائد العام للقوات المسلحة، الجمعة، عن مقتل ما يسمى "والي العراق وسوريا" في عملية مشتركة مع التحالف الدولي.
وقال السوداني في بيان صحفي "يواصل العراقيون انتصاراتهم المبهرة على قوى الظلام والإرهاب، حيث تمكن أبطال جهاز المخابرات الوطني العراقي، بإسناد وتنسيق من قيادة العمليات المشتركة وقوات التحالف الدولي، من قتل الإرهابي عبد الله مكي مصلح الرفيعي المكنى (أبو خديجة) الذي يشغل منصب ما يسمى نائب الخليفة.
وأوضح أن الإرهابي يشغل "مسؤول اللجنة المفوضة ومسؤول مكاتب العمليات الخارجية ويعد أحد أخطر الإرهابيين في العراق والعالم".
يشار إلى أنه رغم إعلان الحكومة العراقية عن القضاء على تنظيم داعش في العراق في أواخر عام 2017 ، فإن خلايا لاتزال نشطة في العراق.
في شأن منفصل اجتمع وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين مع نظيره السوري أسعد الشيباني الذي وصل العاصمة بغداد، اليوم في زيارة رسمية هي الأولى من نوعها.
واجتمع حسين مع الشيباني في مقر وزارة الخارجية العراقية، وبحثا العلاقات الثنائية بين العراق وسوريا.
وكانت الحكومة العراقية قد أعربت عن رغبتها بالتعاون مع الحكومة السورية الجديدة وأنه أمامهما فرص كبرى في شتى المجالات الاقتصادية والاستثمارية والأمنية وغيرها.
يشار إلى أن رئيس جهاز المخابرات العراقي، حميد الشطري، قد قام في شهر ديسمبر الماضي بزيارة دمشق على رأس وفد رفيع المستوى التقى خلالها المسؤولين السوريين.