الحملة المتجدّدة على الحكومة.. من يطبّع مع الفراغ الرئاسي؟!
تاريخ النشر: 14th, February 2024 GMT
مع أنّ قرار الحكومة تعيين رئيس الأركان في الجلسة الأخيرة لم يكن مفاجئًا، إذ بدأ التحضير له منذ نهاية العام الماضي، بدفعٍ من "الحزب التقدمي الاشتراكي"، بالتوازي مع العمل على التمديد لقائد الحيش العماد جوزيف عون، إلا أنّه استُتبِع بـ"حملة واسعة" شاركت فيها قوى سياسية ترفض تسيير الحكومة لشؤون البلاد والعباد منذ اللحظة الأولى للشغور الرئاسي، وكأنّ المطلوب تكريس "الفوضى الشاملة"، التي لا تفضي سوى إلى "المجهول".
ومع أنّ الحكومة التي أحجمت منذ اليوم الأول للفراغ في رئاسة الجمهورية، عن الكثير من التعيينات خصوصًا في وظائف الفئة الأولى لغياب التوافق بشأنها، استندت هذه المرّة إلى دراسة قانونيّة معلّلة، تنطلق من كون الظروف الاستثنائية التي تمرّ بها البلاد، تتطلب ملء الشغور في هذا المنصب الحسّاس، فإنّ الأمر وصل بالبعض لحدّ اتهام مجلس الوزراء بارتكاب "جرم جنائي" يُعاقَب عليه بالسجن، كما جاء مثلاً في "مطالعة" الوزير السابق جبران باسيل.
قد يقول قائل إنّ هذا النوع من "الحملات" ليس جديدًا، خصوصًا من جانب باسيل، الذي أعلن "القطيعة" مع الحكومة منذ فترة طويلة، حتى إنّه يرفض مجرّد اجتماعها، ولو لتسيير شؤون الناس، أو لتحصين الساحة في مواجهة الحرب الإسرائيلية، فإنّها تدفع مرّة أخرى إلى طرح سلسلة من علامات الاستفهام، حول التبعات المحتملة على المسار السياسي العام، ولكن أيضًا حول منطق "التطبيع مع الفراغ"، ومن الذي يقوم به فعليًا.
ظروف استثنائية
يستغرب المؤيّدون لوجهة نظر الحكومة الهجوم القاسي الذي تعرّضت له على خلفية قرارها الأخير تعيين رئيس للأركان، بحجّة مخالفة الدستور، أو مصادرة صلاحيات وزير الدفاع، فضلاً عن التطبيع مع الفراغ الرئاسي، في حين أنّ القاصي والداني يدرك أنّ الحكومة تعبر منذ اليوم الأول للفراغ الرئاسي "بين ألغام"، بأتمّ معنى الكلمة، وتحرص على عدم القيام بأيّ خطوات يمكن أن تُفسَّر "استفزازًا" لهذه الشريحة أو تلك من اللبنانيين.
يشدّد هؤلاء على أنّ الظروف الاستثنائية التي تشهدها البلاد كانت الدافع الوحيد خلف تعيين رئيس الأركان، لأنّ الاستمرار بالوضع القائم يُعتبَر غير مقبول في الأوقات العاديّة، فكيف بالحريّ في وقت تبدو البلاد برمّتها في حالة حرب، ينذر التصعيد الإسرائيلي بتوسّعها في أيّ لحظة، ما يتطلّب جهوزية أمنية منقطعة النظير، علمًا أنّ رئيس الأركان وحده يستطيع أن "ينوب" عن قائد الجيش في أيّ ظرف قد يتطلب ذلك.
من هنا، يشدّد المدافعون عن وجهة نظر الحكومة على البعد "الوطني" للقرار، بعيدًا عن أيّ حسابات سياسية، لا تبدو حاضرة سوى في "مخيّلة" بعض المعترضين، علمًا أنّ هؤلاء يمكنهم أن يسلكوا الطريق القانونية في اعتراضهم، فيطعنوا بكل بساطة في القرار، والأكيد أنّ الحكومة لن تتأخّر في الالتزام بأيّ قرار يصدر بموجب ذلك، بل "ستخضع لأي قرار قد يصدر في حال تقديم أي طعن"، كما جاء في بيان رئيسها نجيب ميقاتي.
"تطبيع مع الفراغ"
تبقى العبارة السحرية التي تُستخدَم في الحملات، والتي "يتقاطع" حولها الخصوم، هي "التطبيع مع الفراغ"، وهي عبارة باتت مستهلكة في كلّ المفاصل والمحطات، كأن يوضع تعيين رئيس الأركان في خانة "التطبيع مع الفراغ الرئاسي"، بمعنى التعامل مع هذا الفراغ وكأنّه أمر عادي، لا يؤثّر على سائر الاستحقاق، وهو ما قد يترك انطباعًا أنّ البلاد يمكن أن تُحكَم، من دون حاجة لوجود رئيس الجمهورية، مع كل ما يثيره مثل هذا "المنطق" من جدل.
إلا أنّ المفارقة، وفق ما يقول العارفون، أنّ نغمة "التطبيع مع الفراغ" بهذا المعنى تصبح "استنسابية"، فبعض من يرفضون تعيين رئيس الأركان اليوم بحجّة "التطبيع مع الفراغ"، مع إدراكهم لعدم جواز استمرار "الشلل" في المؤسسة العسكرية، لا يرون الأمر نفسه في حالات مشابهة، بل إنّ بعض هؤلاء مثلاً كان يدعو جهارًا لتعيين قائد أصيل للجيش منعًا للتمديد للعماد جوزيف عون، كما كان يطرح رئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل مثلاً.
أبعد من ذلك، يقول العارفون إنّ من يتحمّل مسؤولية "التطبيع مع الفراغ" ليست الحكومة التي تعمل كلّ ما بوسعها لتسيير شؤون الناس في الظروف الصعبة التي يمرّ بها البلاد على كل المستويات، فهي تقوم بواجباتها البديهية في هذا المضمار، بل إنّ من يهاجمونها ليلاً نهارًا من يتحمّلون هذه المسؤولية، بتقاعسهم حتى الآن عن القيام بواجباتهم بانتخاب رئيس للجمهورية، أو حتى بفتح المجال لمثل هذا الانتخاب عبر رفض كل أشكال الحوار والتفاهم.
"انتخبوا رئيسًا ليرتاح لبنان". بضع كلمات قالها رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ردًا على الحملات، قد تختصر بحدّ ذاتها الرسالة التي أراد إيصالها. ليست الحكومة من يطبّع من الفراغ، وليست من يتحمّل مسؤولية إطالة أمد هذا الفراغ، بل إنّ المسؤولية هي عاتق نوابٍ "يطبّعون مع الفراغ" بصدّهم كلّ محاولات إنهائه، عبر التفاهم على انتخاب رئيس، من شأنه أن يؤدي تلقائيًا إلى انتظام المؤسسات الدستورية، وهنا بيت القصيد!
المصدر: خاص "لبنان 24"
المصدر: لبنان ٢٤
إقرأ أيضاً:
خبير دولي: قطع إسرائيل الكهرباء عن غزة جريمة حرب مكتملة الأركان
وصف الدكتور محمد محمود مهران، المتخصص القانون الدولي وعضو الجمعيتين الأمريكية والأوروبية للقانون الدولي، قرار إسرائيل قطع الكهرباء عن قطاع غزة خلال شهر رمضان المبارك بأنه جريمة حرب مكتملة الأركان وإمعان في الإذلال وانتهاك الكرامة الإنسانية، مشيداً بموقف مصر الرافض لهذه الممارسات الإسرائيلية.
وأشار الدكتور مهران في تصريح صحفي إلى أن قرار إسرائيل قطع الكهرباء عن قطاع غزة يمثل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي الإنساني وتحديداً اتفاقية جنيف الرابعة التي تحظر العقاب الجماعي ضد السكان المدنيين وتلزم قوة الاحتلال بتوفير الاحتياجات الأساسية لهم.
وقال إن توقيت هذا القرار مع حلول شهر رمضان المبارك ينطوي على استهتار واضح بالقيم الدينية والإنسانية، ويعكس سياسة ممنهجة للإذلال والترهيب، لافتا الي ان قطع الكهرباء في هذه الأيام المباركة يحرم المدنيين من أبسط حقوقهم في ممارسة شعائرهم الدينية بكرامة.
وأشاد أستاذ القانون الدولي بموقف مصر الذي جاء في بيان وزارة الخارجية، مؤكداً أن إدانة مصر لقطع الكهرباء عن غزة تعكس التزامها الثابت بالدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني ورفض سياسات العقاب الجماعي، مشددا علي ان موقف مصر يستند إلى أسس قانونية راسخة في القانون الدولي الإنساني.
وشرح مهران الأبعاد القانونية للقرار الإسرائيلي قائلاً: المادة 33 من اتفاقية جنيف الرابعة تحظر بشكل قاطع العقوبات الجماعية وجميع تدابير التهديد أو الإرهاب، كما بين أن المادة 55 تلزم دولة الاحتلال بتزويد السكان بالمؤن الغذائية والإمدادات الطبية، وهي مهام يستحيل القيام بها دون توفر الكهرباء.
وأضاف أن قطع الكهرباء عن المستشفيات ومحطات تحلية المياه ومرافق الصرف الصحي يمثل تهديداً مباشراً لحياة مئات الآلاف من المدنيين، وهو ما قد يرقى إلى مستوى الإبادة الجماعية عندما يتسبب في وفيات جماعية بسبب تفشي الأمراض ونقص الرعاية الطبية.
وحول تداعيات قطع الكهرباء خلال رمضان، تابع الدكتور مهران: شهر رمضان يتطلب احتياجات خاصة للصائمين، من حفظ الأغذية وتحضير وجبات الإفطار والسحور، مشيرا الي ان قطع الكهرباء يحول حياة الصائمين إلى معاناة يومية، خاصة في ظل ارتفاع درجات الحرارة وصعوبة حفظ الطعام والدواء.
واستكمل: ان المستشفيات تعتمد بشكل أساسي على الكهرباء لتشغيل أجهزة الإنعاش والتنفس الصناعي والحضانات وغرف العمليات، مؤكدا ان قطع الكهرباء سيؤدي حتماً إلى وفاة عشرات المرضى، خاصة الأطفال وكبار السن وذوي الأمراض المزمنة.
وشدد مهران على أن توقيت القرار الإسرائيلي يأتي في ظل كارثة إنسانية غير مسبوقة، حيث يعاني سكان قطاع غزة من نقص حاد في الغذاء والدواء والمياه النظيفة، مؤكدا ان قطع الكهرباء يفاقم هذه الكارثة ويجعل من الصعب على المنظمات الدولية تقديم المساعدات الإنسانية.
وطالب المجتمع الدولي، وتحديداً الدول الأطراف السامية المتعاقدة في اتفاقيات جنيف، باتخاذ إجراءات فورية لوقف هذه الانتهاكات، معتبرا الصمت على هذه الجرائم يمثل تواطؤاً ضمنياً وإخلالاً بالالتزامات القانونية.
كما أضاف انه يجب على مجلس الأمن الدولي التدخل الفوري لإلزام إسرائيل باحترام التزاماتها بموجب القانون الدولي الإنساني، وضمان وصول الكهرباء والمساعدات الإنسانية إلى سكان قطاع غزة دون عوائق، مشيرا الي ان التاريخ شيشهد علي هذا التراخي ضد الانسانية، وان الجهاز المنوط به الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين فقد دوره بسبب استخدام حق الفيتو بشكل غير قانوني من الولايات المتحدة الأمريكية.
هذا واقترح الدكتور مهران ضرورة إنشاء ممر إنساني آمن تحت إشراف الأمم المتحدة او لجنة دولية لضمان وصول الوقود والمساعدات الإنسانية، وفرض عقوبات محددة على المسؤولين عن قرارات قطع الكهرباء والمياه عن المدنيين، واتخاذ إجراءات فورية ورادعة ضد اسرائيل من المجتمع الدولي بفرض عقوبات اقتصادية وسياسية بشكل فردي او جماعي لحمل اسرائيل علي الالتزام بالقانون الدولي الإنساني علي الاقل.
وفي ختام تصريحاته اكد الدكتور مهران ان قطع الكهرباء عن غزة خلال رمضان يمثل جريمة أخلاقية قبل أن تكون جريمة قانونية، مناشدا العالم ادارك أن مئات البشر في غزة يعانون من انتهاكات يومية لكرامتهم الإنسانية، وأن صمت المجتمع الدولي يشجع على استمرار هذه الانتهاكات.
اقرأ أيضاًحماس: الاحتلال يواصل حصاره لغزة وتصعيده في الضفة الغربية
مدبولي: مصر مستمرة في دعم غزة وتعزيز التعاون مع الاتحاد الدولي للهلال والصليب الأحمر
ميناء رفح البري يستقبل 36 جريحا فلسطينيا و58 مرافقا لهم من قطاع غزة