سنعرض هنا وباختصار بعض المفاهيم عن الدول، وسنعرض دورة حياة الدول، وأسباب ضعفها، وانهيارها كدول فاشلة (مارقة)، ثم سنلقي نظرة على إعادة بناء الدولة الفاشلة، وسنطرح بعض الاقتراحات لديمومة الدول، وتقهقرها نحو الضعف ثم الفشل.
إن الدول تحاكي دورة حياة الإنسان، فهو يولد ليموت، ويبدأ بمرحلة الولادة، ثم مرحلة الطفولة، تليها مرحلة الشباب والنضج، وبعدها مرحلة الشيخوخة، حتى تنتهي رحلة الحياة بالوفاة.
وبالاطلاع على نظرية الدولة/الحكومة، وهما كلمتان مترادفتان، وقد كتب عنها ابن خلدون «كل دولة تنتقل بين خمسة أطوار هي: الظفر، والانفراد بالمجد، ثم الفراغ والدعة، ثم طور القنوع والمسالمة، ثم الإسراف والتبذير». وتختلف الدول عن الإنسان في الأمراض والموت، فهناك أشكال وأنواع عدة، من موت الدول، منها التحول من النظام الملكي إلى النظام الجمهوري، أو من النظام المدني إلى النظام العسكري وغيرها.. وهكذا تموت نظم الدول، ويعتبر تغيّر النظم ترتيباً داخلياً جديداً مع الاحتفاظ بسيادتها. وهناك موت كامل للدول، مثل الإمبراطورية الرومانية، إلا أن ما ينقص سيادة الدول هو تمدد الدول الأخرى بالاستحواذ علي جزء منها، والتمدد على جميع أجزائها، ما يفقدها سيادتها. ويتحقق هذا إما باستخدام القوة الخشنة، وإما القوة الناعمة. وقام ابن خلدون بتفسير سبب انهيار الدول مع الترف، بكونه السبب الأبرز في سقوط الدول عن طريق النخبة الحاكمة التي ترفل في النعيم، ناسية، أو متناسية، آلام شعوبها، وتقوم الدول هنا بفرض القوة المسلحة كلما دعت الضرورة لإسكاتها، ويؤكد أن الاستبداد و«الانفراد بالمجد» هو السبب الثاني الذي يؤدي لسقوط الدول. هنا تتعدد النظريات والأسباب التي تحاول تفسير سقوط الدول، وهنا برزت مؤخراً، نظرية تماسك المجتمع كمحدد لسقوط الدول، مهما كانت قوتها، وهذه النظرية هي الآن تحت المحك في الحرب القائمة بين إسرائيل والفلسطينيين. الطرفان في تناقض في تناسب القوة وتماسك المجتمع. وأذا تحققت هذه النظرية فإنها ستقلب النظريات التي سبقتها.
وهناك شبه إجماع على أن أسباب سقوط الدول واحد، وهو فشل مؤسساتها، أو الفشل في تقديم الاحتياجات الأساسية لمواطنيها، وعدم فعالية الحكومات.
وتعددت الأسباب والسقوط واحد، أما الموضوع هنا فليس أسباب سقوط الدول، بل ما هي العوامل التي أدت إلى هذه الأسباب، ومنها:
1- ارتفاع أعداد المواطنين الذين يعيشون تحت خط الفقر والبطالة.
2- اللجوء إلى المساعدات الخارجية والقروض من دون أن يكون هناك أي تطوير حقيقي ملموس، الأمر الذي يترتب عليه مديونية متصاعدة ترهق كاهل الموازنة العامة.
3- التدهور الاقتصادي الكبير في غياب التنمية الاقتصادية العادلة في التعليم والوظائف والدخل ومستويات الفقر، وتزايد النزعات الإثنية لهذه الدول.
4- غياب القدرة على تطوير وسائل الإنتاج والموارد الاقتصادية.
5- وصول الفساد إلى مستويات تدميرية.
6- تفاوت كبير في مداخيل الطبقات الاجتماعية لتنحصر في طبقتين، إحداهما فاحشة الثراء، وأخرى مسحوقة. وهناك أسباب أخرى، منها نضوب خزائن الدول والاعتماد على حليف واحد، وتوالي الحكومات الضعيفة بما يؤدي في النهاية إلى ضعف الدول، وتناحر الطبقة الحاكمة والتخبط في استراتيجياتها في علاقاتها الدولية، وانقلاب الرأي العام الدولي عليها.
أما الدول الفاشلة فهي الانزلاق إلى مستوى الدول الضعيفة التي تحتاج إلى إعادة بناء الدولة، وتعاني نقاط ضعف البنية الداخلية، وتتميز بأنظمة سياسية هشة، وعندها تدخل في الصراعات والاضطرابات الداخلية، والحروب الأهلية والإرهاب. وهذه جميعاً نتيجة ضعف الدول، بما يؤدي إلى انهيارها، لتصبح دولة فاشلة، وحكومتها ضعيفة، هشة ليس لديها القدرة على النمو الاقتصادي، وتعزيز التنمية، وهي مهددة بالانزلاق إلى دولة فاشلة.
ان إعادة بناء الدول يتطلب إعادة بناء المؤسسات الحكومية والاجتماعية، وهذا لا يتحقق الا بمساعدات خارجية. ومن أهم العوامل لإعادة بناء الدولة الفاشلة: المركزية الحكومية القوية التي تتمتع بالتأييد الواسع بين مواطنيها، وإعادة بناء المنظومة الأمنية، ومنها القوات الخاصة لحماية المراكز العليا للحكومة، والاستثمار في البنية التحتية التي تخلق فرص عمل، وتطوير المنظومة التعليمية والطبية، وإنشاء الأجهزة الاجتماعية الحكومية وغير الحكومية، وضخ المعونات الاجتماعية، بحيث يشعر المواطنون بأن الحالة أفضل من السابق، وهنا تعتبر الاستدامة خير علاج لديمومة الدول، وقد عرفت الأمم المتحدة الاستدامة بها «تعني تلبية حاجات الحاضر، من دون المساس بقدرات الأجيال المستقبلية على تلبية حاجاتها الخاصة».
إن الاستدامة تتطلب التركيز على الاستثمار المستمر في بناء البنية التحتية، وهي أحدى عناصر قوة الدول، وكذلك العلم والتعليم وتطوير المدن الصناعية المتخصصة، والتكنولوجيا المتقدمة والذكاء الاصطناعي، والاقتصاد القوي المتميز، والقوة العسكرية، والأمن والأمان.
عبدالله محمد سعيد الملا – صحيفة الخليج
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: سقوط الدول
إقرأ أيضاً:
خبراء: إعادة النظام الصحي بغزة تتطلب 12 عاما
قال خبراء صحيون إن النظام الصحي في قطاع غزة منهار تماما جراء حرب الإبادة التي شنتها إسرائيل، وإن إعادة بنائه تتطلب نحو 12 عاما.
وأطلقت مجموعة من العاملين في مجال الصحة مؤخرا فعالية بعنوان "الاحتجاج الكبير في الخيمة البيضاء"، أمام مكتب الأمم المتحدة في مدينة جنيف السويسرية، لتسليط الضوء على الأحداث في غزة.
ووصف المشاركون ممارسات إسرائيل في قطاع غزة بعد 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، بأنها "إبادة جماعية"، مؤكدين ضرورة عدم السكوت إزاءها.
وتحدث عدد من المشاركين في الفعالية، عن المجازر التي ارتكبتها قوات الاحتلال بحق الفلسطينيين وزملائهم العاملين في مجال الصحة بقطاع غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وقال حسين دورماز، عضو "مبادرة الصحة الدولية"، والمشارك في الاحتجاج، إنهم وجهوا نداء إلى أكثر من 10 منظمات صحية في تركيا، وتواصلوا مع زملائهم في دول أخرى لتنظيم احتجاج يطالب باتخاذ خطوات ملموسة حيال الوضع الصحي المتدهور في غزة.
وأشار دورماز إلى تشكل تحالف دولي صحي لمناصرة غزة، موضحا أن هناك أكثر من 100 منظمة صحية من أكثر من 12 دولة نشطة حاليا في مكان الاحتجاج.
وأضاف "هناك منظمات أخرى من أكثر من 50 دولة وقعت على البيانات التي نشرناها أو أظهرت تضامناً من خلال تنظيم احتجاجات متزامنة".
إعلانوأكد أنهم نظموا هذا الاحتجاج لتسليط الضوء على ما فعلوه من أجل غزة، ولمطالبة الأمم المتحدة والمنظمات التابعة لها باتخاذ "إجراءات ملموسة" لإنقاذ الوضع.
انهيار تاموقال دورماز إن النظام الصحي في غزة انهار تماما، "وبناء على دراسات علمية قمنا بها، فإنه حتى لو تم السماح لنا بالدخول إلى غزة بدون أي شروط، فإن بناء كل شيء يتطلب 12 عاما".
من جهتها، قالت العاملة الصحية الفرنسية من أصل جزائري نورية بلحاج، "نحن كعاملين في مجال الصحة نتأثر بشكل خاص بما يحدث لزملائنا في فلسطين، ونعتبر أن لدينا مهمة مقدسة تجاه مرضانا، ويجب أن نكون في تضامن تام معهم".
وأكدت أن مهمة الخدمات الصحية يجب أن تحظى باحترام في كل أنحاء العالم دون أي عوائق، ويجب ألا يقبل العاملون الصحيون أبدا بتنفيذ هجمات ضدهم.
أما سارة غالي، وهي عاملة صحة هولندية، فقالت إن الفعالية تطالب الأمم المتحدة بحماية العاملين الصحيين في غزة والضفة الغربية "لأنهم يتعرضون لهجوم لم نره من قبل في حياتنا".
ولفتت غالي إلى أن الوضع الصحي في غزة وصل إلى "مستوى كارثي، حيث وقع أكثر من 1400 هجوم على المنشآت الصحية منذ 7 أكتوبر 2023، ما أسفر عن مقتل أكثر من 1000 عامل صحي".
وذكرت أن أكثر من 12 ألف شخص في غزة ينتظرون إجلاء طبيا عاجلا، ولكن لم يُسمح لهم بذلك، معتبرة أن العاملين الصحيين في غزة يعملون في ظروف مرعبة، ويضطرون لإجراء عمليات جراحية حتى للأطفال بدون تخدير.
وفي 19 يناير/ كانون الثاني المنصرم، بدأ سريان وقف إطلاق النار بين حماس وإسرائيل، ويستمر في مرحلته الأولى 42 يوما، يتم خلالها التفاوض لبدء مرحلة ثانية ثم ثالثة، بوساطة مصر وقطر والولايات المتحدة.