موقع النيلين:
2025-01-31@00:26:16 GMT

أورنيلا سكر: ماذا نفهم اليوم من مواجهات إيران؟

تاريخ النشر: 14th, February 2024 GMT


بعيداً عن دموع الثكالى والأوهام التي طالما تغذّت عليها الإمبراطوريات، التاريخ يعيد اليوم نفسه مسطراً بدماء الشهداء والأبرياء، أجندات خبيثة تعيد مأسسة وتشكيل الشرق الأوسط من جديد بالأفكار نفسها المسمومة والمعادية للعرب والمسلمين لكن وفق منهجية جديدة أكثر استحكاماً وسيطرة وهيمنة على العالم العربي بحجة مواجهة المشروع الإمبريالي والصهيوني.

الحقيقة أن هذه المنطقة احترفت ابتكار الأعداء وصناعتها غير أنها لم تفلح في تحديد من العدو ومن الصديق. فهل فعلاً مواجهات إيران في المنطقة تخدم المصلحة العربية؟ أين؟ وكيف؟

في الماضي القريب تم اختراع القومية العربية تحت عناوين تحرّرية ووطنية لمواجهة الاستعمار الأوروبي، غير أنها في حقيقتها تم توظيفها لاستهداف السلطنة العثمانية وشيطنة الوحدة العربية بفعل عناصر موضوعية داخلية وخارجية تعتريها كثير من النزاعات والانقسامات الداخلية العرقية واللغوية والاختلافات الدينية والثقافية، بحيث لم تختبر المنطقة فيها أي تجانس ثقافي أو قومي يساعد على إمكانية تعزيز التعاون والتكامل، وتحديد مشروع عربي-قومي أصيل في مواجهة جميع المخططات الاستعمارية والإمبراطوريات والإمبريالية، ما دفع المنطقة لتكون ساحة تكالب لسياسات الغرب والدول الإقليمية أو ما كان يطلق عليه بالأعاجم، أي بنو عثمان وبنو فارس، ولم تختبر المنطقة العربية فرصة النهوض. فقد كانت المنطقة دائما ملاذا لحروب الآخرين التي جعلت تلك الشعوب المحلية في حالة من الاضطهاد والجماعات المنبوذة والمشردين والمطاردين خوفاً من المؤامرات والاستبعاد، فضلاً عن تاريخ الصراعات الدينية والعقائدية المتجذرة منذ القدم في ذاكرة تلك المجموعات نتيجة العنف والكراهية والذم والارتهان والتبعية للخارج بمعزل عن الدوافع والأسباب التي يتمّسحون ويتحججون بها، من أجل الدفاع عن الهوية والوجود والحضارة والتاريخ المسلوب والمسلوخ. كما كثير من تلك الحقب تم تشويهها واختزالها بالفتوحات الإسلامية والإسلام دون مراعاة فكرة أن أصل تلك الشعوب تقوم على خلافات الأنساب والعرقية والعنصرية والطائفية المتأصلة في التاريخ نتيجة تلاقح الثقافات والحضارات والغزوات التي اعترت هذه المنطقة، وكان لها تأثير كبير على سلوك وثقافة وحضارة تلك الشعوب.

فما نعيشه اليوم على يد الفرس أو المشروع الإمبراطوري الفارس المزعوم من الولايات المتحدة بشكل غير مباشر يعيد إحياء الاختلاجات والكوابت ومشاعر المظلومية نفسها وينتج الإكراهات نفسها التي لم تستطع المنطقة العربية أن تشفى من جروحها إلا ويأتي من يذكرها بعنف الماضي وأحقاده. ربما إيران، مثلها مثل أي دولة، لها الحق في أن تصبح دولة إمبراطورية حالمة مثل باقي الإمبراطوريات، لكن من غير المسموح أن يكون العالم العربي مقطع الأوصال ومتآمرا عليه ويتم تجريده من كيانه وحقه في الوجود عبر اقتلاعه من جذوره وسلخه من ذاكرته وتاريخه، في انتظار رحمة العم السام أن تحل عليه.

فما يجري اليوم ليس فقط تصفية الفلسطينيين والقضية الفلسطينية، إنما هي حرب تصفية العرب والعالم الإسلامي السني الذي كان بالمرصاد دائما لشرور واستبداد الاستعمار الغربي الأوروبي. إن بني فارس لم يكونوا يوما على عداء مع الغرب والاستعمار الأوروبي، فقد كان الشاه اسماعيل الصفوي، مؤسس الدولة الصفوية، مصبوغا بنزعة مذهبية سياسية، وجد الاستعمار البريطاني والفرنسي والأمريكي في عهده فرصة عظيمة لإخضاع المنطقة وتقسيمها بفعل النزاعات الطائفية والقومية والعرقية التي تسيدت إيران من خلالها على حساب المصلحة العربية.

كما أن إيران لم تحمل مشروعا سياسيا في المنطقة سوى تمكين الإسلام السياسي تحت أوهام نصرة المظلومين وعناوين عاطفية تحررية لم تحقق أهدافها أكثر من أنها مكنّت إسرائيل أكثر فأكثر، واستطاعت فعل ما عجزت عنه طوال حروبها العربية من خلال تأكيد الرواية الغربية بأننا شعوب إرهابية ومرتزقة، وبشكل خاص أحداث سوريا والعراق الأخيرة عبر تفعيل ورقة الإرهاب رغم انكشاف حقيقة هذا الكيان بفضل تسريبات وسائل التواصل الاجتماعي وحركات الاحتجاج في الغرب مواقف بعض الدول الأوروبية من إسرائيل وسياسات المقاطعة، وبالرغم من ذلك لا تزال إسرائيل تنشر الأكاذيب والأضاليل والحروب النفسية والإعلامية لتوجيه الرأي العام الإسرائيلي والعالمي وإيهام الناس بأن حربها مع العماليق والحيوانات البشرية التي تعيش تحت الأنفاق. مما أدى إلى إيجاد التبريرات والذرائع للتدخلات الأجنبية، وهذا ما عبرت عنه الحرب القائمة واللامتناهية بحجة الحرب على حماس الإرهابية على حد قولهم، وتحجيم أمريكا لاستفزازات الحوثيين في البحر الأحمر.

عملياً، إن إيران تتقاسم مع الغرب النزعة العرقية نفسها وآرية الرجل الأبيض، فلم يكن غريبا أن تتلاقى النزعة الاستعمارية الصفوية مع الأطماع الأوروبية الصليبية والبرتغالي الاستعمارية التي أصبحت تشكل خطرا كبيراً ليس فقط على المنطقة العربية، بل والعالم الإسلامي بأكمله. فلا ننسى ما فعلت إيران الصفوية في المغرب العربي، إذ لم تكتف البرتقال بما فعلته هي وإسبانيا بالمسلمين في الأندلس من إنهاء حكمهم، ومحاكم التفتيش والمذابح ضد من بقي من المسلمين في الأندلس، والقيام بحملات استولت فيها البرتغال على ميناء سبتة المغربي المطل على البحر المتوسط، ومن ثم ورثت إسبانيا بعد ذلك سبتة عندما خضع التاج البرتغالي لإسبانيا. ويقال على لسان مؤرخين مثل شوقي الجمل بأن هزيمة المسلمين في الأندلس لم يكن بها واقعة لولا مشاغلة الفرس للمسلمين بنزاعات بحرية واقتصادية في البحر المتوسط، الأمر الذي مكّن الإسبان من إحكام سيطرتهم على الأندلس. ولا ننسى تحالف الصفوي -البرتغالي لالتهام منطقة الخليج العربي من خلال عقد صفقة معهم تسمح للآخرين بالسيطرة على جزيرة هرمز التي تتحكم بالمضيق وبالتالي، على حركة الملاحة في الخليج العربي مقبل سيطرت إيران على مناطق مثل الجزيرة العربية المطلة على الخليج العربي، لكن حين سيطرت البرتغال على تلك المنطقة رفضوا السماح للصفويين بالوصول الى الجزيرة العربية. ويوضح عبد العزيز نوار مدى التأثير السيئ لهذا التحالف الصفوي البرتغالي على تاريخ الخليج العربي لعدة عقود قائلا: “كانت النتيجة أن ساعدت سياسة الشاه هذه على تقوية التسلط البرتغالي على الخليج العربي”.

ومن خلال التحالفات التي عقدها الصفويون مع الدول الاستعمارية الأوروبية أو الأمريكية لما وجدت موطئ قدم لها في المنطقة وتم احتلال بلاد العرب. وبالتالي إن الثورة الاسلامية التي صدّرتها إيران الإسلامية عام 1979، سمح بها الغرب أن تولد وتتطور لما تتضمنه من تأثير ودور فاعل يضاهي المستعمرة البريطانية أي إسرائيل التي أثبتت عدم فاعليتها في أن تكون جسم طبيعي في هذه المنطقة والاندماج فيها، بدليل أن صفقة القرن والتطبيع وحل الدولتين أصبحت مشاريع مناطة بمدى رضى ومقررات طهران، كلما حاول الغرب إزعاج إيران تقوم بدورها بتخريب المشاريع الغربية وإزعاج الغرب. وهذا تماما ما يحدث في الأردن والعراق وسوريا واليمن عبر أذرعها الميليشياوية. لطالما كانت إيران تطلق أهدافها ومن ثم تعلن عنها، لماذا حين تم الاعتداء على التاور 22، انتظرت الموقف الأمريكي لتعلن عن تبنيها للعملية، إذاً هذا التنسيق غير المباشر يدلل على تفاصيل وتفاهمات متناقضة تضع المنطقة على حافة الهاوية، وأن المصلحة العربية مغيبة، وبخاصة أن قوة إيران المدعومة لم تستطع محاسبة تل أبيب ومعاقبتها، فكل ما جرى حتى الساعة هو نفي علاقة طهران بكل العمليات التي حدثت.

في الختام، وسط هذه المنازعات والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، يبقى مشروع السلام مهددا ولو أن الولايات المتحدة تعلن دائما أنها لا تريد الحرب، وهذا بفعل تشابك المصالح والانقسامات الإقليمية وعدم وجود مشروع وطني قومي حقيقي يستجيب لكافة تلك التحديات، وبخاصة مسألة الدولتين المغمورة بمساحة المستوطنات. إن خلاص المنطقة لن يتحقق إلا من خلال معادلة السلام مقابل السلام، فكل ما نشاهده هو إضعاف المؤسسات وهيبة الدولة ليحل مكانها عمل الجيوش غير النظامية والجماعات الانفصالية وتعزيز الإرهاب والذئاب المنفردة على حساب الشرعية والجيش والمؤسسات. فما يجري اليوم هو إيهام الشعوب بأوهام تحت عناوين التحرر، وواقع الحال أن الثروات تنهب وتتم سرقة النفط السوري والعراقي واللبناني وتقاسمه مع الولايات المتحدة مقابل دعم هذه الثورة الإسلامية، وهذا ما كشفت عنه الوسائل السرية للاستخبارات الأمريكية أيام الشاه وفي عهد المرشد خامنئي.

أورنيلا سكر – هسبريس المغربية

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: الخلیج العربی من خلال

إقرأ أيضاً:

تناحر مستمر| دور الأيديولوجيات الدينية في تقويض الأمن العربي

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

 الشرق الأوسط يشهد تفرقة حادة بين الطوائف السنية والشيعية واليهودية  الدول العربية يجب أن تبنى نماذج سياسية قائمة على قبول التنوع واحترام حقوق الأقليات الدينية وتعزيز التعايش السلمى 

تتمتع منطقة الشرق الأوسط بتنوع ديني وإثني معقد يشكل قاعدة مهمة للأيديولوجيات السياسية والدينية التي تؤثر على الأمن القومي العربي. منذ بداية الإسلام في القرن السابع، نشأت خلافات دينية وفكرية بين المذاهب الإسلامية المختلفة، أبرزها الخلاف السني-الشيعي، الذى استمر لقرون وأثر بشكل كبير على الصراعات الإقليمية والسياسات الدولية. كما أن التحديات التى تواجه المنطقة لم تقتصر على الانقسامات الداخلية بين المسلمين، بل أيضًا شملت التهديدات من القوى الكبرى مثل إسرائيل، التى تبنت الأيديولوجية اليهودية وصار لها دور محورى فى الإقليم. فى هذا السياق، تبرز تركيا وإيران كقوتين إقليميتين تقود كل منهما الأيديولوجية السنية والشيعية على التوالي، مما يضيف مزيدًا من التعقيد للصراعات فى المنطقة.. السطور التالية محاولة لاستكشاف خلفية هذه الأيديولوجيات الدينية وتأثيرها على الأمن القومى العربي، حيث يعكس الصراع بين هذه الأيديولوجيات التوترات المستمرة التى تعيشها الدول العربية. من دعم تركيا للجماعات السنية فى مختلف أنحاء المنطقة، إلى تدخلات إيران فى الشئون الداخلية للدول العربية عبر حلفائها الشيعة، وصولًا إلى تأثير السياسات الإسرائيلية فى الشرق الأوسط، يتشكل مشهد معقد من التحالفات والصراعات التى تسعى كل قوة دينية لفرض رؤيتها على المنطقة.

الأيديولوجية السنية 

شهدت المنطقة العربية فى السنوات الأخيرة صعودًا ملحوظًا للأيديولوجية السنية، التى تقودها تركيا من خلال سياستها الإقليمية الطموحة. تسعى تركيا، تحت قيادة حزب العدالة والتنمية، إلى إعادة تأسيس نفسها كقوة إقليمية قائدة للعالم الإسلامى السني، مما جعلها تدعم بشكل فعال الحركات والأحزاب السنية فى الدول العربية. يعد دعم تركيا لجماعة الإخوان فى مصر وحركة حماس فى فلسطين وغيرهما من الجماعات والحركات المتطرفة كجبهة تحرير الشام فى سوريا وعدد من الفصائل المسلحة فى ليبيا من أبرز الأمثلة على هذه السياسة، حيث تسعى تركيا إلى تعزيز نفوذها فى المنطقة من خلال دعم القوى التى تتبنى الأيديولوجية السنية. كما أن دعمها للأحزاب السنية فى سوريا والعراق يعكس رغبتها فى مواجهة التأثير الشيعى المتزايد فى تلك الدول.

دور تركيا فى قضايا الأمن القومى العربى أصبح محوريًا فى السنوات الأخيرة، حيث تدخلت عسكريًا فى العديد من الدول العربية مثل سوريا وليبيا والعراق. فى سوريا، لعبت تركيا دورًا رئيسيًا فى دعم الفصائل السورية السنية المسلحة فى مواجهة النظام السورى المدعوم من إيران وروسيا. وفى العراق، دعمت تركيا بعض الفصائل السنية فى مواجهة النفوذ الإيرانى المتزايد فى البلاد. أما فى ليبيا، فقد قدمت تركيا دعمًا عسكريًا لحكومة الوفاق الوطنى المعترف بها دوليًا، التى تتضمن العديد من القوى السنية. ورغم أن هذه التدخلات تهدف إلى تعزيز الأمن القومى التركى وحماية مصالحها الإقليمية، إلا أنها أضافت مزيدًا من التعقيد إلى الأوضاع الأمنية فى المنطقة وأثارت العديد من الجدل حول تأثيرها على استقرار الدول العربية.

الأيديولوجية الشيعية 

تعد إيران القوة الإقليمية الرئيسية التى تقود الأيديولوجية الشيعية فى منطقة الشرق الأوسط، حيث تروج لسياسات طائفية تهدف إلى تعزيز نفوذها فى الدول العربية. تدعم إيران بشكل كبير الجماعات الشيعية فى العديد من الدول العربية، مثل حزب الله فى لبنان، والحشد الشعبى فى العراق، الذى كان له دور بارز فى محاربة تنظيم داعش، وجماعة الحوثيين فى اليمن، التى تسعى لتحويل البلاد إلى دولة تابعة للمحور الشيعي. هذه السياسات تعكس رغبة إيران فى بناء "الهلال الشيعي"، وهو تحالف غير رسمى من الدول والمجموعات التى تتبنى الأيديولوجية الشيعية، مما يساهم فى تعزيز دورها فى السياسة الإقليمية.

من جهة أخرى، أثارت سياسات إيران الإقليمية جدلًا كبيرًا حول تأثيراتها على الأمن القومى العربي. فى حين يرى البعض أن إيران تقدم دعمًا للجهود ضد الإرهاب وتنشر الاستقرار فى بعض المناطق مثل العراق وسوريا، يرى آخرون أن تدخلاتها تؤدى إلى تفاقم الصراعات الطائفية وزيادة التوترات بين السنيين والشيعة فى المنطقة. كما أن دعم إيران للمجموعات المسلحة فى لبنان والعراق واليمن يثير القلق بشأن تهديد استقرار الدول العربية واستقلالها، إذ يعتبر العديد من هذه الأنشطة بمثابة تهديد مباشر للأمن القومى العربي. وبذلك، فإن الأيديولوجية الشيعية التى تقودها إيران تشكل تحديًا حقيقيًا للمنطقة، فهى تمثل خطرًا على استقرار الدول العربية، لكن يمكن أيضًا أن يُنظر إليها كفرصة لبعض هذه الدول إذا تم التوصل إلى حلول دبلوماسية لتسوية النزاعات.

الأيديولوجية اليهودية 

تعد الأيديولوجية اليهودية التى تقودها دولة إسرائيل جزءًا محوريًا من الصراع على الأمن القومى العربى فى منطقة الشرق الأوسط. تأسست إسرائيل فى عام ١٩٤٨ إثر صراع طويل مع العالم العربي، ويعتبر تأسيسها نقطة تحوّل دراماتيكية فى تاريخ المنطقة، حيث كانت نتيجتها نزاعات مسلحة مستمرة مع الدول العربية حول الأراضى والحقوق. تعتمد إسرائيل فى سياساتها على الحفاظ على تفوقها العسكرى وتعزيز أمنها القومي، مما يدفعها للتركيز على مواجهات عسكرية مستمرة مع الفلسطينيين والدول العربية المجاورة. فى إطار هذا الصراع، كانت إسرائيل تحرص على الحفاظ على وجودها فى بيئة إقليمية معادية، حيث تطور موقفها الأمنى ليتضمن استراتيجيات تتعلق بالاستقلالية العسكرية والنووية، مما جعلها تشكل تهديدًا مستمرًا للأمن القومى العربي.

فى السنوات الأخيرة، طرأت تغييرات كبيرة فى العلاقات بين إسرائيل وبعض الدول العربية، خاصة بعد اتفاقات أبراهام ٢٠٢٠ التى شهدت تطبيع العلاقات بين إسرائيل والإمارات والبحرين، تبعتها خطوات تطبيع بين إسرائيل والسعودية. هذا التحول فى العلاقات يثير تساؤلات حول تأثيره على التوازنات الإقليمية. بينما يرى البعض أن هذه العلاقات قد تؤدى إلى تحالفات استراتيجية جديدة لمواجهة التهديدات الإقليمية المشتركة، مثل التحديات الإيرانية، يعتقد آخرون أن هذا التطبيع يساهم فى إضعاف التضامن العربى ويزيد من الانقسامات فى المنطقة. من هنا، فإن العلاقات الإسرائيلية مع الدول العربية لها تأثير مزدوج، حيث يمكن أن تشكل جزءًا من الحلول للأزمات الإقليمية، لكنها فى الوقت نفسه تساهم فى تعقيد الصراعات الحالية.

تصادم الأيديولوجيات

يشهد الشرق الأوسط تصادمًا مستمرًا بين الأيديولوجيات السنية والشيعية واليهودية، وهو ما ينعكس بشكل واضح فى العديد من الحروب والنزاعات التى تعصف بالمنطقة. ففى سوريا، مثلًا، كان الصراع بين النظام السورى المدعوم من إيران وحزب الله (الشيعي) من جهة، والحركات السنية المسلحة المدعومة من تركيا ودول الخليج من جهة أخرى، يشكل تجسيدًا لهذه التوترات الطائفية التى تؤثر على استقرار المنطقة. وبالمثل، تعكس الحرب اليمنية النزاع بين الحوثيين المدعومين من إيران (الشيعة) والتحالف العربى بقيادة السعودية (السنة) فى صراع إقليمى يهدد استقرار اليمن ودول الجوار. أما فى العراق ولبنان، فقد أدى التدخل الإيرانى المباشر ودعم الجماعات الشيعية إلى تعزيز الانقسامات الطائفية التى تؤثر بشكل سلبى على الوحدة الوطنية فى هذه البلدان، مما يفاقم من الأزمات الأمنية فى المنطقة.

تساهم القوى الكبرى، مثل الولايات المتحدة وروسيا، فى تعزيز أو تقويض هذه الأيديولوجيات من خلال تدخلاتها العسكرية والدبلوماسية فى المنطقة. فعلى سبيل المثال، تدعم الولايات المتحدة بشكل رئيسى الدول السنية فى مواجهة التوسع الإيرانى فى الشرق الأوسط، كما تقدم دعمًا لإسرائيل فى مواجهة التحديات الأمنية التى تطرحها الأيديولوجية الفلسطينية والعربية. من جهة أخرى، تجد روسيا نفسها فى موقف داعم لإيران والنظام السورى فى صراعات مثل الحرب السورية، مما يساهم فى تعميق الصراع بين القوى السنية والشيعية. وبالتالي، فإن هذه التدخلات الدولية تلعب دورًا مزدوجًا فى تعزيز الأيديولوجيات المتصادمة أو فى محاولة إعادة التوازن الإقليمي، ما يجعل الأمن القومى العربى عرضة لتقلبات الصراع المستمر فى المنطقة.

الأمن القومي العربي في ظل أيديولوجيات متصادمة

فى ظل الأيديولوجيات المتصادمة بين القوى السنية والشيعية واليهودية، يعانى الأمن القومى العربى من تهديدات متزايدة تؤثر بشكل مباشر على استقرار الدول العربية. تتداخل هذه الصراعات الإيديولوجية مع النزاعات الإقليمية والعالمية، حيث تتبنى القوى الكبرى مواقف داعمة أو معارضة لبعض الأطراف فى المنطقة، مما يؤدى إلى تعميق الانقسامات العربية. التدخلات العسكرية من قبل دول مثل إيران وتركيا، بالإضافة إلى الدعم الغربى لإسرائيل وبعض الدول العربية السنية، تؤدى إلى تجزئة المنطقة وفتح جبهات صراع جديدة، مما يعزز التوترات الداخلية فى العديد من الدول العربية مثل العراق وسوريا وليبيا. هذا التوتر المستمر يزيد من تعقيد جهود بناء الوحدة العربية وتعطيل استقرار المنطقة بشكل عام.

من جانب آخر، تساهم التدخلات العسكرية الخارجية فى تأجيج النزاعات القائمة وتعميق الأزمات الداخلية. ففى سوريا، أدى الدعم العسكرى الروسى والإيرانى للنظام إلى تعزيز الانقسامات الطائفية والعرقية، بينما سعت تركيا إلى تقوية فصائل المعارضة السنية، مما جعل الحرب السورية ساحة لتصفية الحسابات بين القوى الإقليمية. فى اليمن، أسهم التدخل السعودى فى تأجيج الحرب الأهلية وتفاقم الوضع الأمنى فى المنطقة. كما أن التدخلات العسكرية فى العراق ولبنان قد أضعفت قدرة الدول العربية على الحفاظ على استقرارها الداخلي، وجعلت من الأمن القومى العربى عرضة للتلاعب الخارجي. لذا، فإن الصراعات الإيديولوجية وتدخلات القوى الإقليمية والدولية تشكل تحديات كبيرة أمام تعزيز الأمن والاستقرار فى المنطقة.

الحلول والتوجهات المستقبلية

تسعى العديد من المبادرات الإقليمية والدولية لتخفيف حدة الصراعات الناتجة عن الأيديولوجيات المتصارعة فى المنطقة العربية وتعزيز الأمن القومي. من أبرز هذه المبادرات التعاون الإقليمى بين الدول العربية، مثل جهود جامعة الدول العربية لحل النزاعات والصراعات الطائفية والسياسية، إلى جانب تحركات منظمات مثل مجلس التعاون الخليجى التى تسعى إلى تعزيز الأمن والاستقرار. كما تلعب الأمم المتحدة دورًا مهمًا فى تقديم الوساطات لإيجاد حلول سلمية للنزاعات من خلال مبعوثيها الخاصين، خصوصًا فى سوريا واليمن وليبيا، إلى جانب نشر قوات حفظ السلام فى بعض المناطق. إلا أن فعالية هذه المبادرات تظل محدودة فى ظل الانقسامات الداخلية وصعوبة التوصل إلى اتفاقات توافقية بين القوى الكبرى المتورطة فى هذه الصراعات.

من جهة أخرى، يمكن أن تكون العلمانية أو التوجهات الداعمة للتنوع الدينى والسياسى حلولًا محتملة لتجاوز الانقسامات الأيديولوجية. إذا تمكنت الدول العربية من تبنى نماذج سياسية قائمة على قبول التنوع واحترام حقوق الأقليات الدينية والطائفية، فإن ذلك قد يسهم فى تقليل التوترات الداخلية ويعزز من الاستقرار. العلمانية قد تساهم فى تحييد الدين عن السياسة، مما يعزز من الوحدة الوطنية ويسهم فى تقليل التأثيرات الخارجية التى تستغل التوترات الطائفية لتحقيق مصالحها. فى هذا السياق، يمكن أن تساعد ممارسات الديمقراطية التعددية على تعزيز التعايش بين مختلف الأيديولوجيات فى المنطقة، مما يسهم فى بناء مستقبل أكثر استقرارًا وأمانًا للأمن القومى العربي.

تأثير واسع

وفى النهاية يتضح أن الأيديولوجيات المتصادمة بين القوى السنية والشيعية واليهودية قد أثرت بشكل كبير على الأمن القومى العربي، مما أضاف طبقات من التعقيد إلى الأزمات الإقليمية. إن تدخلات تركيا وإيران وإسرائيل، كلٌ وفقًا لأيديولوجياتها الخاصة، قد ساهمت فى تعزيز الانقسامات الطائفية والعرقية فى المنطقة، وأدت إلى تفشى الحروب والصراعات التى تهدد استقرار الدول العربية. بالإضافة إلى ذلك، فإن الصراعات المستمرة أصبحت محطًا لتدخلات القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة وروسيا، مما زاد من تعقيد الوضع الأمنى العربى وجعل المنطقة مسرحًا للتنافس الجيوسياسى الدولي.

وتواجه المنطقة تحديات ضخمة فى ظل هذه الأيديولوجيات المتصارعة التى تؤثر بشكل مباشر على استقرار الدول العربية. من العراق إلى سوريا واليمن وليبيا، تزداد الخلافات الطائفية والصراعات السياسية فى ظل التدخلات الإقليمية والدولية المتزايدة. وقد انعكست هذه التوترات على الأمن القومى العربي، مما يشكل تهديدًا حقيقيًا للقدرة على بناء دولة عربية موحدة ومستقرة.

توصيات:

من أجل تعزيز الأمن القومى العربي، يجب أن تعمل الدول العربية على تعزيز التعاون الإقليمى والتنسيق بين مختلف الأطراف السياسية. لا بد من إيجاد آليات جديدة لحل النزاعات العربية الداخلية، بما فى ذلك تعزيز الحوار بين المكونات الدينية والطائفية المختلفة. يجب أن تكون هناك مبادرات لتخفيف حدة الصراعات الداخلية من خلال الإصلاحات السياسية والاجتماعية التى تساهم فى تحقيق العدالة والمساواة لجميع الفئات فى المجتمع. علاوة على ذلك، ينبغى دعم دور جامعة الدول العربية والمنظمات الإقليمية الأخرى، وتفعيل جهودها لتسوية النزاعات فى المنطقة.

كما ينبغى أن تكون هناك دعوة قوية إلى تبنى التعددية والديمقراطية التوافقية فى المنطقة. اعتماد العلمانية أو تسوية القضايا الطائفية والسياسية من خلال احترام حقوق الأقليات يمكن أن يسهم فى تحسين استقرار المنطقة. يجب أن تلتزم الدول العربية بمبادئ التعايش السلمي، والعمل على بناء نموذج سياسى يشمل الجميع، سواء من المذاهب السنية أو الشيعية أو المسيحية أو غيرها من الأقليات. إن الحفاظ على التنوع فى إطار من الاحترام المتبادل يمكن أن يسهم فى تحقيق الاستقرار السياسى والاجتماعي فى الدول العربية. وأيضًا تعزيز قدرات الدول العربية على مواجهة التهديدات الأمنية من خلال تعزيز التعاون الأمنى والاستخباراتي بين الدول العربية. يمكن أن يؤدى بناء تحالفات استراتيجية لمكافحة الإرهاب والنزاعات المسلحة إلى تحسين الوضع الأمنى فى المنطقة. يجب أن تسعى الدول العربية إلى تحقيق التوازن بين سياساتها الداخلية والخارجية بما يساهم فى تعزيز استقلالها وأمنها الوطني، دون أن تكون فريسة للصراعات الإقليمية أو التدخلات الدولية.

أخيرًا، يجب أن يكون هناك تأكيد على ضرورة الحوار المباشر بين الدول العربية والقوى الإقليمية الكبرى، مثل إيران وتركيا، لتحقيق تفاهمات تهدف إلى الحد من التوترات وتعزيز الاستقرار الإقليمي. ينبغى أن يكون هناك عمل دبلوماسى مستمر من أجل إرساء قواعد أساسية للتعاون والتفاوض مع القوى الإقليمية والدولية، لضمان عدم التفريط فى السيادة الوطنية للأقطار العربية، مع الحفاظ على مصالح الأمن القومى العربى فى سياق التحديات الجيوسياسية المعقدة.

مقالات مشابهة

  • إيران تبدي استعدادا مشروطا لمحادثات نووية مع الغرب
  • ماذا تعرف عن قاعدة غوانتانامو التي ستستضيف المهاجرين؟
  • أبرزها ديربي القوة الجوية والشرطة.. 4 مواجهات اليوم في ختام الجولة 17
  • رئيس البرلمان العربي بثمن دور ليبيا في دعم القضايا العربية
  • إيران لم تيأس بعد من نجاح مشروعها
  • مواجهات قوية للمنتخبات العربية في قرعة كأس الأمم الإفريقية 2025 في المغرب
  • إيران ترفض اتهامات كيان العدو الصهيوني بشكل قاطع
  • إيران ترفض اتهامات الكيان الصهيوني بشكل قاطع
  • الزنداني: سياتي الدور على الحوثيين بعد تقلص نفوذ أذرع إيران
  • تناحر مستمر| دور الأيديولوجيات الدينية في تقويض الأمن العربي