ردم وتجفيف 234 بحيرة أسماك "متجاوزة" في بابل
تاريخ النشر: 14th, February 2024 GMT
الاقتصاد نيوز - بغداد
أعلنت وزارة الموارد المائية، اليوم الأربعاء، ردم وتجفيف 234 بحيرة أسماك متجاوزة ضمن قاطع مشروع المسيب بمحافظة بابل.
وقال مدير مديرية الموارد المائية في مشروع المسيب، حسين عبدالله بيرمان، في بيان تلقته "الاقتصاد نيوز"، إن "ملاكات المديرية بمشروع المسيب وبالتنسيق مع دائرة صيانة مشاريع ري وبزل بابل وبإسناد من قبل القوات الأمنية أنجزت تجفيف 234 بحيرة ضمن قاطع مسؤولية المديرية".
وأضاف بيرماني أن "هذه الحملة تأتي ضمن إجراءات الوزارة الرامية لمعالجة شح المياه وتقنين الإستهلاكات المائية بما يضمن العدالة بتوزيعات المياه".
وتابع أن "مديرية الموارد المائية في مشروع المسيب مستمرة بتطبيق نظام المراشنة على الأنهر والجداول الرئيسية والفرعية بهدف إيصال المياه إلى الذنائب".
المصدر: وكالة الإقتصاد نيوز
كلمات دلالية: كل الأخبار كل الأخبار آخر الأخـبـار
إقرأ أيضاً:
زراعة تدر الأرباح وتستنزف المياه.. هل فشل مشروع المغرب الأخضر في تحقيق التوازن؟
"بينما يُحتفى بتصدير الأطنان من البطيخ الأحمر نحو أوروبا، تُعاني مناطق مثل زاكورة من نقص حاد في مياه الشرب" بمثل هذه المفارقات يُبرز عدّة مغاربة، التناقضات، التي أفرزها "مخطط المغرب الأخضر"، وصولا للقرار الملكي الأخير، بحث المواطنين على عدم ذبح الأضاحي، بعيد الأضحى. مشهدٌ يدفع لتساؤلات عدّة عن أولويات السياسات العمومية ومدى انسجامها مع حاجات المواطنين الأساسية.
ومخطط المغرب الأخضر (PMV) هو: برنامج يحدد السياسة الزراعية للمغرب. أُطلقه في عام 2008، وزير الزراعة، عزيز أخنوش. وفي عام 2020، بدأ تنفيذ برنامج التنمية الزراعية الجديد، خطة الجيل الأخضر 2020-2030، بهدف: "وضع الزراعة بقلب الاقتصاد الوطني لجعلها إحدى ركائزه" بقيادة أخنوش، وهو الذي يشغل حاليا منصب، رئيس الحكومة المغربية.
في هذا التقرير، تسلط "عربي21" الضوء، على: التناقض الصّارخ بين النمو الزراعي المغربي الموجّه للتصدير، وبين الأزمات الاجتماعية-البيئية، فيما تستفسر: هل كان الثّمن البيئي والاجتماعي لنجاحات "مخطط المغرب الأخضر" الزراعية، مقبولا ومتناسبا مع المكاسب المتحققة؟".
تشكيل متعثر لمُهمة مستعجلة
صباح الأربعاء الماضي، أنهى مجلس النواب، البلوكاج (حالة الجمود) التي مسّت إعادة هيكلة المجموعة المكلفة بتقييم مخطط المغرب الأخضر؛ وذلك عقب تحديد الأسماء الجديدة، وموعد انطلاق اللجنة، التي ستعمل على تقييم المخطط الذي يعد من أبرز البرامج التنموية التي شهدها المغرب خلال العقدين الماضيين.
وبحسب مصادر برلمانية لـ"عربي21" فإنّ: "هيكلة اللجنة لم تعرف تغييرات كبيرة، إذ ظلّ التوزيع السياسي على الفرق والمجموعة النيابية على حاله. رئاسة المجموعة لا تزال من نصيب الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية".
وأوضح المصدر نفسه الذي فضّل عدم الكشف عن هويته: "أسندت رئاسة المجموعة للنائب البرلماني الاستقلالي، عبد الرزاق حلوش، خلفا لرئيسها السابق، نور الدين مضيان، الذي كانت المحكمة الدستورية، قد جرّدته، عقب إلغاء نتائج انتخابات دائرة الحسيمة، قبل أن يعود إثر الانتخابات الجزئية" في إشارة إلى أن هذا هو السّبب خلف تعثّر المجموعة.
وتابع: "رئيس فريق التقدم والاشتراكية، رشيد الحموني، هو من أُسندت له مهمة نائب المجموعة الموضوعاتية، فيما تولّى مقرّر المجموعة، النائب البرلماني عن المجموعة النيابية للعدالة والتنمية، عبد الصمد حيكر، أما نائب المقرر فهو النائب عن فريق الأصالة والمعاصرة، عبد الرحيم بوعزة".
وحدّد الاجتماع نفسه، أسماء أعضاء المجموعة الموضوعاتية، التي سينطلق عملها ابتداء من الأسبوع المقبل، ويتعلق الأمر بـ"النواب عن حزب التجمع الوطني للأحرار: الحسين بن الطيب، وياسمين لمغور، وياسين عكاشة؛ واسماعيل بن بيي عن الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية".
"عبد الفتاح العوني عن فريق الأصالة والمعاصرة، والشرقاوي الزنايدي عن الفريق الاشتراكي المعارضة الاتحاية، ومحمد هشامي عن الفريق الحركي، والشاوي بلعسال، رئيس الفريق التجمعي الدستوري بمجلس النواب" استرسل المتحدّث نفسه، مبرزا التشكيلة الأساسية لأعضاء المجموعة المرتبطة بمخطط المغرب الأخضر.
ومن خلال كشف الأسماء، رصدت "عربي21" أنّ: 80 في المئة من أعضاء اللجنة، حاليا، ينحدرون من نفس الأحزاب التي كانت قد صادقت على المخطط الأصلي، مع غياب ممثلين عن المناطق الأكثر تضررا، من قبيل: زاكورة، ورزازات، طاطا..
من يتحمّل المسؤولية؟
توجّهت "عربي21" بالسؤال للباحثة في العمل البرلماني، مريم ابليل، التي أوضحت أنّ: "استمرار نفس النخب ليس هو المشكل في عدم التفعيل، الإشكال في الإرادة السياسية لقيادات أحزاب الأغلبية".
وتابعت ابليل، بالقول: "طبعا إخفاق السياسات العمومية تتحمّله الحكومة بشكل أساسي، كونها المشرف على وضع وتنزيل السياسات العمومية، أما البرلمان يتحمل مسؤوليته في جانب مراقبة عمل الحكومة وتقييم السياسات العمومية".
"تقييم السياسات العمومية يجد أساسه الدستوري في دستور 2011 وهو اختصاص جديد للبرلمان، جاء مع الدستور الأخير للمملكة" أبرزت ابليل، مردفة في الوقت نفسه: "ينص الفصـل 101، في فقرته الثانية على أنه: تُخصص جلسة سنوية من قبل البرلمان لمناقشة السياسات العمومية وتقييمها".
وأضافت: "تقوم مجموعة عمل موضوعاتية بالعمل على تقرير تقييم السياسة العمومية. إلا أن عدد من اللجان الموضوعاتية رغم انتهاء الآجال القانونية لإعدادها التقرير (يحدّدها النظام الداخلي في ثلاث أشهر قابلة للتمديد مرة واحدة) لم تتمكن من إصدار تقريرها بعد".
"كما حدث بنسبة للمجموعة الموضوعاتية المكلفة بتقييم السياسة العمومية حول "مخطط المغرب الأخضر" التي أُحدثت بتاريخ 09 مارس 2022 لتكون موضوع للتقييم خلال السنة التشريعية 2021-2022 إلا أن نشاطها قد توقّف، ولم تستطع إخراج تقريرها للآن" أضافت المتحدثة نفسها لـ"عربي21".
زاكورة.. الضحية غير المتوقعة
"مخطط المغرب الأخضر (2008-2020) وخليفته الجيل الأخضر (2020-2030) سهّلا الوصول للمياه الجوفية، بمنطقة زاكورة، عبر تقديم دعم مالي، ممّا أدى لاستنزاف المياه الجوفية بشكل كبير، لإنتاج محاصيل على رأسها "البطيخ الأحمر"، في وقت بطأ الجفاف من تجديد هذه المياه" هذا ما استخلصه تقرير جديد، اطّلعت عليه "عربي21" في رحلة البحث عن جواب: هل المخطط ناجح أم بحاجة لإعادة هيكلة؟
وأبرز التقرير ذاته، الصادر عن المعهد المغربي لتحليل السياسات أنّ: "زراعة البطيخ الأحمر بزاكورة أدّت بشكل كبير لاستنزاف المياه الجوفية بالمنطقة، خاصة أن هذه الأخيرة تعتمد على المياه الجوفية للوادي كمصدر لمياه الشرب منذ سنة 1985".
وأوضح أنّ: "بداية زراعة البطيخ الأحمر بالمنطقة تعود لما بين عامي 2007 و2009، حيث قام المزارعون بتجربة زراعته بهدف الوصول للأسواق المربحة"، مؤكّدا: "سرعان ما تحولت هذه الزراعة الصغيرة، لإنتاج واسع النطاق، موجّه للأسواق، خاصة في الامتدادات الواقعة خارج الواحات الأصلية، بقيادة مستثمرين من خارج المنطقة".
وبيّن أنّ: "مخطط المغرب الأخضر واستراتيجية الجيل الأخضر كانا من بين الأسباب الرئيسية التي أدّت لزيادة إنتاج البطيخ الأحمر في المنطقة". ومضى بالقول هو من قدّم دعما ماليا لتغطية تكاليف المعدات، خاصة أنظمة الري بالتنقيط وأحواض تخزين المياه، وبالتّالي سهّل الوصول للمياه الجوفية، من ما يناهز 5 ملايين متر مكعب في سنة 2014 وهو ما كان يمثل 48% من إجمالي السحوبات، إلى أزيد من 12 مليون متر مكعب أي 64% من إجمالي السحوبات.
وأفاد التقرير أنّ: "أربعة آبار قد جفّت على مدار السنوات، من أصل 11 بئرا كانت تعتمد عليها المدينة بشكل رئيسي". مردفا أنه: "وفقا للسلطات العامة، فإن القدرة الإنتاجية للمياه الجوفية قد انخفضت بشكل كبير، من 1.8 مليون متر مكعب في عام 2005 إلى 0.7 مليون متر مكعب في عام 2018".
وفي السياق ذاته، أكّد أنّ: الوضع كان قد أدّى لـ"قلق كبير" بخصوص الوصول لمياه الشرب، إذ لا تزال بعض القرى تعتمد على الصهاريج للحصول على المياه، كما انعكس استنزاف مياه الري في الواحات لفقدان بساتين النخيل وتآكل المصادر الرئيسية لفلاحي المنطقة، الذين يشكلون 80% من إجمالي السكان.
قرار العيد.. الإنذار الأخير
في رسالة قرأها وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، أحمد التوفيق، أهاب الملك المغربي محمد السادس، بالشعب المغربي، عدم القيام بشعيرة عيد الأضحى لهذه السنة، مبرزا العوامل الموضوعية القوية، على رأسها التراجع الكبير لأعداد الماشية بسبب توالي سنوات الجفاف على البلاد.
وفيما أشار عدد من المراقبين للشأن المغربي، إلى أنّ: "القرار الملكي اتُّخذ بناء على أسس موضوعية"، أوضح آخرين أنّ: أسباب الجفاف وعوامله كانت قائمة لسنوات ماضية، مستفسرين: "لماذا لم يتّخذوا إجراءات قبلية صارمة للحد من استنزاف الفرشة المائية؟، ولماذا ظلّ مخطط المغرب الأخضر قائما على الرغم من عدم قدرته على تحقيق أهدافه؟.
????ملك المغرب: سنقوم بذبح الأضحية نيابة عن شعبنا وسيراً على سنة جدنا المصطفى عليه السلام. pic.twitter.com/3ENolHH6l6 — الأحداث العالمية (@NewsNow4USA) February 27, 2025
وفي سياق متصل، يشار إلى أنه سبق للملك الراحل الحسن الثاني أن أعلن 3 مرات عن "إلغاء القيام بشعيرة الأضحى"، تمّت الأولى عام 1963 بسبب ما كبدته "حرب الرمال" من استنزاف اقتصادي للبلاد، والثانية عام 1981 بسبب ضراوة الجفاف، وهو الأمر نفسه الذي تكرر خلال سنة 1996.
وكان العاهل المغربي الراحل، قد قال على لسان وزير الأوقاف الراحل، عبد الكبير العلوي المدغري: "ذبح الأضحية سنة مؤكدة، لكن إقامتها في هذه الظروف الصعبة من شأنه أن يتسبب في ضرر محقق، بسبب ما سينال الماشية من إتلاف وما سيطرأ على أسعارها من ارتفاع يضر بالغالبية العظمى من أبناء شعبنا، لاسيما ذوي الدخل المحدود".
أحزاب تثمّن..
أحزاب سياسية مغربية، بشكل متسارع، ثمّنت القرار الملكي بحثّ المغاربة على عدم القيام بشعيرة ذبح أضحية العيد هذه السنة، وأجمعت على أنّ: "القرار يعكس حرص الملك على التخفيف من الأعباء المعيشية للمواطنين، والتيسير في إقامة الشعائر الدينية، وفق ما تقتضيه الضرورة والمصلحة الشرعية".
وأبرز حزب التجمع الوطني للأحرار، الذي يقود الحكومة المغربية الحالية، أنّ: "القرار يأتي في ظرفية صعبة تمر منها بلادنا، نتيجة التحديات المناخية والاقتصادية التي تعرفها المملكة بفعل توالي سنوات الجفاف للسنة السابعة على التوالي؛ ما أدى لتسجيل تراجع كبير في أعداد الماشية، حيث من شأن هذا القرار أن يساهم في إعادة تشكيل القطيع الوطني".
وأشار الأحرار، عبر بلاغ، إلى: "حرص أمير المؤمنين على التشبث بمظاهر ديننا الحنيف، من خلال إحياء عيد الأضحى وفق طقوسه المعتادة ومعانيه الروحانية النبيلة، وما يرتبط به من صلاة العيد في المصليات والمساجد وإنفاق الصدقات وصلة الرحم، وكذا كل مظاهر التبريك والشكر لله على نعمه مع طلب الأجر والثواب".
من جهته، قال المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، عبر بلاغ له، إنه: "تلقى بارتياح كبير القرار الملكي الحكيم الذي يعد الإجراء المناسب على التراجع الكبير في أعداد الماشية، وما يترتب عن ذلك من تداعيات اجتماعية واقتصادية تقلق الأسر المغربية".
كذلك، أكّدت الأمانة العامة لحزب الحركة الشعبية، أنّها تلقّت بارتياح ورضا كبيرين قرار الملك محمد السادس، موضّحة أنّ: "القرار يأتي مراعاة من الملك للقدرة الشرائية لغالبية المغاربة، واستنادا إلى ما يعرفه القطيع من قلة وندرة".
وأشارت الحركة الشعبية، في بلاغ لها، إلى: "حرص الملك على اعتماد السماحة والاعتدال في الدين، الذي هو يسر وليس عسرا، في تطبيق موفق ومطلوب لمقاصد الشريعة وحفظ مصالح العباد، وعملا بقوله تعالى في سورة البقرة: "لا يكلف الله نفسا إلا وسعها"".
تشكيك واستفسارات بالجُملة..
"الإجراءات التي جاء بها مخطط المغرب الأخضر لم يأخذ بعين الاعتبار التوجهات الملكية منذ التسعينات ولا الوضعية المائية للبلاد آنذاك" هكذا انطلق المهندس والمستشار في الاقتصاد الزراعي والتنمية القروية، العربي الزكدوني، في حديثه مركّزا على: "رفع الإنتاج في عدد من الزراعات، وكأنّ المغرب في مأمن من خطر استنزاف موارده المائية".
وتابع الزكدوني خلال ندوة لحزب العدالة والتنمية، بتاريخ 12 نيسان/ أبريل 2025، مبرزا نماذج من الزراعات المستنزفة للموارد المائية المغربية، من قبيل: تمر المجهول الذي انتشر بمنطقة بوذنيب، بالقول إنّ: "هذه الأراضي ذات طبيعة رعوية وليست مهيأة للزراعة، غير أنه جرى تحويلها لأراضٍ فلاحية عبر استغلال المياه الجوفية، وذلك بدعم قوي من الدولة".
وأوضح المستشار في الاقتصاد الزراعي أنّ: "هذه المناطق تستخدم أحواضا مائية بمساحة كبيرة لتخزين المياه المستعملة في الزراعة"، مستنكرا استعمال هذه التقنية رغم نسبة التبخر الجد مرتفعة لهذه المياه، خاصة في خضمّ ارتفاع درجات الحرارة خلال أشهر فصل الصيف بهذه المناطق.
وخلص إلى أنّ: "وضع مخطط المغرب الأخضر كان عليه الأخذ بعين الاعتبار تقارير منظمة الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ "جيك" (GIEC)، والتي حذّرت من التداعيات الخطيرة للتغير المناخي بعدد من دول المنطقة، وعلى رأسها المغرب".
أمّا بخصوص الإنتاج الحيواني، بيّن الخبير أنّ: "معظم مدخلات هذه الصناعة يتم استيرادها من الخارج، ما يجعلها صناعة تجميع وليس صناعة إنتاجية"، مردفا: "بالنسبة لقطاع الحليب، فإنه منذ سنة 1994 إلى 2024 استورد المغرب ما مجموعه نصف مليون بقرة حلوب".
"كيف استمرّ المغرب في وتيرة الاستيراد بمعدل 10 آلاف بقرة حلوب لمدة تناهز نصف قرن دون أن يتمكن من إنتاج البقر الحلوب في اتجاه تحقيق الاكتفاء الذاتي من مادة الحليب؟" استفسر الزكدوني. كما تطرق لمشكل تراجع القطيع الوطني.
وأوضح: "منذ سنة 1994 إلى آخر سنتين سجّل القطيع الوطني من الأغنام ارتفاعا مستمرًا، مدعوما ببرامج إنقاذ القطيع التي انطلقت بسبب أزمة الجفاف في الثمانينيات، ما ساهم في ارتفاع أعداد الرؤوس" مردفا: "هذا الوضع رفع من حجم الضغط على الموارد الرعوية للبلاد".
واسترسل: "المشكل تفاقم بسبب توسّع الرقعة الزراعية على حساب المناطق الرعوية، إذ تشير أرقام إحصاء سنة 1996 لارتفاع المساحة المزروعة منذ سنة 1974 بمليون ونصف هكتار. 70% من هذا الرقم تم انتزاعه من المناطق الرعوية، ما يعني نتيجة محسومة تتمثل في انتشار ظاهرة التصحر".
بدوره، كان الأستاذ الجامعي المتخصص في الاقتصاد الفلاحي، نجيب أقصبي، قد حذّر من استمرار المغرب في فقدان سيادته الغذائية، بالقول إنّ: "البلاد تعيش منذ عقود في حلقة مفرغة: تعبئة وقت الأزمات، ثم نسيان كامل بمجرد تحسن الظروف المناخية".
وأوضح أقصبي، خلال عدد من الندوات الفكرية، التي انعقدت في الآونة الأخيرة، أنّ: "مقارنة وضع الثمانينات باليوم لم تعد ممكنة، في ظل النمو السكاني المتزايد واستنزاف الموارد المائية، ما جعل الاكتفاء الذاتي في الغذاء أمرا غير واقعي"، فيما انتقد بشدّة، السياسات الفلاحية المتبعة منذ عقود.
واعتبر المتخصص في الاقتصاد الفلاحي أنها: "قامت على خدعة مؤهلات غير حقيقية، وأنتجت نموذجا فلاحيا يخدم التصدير على حساب الأمن الغذائي والعدالة الاجتماعية، دون القدرة على ضمان عيش كريم لسكان القرى أو دعم الاقتصاد الوطني"، مشيرا إلى أن اختيارات الري كانت خاطئة، حيث أنّ: "نسبة كبيرة من المياه تتبخر قبل أن تصل إلى الحقول".
إلى ذلك، أبرز أقصبي أنّ: "سياسة السدود رغم الموارد الهائلة التي خُصّصت لها، لم تحل أزمة العطش، بل همّشت أكثر من 80% من الأراضي الزراعية"، فيما اعتبر مخطط "المغرب الأخضر": "استمرارا لسياسات فاشلة زادت من تبعية المغرب للأسواق الخارجية، حيث تم دعم كبار الفلاحين دون رقابة، وتم توسيع الاستغلال الجائر للفرشة المائية".
هل المخطط فاشل؟
في حديثه لـ"عربي21" أوضح الأستاذ الباحث في علم الاجتماع السياسي، حسن بلوان، أنّ: "المخطط الأخضر، مشروع استراتيجي طموح وشامل رصدت له إمكانيات مادية ولوجيستيكة ضخمة، حقّق نتائج إيجابية، وأخفق في أخرى، نتيجة مجموعة من العوامل والتحديات الذاتية والموضوعية، لكن من المجانب للصواب الحكم عليه بالفشل جملة وتفصيلا".
وأوضح: "الفلاحة المغربية تعدّ ركيزة في الاقتصاد الوطني، وحقّقت أرقام معاملات مهمة، وروّجت للمنتوجات في مجموعة من مناطق العالم، خاصة فيما يتعلق بالخضر والفواكه، لكن بالوقت نفسه هناك تراجعا خطيرا على مستوى اللحوم والحبوب بفعل عاملي سوء التدبير وتوالي سنوات الجفاف الذي أدّى بالمغرب لمرحلة إجهاد مائي غير مسبوق".
وأوضح بلوان: "بعض النتائج المتواضعة التي خلفها المخطط الأخضر في بعض المجالات ترتبط بعاملين أساسيين: يرتبط الأول بتغيرات مناخية حادة التي واكبها جفاف حاد، توالى لأزيد من سبع سنوات؛ أثّر على الموارد المائية السطحية والجوفية".
"يرتبط الثاني بسوء تدبير قطاعي حيوي لثلاث ولايات حكومية، غابت فيه الرؤى الاستشراقية، في ظل تغيرات مناخية قاسية تستهدف مجموعة من مناطق العالم ومن بينها المغرب" بحسب المتحدّث نفسه لـ"عربي21"، مردفا: "ساهمت التحديات المناخية والثّغرات التدبيرية والتقنية في التعارض الصارخ بين أهداف المخطّط وبين النتائج المعلنة".
وأكّد: "هذا المخطط حساس وحيوي، يرتبط بالأمن الغذائي للمغاربة، فمن الضروري أن يتم التعامل معه بالحزم الكافي، وبذلك اختيار الوزير المكلف بالقطاع وكبار الموظفين يجب أن يخضع لمعايير حازمة، انطلاقا من الكفاءة والخبرة والمواكبة، وربط المسؤولية بالمحاسبة، بعيدا عن التجاذبات الحزبية والسياسية الضيقة، مع أخذ بعين الاعتبار الإكراهات المناخية وتقلبات الأسواق وتأثّر سلاسل الإمداد الإقليمية والعالمية".
وخلصت "عربي21" إلى أنه: بين أطنان البطيخ الأحمر التي تزين موائد الأوروبيين، وقوافل الصهاريج التي تزوّد بيوت الزاكوريين بماء الشرب، يختزل المشهد المغربي تناقضا يطرح أسئلة ملحّة حول أولويات التنمية. فـ"مخطط المغرب الأخضر" الذي أراد أن يضع الزراعة في قلب الاقتصاد الوطني، انتهى به المطاف ليضع المواطن المغربي في قلب المعاناة، وفقا لأخصائيين وتقارير موضوعاتية.
إلى ذلك، القرار الملكي بحث المغاربة لعدم ذبح الأضاحي، جاء كجرس إنذار أخير، اعترافا غير مباشر، بفشل نموذج زراعي استنزف الموارد، لسنوات طويلة. لكن السؤال الأكبر يبقى: هل ستكون هذه اللحظة نقطة تحول حقيقية نحو مراجعة شاملة للسياسات الزراعية، أم أنها ستكون مجرد استجابة مؤقتة لأزمة مناخية ستتفاقم في السنوات القادمة؟.