لأكثر من قرن، سهّل الدولار تدفّق الأموال والسلع حول العالم سواء لشراء أو بيع النفط. وعادةً ما يتم تسعير سندات الدول المصدرة للديون الحكومية بالدولار الأميركي.

وعلى مدى أجيال، كان الدولار الملاذ الآمن للمستثمرين عندما تنهار الأسواق. وبدت أهميته جلية عندما عزلت الولايات المتحدة روسيا فعليًا عن النظام المالي العالمي بفرض عقوبات عليها خلال السنة الماضية.

وفي مقال نشره موقع "بيزنس إنسايدر"(Businessinsider) الأميركي، قال الكاتب فيل روزن إنه حسب ما يتم تداوله فإن عهد الدولار باعتباره الأداة المالية المفضلة في العالم ربما أوشك على الانتهاء.

وبناء على دوافع سياسية واقتصادية، أشارت العديد من الدول -على غرار إسرائيل وفرنسا وروسيا والصين- إلى أنها تتطلع إلى البدء في إجراء مزيد من المبادلات بعملة أخرى غير الدولار، حيث بدأت البنوك المركزية الابتعاد تدريجيا عن الدولار، باستحواذ عملات مثل اليوان الصيني والين الياباني واليورو الأوروبي على حصة متزايدة من الاحتياطيات العالمية.


وحسب بعض الخبراء الماليين، فإن هذه السيناريوهات المتشائمة مبالغ فيها، ولكن هناك أسبابا حقيقية تقف وراء هذه النظرية.

فقد تراجعت النسبة المئوية للمعاملات المالية بالدولار خلال العقود القليلة الماضية، وانخفضت النسبة المئوية لاحتياطيات البلدان النقدية بالدولار. ولكن هذه التحولات، رغم أهميتها، لا تعني أن هيمنة الدولار ستنتهي في أي وقت قريب.

ونقل الكاتب عن الأستاذ المالي بجامعة ستانفورد، تشينزي شو، أنه لا يوجد حتى الآن بديل قابل للتطبيق للعملة الأميركية، وتساءل "ما العملة التي ستعتمدها تلك البلدان بدلا من الدولار؟".

حتى الآن لا يوجد بديل قابل للتطبيق للعملة الأميركية (رويترز) النفوذ المتنامي للدولار

على مدى السنوات 102 الماضية، تربّعت الولايات المتحدة على عرش العملات، حيث سمحت طبيعة العولمة الاقتصادية باكتساب الدولار مكانةً أقوى من العملات الاحتياطية السابقة.

ووفقًا لصندوق النقد الدولي، فإن ما يقارب 60% من الاحتياطيات الدولية محتفظ بها في أصول مقوّمة بالدولار، وتظهر بيانات بنك التسويات الدولية أن الدولار مُستخدم في حوالي 88% من جميع المعاملات التجارية الدولية.

وذكر الكاتب أن أفضل اختبار لمعرفة مدى التأثير الذي تتمتع به هذه العملة الاحتياطية هو النظر إلى ما يحدث أثناء الأزمات المالية. وعلى مدى القرن الماضي، يلجأ المستثمرون دائمًا إلى الأصول التي يمكن تحويلها إلى الدولار.

وحسب غريغوري برو، المحلل بشركة الاستشارات "أوراسيا غروب" (Eurasia Group) فإن دولا مثل الصين تفعل ما في وسعها "لتتحدى هيمنة الولايات المتحدة" ولكن حتى يحين الوقت لن يفقد الدولار مكانته في أي وقت قريب.

حصة الاحتياطيات العالمية المحتفظ بها بالدولار شهدت انخفاضا حادا عام 2022 (شترستوك) تهديدات للهيمنة

وحسب ستيفن جين، الرئيس التنفيذي لشركة "هورايزن إس إل جي كابيتال"(Horizons SLG Capital) فإن حصة الاحتياطيات العالمية المحتفظ بها بالدولار شهدت انخفاضا حادا عام 2022، حيث تآكلت بما يقارب 10 أضعاف متوسّط الوتيرة السنوية في العقدين الماضيين.

وحسب جين، فإن الشهية لاستخدام الدولار قد تراجعت مؤخرًا، وبعد 15 سنة من التراجع التدريجي، شهدنا هبوطا حادا العام الماضي.

وذكر الكاتب أنه عندما جمّدت الولايات المتحدة مئات المليارات من احتياطيات موسكو بالدولار، أدركت الدول الأخرى بأنه يمكن استخدام الدولار سلاحا، لذلك تفكر بعض الدول الأخرى في "احتضان العملة المحلية في حال انتهى بها المطاف في مكان روسيا، حيث أصبحت جميع أصول الدولار غير قابلة للاستخدام".

وبذلت الصين جهودا متضافرة للترويج لعملتها "اليوان" للتجارة الدولية كوسيلة لحماية نفسها خلال فترة التوترات الجيوسياسية المتزايدة مع الولايات المتحدة. ومع ذلك، فإن اليوان يشكل أقل 3% من عملات الاحتياطيات العالمية، ولكنه شهد أسرع معدل نمو لأي عملة منذ عام 2016.

وقد أشارت دول البريكس (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا) إلى أنها تريد إطلاق عملة مشتركة لمنافسة الدولار مباشرة. وقال الرئيس البرازيلي اليساري لويس إيناسيو لولا دا سيلفا في أبريل/ نيسان الماضي "أسأل نفسي كل ليلة لماذا يتعين على جميع البلدان أن تبني تجارتها على الدولار. لماذا لا يمكننا استخدام عملاتنا الخاصة في التجارة؟".


تراجع وتوقعات

أخبر كل من ألكسندر وايز وجان لويز الخبيرين الإستراتيجيين في بنك "جي بي مورغان" (JPMorgan) العملاء أنهم يتوقعون فقط تراجعا هامشيا للدولار خلال العقد المقبل.

وإذا تراجع وضع الدولار بعد ذلك، فمن المحتمل أن تشهد الأصول الأميركية ضربة -بما في ذلك انخفاض الأسهم، وارتفاع عائدات السندات، وارتفاع سعر الواردات. وقال وايز ولويز إن التهديد الأكبر يكمن في تضرر المكانة الجيوسياسية للولايات المتحدة.

وكتب الخبيران الإستراتيجيان في يونيو/حزيران أنه "من المحتمل أن يكون لخفض الدولرة في حد ذاته تأثير ضئيل على النمو والتضخم، لكن الأحداث السلبية -التي يمكن أن تحفز إزالة الدولرة- من المحتمل أن تؤدي إلى تفاقم كليهما".

وإذا كانت العملة الاحتياطية تتعلق بالثقة، فإن أي تحول بعيدا عن الدولار سيشير إلى تآكل الثقة في الحكومة والاقتصاد والنظام المالي لدى الولايات المتحدة.

ومن الواضح أن الأحداث التي من شأنها أن تسبب هذا التراجع في الثقة، ستكون لها آثار سلبية على الاقتصاد والمجتمع. وقد يؤدي التخلف عن سداد الديون المدفوع سياسيا أو سحب الاستثمارات المفاجئ من الأصول الأميركية لتآكل هذه الثقة.

ووفقا لفريق "جي بي مورغان" فإن المسار الأكثر ترجيحا للمضي قدما هو التخلص الجزئي من الدولرة الذي يحدث على مدى عدة عقود، مع كون اليوان هو المرشح الأكثر احتمالا لخفض حصة الدولار في التجارة والاحتياطيات.

ولكن التحول إلى اليوان سيأتي مع مجموعة من الإصدارات الجديدة، بدءا من قواعد الصين حول النقد وصولا إلى المشاكل الاقتصادية الخاصة بالبلاد.

وحتى تنتهي الدولرة، يجب أن يتحقق مخزون كبير جدا من الديون الآمنة منخفضة المخاطر المدعومة بعملة أخرى، وقد قال الأستاذ المالي بجامعة ستانفورد إن هذا سيتطلب على الأرجح تحقق سيناريو أزمة حيث يتخلص الجميع من دولاراتهم دفعة واحدة. ومرة أخرى، فإن احتمال حدوث ذلك يظل ضئيلا.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: الولایات المتحدة على مدى

إقرأ أيضاً:

ترامب وإنهاء الحروب.. هل يكون 2025 عام الانتعاش الاقتصادي العالمي؟

يؤكد العديد من الخبراء الاقتصاديين والسياسيين بأن عام 2025 هو عام التعافي الاقتصادي عالميا، خاصة بعد وعد دونالد ترامب، الرئيس الأمريكي المنتخب، بإنهاء الحروب وإعادة الاستقرار والبناء.

ومن المحتمل أن يكون عام 2025 عامًا مليئًا بالتغيرات الاقتصادية والسياسية، ولكن تحديد ما إذا كان سيكون "عام التعافي الاقتصادي" يعتمد على عدة عوامل.

 من بينها:

1. الوضع الجيوسياسي:

إذا انتهت الحرب في أوكرانيا بسلام واستقرار نسبي، فقد يؤدي ذلك إلى انخفاض التوترات الجيوسياسية، وهو ما يُمكن أن يُحسن الاقتصاد العالمي من خلال تقليل أسعار الطاقة والغذاء.

بالنسبة لحرب غزة، قد تعتمد التأثيرات الاقتصادية على مدى استقرار المنطقة بعد انتهاء الصراع.

2. سياسات ترامب

ترامب وعد بإنهاء الحروب وتركيز السياسات على الشؤون الداخلية. إذا نجح في تحقيق الاستقرار وتعزيز التجارة، فقد يسهم ذلك في تحفيز الاقتصاد الأمريكي، ما سينعكس على الأسواق العالمية.

مع ذلك، سياسات ترامب قد تكون مثيرة للجدل عالميًا، مثل العقوبات التجارية أو التركيز على الحمائية الاقتصادية.

3. التضخم وأسعار الفائدة:

تعتمد الكثير من الاقتصادات العالمية على قرارات البنوك المركزية بشأن الفائدة. إذا تمكنت هذه البنوك من السيطرة على التضخم وخفضت الفائدة، فإن ذلك قد يشجع الاستثمار والاستهلاك.

4. تعافي سلاسل التوريد العالمية:

الحرب في أوكرانيا والجائحة أثرتا على سلاسل التوريد. إذا استمرت الجهود في إصلاح هذه السلاسل، فقد نشهد انتعاشا في التجارة الدولية.

5. أداء الاقتصادات الكبرى:

انتعاش الصين والولايات المتحدة وأوروبا يمكن أن يكون له تأثير كبير على الاقتصاد العالمي. التركيز على التحول للطاقة النظيفة والبنية التحتية الرقمية قد يكون مفتاحًا للتعافي.

مقالات مشابهة

  • تعافى الاقتصاد مرهون باستراتيجية تحدد الميزة التنافسية لقطاعات الصناعة
  • النقد الدولي يتوقع نمو الاقتصاد العالمي العام الجاري
  • «ليبراسيون»: الاقتصاد العالمي ينتظر بفارغ الصبر أجندة ترامب الاقتصادية
  • المركزي الروسي يخفض الدولار واليورو ويرفع سعر اليوان الصيني أمام الروبل
  • أستاذ علوم سياسية: الولايات المتحدة الأمريكية تشهد توجها ضد النخب
  • صندوق النقد الدولي يتوقع نمو الاقتصاد العالمي بنسبة 3.3 بالمائة في 2025
  • ترامب وإنهاء الحروب.. هل يكون 2025 عام الانتعاش الاقتصادي العالمي؟
  • المركزي الروسي يخفض سعر الدولار واليورو مع استقرار اليوان أمام الروبل
  • “روسكونغرس”: الولايات المتحدة ستبدأ حربا تجارية جديدة واسعة النطاق عام 2025
  • روسكونغرس: الولايات المتحدة ستبدأ حربا تجارية ضد أقرب حلفائها عام 2025