منذ فوز حركة المقاومة الإسلامية (حماس) بالانتخابات التشريعية الفلسطينية عام 2006، فرض الاحتلال حصارا سياسيا واقتصاديا على الضفة الغربية وقطاع غزة، ثم تركز هذا الحصار على غزة عقب الحسم العسكري وانفراد حماس بحكم القطاع وخروجها من مشهد الحكم بالضفة المحتلة عام 2007.

وهدف الاحتلال من خلال حصاره لمعاقبة الفلسطينيين على انتخاب حركة ترفع شعار المقاومة و"كيّ وعيهم" بما يمنعهم من تكرار فعل كهذا، إضافة إلى محاولة تغيير فكر وإستراتيجية حماس للقبول بالانخراط في مسار التسوية السلمية والتخلي عن العمل المقاوم.

ولم يكن موضوع الحصار غائبا عن دوافع حماس في القيام بعملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، وما زال في صلب التدافع بخصوص شروط وقف الحرب التي يدور التفاوض حولها.

وفي ضوء مركزية ملف الحصار سياسيا واقتصاديا وعسكريا، نستطلع فيما يلي مفهوم الحصار وأهدافه وطرق مقاومته تقليديا، وتجربة قطاع غزة بهذا الصدد.

تكتيك الحصار وأهدافه

ارتبط الحصار تاريخيا بحالة الحرب، إذ كان تكتيكا يهدف إلى إجبار دولة أو مدينة على الاستسلام، من خلال قطع المؤن والإمدادات العسكرية عنها لفترة طويلة.

ومن أقدم التجارب بهذا الشأن حصار الإسبارطيين للأثينيين في القرن الخامس قبل الميلاد. وكان الحصار في حالة السلم، وترتيبات العقوبات الاقتصادية، حاضرين أيضا في اليونان القديمة.

وتناول الفيلسوف الصيني الشهير صن تزو تكتيك الحصار في كتابه "فن الحرب" محذرا من مخاطره على المهاجمين أغلب الأحيان.

واستمر الحصار كتكتيك مركزي منذ العصور الوسطى إلى الوقت الحالي، مع تطور أشكاله، ودعمه بغطاء سياسي دولي من منظمة الأمم المتحدة، كما حدث في حصار العراق وليبيا والسودان.

حصار العراق

ويعد حصار العراق من الأمثلة على استخدام الحصار في وقت السلم لتحقيق أهداف سياسية، إذ فرض القرار الأممي رقم 661، في أغسطس/آب 1990، عقوبات اقتصادية خانقة عليه لتجبره على الانسحاب الفوري من الكويت، لكنّها استمرت عقب ذلك نحو 13 عاماً، ودمرت، هي والحرب، مقومات الدولة المدنية والعسكرية على حد سواء. وهذا ما دفع دينيس هاليداي مساعد الأمين العام الأممي ومنسق الشؤون الإنسانية بالعراق للاستقالة عام 1998.

ووصف هاليداي ما رآه لدى زيارته العراق حينها -في مقابلة أجراها مع موقع "العالم ما بعد الحرب- بقوله: إن العقوبات كانت شاملة وذات نهايات مفتوحة، بمعنى أنها تطلبت قرارًا من مجلس الأمن لإنهائها.

وفي حرب الخليج، قامت الولايات المتحدة وبدعم من بريطانيا وبعض الدول بقصف العراق واستهدفت البنية التحتية المدنية، بما في ذلك أنظمة الاتصالات والطاقة الكهربائية، مما قضى على إنتاج الغذاء والبستنة وجميع ضروريات الحياة الأساسية. كما أغلقوا الصادرات والواردات، وتأكدوا من أن العراق غير قادر على تصدير نفطه الذي كان المصدر الرئيسي لإيراداته في ذلك الوقت.

وقام المحاصرون باستخدام سلاح اليورانيوم المنضب، وأدى التراكم الهائل للمخلفات النووية إلى انتشار سرطان الدم بين الأطفال. وفي الوقت نفسه، حظرت واشنطن ولندن بعض مكونات العلاج، وبدا الأمر مرة أخرى إبادة جماعية إذ حُرم الأطفال العراقيون من حقهم في البقاء على قيد الحياة.

وفي تحليلهما للحصار وأهدافه، رأى الباحثان العراقي طارق يوسف إسماعيل والأميركي وليام حداد في كتابهما "العراق.. الضريبة البشريَّة للتاريخ" أن الحصار كان مخالفا للقانون الدولي وأن الدوافع الحقيقية لواشنطن ولندن كانت الهيمنة على الشرق الأوسط الذي يحتوي على أكبر موارد النفط وأغناها، والسعي لتحييد نفوذ العراق.

وبالنظر لهذا السلوك من الولايات المتحدة وبريطانيا والصمت الأممي تجاهه، يمكن فهم تجرؤ دولة الاحتلال على فرض الحصار على الفلسطينيين لأسباب سياسية، وهي تصويتهم بنسبة مرتفعة لصالح حماس بالانتخابات التشريعية، وتشديدها الحصار على القطاع عقب سيطرة حماس عليه، وصولا إلى قطع الماء والكهرباء والوقود عنه عقب "طوفان الأقصى" دون خوف من ملاحقة أو محاسبة دولية.

أنواع الحصار

يطلق مصطلح الحصار عادة على نوعين هما: الحصار الشامل والعقوبات الاقتصادية، وتفرق تعريفات الحصار بين ما هو فعّال أو غير فعّال أو شكليّ، ويرتبط الأمر بمدى القدرة على إنفاذه.

وعلى سبيل المثال، تمكنت إيران من الالتفاف على العقوبات الدولية بطرق منها اتفاقات المقايضة المعززة بتحركات سياسية وعسكرية تسعى لنزع شرعية العقوبات، والتلويح باستخدام القوة الخشنة لحماية صادراتها واستهداف مصالح الدول التي تسعى لتطبيق إجراءات الحصار. وسلوك كهذا يستهدف إبقاء الحصار في حالة غير فعالة.

ولم تنجح 6 عقود من العقوبات الأميركية على كوبا في تغيير سياستها، رغم إسهامها في المعاناة الواسعة النطاق للشعب الكوبي، والأمر شبيه في حالة كوريا الشمالية، حيث عزز النظام تحالفه مع خصوم واشنطن، وطوّر برنامجا نوويا وصناعات عسكرية عزّرت قوته وأضعفت احتمالات تعرضه لهجوم خارجي.

وتمكن البوسنيون من تحييد فعالية حصار الصرب لعاصمتهم سراييفو الأعوام 1992- 1996 من خلال حفر نفق زوّد المدينة بالمقاتلين والاحتياجات المدنية والعسكرية، مما أدّى إلى تغيير مسار الحرب وأسهم في نيلهم الحكم الذاتي.

حصار غزة

ويعدّ ما يتعرض له قطاع غزة مزيجا من العقوبات الاقتصادية في أوقات الهدوء والحصار الشامل أوقات الحرب، ويوثق المرصد الأورومتوسطي هذا بقوله إن إسرائيل فرضت الحصار على القطاع عقب فوز حركة حماس بالانتخابات التشريعية، ثم شددته بعد سيطرتها عسكريًا على القطاع في يونيو/حزيران 2007، إذ أعلنت هذا القطاع كيانًا معاديا.

كما فرضت إسرائيل عقوبات إضافية مسّت على نحو مباشر بالحقوق الأساسية للسكان، وشمل ذلك فرض قيود مشددة على دخول الوقود والبضائع وحركة الأفراد مـن وإلى القطاع.

وعلى مر السنين، عملـت السـلطات الإسرائيلية علـى ترسيخ سياسة عـزل القطاع، من خلال فصله عـن الأراضي الفلسطينية بالضفة والقدس الشرقية، إلى جانب التحكم في كمية ونوعية البضائع والمواد التي تدخل إلى القطاع وحظر المئات منها، مما تسبب بركود اقتصادي شامل، وارتفاع حاد في معدلات الفقر والبطالة.

وعلاوة على ذلك، أثّر الحصار الإسرائيلي على نحو خاص على القطاع الصحي في غزة، إذ لا تتوفر كثير من الأصناف واللوازم الطبية الأساسية، ويضطر كثير من المرضى للانتظار لأشهر من أجل إجراء العمليات الجراحية.

ما بعد "طوفان الأقصى"

أما عقب السابع من أكتوبر/تشرين الأول، فقد أعلنت إسرائيل الحصار الشامل على غزة بعده بـ48 ساعة من قبل وزير الدفاع يوآف غالانت، كما أمر وزير الطاقة يسرائيل كاتس بقطع إمدادات المياه عن غزة.

ووصف تقرير مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية ‏"أونكتاد" -في يناير/كانون الثاني 2024- أثر الحصار المترافق مع الضربات العسكرية الإسرائيلية على القطاع بقوله "إن الظروف المعيشية في غزة في أدنى مستوياتها منذ بدء الاحتلال عام 1967".

بينما أشار تقرير "التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي" المدعوم أمميا، والصادر في 21 ديسمبر/كانون الأول 2023 إلى أن "أكثر من 25% من الأسر في القطاع تعاني من الجوع الشديد". كما أكد أن جميع سكان غزة "يعانون من أزمة أو مستويات أسوأ من الانعدام الحاد للأمن الغذائي".

وأظهر أيضا أن 26% من السكان (نحو 577 ألف شخص) قد استنفدوا إمداداتهم الغذائية وقدراتهم على التكيف، ويواجهون جوعا كارثيا (المرحلة الخامسة من التصنيف المرحلي المتكامل) ومن الجوع الحاد.

وقال التقرير إن هناك خطرا لحدوث المجاعة في غزة خلال الأشهر الستة اللاحقة لصدوره "إذا استمر الصراع العنيف وتقييد وصول المساعدات الإنسانية".

ووفقا للأمم المتحدة تُعرف المجاعة بأنها "الجوع الذي تواجه فيه ما لا يقل عن 20% من الأسر نقصا شديدا في الغذاء، ويعاني 30% من الأطفال على الأقل من سوء التغذية الحاد، وتحدث في ظله أكثر من حالتي وفاة يوميا من بين كل 10 آلاف شخص بسبب الجوع الشديد أو نتيجة لسوء التغذية والمرض معا".

مقاومة حصار غزة

منذ فوز حماس بالانتخابات التشريعية وظهور بوادر الرفض الدولي لخيار الشعب الفلسطيني، سعت لتشكيل حكومة تجمع مختلف أنواع الطيف السياسي الفلسطيني بما يضعف شرعية أي إجراءات عقابية دولية على الفلسطينيين، إلا أن الضغوط الدولية والمراهنة على إفشال أي حكومة تقودها المقاومة منع تشكّل حكومة كهذه آنذاك.

كما سعت حماس إلى تصدير خطاب سياسي يخفف الضغوط الدولية وتداعياتها المعيشية على الشعب بالضفة والقطاع، فاعتمدت "وثيقة الوفاق الوطني" أساسا لبرنامج حكومة الوحدة الوطنية برئاسة اسماعيل هنية ومشاركة وزراء من حركة فتح والجبهة الديمقراطية وغيرها من القوى الفلسطينية. إلا أن ذلك لم يمنع من استمرار الحصار.

وعام 2007، انحصرت سلطة الحكومة التي ترأسها حماس في القطاع، وشدّد الاحتلال حصاره على القطاع، وتعاونت مصر مع اشتراطات الاحتلال، وسلّمت له بالحق في تقرير ما يدخل وما يخرج منه عبر معبر رفح.

تخفيف الحصار

وفي مواجهة هذا الواقع سعت حماس لتخفيف هذا الحصار بوسائل عديدة:

على المستوى السياسي أدارت مفاوضات طويلة للمصالحة مع فتح، وكان من أهم أهدافها تخفيف الحصار على القطاع، وتولي السلطة مسؤولية توفير المستلزمات المعيشية لأهل القطاع، إلا أن ربط السلطة المعلن للمصالحة باشتراط موافقة حماس على اتفاقيات أوسلو كان سببا رئيسيا في عدم نجاح هذا المسار. على صعيد العلاقات مع مصر، تجنّبت حماس التصعيد الإعلامي والسياسي حرصا على تخفيف ظروف الحصار، وتعاونت معها في ضبط الحالة الأمنية الحدودية، وهو ما أسهم في وجود ظروف مخففة من الحصار فترات عديدة. كان رفع الحصار هدفا أساسيا في جولات التصعيد العسكري والحروب التي خاضتها المقاومة مع الاحتلال الأعوام: 2008 و2012 و2014 و2021 و2023، إضافة إلى مسيرات العودة التي استمرت منذ مارس/آذار 2018 وحتى سبتمبر/أيلول 2019.
وفي حين أسهمت هذه الإستراتيجية في تخفيف الحصار مرحليا، إلا أن الاحتلال كان يعمد إلى تعميق جراح الشعب من خلال الدمار الواسع الذي يخلّفه عدوانه على القطاع، وإعاقته إعادة الإعمار بالتفاهم مع السلطات المصرية، وبغطاء أميركي وأوروبي. ولتوفير اللوازم المدنية والعسكرية ومواجهة الحصار، لجأ أهل القطاع إلى حفر الأنفاق والتهريب عبر البحر والبر، وهو ما أسهم في بناء المنظومة القتالية للمقاومة على مدار قرابة عقدين من الزمن. غير أن النظام المصري شن منذ أكتوبر/تشرين الأول 2013 حملة واسعة لتدمير الأنفاق وإقامة منطقة عازلة داخل الحدود المصرية، مما قلّل من قدرة الأنفاق على توفير احتياجات القطاع. وفي رد فعل آخر على الحصار، لجأ أهل القطاع إلى اختراق الحدود مع مصر بأعداد كبيرة للتزوّد باحتياجاتهم الضرورية مرتين، أولاهما في سبتمبر/أيلول 2005، وثانيهما في يناير/كانون الثاني 2008. إلا أن السلطات المصرية أقامت جدارا عازلا عقب ذلك وعززت انتشارها الأمني لمنع تكرار الحدث. وكان هناك تحرّك دولي تضامني سارت فيه قوافل برية وأساطيل بحرية تحمل مساعدات إنسانية لأهل القطاع، وتسعى إلى الضغط على دولة الاحتلال والسلطات المصرية لرفع الحصار. ومن أبرزها قوافل "أميال من الابتسامات" البرية، وأساطيل الحرية أعوام 2010 و2011 و2015 و2016، والتي منعت قوات الاحتلال وصولها. وأدّى الهجوم الإسرائيلي على أسطول الحرية الأول عام 2010 إلى استشهاد 9 من الناشطين الأتراك، وإلى أزمة دبلوماسية لسنوات مع أنقرة. ومنذ بدء الحصار زاد اهتمام أهل القطاع بمشاريع الإنتاج النباتي والحيواني، بما يشمل أنواع الزراعة المختلفة وتربية المواشي والدواجن والأسماك، إضافة لصيد السمك، وظل هذا محل تدافع مع الاحتلال الذي كان يدمر هذه المشاريع في الحروب ويضيّق عليها بإغلاق المعابر وإعاقة إدخال مستلزماتها وإعاقة تصديرها، ويسهم في مساعي الاحتلال هذه إبقاء السلطات المصرية تخصيص معبر رفح لعبور الأفراد دون البضائع.

وختاما، يظهر استعراض مسيرة الحصار ومقاومته أنه أحد أهم مجالات حرب التحرر من الاحتلال، وأن مصيره مرتبط بمصير هذه الحرب، إذ تتوقف نهايته على أحد أمرين: توقف مقاومة الفلسطينيين للاحتلال وهو غير متوقع، أو انكسار إرادة الاحتلال ونشوء ظرف دولي أو إقليمي يمنع استمرار هذه الجريمة المتواصلة منذ 17 عاما، وهو ما تدفع باتجاهه أمور منها تراجع الشرعية الدولية لدولة الاحتلال، وارتفاع كلفة تأييد سياساتها بالنسبة لرعاتها الغربيين، واتضاح إصرار الفلسطينيين على تجديد ثورتهم على الاحتلال ومقاومتهم إياه بشتى الوسائل.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: بالانتخابات التشریعیة الحصار على على القطاع الحصار فی من خلال إلا أن

إقرأ أيضاً:

ارتفاع جنوني في الأسعار في غزة.. القطاع بين الحصار الإسرائيلي والاحتكار المحلي

تضاعفت تكلفة استيراد الشاحنة الواحدة من الضفة الغربية إلى غزة من 300 دولار قبل الحرب، إلى ما بين 5000 و35 ألف دولار حالياً، تبعاً لقيمة البضائع، مع إضافة 3000 دولار كـ"رسوم حماية"، و4000 دولار كحد أدنى لرسوم النقل

سكان غزة بين نار الغلاء وأزمة إنسانية على شفا الكارثةاعلان

تشهد أسواق قطاع غزة ارتفاعًا حادًا في الأسعار، وسط تدهور غير مسبوق للاقتصاد المحلي، الذي فقد نحو 93% من قوته الشرائية منذ بدء الحرب، وفق تقديرات اقتصادية محلية. وتواجه الأسر الغزية صعوبات بالغة في تلبية احتياجاتها الأساسية، مع عجز المساعدات الإنسانية المحدودة عن سد الفجوة، حيث تُغطي نحو 13% فقط من الاحتياجات اليومية للسكان. 

ولا تُجدي المحاولات المتقطعة لإدخال سلع عبر المعابر المغلقة في تخفيف الأزمة، وسط تحذيرات من انهيار كامل للبنية الاقتصادية، التي تعاني من تدمير شبه كامل للمصانع وفراغ الأسواق من المنتجات الأساسية. وتُسلط الأرقام الضوء على تداعيات إنسانية خطيرة، بينها انتشار الفقر المدقع وانعدام الأمن الغذائي، ما دفع منظمات دولية إلى وصف الوضع بـ"الكارثي". 

وفي ظل غياب حلول مُلموسة، تتحمل الأسر العبء الأكبر، حيث تُجبر النساء على إدارة ميزانية منزلية هزيلة، بينما يعاني الأطفال من تداعيات سوء التغذية. وتُحذر تقارير محلية وأممية من تفاقم الأزمة مع استمرار تعطل عجلة الإنتاج وتراجع فرص التشغيل، في مشهد يُعيد إلى الأذهان أسوأ السيناريوهات التي مر بها القطاع على مدار عقود.

فتى فلسطيني أمام بسطة بيع خضار وفواكه في مدينة دير البلح بتاريخ 7 مارسيورونيوز

 

عوامل متشابكة تُغذّي أزمة الأسعار.. وسكان يواجهون "معادلة مستحيلة"

تشهد أسواق قطاع غزة ارتفاعاتٍ غير مسبوقة في أسعار السلع الأساسية، نتيجة تداخل عوامل اقتصادية ولوجستية، أبرزها تعطّل سلاسل التوريد، وارتفاع تكاليف النقل، وتقلبات أسعار العملات، إضافةً إلى تراجع الدعم الدولي وانخفاض حجم المساعدات الإنسانية التي لا تُغطي من الاحتياجات اليومية للسكان، وفق بيانات محلية. 

وما يساهم في تفاقم الأزمة، ممارساتُ احتكار بعض التجار للسلع، مع تشديد السلطات الإسرائيلية قيودها على دخول البضائع عبر المعابر. وقد أدى هذا إلى اختلال حادّ في توازن العرض والطلب، وتحوّل مواد أساسية مثل الخضروات إلى سلعٍ "ترفيهية" أمام 80% من السكان الذين يعيشون تحت خط الفقر، بحسب إحصائيات أممية. 

Relatedمخيمات النازحين في غزة تزداد اتساعًا.. دمارٌ وركامٌ وانتظارٌ لمصير مجهولإفطار وسط الركام.. الفلسطينيون في رفح يستقبلون أول أيام رمضان في مشهد استئنائي إسرائيل توقف المساعدات إلى غزة وحماس ترفض مقترح ويتكوف لهدنة في رمضانتحذير أممي من مجاعة وشيكة في غزة: المخزون الغذائي لن يكفي لأكثر من أسبوعينكتبٌ تُحرق.. مع شحّ غاز الطهي في غزة أصبحت المؤلفات هي الوقود

 

شهادات: "المعابر مقفلة.. والتجار يتحكمون بالسوق"

أشار محمد الشخريت، تاجر مواد تموينية في دير البلح، إلى أن "الإغلاق الكامل للمعابر حال دون تدفق السلع، رغم اتفاق التهدئة الأخير"، معتبرًا أن "القيود الإسرائيلية على أنواع وكميات البضائع، مع احتكار محلي لتجار، حوّلا الأزمة إلى كابوس". 

من جهته، لفت ثائر الفليت، بائع خضار في إحدى البسطات، إلى أن "أسعار السوق قفزت مع دخول شهر رمضان، بسبب الإغلاق الإسرائيلي المفاجئ للمعابر وتراجع المخزون"، مضيفًا في حديثه أن "فئةً من التجار ترفع الأسعار عبر إطلاق السلع بكميات محدودة، ما يخلق سوقًا موازيةً بأسعار خيالية". 

يحذّر خبراء اقتصاد من تداعيات استمرار الأزمة، خاصة مع تدهور القدرة الشرائية للسكان، وتدمير البنية الإنتاجية، وفق تقارير محلية. كما تُشير منظمات إغاثة إلى تزايد معدلات انعدام الأمن الغذائي، في ظل عجز الأسر عن تأمين أبسط الاحتياجات، وسط غياب حلولٍ عاجلةٍ لتسهيل تدفق المساعدات أو إعادة إعمار القطاع. 

ما يضفي على الأوضاع في غزة تشهد توترًا مع استمرار تعطيل إدخال الوقود والمواد الخام، ما يُهدد بشلل كامل في الخدمات الأساسية، ويزيد من معاناة السكان الذين يُكافحون للبقاء في مواجهة أسعارٍ "لا ترحم".

سوق شعبي صغير في مدينة دير البلح وسط قطاع غزة بتاريخ 7 مارس آذار 2025يورونيوزآليات معقدة لدخول البضائع تعيق تلبية الاحتياجات

تخضع عملية تنسيق دخول بضائع التجار إلى إجراءاتٍ معقدة تُشرف عليها ما تُعرف بـ"دائرة الاقتصاد" التابعة للجيش الإسرائيلي، والتي نقلت مقرَّها مؤخراً إلى معبر بيت حانون "إيرز" شمال القطاع. وتُحدد هذه الدائرة أنواع وكميات السلع المسموح بإدخالها، مع فرض قيودٍ تعسفيةٍ تزيد من تعقيد الأزمة الإنسانية، في وقتٍ يعتمد فيه مليونَا غزيٍّ بشكلٍ شبه كامل على هذه البضائع التي تصلُ بوتيرةٍ لا تلبي سوى جزءٍ يسير من احتياجات السوق المُنهك أساساً.

من جانبها، أكدت هيئة التنسيق الحكومية الإسرائيلية (COGAT) – المسؤولة عن الشؤون الإنسانية في غزة – أن السماح للتجار بنقل المساعدات الإنسانية إلى القطاع مشروطٌ باجتيازهم "فحوصات أمنية مشددة"، وفق آلياتٍ تهدف – بحسب بيان الهيئة – إلى ضمان عدم تسريب مواد قد تُستغل في أنشطة عسكرية.

Related"هذا ليس رمضان، إنه عام الحزن".. كيف استقبل أهل غزة أول أيام شهر الصوم؟رمضان في غزة: موائد الإفطار حاضرة والأحبة غائبونمن يدير سوق غزة وكيف يتحكم به؟!

كشف التاجر م.ب – رفض الكشف عن اسمه بالكامل - عن احتكار خمسة تجارٍ لعملية إدخال البضائع إلى قطاع غزة، ما يمنحهم سيطرة مُباشرة على أسعار السوق، موضحاً أن العملية تتم عبر طريقتين: الأولى بالتنسيق مع الجهات الإسرائيلية، والثانية بشراء "أذونات" من منظمات دولية، تُحوَّل لاحقاً إلى سلعٍ تُروَّج وفقاً لشروطهم، مع فرض أسعارٍ مُحددة. 

Relatedالحوثي يمهل الوسطاء 4 أيام لإدخال المساعدات إلى غزة قبل استئناف الهجمات البحريةإسرائيل توقف المساعدات إلى غزة وحماس ترفض مقترح ويتكوف لهدنة في رمضان

وأشار التاجر إلى أن "قطاع الاقتصاد في غزة يعيش فوضىً تنظيميةً بسبب غياب الرقابة"، لافتاً إلى فرض عناصر تابعة لحكومة غزة (التابعة لحماس) ضوابطَ مالية على التجار، مثل تأمينٍ ماليٍّ قيمته 4000 دولار لكل شاحنة، ما ينعكس ارتفاعاً إضافياً على أسعار المستهلكين. 

اعلان

وأشار المتحدث إلى تضاعف تكلفة استيراد الشاحنة الواحدة من الضفة الغربية إلى غزة من 300 دولار قبل الحرب، إلى ما بين 5000 و35 ألف دولار حالياً، تبعاً لقيمة البضائع، مع إضافة 3000 دولار كـ"رسوم حماية"، و4000 دولار كحد أدنى لرسوم النقل. 

بسطة بيع خضار وفواكه في دير البلح وسط قطاع غزة بتاريخ 7 مارس آذار 2025يورونيوزإمدادات بالقطّارة لا تتجاوز 15% من الاحتياجات

كشف الصحفي والباحث الاقتصادي أحمد أبو قمر عن انهيارٍ شبه كامل في منظومة الإمدادات في غزة، حيثُ لم يَعُد عدد الشاحنات التي تدخل القطاع يومياً يتجاوز 13-15% من المعدلات السابقة للحرب الأخيرة التي بدأت في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 بعد شن حركة حماس عملية طوفان الأقصى. وأوضح أبو قمر أن القطاع كان يحتاج قبل الحرب إلى ما يقارب 400 شاحنة يومياً لتلبية احتياجاته الأساسية، لكن السلطات الإسرائيلية تمنع بشكل شبه كامل دخول الشاحنات منذ اندلاع الحرب، فيما لا يُسمح في أفضل الأحوال بدخول 40 إلى 50 شاحنة فقط عبر المنافذ المفتوحة بشكل متقطع، في إطار ما يُعرف بـ "سياسة التقطير". 

وأضاف أبو قمر قائلا: "الكميات الحالية لا تكاد تُغطي 10% من الاحتياجات الفعلية، خاصة مع تدمير البنية التحتية ونزوح مئات الآلاف من السكان الذين يعتمدون بشكل كلي على المساعدات". وتُفاقم هذه السياسة من الكارثة الإنسانية، حيثُ تتحول المواد الأساسية إلى سلعٍ نادرةٍ تُباع بأسعارٍ خيالية، في مشهدٍ يُنذر بتحوُّل الأزمة إلى مجاعةٍ جماعية. 

ولا تقتصر"سياسة التقطير" الإسرائيلية على تقييد عدد الشاحنات، بل تشمل أيضاً فرض قيود لوجستية تعسفية على نوعية البضائع المسموح بها، ما يُحوّل عملية إنقاذ سكان من خطر المجاعة إلى معركة يومية لأجل البقاء.

اعلان

 تُلقي هذه الممارسات بظلالها على الأزمة الإنسانية في القطاع المدمّر، حيث تتحالف عواملُ الاحتكار الخارجي والداخلي، وارتفاعُ التكاليف، وغيابُ الشفافية، لدفع الأسعار إلى مستوياتٍ خيالية، في مشهدٍ يُحمِّل المواطن الغزيّ فاتورةً باهظةً لا قبل له بها.

 

Go to accessibility shortcutsشارك هذا المقالمحادثة مواضيع إضافية حرب المعلومات في بولندا.. من المستفيد من نشر الدعاية المعادية لأوكرانيا؟ الجيش الإسرائيلي يداهم مواقع في سوريا ويدمر "وسائل قتالية" مع تنامي مشاريع النقل في أوروبا.. كيف تخطط فنلندا لتعزيز اتصالها بالقارة؟ حركة حماسإسرائيلارتفاع الأسعارنزوحالمساعدات الإنسانية ـ إغاثةفقراعلاناخترنا لكيعرض الآنNext العاصفة ألفريد تترك مئات الآلاف من الأستراليين بلا كهرباء في مقاطعة كوينزلاند يعرض الآنNext هجوم روسي مباغت في كورسك: عشرات الجنود يتسللون عبر خط أنابيب الغاز لدخول بلدة سوزيا يعرض الآنNext اختتام المحادثات التمهيدية بشأن تشكيل الحكومة الائتلافية الجديدة في ألمانيا يعرض الآنNext مع تنامي مشاريع النقل في أوروبا.. كيف تخطط فنلندا لتعزيز اتصالها بالقارة؟ يعرض الآنNext من مدريد إلى إسطنبول.. أصوات النساء تعلو في يوم المرأة العالمي للمطالبة بالمساواة ومناهضة العنف اعلانالاكثر قراءة "الجنس مقابل السمك".. كيف تُستغلّ النساء في زامبيا بسبب الجفاف وقلة المساعدات الدولية تصاعد الاشتباكات في إدلب..مشيعون يتوعدون بالانتقام بعد مقتل أفراد من قوات الأمن السورية ترامب والتهديد بفرض رسوم على المنتجات الأوروبية.. أين إيطاليا من كل هذا؟ سوريا: أكثر من 600 قتيل في يومين خلال معارك بين القوات الحكومية وموالين لنظام الأسد لا يزال الحمل والولادة والأمومة تجربة قاتلة في معظم أنحاء العالم.. إليكم السبب اعلان

LoaderSearchابحث مفاتيح اليومإسرائيلسورياالاتحاد الأوروبيأبو محمد الجولاني أسلحةبشار الأسدالمملكة المتحدةمواجهات واضطراباتالسويدالصراع الإسرائيلي الفلسطيني قوات عسكريةدراسةالموضوعاتأوروباالعالمالأعمالGreenNextالصحةالسفرالثقافةفيديوبرامجخدماتمباشرنشرة الأخبارالطقسآخر الأخبارتابعوناتطبيقاتتطبيقات التواصلWidgets & ServicesAfricanewsعرض المزيدAbout EuronewsCommercial ServicesTerms and ConditionsCookie Policyسياسة الخصوصيةContactWork at Euronewsتعديل خيارات ملفات الارتباطتابعوناالنشرة الإخباريةCopyright © euronews 2025

مقالات مشابهة

  • الأمم المتحدة تؤكد أن قطع الكهرباء عن غزة يعد إبادة جماعية
  • في ذكرى الـ52 لحرب العاشر من رمضان| من هي "فرحانة سلامة" شيخة المجاهدات وأيقونة المرأة المصرية في مقاومة الاحتلال؟
  • الاحتلال يشدد الحصار على غزة.. ويقطع الكهرباء بشكل كامل عن القطاع
  • ارتفاع جنوني في الأسعار في غزة.. القطاع بين الحصار الإسرائيلي والاحتكار المحلي
  • سفير الاحتلال الجديد في واشنطن يشن هجوما ويطالب بتهجير الفلسطينيين
  • حماس: سيطال الأسرى في غزة ما يطال الفلسطينيون بسبب الحصار
  • حماس: سيطال الأسرى في غزة ما يطال الفلسطينيين بسبب الحصار
  • حماس: مؤشرات إيجابية بشأن مفاوضات المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة
  • حماس: حكومة نتنياهو ترتكب جريمة حرب بتجويع مليوني فلسطيني بغزة
  • حماس: نتنياهو يتحمل مسؤولية الحصار والتجويع