الـ11 عالميًا.. عُمان تحقق قفزة نوعية في مؤشر ريادة الأعمال الدولي
تاريخ النشر: 14th, February 2024 GMT
مسقط- العُمانية
حققت سلطنة عُمان المركز الـ11 في مؤشر ريادة الأعمال من بين 49 دولة مشاركة في تقرير المرصد العالمي لريادة الأعمال للعام 2023/2024، متقدمة 27 درجة عن ترتيبها في عام 2022/2023.
وأعلنت هيئة تنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة عن تحسن جميع المؤشرات الفرعية للتقرير بشكل ملحوظ خاصة في محاور حيوية مثل تمويل المشاريع الناشئة وتطوير السياسات الحكومية الداعمة للابتكار والتكنولوجيا، بالإضافة إلى تعزيز البنية الأساسية المادية التي تعد ركيزة أساسية لنمو الشركات الناشئة والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، مع إشادة وتقدير للجهود المبذولة في تصميم وإطلاق برامج تعليمية وتدريبية، تم تطويرها لتلبية احتياجات سوق العمل وتعزيز مهارات ريادة الأعمال لدى الشباب العُماني.
وتحسنت الدرجة الإجمالية لسلطنة عُمان من 4.2 في تقرير 2022-2023 إلى 5.4 في تقرير 2023/2024 انعكاسا للجهود المبذولة لتعزيز بيئة الأعمال وحزم الحوافز والتسهيلات المقدمة لرواد الأعمال وتحديث منظومة التشريعات الداعمة للقطاع.
كما أشار التقرير إلى الجهود الحكومية لدعم ريادة الأعمال مجسدا بالاستثمار في قطاعات البحث والتطوير والتقنيات الحديثة مما يسهم في فتح آفاق جديدة للابتكار وجذب الاستثمارات الأجنبية، وأظهرت البيانات تحسنًا في مستويات الثقة لدى المستثمرين، وهو ما يعود لعدة عوامل أبرزها الإجراءات القانونية والتنظيمية التي تم تبنيها لتسهيل إجراءات تأسيس وتشغيل الأعمال، إضافة إلى تطوير مشاريع ذات قيمة مضافة عالية تعزز مكانة سلطنة عُمان على خارطة ريادة الأعمال العالمية.
وقالت سعادة حليمة بنت راشد الزرعية رئيسة هيئة تنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة: "نحتفي بإنجاز غير مسبوق لسلطنة عُمان في مجال ريادة الأعمال، حيث أثمرت الجهود المشتركة المتواصلة لهيئة تنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة مع شركائها في منظومة ريادة الأعمال بالقطاعين العام والخاص في تحقيق قفزة نوعية في مؤشر ريادة الأعمال العالمي، وصولاً إلى المركز الحادي عشر عالمياً وهو ما يعكس الجهود الجبارة والعمل الدؤوب لتعزيز بيئة الأعمال والسياسات الحكومية الداعمة للابتكار والشركات الناشئة، والحزم المتواصلة للحوافز والتسهيلات لرواد الأعمال، كما أن هذه القفزة العالية تعد خطوة مهمة نحو تحقيق أهداف رؤية عمان 2040، وتجسد التزامنا لتشجيع ثقافة ريادة الأعمال ودعم الطموحات الريادية لشبابنا العُماني، ما يعزز من مكانة السلطنة كمركز ريادي على خارطة ريادة الأعمال العالمية".
وأكدت رئيسة الهيئة عن تقديرها لجهود وإٍسهامات جميع شركاء منظومة ريادة الأعمال في سلطنة عُمان من القطاعين الحكومي والخاص ورواد الأعمال والشركات الناشئة، ولجهود جامعة نزوى على تعاونها الوثيق واهتمامها بالمشاركة في التحضير لتقرير المؤشر.
واستضافت سلطنة عُمان خلال العام الماضي وفدا رفيع المستوى من خبراء المرصد العالمي لريادة الأعمال للاطلاع على الجهود الحكومية لدعم منظومة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة والشركات الناشئة، وجهود هيئة تنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، ومبادراتها المنفذة والقائمة لدعم وتمكين المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، مثل البرامج التمويلية، وحاضنات الأعمال، واللوائح والتشريعات المنظمة، وتطوير منظومة الشركات الناشئة القائمة على التقنية والابتكار، بجانب المستهدفات المتمثلة في زيادة المساهمة في الناتج المحلي الإجمالي، ورفع المساهمة في إجمالي قيمة الصادرات غير النفطية، ورفع مؤشرات ريادة الأعمال، ومستهدفات الهيئة في سبيل تحقيق رؤية عُمان 2040، والتعرف على برنامج الشركات الناشئة العُمانية الواعدة، إضافة إلى جولات تعريفية في عدد من حاضنات ومراكز الأعمال.
ويعد المرصد العالمي لريادة الأعمال أهم مرجع للمعلومات حول ريادة الأعمال ومؤشراتها وقياسها على مستوى العالم وقد تأسس في 1995 كمشروع بحثي، ويعد المؤشر العالمي لريادة الأعمال مؤشرا مركبا يقيس مرتبة الدول من حيث تنافسية البيئة الداعمة لريادة الأعمال ويتضمن عدة محاور أبرزها: التمويل، والسياسات الحكومية والبرامج الحكومية الموجهة لرواد الأعمال، والبحث والتطوير ونقل المعرفة، وتعليم مهارات ريادة الأعمال في مختلف مراحل التعليم، وديناميكية سوق العمل، والبنية الأساسية الداعمة، والثقافة ووعي المجتمع تجاه ريادة الأعمال، كما يعد المرصد العالمي مصدرا مهما وموثوقا منذ أكثر من 20 عاماً يساعد صنّاع القرار، ويسهم في تحسين مخرجات ريادة الأعمال نوعاً وكماً على مستوى العالم عبر تقديمه مؤشراتٍ شاملةٍ، ومعلوماتٍ قيّمة حول ريادة الأعمال.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
كلمات دلالية: تنمیة المؤسسات الصغیرة والمتوسطة العالمی لریادة الأعمال المرصد العالمی ریادة الأعمال
إقرأ أيضاً:
مؤشر مدركات الفساد. . تفاقم الفساد عالميًا
عبد النبي العكري
كعادتها كل عام أطلقت منظمة الشفافية الدولية تقرير مؤشر مدركات الفساد والذي يغطي 180 بلدا إضافة إلى بعض الأقاليم، لكن الجديد هذا العام هو ربط المؤشرات وحالات الفساد بالتغير المناخي وتدهور البيئة؛ حيث إن ذلك هو محور اهتمام الدول والعالم، وقد شهد هذا العام الذي يغطيه التقرير حريق كاليفورنيا الهائل وغيره من الكوارث الطبيعية نتيجة التغير المناخي.
وقد صادف إطلاق التقرير وصول البليونير العقاري والمتورط في قضايا فساد كبرى دونالد ترامب لرئاسة أمريكا القوة العظمى في العالم مع ما رافق انتخابه من فساد مالي وسياسي لا سابق له في الانتخابات الأمريكية ومؤشر خطير لتأثيراته في الغرب والعالم. وما له دلالته هو إصداره أمرا رئاسيا تنفيذا بوقف العمل بقانون تجريم الشركات الأمريكية التي تستخدم الرشوة والمنافع لنيل عقود في أمريكا وخارجها، وبهذا فهو يشرعن الفساد للشركات الأمريكية.
وإضافة لهذا التقرير فقد أصدرت منظمة الشفافية الدولية تقريرا عنوانه الفساد في الأعلى ويتناول دور البلدان الغربية المتطورة والتي تتصدر النزاهة والشفافية ومحاربة الفساد على سلم مؤشر مدركات الفساد في القطاع العام، لكنها تعتبر موائل آمنة للأموال الهاربة واستثمارات لكبار الفاسدين وغسيل الأموال في مفارقة خطيرة.
أما التقرير الثالث فيتناول إعاقة الفساد لجهود التعامل والتصدي للتغير المناخي سواء على الصعيد الوطني أو الإقليمي أو الدولي وكيف يتسبب الفاسدون أفرادا ومؤسسات وشركات ودولا في التربح من الأموال المخصصة للتصدي للتغير المناخي والتسبب بفسادهم في تدهور المناخ وهشاشة الاستعدادات لمواجهة الكوارث الطبيعية المترتبة على ذلك.
وسنتناول في هذا المقال التقرير الأول، فيما سنخصص مقالا منفردا لكل من التقريرين الآخرين.
مؤشر مدركات الفساد
منذ إطلاقه لأول مرة في 1995، أصدرت منظمة الشفافية الدولية بتاريخ 11 فبراير 2025 تقريرها السنوي، مؤشر مدركات الفساد بشأن الفساد في القطاع العام قي 180 بلدا وإقليما حول العالم. ويستند التقرير على بيانات من 13 مصدرا خارجيا لمؤسسات موثوقة بما في ذلك البنك الدولي ومؤسسة "برلتسمان" والمنتدى الاقتصادي الدولي وغيرها. ومن أجل شمول التقرير أي بلد فإنه يتوجب أن تتوفر مصادر معلومات لدى 4 هيئات على الأقل. وتتبع الشفافية الدولية 4 خطوات أساسية؛ هي اختيار بيانات المصدر وإعادة قياس بيانات المصدر وتجميع البيانات المعاد قياسها ثم إعطاء كل بلد درجة القياس من 100 وهي الأعلى وعلى أساس ذلك تتحدد مكانة البلد على مقياس مؤشر مدركات الفساد بدءا برقم واحد للبلد الأفضل في مكافحة الفساد ثم تتوالى المراتب لتدني مكافحة الفساد.
يقيس المؤشر المكونات التي تسهم في الفساد في القطاع العام وأهمها: 1- الرشوة، 2- اختلاس المال العام، 3- استغلال المنصب العام للمصلحة الشخصية، 4- مدى قدرة الحكومة للحد من الفساد وتكريس النزاهة، 5- إسهام البيروقراطية في الفساد، 6- التعيينات في الوظائف العامة دون الكفاءة والاستناد للمحاباة، 7- جدية الملاحقة القضائية للفاسدين، 8- مدى جدية القوانين للإفصاح عن الممتلكات الخاصة والذمة المالية وتضارب المصالح لكبار المسؤولين، 9- توفر الحماية القانونية للمبلغين عن الفساد والمحققين والصحفيين، 10- سيطرة أصحاب المصالح الشخصية على الدولة، 11- حرية مؤسسات المجتمع المدني وحرية الوصول للمعلومات ومستوى الإفصاح والشفافية فيما يتعلق بالشأن العام.
بالطبع فإن تقييم المؤسسات المشاركة في تقييم الـ180 بلدا التي يشملها تقرير مؤشر مدركات الفساد يعتمد على مدى توفر المعلومات حول المكونات التي تسهم في الفساد الـ11 المذكورة وغيرها وهي متباينة من بلد لآخر. كما أن مشاركة عدد أكبر من بين المؤسسات الـ13 المكلفة بجمع المعلومات ستكون أكثر مصداقية من تلك البلدان التي تفحصها عدد قليل من المؤسسات وحدها الأدنى 4 مؤسسات. كما تتباين المؤسسات المكلفة بجمع المعلومات في طبيعتها، وبالتالي في تقييماتها فمثلا منتدى التنمية الاقتصادية والذي ينظم منتدى دافوس السنوي هو منتدى لكبار أرباب الأعمال والذي يعطي اعتبارا كبيرا لحرية رأس المال والتجارة والاستثمار، فيما مؤسسة "برلتسمان" تهتم كثيرا بالنزاهة ومصالح المجتمع ككل. ولذا فإنه يتوجب التدقيق جيدا في تباين تقييم مختلف المؤسسات لذات البلد المقيم؛ حيث إن لكل مؤسسة مفاهيمها ومصالحها وتشابكاتها مع البلدان المقيمة.
صورة عامة للتقرير
يصنف مؤشر مدركات الفساد 180 بلدا وإقليما من خلال مستوياتها المدركة لفساد القطاع العام على مقياس من صفر (شديد الفساد) إلى 100 (شديد النزاهة). وللسنة السابعة تتبوأ الدول الإسكندنافية (الدنمارك اولى) وسنغافورة ونيوزلندا وأستراليا المراتب الأولى، وهذه دول ديمقراطية راسخة ومستقرة ولديها مؤسسات قوية لمكافحة الفساد. وبالمقابل فإن الدول التي تسودها الحروب والنزاعات والصراعات العسكرية والأمنية والأنظمة الاستبدادية وتفتقر للمؤسسات الراسخة، تحتل المراكز المتأخرة على مقياس المؤشر ومنها جنوب السودان والسودان والصومال وسوريا وليبيا واليمن وإرتيريا وغينيا الاستوائية وفنزويلا. هناك ارتباط قوي ما بين النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي من ناحية والفساد والنزاهة والحكم الصالح من ناحية أخرى. فمن مراجعة جدول مؤشر مدركات الفساد فإننا نلاحظ أن البلدان التي تحكمها أنظمة ديمقراطية حقيقية ومؤسسات رقابية فاعلة وقوانين رادعة للفاسدين وآليات رصد وضبط ومستقرة الحكم فهي البلدان الأقل فسادا بكافة الأشكال وتسود النزاهة والحاكمية الجيدة وهي بلدان مزدهرة ومستقرة ومتقدمة، أما البلدان التي يسودها عدم الاستقرار والاستبداد وغياب المؤسسات الرقابية الراسخة والقوانين الضابطة والآليات الفاعلة فإنه يسودها الفساد والمحسوبية والمحاباة مما يسهم في الفشل على مختلف المستويات والتخلف. وبنظرة سريعة للجدول، فإن الدول المتقدمة في مكافحة الفساد هي الدول الديمقراطية بمعدل (73 نقطة)، في حين أن الدول ذات الديمقراطية الشكلية فقد حققت معدل (47 نقطة)، أما الدول غير الديمقراطية والمستبدة فمعدلها (33 نقطة). يُلاحظ أنه مع تحول العديد من الدول الديمقراطية الغربية نحو اليمين وهيمنة الأولجارشية الرأسمالية على النظام السياسي والاقتصادي كما في أمريكا مثلا والتحول في نظام العلاقات الدولية نحو مزيد من هيمنة الغرب الرأسمالي فإنه يترتب على ذلك تدهور على مستوى العالم بمزيد من الفساد والمحسوبية وانحسار للنزاهة والحاكمية الجيدة في عدد كبير من البلدان وفي العلاقات الدولية والنظام الدولي. وقد انعكس ذلك على مواقع الدول على جدول مؤشر مدركات الفساد. فقد كشف التقرير أنه من بين الـ 180 بلدا شملها المسح فإن 101 بلد بقيت في مواقعها، في حين صعد 32 بلدا، ولكن هبط 47 بلدا آخر بما فيها دول ديمقراطية. كما أن المعدل الوسيط للدول هو 43 نقطة من 100 نقطة، حيث إن نتيجة ثلثي البلدان هي دون الحصول على 50 من 100 نقطة وهو الحد الأدنى لاعتبارها بلدانا تهتم بمكافحة الفساد وتعزيز النزاهة. تتباين التقديرات حول كلفة الفساد في كل بلد وفي العلاقات الدولية والنظام العالمي. والمؤكد أن الفساد والمحسوبية يحبطان الاستقرار والتنمية والتقدم والبيئة والمناخ، وكل ما يتعلق بحياة الإنسان من عمل لائق وصحة وتعليم وغيرها، وتؤدي فعلا إلى المجاعة والأوبئة والاضطرابات والحروب في عدد متزايد من البلدان وفيما بين البلدان بشكل لا سابق له. وتتباين تقديرات كلفة الفساد المُنظَّم فيما بين الدول والذي يعد جريمة منظمة ويقدره البعض بـ240 مليار دولار فيما تتجاوز كلفة الفساد العالمية تريليونات الدولارات. في خطاب الوداع للرئيس الأمريكي الراحل دوايت آيزنهاور في يناير 1961 وتسلم الرئيس جون كيندي للرئاسة الأمريكية، حذر الجنرال آيزنهاور بطل الحرب العالمية الثانية من "خطورة تحالف أرباب المجمع الصناعي العسكري الأمريكي من دفع البلاد للتوسع في الإنفاق العسكري وإشعال الحروب الخارجية على حساب المصلحة العامة وازدهار البلاد". وها نحن نشهد اليوم الدور الخطير الذي تلعبه المؤسسات المالية والصناعية الكبرى وخصوصا العسكرية في إفساد الدولة والمجتمع من أجل مصالحها الأنانية مما يقود إلى التدخلات والحروب.وتقدم لنا الانتخابات الأمريكية الرئاسية الأخيرة نموذجًا لدور الطُغمة الأولجارشية الرأسمالية والصهيونية من أصحاب البلايين وفي مقدمتهم إيلون ماسك في صياغة برنامج وتوجهات مرشح الرأسمالية المتوحشة دونالد ترامب والتأثير على الناخبين وتأمين فوزه، وقد اتضحت معالم سياسته للداخل الأمريكي وللعالم من حيث إعلاء مصالح الأغنياء ومرجعية مصلحة أمريكا كما يفهمها على حساب العالم وخرقا لما استقر في النظام العالمي إلى حد اعتبار الوطن الفلسطيني في غزة كعقار خاص له والجهر بعزمه لضم كندا وجرينلاند وبنما. ومن تجليات ذلك تعميم الفساد وتربح كبار حلفائه الأغنياء، مما يشير إلى مرحلة خطيرة من شرعنة الاستيلاء بالقوة على بلدان ذات سيادة وموارد، خلافا لما حققته البشرية وما تسعى إليه في مكافحة الفساد وتكريس النزهة والعدالة والحاكمية الجيدة.
في ظل هذه التحولات في الدول الرأسمالية المتقدمة وفي العلاقات الدولية وكما عبر عنه فرانسوا فاليران رئيس منظمة الشفافية الدولية "فإن الفساد يشكل تهديدا عالميا لا يقتصر على تقويض التنمية فحسب؛ بل يعد سببا أساسيا في تراجع الديمقراطية وعدم الاستقرار وانتهاكات حقوق الإنسان ويتعين على المجتمع الدولي وعلى كل بلد على حدة جعل مكافحة الفساد أولوية قصوى وطويلة الأمد. هذا أمر بالغ الأهمية لمقاومة الاستبداد وضمان عالم حر وسلمي ومستدام. وتسليط الضوء على الاتجاهات الخطيرة لنتائج مدركات الفساد لهذا العام عن الحاجة إلى اتخاذ إجراءات ملموسة الآن لمعالجة الفساد العالمي".أما ماريا مارتينين الرئيسة التنفيذية لمنظمة الشفافية الدولية فتقول: "اليوم تصدر القوى الفاسدة السياسات وحسب؛ بل إنها غالبا ما تمليها وتفكك الضوابط والتوازنات مما يؤدي إلى إسكات الصحفيين والناشطين وأي شخص يكافح من أجل المساواة والاستدامة".
كشف التقرير بأنه في البلدان التي يزدهر فيها الفساد وتحكمها أنظمة استبدادية وتتسيَّد فيها القوى الفاسدة فإن ذلك يتم في ظل قمع الحريات وفي مقدمتها حرية الرأي والتعبير وخصوصا قمع الصحفيين الاستقصائيين ونشطاء المجتمع المدني والمبلغين والشهود من أجل مكافحة الفساد والشفافية والنزاهة. وقد ذكر تقرير للشفافية الدولية أنه جرى خلال السنوات الأربع الماضية اغتيال أكثر من 1000 من النشطاء والصحفيين والمُبلِّغين والشهود ضد الفساد والفاسدين في عدد من البلدان وفي مقدمتها المكسيك؛ حيث كارتيلات (عصابات) المخدرات، وفي الكونجو؛ حيث نهب مناجم المعادن الثمينة، والبرازيل؛ حيث قطع غابات الأمازون، والهند؛ حيث استعباد الفئات الضعيفة على نطاق واسع. الفساد في المنطقة العربية: تعد المنطقة العربية من أكثر مناطق العالم التي تعاني من الفساد؛ حيث يسود معظم بلدانها أنظمة استبدادية فاسدة ويعاني عدد منها من الحروب والاضطرابات الأمنية الداخلية إلى جانب الحروب والتدخلات العسكرية للكيان الصهيوني وأمريكا، وكذلك الارتهان والتبعية للغرب ونفوذ الشركات الغربية مما يسهم في عدم الاستقرار وشيوع الفساد. وتقول منظمة الشفافية الدولية إن "جهود مكافحة الفساد في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (المنطقة العربية) محدودة، وأنه طوال الـ12 سنة الماضية ارتفع متوسط مؤشر مدركات الفساد نقطة واحدة فقط إلى 39 من أصل 100 وهو من أدنى المتوسطات الإقليمية"، ويعكس حالة الفساد السائدة. وتضيف المنظمة "لهذه الحكومات الاستبدادية الراسخة قبضة قوية على أنظمتها الاجتماعية والاقتصادية وتخفي الممارسات الفاسدة مما يسهم في انتشار الفساد في جميع أنحاء الحياة العامة. وباستثناء البحرين وقطر والإمارات والسعودية، فإن باقي الدول العربية لم تتجاوز نتيجة 50 من 100 نقطة؛ بل إن بعضها في نهاية الترتيب على سلم المؤشر. الفساد وأزمة المناخ العالمي: يعد التغير المناخي العالمي أكبر تحد في عصرنا وعالمنا، وهو نتيجة عدة عوامل متداخلة. ويمثل الفساد من أهم عوامل التغير المناخي وتدهور البيئة، فالفساد يحبط الأعمال للحد من التغير المناخي ومواجهة تأثيراته من عواصف وتصحر واختلال دورات الطبيعة. ويتأتى ذلك من إساءة توجيه الموارد والسماح وشرعنة الممارسات الضارة وإعاقة التقدم وهو يعيق الجهود لمواجهة التغيير المناخي بشكل جذري وشامل وصحيح على مستوى البلد والإقليم والعالم.ومن ذلك التربح من الأموال والموارد المخصصة لمواجهة التغير المناخي والتأثير سلبا في السياسات والممارسات لمواجهة ذلك مثل قطع أشجار الغابات وانحسار المناطق الخضراء وتلويث المياه والبحار وتسويغ الصناعات الباعثة للغازات الدفينة والاستمرار في الاعتماد على الهيدروكربون كمصدر للطاقة وإعاقة التحول للمصادر المتجددة والنظيفة للطاقة والصديقة للبيئة وإساءة استخدام أموال المساعدات للدول والقطاعات والصناعات المخصصة لمواجهة التغير المناخي وتدهور البيئة. ويظهر التقرير أنه كلما كان البلد متقدما في مكافحة الفساد فإنه أكثر استعداد لمواجهة التغير المناخي والنجاح في ذلك والعكس صحيح. وبسبب الفساد والمكاسب غير المشروعة فإنه ورغم مضي 9 أعوام على إقرار اتفاقية باريس لمكافحة التغير المناخي في 2015، فإننا بعيدون عن تحقيق متطلبات مواجهة هذا التغيير المناخي لأسباب عدة، من أهمها ضآلة الأموال التي تصب فعلا في متطلبات مواجهة التغيير المناخي وكذلك الفساد الذي يطال هذه الأموال.
الخلاصة.. إن تقرير منظمة الشفافية الدولية مؤشر مدركات الفساد 2024، في ارتباطه بالتغير المناخي وتدهور البيئة يكشف عن مخاطر جمَّة تصيب البشرية والعالم في ظل استمرار بل تزايد الفساد على نطاق العالم في ظل استفحال ظاهرة التغير المناخي التي تلحق الأضرار الواسعة بالبشرية والعالم بشكل لا سابق له في التاريخ. ومن هنا فإن هناك حاجة ماسة لكي تتكاتف القوى الخيرة في العالم للتصدي للفساد على كل الصعد وبالتالي التصدي للتغير المناخي وتدهور البيئة قبل فوات الأوان.
رابط مختصر