دولتان فقط بإمكانهما أن توقفا هذا الاندفاع الإسرائيلي المجنون نحو عملية عسكرية مدمّرة في رفح جنوب قطاع غزة: الولايات المتحدة، طبعا إن أرادت، ومصر، إن أرادت هي الأخرى.
لا فائدة في إطالة الحديث عن واشنطن وما كان يمكن أن تفعله لأنه بات من لغو الحديث، لكن ما يمكن أن يكون مفيدا حقا هو الحديث عن مصر فهي أبرز المتضررين بعد الفلسطينيين من كل ما حدث ويحدث، حتى وإن تصرّفت مع غزة طوال هذه الأشهر الأربعة من العدوان من باب الجوار المزعج لا غير، وليس من باب المسؤولية الأخلاقية والتاريخية والاستراتيجية التي تجعل غزة في صميم أمنها القومي.
يكفي أن نتابع ما يقوله الإعلام الإسرائيلي هذه الأيام عن مصر حتى ندرك مدى لؤم الصورة التي يروّجها عنها، والتي لم يأت للأسف من القاهرة ما يمكن أن يسفّهها فعلا لا قولا.
تقول القناة 12 الإسرائيلية إن «مصر لا تعارض دخول القوات الإسرائيلية إلى رفح لكنها تريد أن يتم تنسيق هذه التحركات معها» وتضيف أن «الجانب المصري في المحادثات المغلقة لا يعارض العملية العسكرية لكنه يرفض إمكانية دخول أعداد كبيرة من الفلسطينيين إلى الأراضي المصرية» فيما تقول إذاعة الجيش الإسرائيلي نقلا عن مسؤولين مصريين لنظرائهم الإسرائيليين «لن يتم منع عملية عسكرية في رفح طالما أنها تنفذ دون وقوع إصابات بين المدنيين الفلسطينيين» (كيف ذلك؟!!) معلّقة بالقول «مصر قد تتحدث بلغة خشنة ضد إسرائيل لكنها لن تعقد الأمور على الجيش الإسرائيلي». أما «يديعوت أحرنوت» فلم تنظر إلى مصر إلا من هذا «الثقب الضيّق» حين تقدّم الأمر بالقول إن «هناك مخاوف لدى الجيش الإسرائيلي من إمكانية إدخال مصر مساعدات إنسانية لغزة عبر معبر رفح من دون إجراء تفتيش إسرائيلي في ظل زيادة الضغوط عليها (مصر)» لتخلص إلى أن «الجيش الإسرائيلي منزعج من أن الإضرار بالتنسيق الأمني مع مصر في مسألة إدخال المساعدات لسكان غزة سيضر بأمن إسرائيل ويحذر من احتمال نقل الأسلحة إلى هناك».
كل ما يكتب ويقال في الإعلام الإسرائيلي هذه الأيام لا يخرج عن مثل هذه النماذج التي لا تختلف كثيرا عما يروّجه الإعلام الأمريكي، من ذلك مثلا ما أوردته شبكة «إن بي سي» عن مسؤول رفيع في الإدارة الأمريكية من أن «الجانب المصري في المحادثات المغلقة لا يعارض العملية العسكرية لكنه يرفض إمكانية دخول أعداد كبيرة من الفلسطينيين إلى الأراضي المصرية» دون أن ننسى الإحراج الكبير الذي سبّبه بايدن للرئيس عبد الفتاح السيسي حين قال بأنه كان يسعى لدى «الرئيس المكسيكي» ويضغط ليفتح معبر رفح مع غزة للسماح بدخول المساعدات الغذائية والإنسانية بكثافة وانتظام، مما استدعى ردا مصريا لم تأخذه أغلب أوساط المراقبين بالجدية التي أخذوا بها تصريح بايدن.
ما يجب ألا ننساه كذلك، ما نشرته وسائل إعلام أجنبية عن رشى وفساد مخجلين لضباط مصريين مقابل السماح لأهالي غزة المنكوبين لدخول البلاد للعلاج، أو للمقيمين في الخارجين والعالقين هناك بالمغادرة.
وحتى مع ما أصدرته الخارجية المصرية قبل يومين من مواقف «ترفض الدعاوى الإسرائيلية لتنفيذ عملية عسكرية في مدينة رفح وتحذر من عواقبها الوخيمة» و«تطالب بضرورة تكاتف جميع الجهود الدولية والإقليمية للحيلولة دون استهداف مدينة رفح» الذي اعتبرته مع استمرار عرقلة نفاذ المساعدات الإنسانية بمثابة «إسهام فعلي في تنفيذ سياسة تهجير الشعب الفلسطيني وتصفية قضيته» فإن الصورة التي ترسّخت تدريجيا عن السياسة المصرية طوال أربعة أشهر من عمر العدوان الإسرائيلي الهمجي على غزة لم تتغيّر كثيرا، حتى وإن سرّب بعض الإعلام الدولي أن القاهرة هدّدت بتعليق اتفاقية «كامب ديفيد» الموقّعة مع إسرائيل عام 1979 إن هي مضت قدما في اجتياح رفح، أو أنها حرّكت مجموعة من العربات والدبّابات إلى حدود غزة تحسّبا لأي تطور محتمل.
كل ذلك يعني أنه رغم كل ما رآه كثيرون من تقصير مصري، اعتبر في النهاية خدمة لإسرائيل وواشنطن، فإن هذين الأخيرين ليسا حتى في وارد الامتنان، بل نراهما يمعنان في نوع من التشهير والإهانة وصلت حد شن وزير المالية الإسرائيلي هجوما حادا على السلطات المصرية، محمّلا إياها مسؤولية كبيرة عن هجوم حركة «حماس» في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.
من حق السلطات المصرية أن تستاء من كل هذا الذي يقال ويكتب، ومعها إعلامها وحساسيته الشديدة تجاه أي نقد يوجّه إليها، لكن من حق المحبّين لمصر والغيورين عما يفترض أن يكون لها من مكانة ودور رياديين في المنطقة، وفي قيادة أي جهد حقيقي للتصدّي للعربدة الإسرائيلية، أن يروا قاهرة مختلفة عما يرونه الآن، أي قاهرة أكثر قوة وأكثر جرأة في تحمّل المسؤولية التاريخية والأخلاقية التي تفرضها الأحداث لكنها لم تفعل، وقد علّق حافظ المرازي أحد الصحافيين المصريين البارزين على كل ذلك بالمثل القائل «اللي يربط في رقبته حبل.. ألف مين يسحبه»!
(القدس العربي)
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه رفح غزة غزة الاحتلال رفح مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الجیش الإسرائیلی
إقرأ أيضاً:
مغردون: مشهد تسليم المجندات بغزة أذلَّ الجيش والمخابرات الإسرائيلية
في إطار المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار، سلّمت كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة حماس اليوم السبت 4 مجندات إسرائيليات أسيرات إلى الصليب الأحمر الدولي في مدينة غزة، ضمن عملية تبادل الدفعة الثانية من الأسرى.
جرت عملية التسليم في ميدان فلسطين وسط غزة، وسط انتشار كثيف لمقاتلي كتائب القسام وسرايا القدس، الذراع العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي، وقد لفت انتباه مستخدمي منصات التواصل الاجتماعي المظهر الذي ظهرت به الأسيرات الإسرائيليات، حيث كن يرتدين الزي العسكري وبَدَين على صحة جيدة.
مشهد لن يمر في اسرائيل مرور الكرام..
هذا الحدث المرسوم بدقة متناهية يعني أن قسم "الحرب والعمليات النفسية" في استخبارات القسام بألف خير..
تخيلوا أن الجمهور الصهيوني اليوم حسب أحدث استطلاع للرأي يقول أنه يصدق في موضوع الأسرى فقط ما يصدر عن القسام.. واليوم القسام يقول له "نحن من… pic.twitter.com/chu5j8zyfh
— الأدهم (@pal00970) January 25, 2025
ومع انتشار صور عملية التسليم، بدأ مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي في تحليل ما اعتبروه "رسائل ورموزا" أرادت المقاومة الفلسطينية إيصالها للجانب الإسرائيلي، فقد أشار بعض المغردين إلى رمزية الشماغ والحطة والكوفية واللثام، إضافة إلى حمل السلاح، كإشارات لتمسك المقاومة بأرضهم والدفاع عنها.
إعلانواعتبر مدونون أن مشهد تسليم المجندات الإسرائيليات أغاظ الإسرائيليين الذين اعتبروه مشهدا مهينا وساخرا من جيش الاحتلال فقد ألبستهن كتائب القسام الزي العسكري وصعدن إلى المنصة يحملن شهادات الإفراج وقمن بإلقاء التحية على المقاومين والجماهير، ومن خلفهن عبارة "انتصار المظلومين على الصهيونازية" ومقاتلو القسام يحملون بنادق "التافور الإسرائيلية" التي غنموها من القوات الإسرائيلية.
هذه صورة ذل إسرائيل.. https://t.co/CRfTK0sRz0
— محمد النجار ???????? (@MohmedNajjar88) January 25, 2025
ولفت آخرون الانتباه إلى عبارة "الصهيونية لن تنتصر" المكتوبة على المنصة، محاطة بعدد كبير من المقاومين وخلفهم حشد من المواطنين.
المشهد متعوب عليه ومرسوم بعناية وفخر وعزة وكل معاني الرجولة
ما هو شعورك..
وأنت ترى رجال الله ???? وجهًا لوجه صفًا كأنهم بنيان مرصوص؟ pic.twitter.com/RK2yi52OGF
— Khaled Safi ???????? خالد صافي (@KhaledSafi) January 25, 2025
وعلق البعض على مشهد توقيع أوراق تسليم الأسيرات بين مقاوم فلسطيني وموظف الصليب الأحمر، معتبرين ذلك دليلا على قوة موقف المقاومة.
وأشار متابعون إلى حالة الأسيرات الجسدية وملابسهن العسكرية النظيفة، معتبرين ذلك دليلا على المعاملة الحسنة التي تلقينها خلال فترة أسرهن.
مشاهد العرض العسكري وصفقة التبادل القادمة من غزة تسببت في استياء وغضب واسع لدى الجمهور الإسرائيلي.
أشارك معكم بعض التعليقات .
– "حفل حماس للإفراج عن المجندات الأسيرات سيكون بمثابة حفل إذلال لرؤساء المنظومة الأمنية، لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ولكل أعضاء الحكومة.
حفل ستُذل… pic.twitter.com/WHYqsDg927
— Tamer | تامر (@tamerqdh) January 25, 2025
وفقا لوسام عفيفة، مدير شبكة الأقصى الإعلامية، فإن وسائل الإعلام الأجنبية والعبرية حاولت إعادة صياغة الرواية بما يخدم مصالحها خلال تغطية الحدث بالقول صور "الأسيرات الجنديات" تظهر وسط مشهد مهيب يبرز سيطرة المقاومة وحضورها العسكري ولكن التعليقات الإعلامية الغربية ركزت على الجانب الإنساني للمجندات الأربع، متجاهلة السياق الأوسع للصفقة.
إعلانواستغل الإعلام الإسرائيلي التغطية للتذكير بما وصفه بـ"المعاناة الإسرائيلية"، في محاولة لتغيير التركيز عن واقع الأحداث على الأرض في محاولة لطمس الحقائق على الأرض: مقاومة تفرض شروطها وتعيد ترتيب معادلات القوة، في حين يبقى الاحتلال رهينًا لصراعاته الداخلية وقيوده السياسية. مشهدية تُكتب في #غزة وتُقرأ بصوت مرتجف بازدواجية الأخلاق والمعايير في العواصم الغربية!