مصر ... أزمة أكبر من الدولار
تاريخ النشر: 14th, February 2024 GMT
مصر ... أزمة أكبر من الدولار
عمقت السلطات الأزمة الاقتصادية باستسهال الاقتراض الخارجي ورهن مقدرات الدولة للدائنين وإهدار أموال الدولة على مشروعات لا تمثل أولوية!
تعيش مصر منذ سنوات أزمة اقتصادية ومالية معقدة ومركبة ومتفاقمة، أزمة لعبت السلطات الحاكمة الدور الرئيسي في تعميقها وتأزيمها بل وصناعتها.
أزمة مصر الاقتصادية تكمن في غياب أي أفق لإصلاح سياسي حقيقي يصاحبه إطلاق الحريات العامة والإفراج عن آلاف المعتقلين السياسيين، وإنهاء حالة التشرذم.
* * *
يحلو للبعض أن يحشر أزمة مصر الاقتصادية الحالية في مؤشر واحد هو اضطرابات سوق الصرف الأجنبي والتذبذبات العنيفة التي يشهدها سعر الدولار مقابل الجنيه المصري والتي دفعت بقيمة العملة الأميركية لأكثر من 70 جنيهاً في السوق السوداء، قبل أن تتراجع جنيهات خلال الأيام الماضية.
ويحلو لآخرين التهوين من تداعيات الأزمة العنيفة التي يعيشها المجتمع حاليا لدرجة أن أستاذ اقتصاد شهيرا قال لي إن "الأزمة يمكن حلها عبر حلول بسيطة منها مصادرة أموال تجار المخدرات والآثار بالنقد الأجنبي، وهي بمليارات الدولارات" على حد تقديراته.
في حين قال اقتصادي آخر إن أزمة مصر تتوقف فورا عقب وقف استيراد السيارات والموبايلات وأدوات التجميل وأكل القطط والكلاب والجبن السويسري والفرنسي وغيرها من السلع الاستفزازية، وكأن مصر غارقة في هذا النوع من الواردات الكمالية والترفيهية.
وهناك من يرى أن أزمة مصر الحالية تكمن في القفزات غير المسبوقة في أسعار السلع والخدمات، وأن هذه الأزمة لها مبرراتها من وجهة نظر هؤلاء وتكمن في جشع التجار والاحتكارات التي تشهدها الأسواق منذ فترة وتعجز الحكومة عن التعامل معها.
وهذه الأزمة ستنتهي عقب زيادة المعروض من السلع، وتشديد الرقابة على الأسواق، وقبلها إلقاء الجشعين والمحتكرين في غياهب السجون والمعتقلات، ولذا يميل هؤلاء إلى ضرورة استخدام القبضة الأمنية في حل أزمة اقتصادية بحتة هي غلاء الأسعار.
وهناك من "يريح دماغه" ويتبنى نظرية المؤامرة على مصر واقتصادها ومؤسساتها، لذا يفضل هؤلاء إلقاء الأزمة على عوامل خارجية وأزمات شهدها الاقتصاد العالمي في آخر 3 سنوات بسبب جائحة كورونا وحرب أوكرانيا وما نجم عن الأزمتين من صعود كبير لمعدلات التضخم وكلف الأموال وأسعار الفائدة وتعقد سلاسل التوريد، وأخيرا حرب غزة التي يزعم هؤلاء أنها كانت السبب الرئيسي وراء اضطرابات الأسعار واختفاء سلع رئيسية مع إقبال مؤسسات الإغاثة على شراء منتجات من الأسواق المصرية لصالح أهالي غزة.
لكن هذه التفسيرات تظل قاصرة وعاجزة عن تبرير الواقع المر، بل وينظر أصحابها تحت أقدامهم ويسعون بكل قوتهم لتبرير الفشل الحالي في كل مناحي الحياة.
فمشكلة مصر الحقيقية لا تكمن فقط في أزمة الدولار وقفزات أسعار السلع الرئيسية، ولا تكمن أيضا في جشع التجار كما يروج هؤلاء على نطاق واسع، ولا حتى في تراجع موارد الدولة الدولارية خاصة من أنشطة حيوية مثل السياحة وتحويلات المغتربين والصادرات وقناة السويس والاستثمارات المباشرة.
ولا تكمن في العجز الضخم في أصول البنوك من النقد الأجنبي والذي تجاوز 27 مليار دولار وبما يتجاوز نصف أموال المودعين الدولارية البالغ قيمتها أكثر من 50.4 مليار دولار، ولا تكمن في الاعتماد المفرط على الاقتراض من دول الخليج والودائع المساندة في تكوين احتياطي بالبلاد من النقد الأجنبي، أو استمرار الفجوات التمويلية الناتجة بشكل أساسي من عجز الميزان التجاري وهو الفارق بين فاتورة الصادرات والواردات.
بل تكمن في أن مصر تعيش ومنذ سنوات أزمة اقتصادية ومالية معقدة ومركبة ومتفاقمة، أزمة لعبت السلطات الحاكمة الدور الرئيسي في تعميقها وتأزيمها بل وصناعتها عبر الإفراط في الاقتراض الخارجي، ورهن مقدرات الدولة للدائنين الدوليين سواء صندوق النقد أو دول الخليج، وإهدار أموال الدولة على مشروعات لا تمثل أولوية للاقتصاد والمواطن، والإصرار على تجاهل دراسات الجدوى عند تنفيذ مشروعات قومية كبرى أبرزها تفريعة قناة السويس والعاصمة الإدارية الجديدة والمشروع النووي، والاعتماد على جيب المواطن في سداد أعباء الديون الخارجية والداخلية وتغطية عجز الموازنة العامة.
أزمة مصر الاقتصادية تكمن في غياب أي أفق لإصلاح سياسي حقيقي يصاحبه إطلاق الحريات العامة والإفراج عن آلاف المعتقلين السياسيين، وإنهاء حالة التشرذم التي يشهدها المجتمع منذ أكثر من 10 سنوات، ووقف تجاهل الكوادر الاقتصادية والسياسية الوطنية في صناعة القرار والسياسات، وإعادة ثقة المواطن في إصلاح حال الاقتصاد المائل ووقف تهاوي الجنيه المصري وهدر المال العام وسفه الاقتراض الخارجي غير المبرر، وإصلاح القطاعات الحيوية المرتبطة بالمواطن وفي مقدمتها الصحة والتعليم وسوق العمل.
*مصطفى عبد السلام كاتب صحفي اقتصادي
المصدر | العربي الجديدالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: مصر الدولار التشرذم أسواق مصر أزمة الدولار الجنيه المصري السوق السوداء أزمة اقتصادية إصلاح سياسي الاقتراض الخارجي أزمة مصر تکمن فی
إقرأ أيضاً:
أكبر التحديّات التي تُواجه الجيش الإسرائيلي في لبنان.. ماذا حصل معه يوم السبت؟
ذكر موقع "عربي 21" أنّ قائد كتيبة في الجيش الإسرائيليّ تحدّث عن أحد أكبر التحديات والعقبات التي تواجه الجيش الإسرائيليّ في القتال ضد حزب الله، وتعيق تقدمه في القرى والبلدات جنوب لبنان. وقال لصحيفة "معاريف"، إن مقاتليه يطلب منهم الآن التعامل مع الظروف الصعبة التي يخلقها فصل الشتاء على الجبهة، فالطقس السيئ يحد من قدرة الجيش الإسرائيلي على إحراز أي تقدم.
وقال المقدم علاد تسوري، قائد كتيبة الدبابات في مقابلة مع الصحيفة، إن مقاتلي كتيبته يحاولون الدخول من مستعمرة متولا صوب وادي الحولة في جنوب لبنان، لكن الأرض الوعرة والظروف التي يخلقها فصل الشتاء في الأرض يصعبان المهمة.
وذكر أن كتيبته "تعمل دائمًا على فحص المسارات التي تتحرك فيها الدبابات والآليات الهندسية، لكي لا تغرق أو تنزلق في الوحل"، مشددا على أن "دبابة الميركافا رغم أن لديها مقاومة هائلة، فإنها قد تغرق أو تنزلق في التربة أو الوحل، أو تنقلب عندما ينهار مسارها، ولذلك نقوم بفحص الطريق جيدا قبل التحرك، وهذا يمثل تحديا كبيرا".
وأضاف: "صباح السبت نزلت أمطار غزيرة في المنطقة التي يقاتل فيها مقاتلو الكتيبة. في المساء كان هناك برد قارس. نحن مجهزون جيدًا ولكن الجوّ بارد جدًا".
ودعا تسوري إلى تحرك سياسي قائلا: "التحرك السياسي دائمًا يكمل التحرك العسكري. بشكل عام هكذا تنتهي الحروب، قرار وقف الحرب يتعلق بالسياسيين، ومهمتنا أن نقدم الأدوات ونتوسع في حدود الجبهة من أجل تعميق الإنجازات". (عربي21)