ما بعد حرب غزة: عن «إمبراطورية» لم تَعُد تخيف أحداً
تاريخ النشر: 14th, February 2024 GMT
ما بعد حرب غزة ليس كما قبلها: عن «إمبراطورية» لم تَعُد تخيف أحداً
كانت «طوفان الأقصى» ضربة لأميركا أكثر ممّا هي ضربة لإسرائيل.
ما أرادته أميركا من الضربات الأخيرة هو التخويف بالحرب، كبديل من هذه الأخيرة.
هل المشروع الأميركي للانسحاب من الشرق الأوسط الذي جُمّد أخيراً، يمكن أن يتحوّل قريباً إلى مشروع هروب؟
من يجرؤ اليوم في العراق على الجهر بالقول إنه يريد بقاء القوات الأميركية على أراضيه، من رأس الهرم السياسي وحتى آخر عراقي؟
من يجرؤ من الدول التي تحتضن قواعد أميركية في المنطقة على الاعتراف بأن أيّاً من تلك القواعد استُخدمت في الضربات؟
هل ما زال سيناريو إلقاء قنبلة نووية كالتي ألقيت على هيروشيما وناغازاكي صالحاً لدفع دول إلى الاستسلام في عالم لم تعُد فيه القنبلة حكراً على دولة واحدة؟
من يمكنه تصوّر سير حرب أميركية - إيرانية مباشرة إذا ما وجّهت أميركا ضربات على الأراضي الإيرانية؟ ماذا سيحلّ بالخليج، وفي الأساس، بالقواعد الأميركية فيه؟
* * *
لم يعُد تلويح أميركا بإمكان استخدام أسلحتها الثقيلة ذات الأسماء الرنانة، من مثل صواريخ «التوماهوك» وقاذفات «بي 52» التي تحمل أسلحة نووية، أو حاملات الطائرات المتيمّنة بأسماء «الرؤساء العظماء»، يخيف الكثيرين في الشرق الأوسط، ليس فقط بعد حربين خاسرتين في العراق وأفغانستان، وإنما أيضاً بسبب الصعود الكبير الذي تشهده المقاومة التي خبِرت التعامل مع القوات الأميركية، وصارت تعرف نقاط ضعفها، وحدود تأثيرها.
لهذا، يمكن القول، بلا كثير مجازفة، إن الضربات الأخيرة التي استهدفت العراق وسوريا واليمن، وقبلها الأساس الذي أدى إلى خلق ظروف تلك الضربات، أي عملية السابع من أكتوبر في غزة، أظهرت ضعفاً في قدرات الولايات المتحدة العسكرية، بشكل ملحوظ في المنطقة.
والتأثير الأساسي المتبقّي لها، لا يأتي من هيبة القوة العسكرية، وإنما من الضغط الاقتصادي، ومن وكلاء الداخل الذين يدينون لها بالولاء، والموجودين في كل الدول التي تحتضن مقاومات، وبعضهم ملتصق بالمقاومة، بل ويدّعي أنه السبّاق إليها، سارقاً جزءاً من رصيد المقاومة الحقيقية، ومانعاً إياها من بناء مجتمعات قادرة على تحمّل كلفة المواجهة.
وهو ما يُحدِث شرخاً في تلك المجتمعات، أخطر من التهديد الأميركي نفسه، ويحول دون أن تتمكن من التخلّص من الهيمنة الأميركية والمضي في طريق التطوّر والنمو.أحداث الأشهر الأربعة الماضية زادت بشكل كبير الكراهية الشعبية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وحتى في العالم.
كما زادت عدم قناعة كثير من النخب السياسية بإمكانية استدامة النهج الأميركي. على سبيل المثال، من يجرؤ اليوم في العراق على الجهر بالقول إنه يريد بقاء القوات الأميركية على أراضيه، من رأس الهرم السياسي وحتى آخر عراقي؟ ومن يجرؤ من الدول التي تحتضن قواعد أميركية في المنطقة على الاعتراف بأن أيّاً من تلك القواعد استُخدمت في الضربات؟
وفي اليمن، استخدمت أميركا كلّ ما في جعبتها، ولكنها لم تستطع تحريك سياسة صنعاء المتمثلة في إغلاق مضيق باب المندب أمام السفن الإسرائيلية وتلك المتّجهة إلى إسرائيل، فضلاً عن الأميركية والبريطانية، قيد أنملة.
وأيضاً هناك، امتدت الكراهية الشعبية لأميركا، إلى المناطق التي يسيطر عليها حلفاؤها اليمنيون الذين صاروا أضعف من ذي قبل، بعدما حُشروا في زاوية مدمّرة شعبياً بسبب تحالفهم مع الولايات المتحدة والإمارات، والذي صار يُترجَم فوراً تحالفاً مع إسرائيل. وحتى مَن كان يمكن من شعب الجنوب اليمني أن يغريه الانفصال، هو لا يريده حتماً أن يأتي عن طريق التحالف مع إسرائيل.
وبنتيجة ما يجري في غزة على وجه الخصوص، تعاني نظم الخليج من ازدواجية بين الوقوف الفعلي في صف إسرائيل وأميركا، والموقف العلني الذي يطلب، على استحياء، وقف تلك المذبحة التي لا يحتملها أي عربي. ولا شك في أن مشاعر غضب تعتمل في صدر المواطن الخليجي العادي من مواقف حكوماته، حتى وإن كان يفهم ضمناً أن نظام الحكم عنده يربط بين «الأمن والأمان» ونظام الرفاه الذي يعيش فيه، وبين الحراسة الأميركية للنظام. الأخطر هنا، أن تراجع نفوذ أميركا وظهور هشاشة قوتها، يخيفان هذا المواطن، قبل نظامه، على الركيزة التي يقوم عليها مستقبله. فإذا كان الخوف من مطامع الأشقاء والجيران يجعل الولايات المتحدة تبدو كأنها قدر محتوم، فإن ذلك يصحّ فقط حينما تكون قوية وقادرة على الحراسة. أما عندما تتهلهل تلك القوة، فهذا بلا شك سيكون حافزاً للمواطن الخليجي للبحث عن خيارات بديلة أكثر التصاقاً بهويته الأصلية.
كانت عملية «طوفان الأقصى» ضربة لأميركا أكثر ممّا هي ضربة لإسرائيل. والذي فشل - حتى الآن - في تحقيق انتصار وإستراتيجية خروج تلحظ ما يكون عليه الوضع في اليوم التالي، هو أميركا وليس إسرائيل. ربما يسهم بعض المتطرفين الإسرائيليين في تعظيم الفشل، ولكن الأساس فيه هو المقاومة، وامتلاكها ناصية الشارع بشكل صار واضحاً وحاسماً في كل البلدان العربية، إذ بات من يشكّكون في جدواها من موقع العداء والتحالف مع العدو، مجموعة صغيرة منبوذة لم تعد تجرؤ على الجهر بما تكنّه، ولا سيما أن المقاومة اكتسبت مشروعية شعبية عالمية اضطرت بعض الأنظمة إلى التمايز عن الولايات المتحدة، التي بدت هي الأخرى معزولة في كثير من الأحيان. والتحالف البحري ضد اليمن مثال واضح على ذلك.
أزمة أميركا المستجدة في الشرق الأوسط، أعقد بكثير مما تبدو، والعجز عن الخروج منها أو إدارتها لا يمكن إخفاؤه. فكيف يمكن لأميركا أن تسيطر على منطقة هي مكروهة فيها شعبياً إلى هذا الحد؟ ثمة تجارب في العالم تحكم فيها الولايات المتحدة شعوباً تكرهها، كاليابان وألمانيا، ولكن تلك التجارب جاءت وفقاً لشروط استسلام أعقبت حربَين عالميّتَين توافرت ظروف الانتصار للحلفاء فيهما، وظروف زعامة أميركا لهؤلاء الحلفاء، نتيجة خليط بين «الحلم الأميركي» الصاعد حينها، و«الوجه الأميركي البشع». ما يحصل اليوم في العالم، وليس في هذه المنطقة فقط، هو أن «الوجه البشع» تقدّم كثيراً على «الحلم»، ودماء الغزيين كانت حاسمة في هذا السياق.
ليس المراد من ذلك القول إن أميركا أصبحت ضعيفة وبلا حيلة. إذ ما زالت قاذفات «بي 52» إياها التي تحمل صواريخ نووية، خياراً قائماً، ولم يكن مصادفة الحديث عنها أثناء الضربات التي شُنّت ضد العراق وسوريا، لكن هذا الخيار الذي نجح في الحرب العالمية الثانية، بنتيجة «خطة مارشال» التي وفرت بديلاً للقوى المهزومة، ليس صالحاً لتأبيد الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين.
وفي المناسبة، إن أكثر من يطرحون حلّاً لغزة على طريقة «مارشال» هم أعتى المتطرفين في إسرائيل من مثل بنيامين نتنياهو، الذي تسامر حول تلك الطريقة مع إيلون ماسك، أثناء زيارة الأخير لإسرائيل، وإيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش. لكن هؤلاء الثلاثة يقصدون غزة بلا الفلسطينيين، أو يَقبلون على الأكثر ببقاء بضع مئات آلاف منهم، وتهجير الباقين أو قتلهم.
ما أرادته أميركا من الضربات هو التخويف بالحرب، كبديل من هذه الأخيرة، وهو تهديد موجّه إلى إيران أساساً. لكن من يمكنه تصوّر كيفية سير حرب أميركية - إيرانية مباشرة إذا ما وجّهت الولايات المتحدة ضربات على الأراضي الإيرانية؟ ماذا سيحلّ بالخليج، وفي الأساس، بالقواعد الأميركية فيه؟
وهل ما زال سيناريو إلقاء قنبلة نووية كتلك التي ألقيت على هيروشيما وناغازاكي صالحاً لدفع دول إلى الاستسلام في عالم لم تعُد فيه تلك القنبلة حكراً على دولة واحدة؟ أم أن المشروع الأميركي للانسحاب من الشرق الأوسط الذي جُمّد أخيراً، يمكن أن يتحوّل قريباً إلى مشروع هروب؟
*حسين إبراهيم كاتب صحفي لبناني
المصدر | الأخبارالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: غزة فلسطين اليمن العراق أميركا إمبراطورية هروب المقاومة طوفان الأقصى الاحتلال الإسرائيلي قنبلة نووية الولایات المتحدة الشرق الأوسط أمیرکیة فی من یجرؤ
إقرأ أيضاً:
انتخابات أميركا بعيون الصين.. المعجزة وتهاوي القوة العظمى
تبنى كل من المرشحة الديمقراطية للانتخابات الرئاسية الأميركية كامالا هاريس، والجمهوري دونالد ترامب، موقفا يرى في الصين تهديدا للولايات المتحدة، إلا أن نظرة الصينيين للانتخابات منقسمة بين من يعتبرها تشير إلى إمكانية تحقيق الأحلام بالولايات المتحدة ومن يراها إشارة إلى تهاوي أميركا كقوة عظمى.
صحيفة "لوس أنجلوس تايمز" الأميركية نقلت عن ياوي ليو مؤسس مركز بيرسبشن مونيتور أميركا-الصين، ومقره أتلانتا، ويعمل ليو كمستشار لشؤون الصين في مركز كارتر قوله إن الصينيين مفتونون بصعود وهبوط الرئيس الأميركي جو بايدن.
وأضاف أن هناك شعور في الصين بالحماسة إزاء تولي سيدة من أصحاب البشرة الداكنة منصب رئيس الولايات المتحدة، فضلا عن نظرتهم لترامب الذي لا يزال يتمتع بحياة سياسية طويلة رغم جميع الفضائح.
كما أشار إلى أن الانتخابات الأميركية قضية مثيرة للنخبة الصينية لا سيما وأن بها الكثير من الأمور التي ترتبط بالدراما السياسية مثل انسحاب بايدن وصعود كامالا هاريس.
وأوضح أن الصينيين منقسمون إلى فريقين الأول يرى الانتخابات الأميركية متعلقة بالأموال وأشخاص مثل رجل الأعمال إيلون ماسك، فضلا عن أن ترامب قد يرفض نتائج الانتخابات حال خسارته ويعتبر أن منصب الرئاسة سرق وهو ما يدل على أن الديمقراطية لا يتم تطبيقها كما يجب وأن الولايات المتحدة تتهاوى كقوة عظمى.
ولفت إلى أن المعسكر الآخر يرى أن الانتخابات حقيقية وتنافسية وشفافة لا سيما مع قرب موعدها دون اتضاح الفائز.
وبين أنه حال فوز هاريس سيكون ذلك تكرارا لسياسة بايدن تجاه الصين لكن قد تحدث المفاجأة بفوز ترامب والذي قال إن أميركا لا تريد الدفاع عن تايوان، فإن ذلك من المحتمل أن يكون أمرا ترغب الصين في سماعه.
وحول رأي الصينيين في هاريس، قال ليو إنهم يدركون أنه في حال فوزها، فإن ذلك سيكون دلالة على حيوية الديمقراطية الأميركية، وسيكون معجزة وقصة ملهمة مفادها أن أي حلم يمكن أن يصبح حقيقة في هذه الدولة التي يطلق عليها الولايات المتحدة".
وفيما يتعلق بالتغطية الإعلامية الصينية لهذه الانتخابات، قال ليو إن وسائل الإعلام الصينية تبذل قصارى جهدها لتغطية هذه الانتخابات.
وتحدث عن وجود رقابة محدودة على ما يمكن تناوله، ولكن وسائل الاعلام لا ترغب في تغطية كيف يتحدثون بشأن الصين، ما عدا ذلك، فإن كل الأمور متاحة.
وأشار أيضا إلى وجود ظاهرة جديدة ألا وهي أن المزيد من الأشخاص الذين يحصلون على معلوماتهم من وسائل التواصل الاجتماعي.
وقال ليو إن وسائل الإعلام الصينية الرسمية تميل إلى تصوير أميركا على أنها في تدهور حاد بناء على ما حدث خلال أحداث شغب 6 يناير، وعدم الاستعداد للتعامل مع جائحة كورونا وتدهور العلاقات العرقية والعملية السياسية التي تهيمن عليها الأموال.
وأشار ليو إلى أن الكثيرين في الصين يعتقدون أن واشنطن تبذل كل ما في وسعها لاحتواء صعود الصين.
وعلى الرغم من أن هذه التصورات يتم تدعيمها بعناية بأدلة مختارة، فإن الإدراك الصيني لأميركا لا يمكن أن يوصف بأنه موضوعي ونزيه.