الحديث عن العلاقات غير التقليدية ممنوع في لبنان.. تضييق جديد على الحريات بقرار أمني
تاريخ النشر: 14th, February 2024 GMT
منعت السلطات اللبنانية ورشتي عمل للتوعية بشأن الممارسات الجنسية غير التقليدية، التي تعرف بـ"BDSM وimpact play"، كان من المقرر إجراؤها في العاشر من الشهر الجاري، بحجّة "الإخلال بالأخلاق والآداب والنظام العام وبأن من يدير الورشات عابر للجنس".
الهدف من عقد هذه الجلسات، بحسب منظميها، توعية المشاركين "من أجل تجنب الانتهاكات المحتملة".
أشهر من التحضيرات لثلاث ورش عمل ومعرض للفنانة "بيروت ميدنايت"، كما تطلق على نفسها، ذهبت سدى بقرار "أمني" فجائي، كما يقول وكيلها القانوني المحامي المتخصص بحقوق الإنسان والقانون الدولي، فادي هاشم، شارحا لموقع "الحرة" أنه "بعد قرار المنع، ألغت موكلتي كل نشاطاتها التي كانت مقررة خشية أن يتم كشف هويتها".
تركّز "بيروت ميدنايت"، 29 عاما، فنها على رسم تصوّراتها لحياة بيروت ليلا، كما أنها تهتم بالجنس غير التقليدي. وبعد الاهتمام الذي حظي به معرضها في بيروت في نهاية عام 2022، قررت تنظيم حدث توعوي حول هذا النوع من الممارسات الجنسية التي لا تزال غامضة لكثيرين، من أجل تجنّب الانتهاكات المحتملة، كما أوردت "لوريون لوجور".
وبعد أن كان مقررا أن يدير الفنان التشكيلي، رينيه دي سان، الذي شارك في تأسيس مدرسة كارادا هاوس للجنسانية في برلين، ورشتي العمل، ألغى قدومه إلى لبنان تحسبا لتعرضه للخطر؟ وفي حديث لـ "لوريون لوجور" أكدت "بيروت ميدنايت" على أن فنّها ليس إباحيا، بل حسيّا، وكل رسم يحمل رسالة حول الكليشيهات الجنسانية والمحرّمات الجنسية باستخدام الفكاهة.
وهذه ليست المرة الأولى التي تمنع فيها السلطات اللبنانية ورش عمل بحجة المثلية الجنسية، فقد سبق أن أصدر وزير الداخلية اللبناني، القاضي بسام مولوي، في عام 2022 بيانا طلب فيه من القوى الأمنية "اتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع إقامة أي مؤتمر أو لقاء أو تجمّع يهدف إلى الترويج لظاهرة الشذوذ الجنسي".
View this post on InstagramA post shared by Beirutmidnight (@beirutmidnight)
يذكر أن الـBDSM والـ impact play تشير إلى ممارسات جنسية غير نمطية تتم بموافقة طرفي العلاقة.
انتهاك صارخوبدأ التضييق، عندما استدعي مدير المركز الذي كان سيتضيف النشاطات في الثاني من فبراير للحضور إلى وزارة الداخلية، بحسب هاشم "، حيث وقّع على تعهد مُعد مسبقا ينص على عدم إقامة الورشتين، على أساس عدم المساس بالأخلاق العامة والآداب العامة والنظام العام، على الرغم من أن الورشتين كانتا مخصصتين للأشخاص الذين تتجاوز أعمارهم الـ 25 عاما، وعلى أن تجرى نهارا بشكل علني مع منع التصوير، ومن الأسباب التي استندت إليها السلطات كذلك، والتي تعتبر انتهاكا صارخا للحريات العامة والشخصية، هي أن من يدير الورشات عابر للجنس".
لكن "لا علاقة لورش العمل بأفراد مجتمع الميم عين"، كما يؤكد مسؤول التواصل والإعلام في منظمة "حلم"، ضوميط قزي "بل هي موجهة لكل أفراد المجتمع، فهناك أفراد مختلفون يمكن أن يكون لديهم اهتمام بالجنس غير التقليدي، وكمنظمة، ندافع عن تفضيلات الأشخاص الجنسية دون استثناء، طالما أنها تحت إطار الرضا ولا تنتهك حقوق الأطفال أو أي فئة مهمشة من المجتمع".
تجريم الفرد بسبب هويته الجنسية "أمر مخزٍ"، بحسب قزي.
View this post on InstagramA post shared by Beirutmidnight (@beirutmidnight)
ويشدد على أن "الهدف من تسليط الضوء على هوية الفرد هو التحريض عليه وخلق حالة من الذعر في المجتمع، وتبرير عمليات القمع عبر استغلال هويات مهمشة، وهو يذكّر بما يحصل عند ارتكاب جريمة معينة، حيث يتم تسليط الضوء بشكل كبير على جنسية المجرم، كمحاولة لخلق وصمة على هذه الفئة من المجتمع أو على الجنسية أو الهوية. ولا أعتقد أن ذلك بريء، بل متعمد".
ويضيف بأن "يتم التركيز على المسائل الجنسية والحريات الشخصية والعامة كتهديد للمجتمع، في حين أن هذه النشاطات لا تؤثر سلباً على أي فرد، حيث تقام في أماكن خاصة ويتطلب حضورها شراء تذاكر، مما يعني أنه لا يجبر أحد على المشاركة".
النشاطات المتعلقة بالجنس "الكويري" أصبحت هدفاً للمنع والتهديد وحتى العنف في لبنان. وفي أغسطس الماضي، هاجم أفراد غاضبون من مجموعة تطلق على نفسها اسم "جنود الرب" ملهى ليليا في العاصمة اللبنانية بيروت، حيث اعتدوا بالضرب على زبائنه بحجة المشاركة في نشاط خاص بالمثليين، قبل أن تتدخل القوى الأمنية.
وحاول موقع "الحرة" التواصل مع الأمن العام اللبناني لاستيضاح خلفيات منع عقد ورشتي العمل وأسباب تبليغ المعنيين عبر وزارة الداخلية، لكن لم يتمكن من الحصول على رد.
مسار قمعي"يعتبر منع ورش العمل التوعوية بكل أشكالها تضييقا على الحريات الفردية والشخصية، حتى لو كانت حول الممارسات الجنسية غير التقليدية"، تقول الباحثة في مؤسسة سمير قصير، وداد جربوع "خاصة عندما تكون هذه الورش موجهة إلى راشدين لديهم القدرة على اتخاذ قرار المشاركة من عدمه".
وتضيف في حديث لموقع "الحرة" قولها "نشهد في الفترة الأخيرة منع مثل هذه النشاطات لاسيما الخاصة بمجتمع الميم عين، وذلك بحجج أخلاقية وأنها تمس قيم المجتمع، لكن الأمر اللافت في المنع الأخير، عدم إعطاء المنظمين أي هامش لإبداء وجهة نظرهم والنقاش مع الجهة المعنية أو السلطات كما جرت العادة قبل إصدار القرار، بل كان قرارا حاسما".
من حق الأفراد بحسب قزي أن يعبّروا "في أعمالهم الفنية ومعارضهم وورشاتهم التدريبية عن الأمور الجنسية غير التقليدية، فكيف إن حددوا سنا واضحا للحضور، ومنع من هم دون الـ 25 عاما من الحضور، مما يعني تجاوز السن القانوني بسبع سنوات، وذلك ضمن الإجراءات الاحترازية المراعية للمجتمع والقانون".
كما أن منشورات الإعلان عن الورشتين التدريبيتين كانت ملصقة، كما يقول قزي، "في عدة أماكن "أي أنها علنية، لذلك كان متوقعا أن تتخذ السلطات الأمنية إجراءات لمنعها عندما يصلها الخبر، مستندة إلى عبارات مبهمة في القانون اللبناني تستخدم لقمع أي شخص لا يتماشى مع الأفكار السائدة أو القيم والعادات المفروضة على المجتمع، وبشكل خاص المسائل المتعلقة بالجنسانية".
إلغاء ورشتي العمل، بحسب قزي، "جزء من مسار المنظومة السياسية المتداخلة مع المنظومة الدينية والاجتماعية السائدة في البلد، في وقت لا نرى تحركات مماثلة من قبلها في قضايا التحرش والاغتصاب، حيث يتم انتهاك سلامة الأشخاص وكرامتهم واستقلاليتهم الجسدية، وفوق هذا تبدو وزارة الداخلية وكأنها مهتمة بسلامة أفراد المجتمع، إلا أنها في الحقيقة تخلق حالة من الهلع على الأخلاق، بينما ينبغي أن يكون الهلع الأخلاقي في مكان آخر".
ما تقوم به هذه المنظومة هدفه، وفقا لقزي، "تشتيت أفراد المجتمع بسبب عجزها عن تأمين أبسط حقوقهم، من دون أن يلغي ذلك أن أفراد هذه المنظومة رجعيون ومعادون لكل من هو مختلف عنهم، لديهم نظام أبوي يعود إلى آلاف السنوات ويريدون المحافظة عليه، وهو نظام يقمع كل ما يختلف عنه، وهذه أسباب الحملات التي تشنها منذ عام 2022 وحتى اليوم".
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: غیر التقلیدیة
إقرأ أيضاً:
فشل الغرب في الحرب التي شغلت العالم
– لا يستطيع قادة الغرب وكيان الاحتلال إنكار أن هذه الحرب التي تشارف على نهايتها في قطاع غزة، كانت حربهم معاً، وأنه لولا حجم انخراط الغرب مباشرة فيها إضافة إلى التمويل والتسليح والاستنفار وجلب الأساطيل لما استطاع الكيان الصمود حتى هذه الأيام، ولا يستطيع أيّ منهم إنكار أنهم وضعوا ثقلهم معاً سياسياً ودبلوماسياً وعسكرياً ومالياً للفوز بهذه الحرب التي تدور على مساحة 360 كيلومتراً مربعاً فقط، ما يعادل حياً صغيراً في أي مدينة كبرى، وأن الضربة الأولى في هذه الحرب يوم طوفان الأقصى في 7 أكتوبر 2023م كانت كافية لزعزعة عناصر قوة الكيان، ما أجبر الغرب كله على الهرولة إلى المنطقة بقادته وجيوشه وماله وسلاحه، واستنفار آلته الإعلاميّة والدبلوماسية لضمان أفضل مستويات الدعم والإسناد لجبهة الكيان بوجه غزة.
– تحوّلت الحرب قضية أولى على جدول أعمال الساسة والقادة والإعلام والشعوب على مساحة العالم، ورغم الخذلان العربي والإسلامي لغزة على مستوى الحكومات والشعوب، فقد نجحت غزة باستنهاض حلفاء لها يساندونها بجبهات قاتلت قتالاً ضارياً بلا هوادة، وتحمّلت تضحيات جساماً، خصوصاً في جبهتي لبنان واليمن، حيث تكفلت جبهة لبنان بإنهاء قدرات جيش الاحتلال على خوض حرب برية، وأجبرته على المجيء إلى وقف إطلاق للنار بدون مكاسب وهو يعترف ببقاء المقاومة على سلاحها، وما يعنيه ذلك من قبول مبدأ العودة إلى التساكن مع قوى المقاومة المسلحة على الحدود، رغم دروس الطوفان التي أجمع عليها قادة الكيان لجهة أن هذا التساكن يعني أن الخطر الوجودي على الكيان قائم وأن المسألة مسألة وقت، ومَن يقبل بالتساكن على الحدود الشمالية يقبل مثله على الحدود الجنوبيّة.
– نجح اليمن بتحدّي القوة الأمريكية والغربية البحرية بكل ما لديها من حاملات طائرات وسفن حربية ومدمرات وغواصات، وفرض إرادته رغماً عنها منجزاً حصاراً بحرياً على ميناء إيلات حتى تمّ إقفاله، وتسببت صواريخ اليمن وطائراته المسيّرة بتأكيد ما فرضته صواريخ لبنان وطائراته المسيّرة، لجهة عجز القبة الحديديّة بكل تقنياتها المتطورة رغم تدعيمها بشبكة صواريخ ثاد الأمريكية، فبقي المستوطنون يهرولون بمئات الآلاف إلى الملاجئ، وسقطت نظرية الأمن الإسرائيلية، وفشلت كل محاولات إخراج اليمن من موقعه كجبهة إسناد لغزة، بل إن أحد أسباب السير باتفاق ينهي الحرب كان اليقين بأن هذا هو الطريق الوحيد المتاح للتخلص من العقدة اليمنية وما تسببه لواشنطن وتل أبيب من إحراج.
– عوّضت التداعيات التي ترتبت على حرب غزة عالمياً عن الخذلان العربي والإسلامي، مع ظهور حركة الجامعات الغربية بحيويتها وحضورها المميز، وتطورها نحو إطلاق مد ثقافي فكري تاريخي لإثبات الحق الفلسطيني بكامل التراب الوطني الفلسطيني، وتوسّعت حركات المقاطعة الاقتصادية، وتسبّبت بتغييرات هيكلية في شبكة علاقات الشركات العالمية الكبرى بالكيان، وامتلأت شوارع عواصم الغرب بالملايين تهتف بالحرية لفلسطين، كما شهد العالم إعادة تموضع سياسية ودبلوماسية ونهوض حركة مساءلة قانونية بوجه جرائم الكيان ووحشيته، رغم التهديدات الأمريكية بالعقوبات، فقطعت دول علاقاتها بالكيان وأغلقت سفاراتها لديها وسحبت سفراءها من عاصمته، واعترفت دول أخرى بالدولة الفلسطينية، وذهبت دول لمقاضاة الكيان أمام المحاكم الدولية، وتحرّكت المحكمة الجنائية الدولية لإصدار مذكرات توقيف بحق قادة الكيان.
– عادت القضية الفلسطينية إلى وهجها كقضية دولية إنسانية وقانونية، لكن أيضاً كقضية استراتيجية يتوقف على حلها بصورة يقبلها الشعب الفلسطيني استقرار الشرق الأوسط، وتالياً سوق الطاقة واستقرار العالم، ولم يعُد العالم كما لم تعُد القضية الفلسطينية بعد هذه الحرب كما كان الحال قبلها، وهكذا حقق الطوفان أهدافه، وكانت عيون العالم على الطريقة التي سوف تنتهي من خلالها الحرب، لتحديد سقوف السياسة ومقدار القوة التي سوف ينجح الفلسطينيون في انتزاعها في ظل الضوء الأخضر الممنوح للكيان بتدمير كل ما يتصل بالحياة في غزة، وها هم يفرضون اتفاقاً لا يطال سلاح مقاومتهم، ولا يمنح الاحتلال أي امتيازات أمنية وجغرافية في قطاع غزة، ويجد أنه مجبر على إعلان انتهاء الحرب، وسوف يكون سقف تباهي حكام واشنطن وتل أبيب بما أنجز في غزة ولبنان واليمن هو ما قاله أنتوني بلينكن عن إنجازات أميركا وإسرائيل في لبنان، وسقفها إبعاد حزب الله عن الحدود، وقطع إمداده عبر سورية، لكن قوته باقية ولذلك فالإنجاز كما يقول إنه تمّ حرمان حزب الله من تشكيل تهديد راهن؛ بينما بعض الحمقى والمهابيل في لبنان يحتفلون بأن نزع سلاح حزب الله على الطاولة، وهكذا سوف يقولون عن غزة، تحييد التهديد الراهن؛ بينما يحتفل بعض مهابيل وحمقى الأجهزة في السلطة الفلسطينية بالحديث عن هزيمة المقاومة وحتمية نزع سلاح المقاومة.. ويبقى الأهم ما تقوله واشنطن وتل أبيب لا ما يردده أيتام الوحدة 8200، إن القضية هي منع التهديد اليوم وليس آلة القوة وأسباب القوة، لكن ماذا عن الغد، والاحتلال لن يحلم في أي منازلة مقبلة، وهي مقبلة حكماً، ما يشبه ما ناله في هذه الحرب ولم ينجح بتحقيق النصر؟.
رئيس تحرير صحيفة البناء اللبنانية