تتسم الهجمات الأمريكية الدولية على الجماعة الحوثية بتعقيدها الجيوسياسي، كلما استمرت الغارات وأصبحت أكثر كثافة وتأثير زادت احتمالات أن يكون لها ارتدادات إقليمية، فمع تفاقم هذه الهجمات تزيد فرص التوتر، وتزداد الحاجة لتقييم المخاطر واحتواء التوترات.

 

إن محاولة تأمين أهداف أمنية فورية ليس نهجاً غير مسبوق، لكن هذه الهجمات قد تختلف وقد يكون لها تداعيات بعيدة المدى على المنطقة والاشتباكات المستقبلية فيها، حيث لا يُنظر إلى هذه الهجمات على أنها مجرد عمليات تكتيكية معزولة، بل كمواقف استراتيجية، وبالذات كموقف ضد النفوذ الإيراني، وتحمل معها، من جهة أخرى، إمكانيات صريحة وضمنية للاستفزاز، وفيها تعزيز لموقف بعض الأطراف وإضعاف لمواقف أطراف أخرى.

يضاف إلى ذلك تؤدي هذه الهجمات إلى زيادة التطرف، حيث ستلجأ الجماعات المتطرفة إلى استغلال الغضب والاستياء الشعبي الذي تثيره.

 

ولذلك قد يكون لها تأثير مهم على ديناميكيات القوة في المنطقة، وقد تنتهي بتغيير في موازين القوى أو أقله بإدخال بعض التعديل عليها، وقد تدفع الأطراف المعنية، سواء كانت دولًا أو غير جماعات، إلى إعادة تكييف استراتيجياتها الأمنية. والعلاقة بين دول الخليج والقوى الإقليمية كإيران تعد حقل رئيسي من يمكن أن يتجلى فيه هذا النوع من التأثير.

 

تسلط هذه الهجمات، من جهة أخرى، الضوء على التحديات المستمرة التي تواجه علاقة المنطقة بالعالم، والتحديات التي تواجه المجتمع الدولي في التعامل مع الصراعات في الشرق الأوسط، وتوصل في هذا السياق رسالة واضحة بأن القوى الدولية مستعدة للتدخل عسكرياً لمواجهة التهديدات المتصورة وحماية مصالحها في المنطقة، وسيكون لهذا الموقف آثار على الإجراءات المستقبلية في الصراعات الأخرى أيضاً.

 

وغير ذلك قد تتجه الهجمات الأمريكية على الحوثيين في تداعياتها إلى التسبب في زيادة التوترات الجيوسياسية في المنطقة بشكل عام، إذ لا تتوقف وجهات النظر المختلفة عند اعتبارها عمليات تستهدف الجماعة الحوثية أو حتى النفوذ الإيراني فقط، بل إن بعضها يتجاوز إلى اعتبار أنها تستهدف أيضاً تأكيد للنفوذ الأمريكي الغربي أو إعادة تأكيد على استعادة النفوذ، ومحاصرة النفوذ الصيني الروسي. وإن لم تكن كذلك فهي على الأقل ستثير هواجس وقلق دول كالصين وروسيا، قلق كهذا لن يكون محايداً وسيتصبب أو يكون مصحوباً بردود أفعال ومواقف وسياسات تنافسية مرئية أو غير مرئية.

 

وبالضد من شعار حماية الأمن البحري الذي ترفعه، إلا أن هذه الهجمات مع ذلك تعرض الملاحة البحرية لخطر أكبر. إن تضرر حرية الملاحة في البحر الأحمر بصورة أكبر مما كانت عليه تعد نتيجة ناجزة لهذه الهجمات، هذا ما تقوله التقارير حول حركة الملاحة والتجارة الدوليتين حتى الآن، فالمخاطر والتهديدات التي تفرضها تسببت بإرباك في خطوط الملاحة وفي زيادة تكاليف التأمين على السفن التجارية، وأدت إلى تشوهات في سلاسل الاستيراد والتصدير. ومن غير المستبعد أن تنتهي أيضاً بتعطيل حركة الملاحة في البحر الأحمر بشكل كامل والتسبب باضطراب طويل الأجل للتجارة العالمية.

 

فالبعد العاطفي للمواجهة، وحالة المكابرة التي تغلفها، والتأييد الشعبي الذي تتحصل عليه الجماعة الحوثية أو تتصور أنها تجنيه تدفعها إلى التصعيد وتبني مواقف أكثر تشدداً، ويغريها على ذلك أيضاً رغبة المهاجمين في عدم توسع الصراع، وما يبدو أنه ضعف في الدعم الإقليمي والدولي لهجماتهم.

 

 وبالإضافة إلى تأثر المنطقة بارتفاع الأسعار، وتضرر سلاسل التوريد والتصدير، تدفع المواجهات في البحر الأحمر وخليج عدن إلى تضرر الثقة بالمنطقة كموقع جاذب للاستثمار، فهي تعطي دليلاً إضافيا على اضطرابها الدائم، وتعزز حالة من عدم اليقين بشأن استقرارها المستقبلي وفرصها الاقتصادية، ما قد يؤثر على خطط الاستثمار وبالتالي على معدلات النمو الاقتصادي. وبكلمات أخرى، تعد هذه الظروف بمثابة اختبار لحذر رأس المال إزاء المخاطر الجيوسياسية. ومن المعروف أن رأس المال بطبيعته "جبان" وينفر من الغموض ويتجنب المخاطر ويفضل الاستقرار ويسعى وراء الأمان، وقد يدفع الحاصل بالمستثمرين إلى إعادة النظر في تخصيص رؤوس الأموال وخططهم الاستثمارية. وفي النتيجة، قد نشهد المنطقة حال استمرت المواجهات وتفاقمت تباطؤاً في النمو الاقتصادي في المنطقة.

 

 إن متابعة تسلسل ردود الأفعال وفهمها أمر حاسم لتوقع مشهد الصراع والتعاون المتطور داخل هذه المجال الجيوسياسي المتقلب، وفهم الانفعالات العسكرية في الشرق الأوسط وتداعياتها المحتملة أمر ضروري لصناع القرار في المنطقة يمكنهم من اتخاذ قرارات أكثر استنارة وتوقع التطورات المستقبلية في المنطقة.

 

*أحمد علي الأحصب باحث يمني لديه العديد من الأبحاث.

 

*المادة خاصة بالموقع بوست


المصدر: الموقع بوست

كلمات دلالية: اليمن جماعة الحوثي أمريكا بريطانيا البحر الأحمر هذه الهجمات فی المنطقة

إقرأ أيضاً:

تزن 100 ألف طن.. ماذا تعرف عن حاملة الطائرات الأمريكية التي استهدفتها الحوثي؟

 أعلنت جماعة أنصار الله "الحوثي"، فجر الأربعاء، استهداف حاملة الطائرات الأميركية (يو إٍس إس هاري ترومان) للمرة الرابعة خلال 72 ساعة.

وقال الناطق باسم الجماعة يحيى سريع، إن عملية استهداف "هاري ترومان" نجحت، وأحبطت هجوما جويا وشيكا على اليمن.

ما هي هاري ترومان؟
يو إس إس هاري ترومان (CVN-75) هي حاملة طائرات نووية تابعة للبحرية الأمريكية، وهي واحدة من أقوى السفن الحربية في العالم

جرى تسميتها بهذا الاسم نسبة إلى الرئيس الأمريكي الثالث والثلاثين هاري إس ترومان.

بدأ العمل على تصميمها منذ العام 1988، وتم إنجازها في 1996، لتدخل الخدمة رسميا في العام 1998.

تنتمي إلى فئة نيميتز (نسبة إلى الأدميرال تشيستر نيميتز، قائد أسطول أمريكي في الحرب العالمية الثانية).

تعد "هاري ترومان" واحدة من بين 10 حاملات طائرات تنتمي إلى هذه الفئة، وتتميز بقدرتها على حمل ونشر عدد كبير من الطائرات الحربية يصل إلى 90.

تعمل بالطاقة النووية، مما يمنحها قدرة على الإبحار لمسافات غير محدودة تقريبًا دون الحاجة للتزود بالوقود.

يبلغ طول "هاري ترومان" 332.8 مترًا وعرضها 76.8 مترًا، وتزن حوالي 100 ألف طن.

وتعمل بمفاعلين نوويين من نوع A4W، مما يمنحها قدرة على الإبحار لمسافات غير محدودة تقريبًا دون الحاجة للتزود بالوقود.

تبلغ سرعتها القصوى أكثر من 30 عقدة (56 كم/ساعة)، فيما تحمل طاقمًا يضم حوالي 6000 فرد، بما في ذلك الطيارين وأفراد الصيانة.

قدرات هائلة
تعتبر يو إس إس هاري ترومان منصة عائمة للقوة الجوية، قادرة على نشر مجموعة متنوعة من الطائرات الحربية، بما في ذلك المقاتلات والقاذفات وطائرات الاستطلاع.

وتلعب دورًا حيويًا في عمليات البحرية الأمريكية، وهي تربض في منطقتنا منذ مدة، وتتواجد حاليا قبالة سواحل اليمن.

وكانت الناقلة الضخمة شاركت في العديد من العمليات العسكرية للقوات الأمريكية، بما في ذلك غو  العراق وأفغانستان.

وكانت "هاري ترومان" شاركت أيضا في الحرب على تنظيم الدولة "داعش" عام 2016، حين حطّت قبالة سواحل طرطوس السورية.

ويمكن للناقلة إطلاق طائرتين حربيتين كل 40 ثانية.

بالإضافة إلى الطائرات، فإن هاري ترومان تضم منصات إطلاق صواريخ دفاعية أرض جو، إضافة إلى أنظمة دفاعية أخرى.

مقالات مشابهة

  • وزير خارجية إيران يجدد إدانته للهجمات الأمريكية على اليمن
  • تعرف على حاملة الطائرات الأمريكية التي استهدفتها الحوثي (إنفوغراف)
  • تعرف عن حاملة الطائرات الأمريكية التي استهدفتها الحوثي (إنفوغراف)
  • تزن 100 ألف طن.. ماذا تعرف عن حاملة الطائرات الأمريكية التي استهدفتها الحوثي؟
  • هل تؤدي الهجمات الأمريكية على اليمن إلى توسيع الصراع في المنطقة؟
  • واشنطن تقول إنها غيرت نهجها تجاه هجمات الحوثي على السفن بشكل كامل
  • أمريكا تعيد التهديد للملاحة الدولية بعسكرة البحر الأحمر وتجديد العدوان على اليمن
  • "البنتاجون": هدف الضربات على الحوثيين استعادة حرية الملاحة وترسيخ الردع الأمريكي
  • اقرأ غدا في عدد البوابة: تصعيد متواصل بين الحوثي وأمريكا.. جماعة أنصار الله تعلن مسئوليتها عن هجومين على حاملة الطائرات هاري ترومان
  • تفاصيل الغارات الأمريكية الجديدة على اليمن