هي معركة كسر عظم، لا توسط فيها ولا توقف في منطقة بين نصف نصر ونصف سلم أو استسلام. نحصي مع المقاومة شهداءها ونتألم معها ونتعزى ألّا حرية بلا ثمن، لكننا نراقب الباعة والتجار، ونقول من باع غزة لن يقبض ثمنا بل سيقبض مهانة الدهر على جبينه وسيزيد العدو في إهانته وتمريغ كرامته وسيبتزه حتى العظم ولن ينجو إلا من قاوم بشرف.
كانت فرصة للباعة أن يرفعوا الثمن على الأقل
غزة المقاومة قدمت فرصة عظيمة للباعة، وأعني خط التطبيع العربي بمن فيهم أصحاب نصف الموقف المتعاطف دون تأثير فعّال كالجزائر، فرصة انخراط في معركة تغير قواعد العلاقة مع العدو حتى تحت اتفاقيات التطبيع المكتوبة، حيث يوجد هامش ابتزاز للعدو الحاضر في المنطقة والممول الداعم له من بعيد. كانت علاقة إذلال وإرغام وابتزاز منذ أول اتفاقية عقدت مع مصر، منعت مصر وجيشها من التحكم في أرضها وحتى في تجارتها الخارجية. وهي تأويلات مفرطة يفرضها العدو في مضمون الاتفاقية، ويقبل بها الباعة فيخضعون بلا جدال. فكانت حرب غزة فرصة للتنصل من هذه التأويلات وفرض شروط أو رفع الثمن، وليس بالضرورة بإرسال مساعدات لغزة بل يكفي أن تنعكس النتائج على معيشة الشعب المصري أو الأردني.
كان العدو في حالة ضعف ويسهل الضغط عليه، لكن المخزي أن المطبعين سعوا إلى التخفيف عنه وإنقاذه بالاقتطاع من قوت شعب الأردن وشعب مصر وغيرهما ليبقى العدو قويا، وفي ظنهم أنه يستقوي على غزة وحدها لكنهم يَعْمَوْن عن قوته بعد غزة وهي قوة (أو بقية قوة) سيسلطها عليهم كما فعل دوما بلا أدنى درجات الاحترام لمضامين اتفاقيات تسمى اتفاقية سلام. ونحن نتذكر يوما أنه تعمد تزويد الأردن بمياه المجاري في قنوات مياه الشرب.
الغباء المخلوط بالذل
يرسلون للكيان المساعدات ولسان حالهم يقول خلّصنا من غزة بسرعة، ولسان حاله يقول أرسلوا المساعدات ليستقوي جنودي بها فيقتلون إخوتكم ثم أتفرغ لكم. إنهم لا يريدون سماعه يقول الجملة الثانية، لذلك يتذللون له ربما بلا حرص بالغ منه ليقيهم غزة وأهل غزة، لأنهم يعرفون أن بعد هزيمته في غزة سيكون الدور على عروشهم.
أشياء كثيرة كانت ستتغير في بلدانهم؛ منها أن شعوبهم ستغض الطرف عن جرائمهم وسوء إدارتهم للبلدان كما فعلت دائما عندما يتعلق الأمر بفلسطين، ومنها أن الأمريكي كان سيزيد بلا تردد في حجم المساعدات العسكرية والغذائية ويتوقف عن ابتزازهم بعدم شرعيتهم أمام شعوبهم. وهو ثمن سهل قدمته لهم غزة بلحم أطفالها لكنهم يبيعون بيع الذل والمهانة، ونفوسهم تحدثهم بأنهم نجوا من الهزيمة وأن العدو سيدللهم ويقدم لهم رسائل الشكر على الدور الخياني. ولكن هيهات، فهذا العدو يفهم فقط من يصفعه على وجهه فيخشاه وينسحب أمامه ويفكر طويلا قبل أن يعود إلى إيذائه.. قالت لهم غزة اقبضوا بدمي ثمنا من كرامة فقالوا نقبض بذلتنا، ولن يقبضوا إلا الريح السموم.
نتمتع بذلتكم لاحقا
قلوبنا الآن في غزة بين قهر وأمل وقد حالوا دوننا والنصرة بما تيسر، فكم من طبيب منا حزم حقيبته ليعبر معالجا، وكم من كريم متبرع حمّل الأغطية والأغذية فلم تفتح له المعابر.
مجريات المعركة في شهرها الخامس والعدو يتخبط تعطينا ثقة بلا حدود في المقاومة التي تدير معركة كسر فلا تنكسر وتثخن في العدو، لكن أملنا يتسع ليرى الباعة الخونة يبكون هزيمتهم مع العدو الذي دعموه ثم يرتد عليهم نصر غزة ولو بعد حين. لن يتوقف العدو حتى وهو مهزوم عن ابتزازهم وسيبذلون آخر ما لديهم لكي لا يصل نصر غزة إلى عروشهم، لكن مرة أخرى هيهات؛ هذا ليس نصرا في مربع صغير اسمه غزة، هذا نصر تاريخي لن يتوقف أثره حتى يغير المنطقة.
ليس لدينا تصورات محددة عن ذلك خاصة وأننا انتبهنا إلى دور نخب خيانية دعمت الأنظمة وحمتها وبررت لها الخيانة، وهي نخب تسكن مفاصل الدول والأنظمة وهي كامنة كمون السرطان في الجسد، لكن نرى بيقين أن انكسار العدو يقلل من دوره في حماية هؤلاء ولن يكون بإمكانه رد الجميل، بل العكس سيبالغ في الابتزاز ليرمم نفسه أو ما تبقى منه.
ونذهب إلى حد رؤية قول العارف الأكبر بطبيعة العدو، المفكر صاحب الموسوعة اليهودية، عندما تنبه إلى أن رفع كلفة العدو على مموليه ستجعلهم يعيدون التفكير في جدوى بقائه. هذا النصر رفع كلفة العدو على مموليه الغربيين جميعهم، ولعلهم الآن يقيسون جدواه وقد انقلبت فئات كثيرة من شعوبهم عليهم، ولشعوبهم صناديق انتخابية فعالة. وليس من الهيّن أن يصرخ مواطن أمريكي بأنه لن يدفع ضرائب من حر ماله تذهب إلى تمويل قتَلة الأطفال في فلسطين فيما هو يرزح تحت خط الفقر والمرض، هذا تيار ولدته غزة في الغرب وسيكون له صدى بعيد.
لهذا نكتب أن من باع غزة لن يقبض ثمنا لخيانته بل سينهار نظامه وستحاسب الشعوب خونتها في معركة مصيرية، نحتاج فقط أن نخفى جزعنا على غزة الصابرة وأن نتعلم من صبرها بعض الصبر.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه المقاومة غزة التطبيع غزة الاحتلال المقاومة التطبيع مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة
إقرأ أيضاً:
دهشة مُستحقة حول معركة القادسية في القصر الجمهوري..!
د.عبدالله عي ابراهيم من المنادين بمواصلة الحرب..وهو القائل بضرورة استمرار هذه الحرب الفاجرة مهما ازهقت من أرواح السودانيين المدنيين باعتبار ان القتلى شركاء في التغيير.. !!
وهو يقول أن الحرب يجب ان تستمر لعقود حتى ينتصر عسكر البرهان..وليس مهماً ان يموت السودانيون ويتشردون عشرات السنين...أو حتى مائة عام ...أليست هذه هي وعود ياسر العطا نفسها (بالكربون)..!
وانتهى الأمر بدكتور عبدالله أخيراً إلى منح البرهان (الملكية الوطنية للحلول)..!! بمعنى ان البرهان..الانقلابي العاري من أي شرعية عسكرية أو سياسية أو (اخلاقية) يصبح هو صاحب ( الحل والعقد) في أزمة الحرب الراهنة..والمتصرًف الأوحد في مصير البلاد والعباد في ارض السودان..!
طبعا.د.عبدالله علي ابراهيم دأب على النعي على كل من ينادي بإبقاف الحرب وعلى السخرية من كل القوى المدنية خاصة (الحرية والتغيير) في إدعاء كاذب بأنهم يبحثون عن حلول خارجية.. ! هذا والله هو البهتان العظيم..!
وهكذا يضع الرجل مصير السودان بين يدي عسكر البرهان ومن يشايعهم من براءيين وارهابيين وحركات مسلحة تستجدي المال والمكافآت ثمناً لتأجير سلاحها.. !
من هو البرهان الذي بريد الدكتور منحه (ملكية الحل والربط) في السودان..؟ أليس البرهان وعسكره وجماعته وكيزانه و(مليشيات نائبه) هم من قاموا بتنفيذ مجزرة فض الاعتصام الدموية المروَعة..؟!
أليس هو مع جنرالاته ومليشياته من قاموا بالانقلاب على الحكم المدني..؟!
أليس هو وجماعته ومليشياته وكيزانه من قاموا باشعال الحرب وتدمير الوطن وتشريد أهله؟!
أليس البرهان والكيزان هم من استدعوا مليشيات الدعم السريع.. ووطًنوها عسكرياً وميدانياً..واعدوا لها قانوناً خاصاً...وملكوها الثروات والموارد والمواقع الاستراتيجية..!
ألم يكن القتل والتعذيب والاعتقال والملاحقة والتجريم هو نصيب كل من طالبوا بحل مليشيات الدعم السريع..!
ماذا تقول في ذلك؟!! سبحان الله..لقد كانت أقوال د.عبدالله هذه.. هي ذات ما تحدث به حرفياً بالأمس أحد نكرات جماعة الكيزان..اسمه "حاج ماجد سوار"..وهو (عنقالي) غير معدود لا في العير ولا في النفير... بل هو شخص مبغوض حتى من الكيزان.. ولك أن تتخيًل شخصاً يبلغ به حد السوء أن يلفظه الكيزان أنفسهم..!
قال حاج ماجد هذا إن الحرية والتغيير هي التي أشعلت الحرب...ماذا تفهم من مثل هذه الخطرفة..؟...(بلادي سهول...بلادي جبال)...!
أيضاً اصابتنا دهشة من مقال كتبه د.الشفيع خضر سعيد مؤخراً ..ود. الشفيع غير مُتهم في وطنيته واستقامته والتزامه جانب الشعب.لكن أدهشتنا أشادته بما سماه انتصار عسكر البرهان ..وتحدث الرجل عن (فرحة عارمة) للسودانيين..! وصفها بأنها (نشوة الأنتصار بعد أن استعاد الجيش سيطرته على عاصمة البلاد واسترداد معالم السيادة الوطنية)..!
اي جيش وأي انتصار..وأي فرحة عارمة وأي نشوة وأي سيادة وطنية..في دخول عسكر البرهان وجندرمة كرتي وكتائب البراء (مبنى خالي) لم تحدث فيه معركة..ولم تطلق فيه (خرطوشة واحدة)..وقد دخله (هؤلاء المغاوير) بعد أن خرجت منه المليشيات التى أتى بها البرهان قبل عامين..وكان هروبه من القيادة العامة للجيش ومن العاصمة (بسفنجة وتي شيرت).. ثم عاد بعد ان غادرتها المليشيات التي ورثها من الانقاذ وقام بتمكينها من البلاد..بخرطومها وقصرها...؟!
هل يعرض علينا أبطال (معركة القصر الكبرى) جثة واحدة لأحد مجندي مليشيا الدعم السريع أو أحد الأسرى...؟!
أي أي نشوة وأي فرحة (عارمة أو غيرعارمة) والناس قد شاهدوا بعد هذا الانتصار (الوهمي المزعوم) ما حدث للمواطنين الأبرياء من تقتيل خارج القانون ومن انتقام وتنكيل وتعذيب على الهوية..ومن ملاحقة لكل من يُشتبه في نسبته لشباب الثورة او لجان المقاومة..؟!
بل من الغرابة كل الغرابة ان يوجَه د.الشفيع مناشدته لما يسميها (قيادة الجيش السوداني) التي يترأسها البرهان.. ويرجوها أن تعمل على تأمين المواطنين..!
يعنى أنه يأمل من البرهان والعطا وكباشي وابراهيم جابر الذين اختطفوا الجيش لصالح الكيزان وانقلبوا على الحكم المدني واشعلوا الحرب أن يعملوا على نشر ألوية السلام وتأمين المواطنين.....(الله المستعان)...!!
اللهم لا ترفع للكيزان راية..ولا تحقق لهم غاية..واجعلهم للعالمين عبرة وآية....الله لا كسٓبكم.
murtadamore@yahoo.com
مرتضى الغالي