لجريدة عمان:
2025-01-05@04:24:41 GMT

الزمان والحقيقة: سطوة الزمان

تاريخ النشر: 13th, February 2024 GMT

الحقيقة الوحيدة المؤكدة والمطلقة في الحياة هي الموت، أي الزوال: فكل شيء هالك ومصيره إلى الزوال، وهو مهدد بهذا الزوال في كل لحظة، وهو يتجه نحو هذا الزوال باستمرار وبمرور اللحظات. وهذا يعني أن حقيقة الوجود والحياة هي الزمان، أي التناهي؛ ولذلك فإن سؤال الزمان قد حير الفلاسفة منذ قديم الزمان، حتى إن القديس أوغسطين في «اعترافاته» قال عن الزمان: «إن سُئِلت عنه فإني لا أعرف؛ وإن لم أُسأل فإني أعرف»! والمعنى المراد من قول أوغسطين هو أننا لا نعرف ماهية أو حقيقة الزمان، ومع ذلك فإننا نشعر به في كل لحظة من لحظات وجودنا باعتباره حقيقة التناهي.

ولذلك فإن هيدجر استطاع أن يجيب عن سؤال الزمان الذي حيَّر القديس أوغسطين. الزمان ليس هو الآن أو اللحظة التي نعيشها؛ لأن اللحظة التي نعيشها لا نستطيع أن نقبض عليها أو نُبقيها، فهي سرعان ما تفلت من بين أيدينا وتؤول إلى الماضي، أي تصبح غير موجودة أو عدمًا. وبذلك فإن الماضي نفسه يصبح عدمًا وغير قابل للاسترجاع، ولكنه عدم يبقى معنا ويدخل في نسيج وجودنا نفسه حينما نتأمله ونسترجعه على الدوام؛ ولهذا فإننا نتندر على هذه الحقيقة بالتمني المستحيل ولسان حالنا يقول: «ألا ليت الزمان يعود يومًا»!

تلك حقيقة لا تعرفها الحيوانات التي تعيش الحياة لحظة بلحظة، ولا تنشغل أو- بمعنى أدق- لا تدرك هذه الحقيقة: حقيقة الزمان الذي ينفث العدم في الوجود من خلال التناهي والزوال؛ رغم أن الحيوانات لديها نوع من الإدراك، وهو الإدراك الحسي، ولكنها لا تمتلك الإدراك التأملي في معنى الوجود وحقيقته. ولذلك فإن شقاء الوجود الإنساني الحقيقي يكمن في إدراكه لهذه الحقيقة، أي في إدراكه لحقيقة وجوده باعتباره وجودًا متناهيًا، وهذا فعل الزمان في الحياة والوجود. ولكن أكثر الناس لا يدركون هذه الحقيقة، وهم لا يدركون من الحياة إلا اللحظة التي يعيشونها؛ ومن ثم فإنهم يعيشون الحياة على مستوى أقرب إلى المستوى الحيواني في الإدراك. وبعض الناس يدركون هذه الحقيقة ولكنهم يتألمون منها ولا يستطيعون تقبلها أو التعايش معها، وهذا الأمر الأخير أكثر تعقيدًا لأنه يحدث لدى أناس على درجة عالية من الإدراك والإحساس؛ ولذلك فإنه يحتاج إلى شيء من التأمل:

لنـتأمل أحوال المشاهير من الممثلين والمطربين وغيرهم؛ فمنهم من كان يملأ الدنيا بنجوميته ووسامته حتى صارت الدنيا تتبعه في حله وترحاله: فهذا تتمناه كثير من نساء العالمين، وهذه يتمنى أعظم الرجال مجرد نظرة منها، فما بالك لو ظفر بحبها. تأمل- على سبيل المثال- نجومية ووسامة وجاذبية الممثل الفرنسي المشهور آلان ديلون والمطرب الإسباني الشهير خوليو إجلاسيوس في مرحلة الشباب والنضج التي دامت حتى نهايات القرن الفائت ثم توارت تدريجيًّا بعد ذلك. في مرحلة الشيخوخة تخمد في روح المرء وهيئته إرادة الحياة، ويميل- كما يقول شوبنهاور- إلى الانزواء في ركن من غرفة كما لو كان ظل إنسان! هذه الحالة نفسها نجدها لدى كثير من النساء: تأمل حالة الممثلة الأسطورية إليزابيث تايلور التي لم تحتمل زوال شبابها وجمالها الطاغي، فأدمنت الخمر إدمانًا قضى عليها في النهاية. وتأمل حالة المطربة الشهيرة داليدا التي كانت ملْء السمع والبصر بعد أن تركت مصر في شبابها وعاشت في فرنسا، ولكنها لم تحتمل إدراكها لحقيقة الزوال واللاجدوى في الحياة والحب، حتى انتحرت في النهاية يأسًا من الحياة ذاتها تاركة رسالة تقول: «سامحوني، الحياة لم تعُد تُحتمَل».

وبطبيعة الحال لا تكون استجابة الناس- بمن فيهم المشاهير- واحدة إزاء حقيقة الزمان الذي يمارس سطوته على البشر مثلما يمارس سطوته على سائر الموجودات. مَن يدركون هذه الحقيقة هم وحدهم القادرون على أن يعيشوا في سلام مهما تقدم بهم العمر، وهم في النهاية يتقبلون الموت برضاء تام ولا يخشونه. فما الذي يجعلنا لا نخاف الموت ونتقبله؟ إنه ببساطة الإيمان بحقيقة الزمان، وبأن أفعالنا أو أعمالنا هي التي يمكن أن تبقى على مر الزمان؛ وفي ذلك يكون العزاء. ومن هنا يمكن أن نفهم الدافعية العميقة وراء كل إبداع بشري في أي مجال من المجالات، فعلى الرغم من أن كل إبداع يكون وليد الدهشة (كما لاحظ أرسطو) والرغبة في الفهم والمعرفة الخالصة (كما لاحظ شوبنهاور) -، فإن الإبداع ينبع من رغبة قوية في الخلود من خلال مقاومة الزوال: الإبداع هو محاولة لخلق شيء يبقى؛ ومن ثم يقاوم الزمان والزوال. ومن خلال الإبداع لا يصبح الماضي هو ما يؤول إلى العدم، أي لا يصبح الماضي زوالًا أو عدمًا، بل يصبح حضورًا متجددًا على الدوام حتى بعد زوال المُبدِع؛ ولذلك فإن أعمال المبدعين العظام في سائر المجالات لا تزال حاضرة منذ فجر الحضارة حتى يومنا هذا، وهي تعيش بيننا كما لو كانت موجودات حية.

الإبداع هو مقاومة سطوة الزمان بالنقش على جداره. ومن هنا يمكن أن نفهم سر النقوش على جدران المعمار في مصر القديمة وغيرها من الحضارات الغابرة: لقد أراد المصري القديم أن يُخلِّد وجوده من خلال قصص البطولات وقيم الإيمان وأخلاقيات الحياة اليومية من خلال الرسومات الإبداعية المنقوشة على الجدران، لتبقى على مر الزمان وتتناقلها الأجيال.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: هذه الحقیقة من خلال

إقرأ أيضاً:

أمين الفتوى: المنجمون يروجون لأقوال عامة قد تصادف الحقيقة

أكد الدكتور حسن اليداك، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، أن معظم أقوال المنجمين هي أقوال عامة تحتمل الإسقاط على أي حدث أو شخص، ولا يمكن الاعتماد عليها أو تصديقها.

وقال أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، خلال فتوى، اليوم الخميس: "نلاحظ أن المنجمين يروجون لأقوال غير محددة، مثل التنبؤ بفوز دولة في بطولة رياضية أو حدوث شيء لفلان دون تحديد، وهذا النوع من التنبؤات يُعتبر عامًا بحيث يمكن تطبيقه على أي حدث قد يحدث، وعندما يحدث شيء معين، يروجون قائلين 'كما قلت'، لكن هذا ليس دليلاً على صحة كلامهم."

وأوضح أن هذا النوع من التنبؤات لا يستند إلى أي حقيقة أو علم موثوق، وعندما يستمع الإنسان لمثل هذه الأقوال، يجب عليه أن لا يصدقها ولا يلاحقها، فقضية المنجمين لا تختلف عن كذبهم في كل مرة، حتى وإن صادفوا في بعض الأحيان، فإن هذا لا يجعل كلامهم صحيحًا.

وأشار إلى أن حدوث مصادفات لا يعني أن المنجمين كانوا صادقين، وأنه يجب على المسلمين أن يبتعدوا عن تصديق مثل هذه الأمور التي تتنافى مع مبادئ الدين.

وشدد على ضرورة توعية الناس بعدم الاستماع إلى مثل هذه الادعاءات، مؤكدًا أن الاعتقاد في مثل هذه الممارسات ليس من صميم الإسلام.

مقالات مشابهة

  • توكل كرمان: أحمد الشرع هو من حرر أوروبا من سطوة المشروع الإيراني والروسي وهي في امس الحاجة للتحالف معه
  • هل يتم فرض رسوم على التابلت واللاب توب والساعات الذكية؟.. الحكومة تكشف الحقيقة
  • تجمع أهالي شهداء المرفأ: هناك من لا يريد الحقيقة والعدالة
  • هل تعتقد أن الضريبة على الهواتف تؤثر عليك؟.. إليك الحقيقة الكاملة
  • أصناف بطاطس أرجوانية بنفسجية في مصر؟.. الزراعة تكشف الحقيقة
  • تأجيل إينى الإيطالية العمل بحقل ظهر؟.. البترول تكشف الحقيقة - (بيان رسمي)
  • تأجيل إينى الايطالية العمل بحقل ظهر؟.. البترول تكشف الحقيقة - (بيان رسمي)
  • أمين الفتوى: المنجمون يروجون لأقوال عامة قد تصادف الحقيقة
  • انتشار البطاطس الأرجوانية البنفسجي.. مسئول حكومي يكشف الحقيقة
  • استقلال السودان.. الزيف والحقيقة!