تقرير ميونخ للأمن.. تخوف الغرب من تداعيات الحرب على غزة
تاريخ النشر: 13th, February 2024 GMT
برلين- اهتم تقرير مؤتمر ميونخ للأمن لعام 2024 بشكل لافت بتداعيات الحرب الإسرائيلية على غزة، وقال إن "الحرب التي تلت هجوم حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي هزت المنطقة، وربما عطلت التوجه نحو تحول عملي في السياسة الخارجية للدول الإقليمية".
ومن بين التوجهات التي تعطلت حسب التقرير "إعطاء الأولوية لتهدئة التصعيد وتحقيق الاستقرار في المنطقة"، خصوصا على ضوء اتفاقيات التطبيع بين إسرائيل ودول عربية، والتي مكنت إسرائيل من تصدير 24% من صادراتها من السلاح إلى دول وقّعت هذه الاتفاقيات.
ويمثل التقرير مقدمة للمؤتمر الذي سيُعقد في ميونخ بين 16 و18 فبراير/شباط الجاري، ويحضره قادة ومسؤولون من دول العالم.
وأبرز التقرير وجود تخوف من "اندلاع حريق إقليمي هائل"، خصوصا مع "استمرار إسرائيل في حملتها العسكرية في غزة، واستمرار وكلاء إيران في لبنان واليمن وسوريا والعراق في تكثيف هجماتهم على القوات الإسرائيلية والأميركية"، مما يهدد بـ"تبديد الآمال الأولية للتقارب في الشرق الأوسط".
تقرير مؤتمر ميونخ للأمن أثار مخاوف من زيادة التسلح في المنطقة بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي (وكالة الأناضول) تخوف غربي"كان هناك تصور غربي أن المنطقة أضحت آمنة قبل عملية حماس، لكن اتضح العكس" يقول مدير مركز الدراسات حول العالم العربي والمتوسط في جنيف حسني عبيدي للجزيرة نت، لافتا إلى أن الغرب يدرك أن اتفاقيات السلام تلاشت وأن تداعيات الحرب كبيرة جدا.
ومن أسباب الاهتمام الغربي بالحرب القرب الجغرافي للشرق الأوسط من أوروبا، وكذلك تهديد الأمن الاقتصادي الأوروبي في مجال الطاقة وتأمين الملاحة البحرية، فضلا عن تسريع الحرب في خلق نظام دولي جديد لن يكون بالضرورة أميركيا، يوضح عبيدي الذي يعمل كذلك أستاذا محاضرا في جامعة جنيف.
وذكر تقرير ميونخ للأمن أن الشرق الأوسط منقسم بخصوص العلاقات مع إسرائيل، وأن الحرب الحالية "أعادت المشاعر المناصرة للفلسطينيين بين شعوب عربية عدة"، مما دفع القادة إلى "السير على خط رفيع" لاسترضاء مواطنيهم مع ضمان عدم قطع العلاقات مع إسرائيل.
كما بينت الوثيقة أن "خطة شاملة وذات مصداقية للتوصل إلى تسوية سياسية طويلة الأمد وطريقة للحوكمة في غزة بعد الحرب أمر حاسم"، لكن كذلك يعتمد على أمور عدة، منها تدخّل القوى الخارجية والأطراف الإقليمية وطريقة ردود إيران وطبيعة إدارة إسرائيل للحرب.
وتعليقا على التقرير يوضح كاوه حسن -وهو باحث غير مقيم في مركز ستيمسون- أن "التقرير لم يأت بأي شيء جديد في ما يتعلق بتطورات المنطقة، كل ما قام به هو إعادة إنتاج التحليلات الموجودة حاليا"، لكنه يشير إلى أن الغرب عموما يتخوف من تأثيرات الحرب، لأن "عملية حماس كانت كبيرة جدا، ولم يتخيل أحد -ومنهم حماس نفسها- أن تكون بهذا الحجم وأن تؤدي بالتالي لكل هذه التداعيات".
ويضيف حسن للجزيرة نت أن تداعيات الحرب تشغل بال الغرب، فـ"النتائج كارثية جدا في غزة، خصوصا الوضع الإنساني، والأسئلة حول مآل الوضع السياسي لا تزال معلقة، خاصة من شكل الحكم الفلسطيني للقطاع، فضلا عن تخوف الغرب من فقدان نفوذه في المنطقة".
استمرار التسلحوقال التقرير إن "هجوم حماس أعاد انتباه العالم للانقسامات في الشرق الأوسط"، خصوصا ما يتعلق بالتسلح، مبينا أن دول الشرق الأوسط أنفقت ما متوسطه 3.9% من ناتجها المحلي الإجمالي على التسلح في عام 2022 مقارنة بالمتوسط العالمي البالغ 2.2%، وضمن الدول العشر الأولى في العالم هناك 7 دول من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وركز التقرير كذلك على التسليح الأوروبي والأميركي لهذه الدول، إذ تلقت دول الشرق الأوسط 40% من مجموع صادرات الأسلحة الأميركية و34% من صادرات الأسلحة الفرنسية في 4 سنوات.
ويشير التقرير إلى أن التحرر من التبعية للولايات المتحدة في مجال التسلح تسبب كذلك في ارتفاع نفقات الدفاع لدول كالسعودية.
ووسط لعبة التحالفات الدولية، يؤكد الخبير حسني عبيدي أن القوى الإقليمية في الشرق الأوسط كانت تبحث عن استثمار ما لديها من أوراق لأجل ضمان مكان في النظام الإقليمي الجديد، خصوصا بعد تحررها من الضغوط الأميركية في أعقاب الحرب الأوكرانية الروسية.
لكن الحرب على غزة "غيّرت المعادلة وأعادت مركزية القضية الفلسطينية مجددا على المستوى الشعبي" يضيف الخبير، لكن في الوقت ذاته تبحث جل دول المنطقة عن خفض التداعيات الأمنية على حدودها، والعودة إلى ما كان عليه الوضع قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
من جانبه، يقول كاوه حسن "هناك نوع من عدم الثقة بين عدد من دول المنطقة، خصوصا لدى لاعبين رئيسيين كالسعودية وإيران وتركيا، ولا توجد منظمة إقليمية تقوم فعليا بتسهيل الحوار بين هذه الدول".
ويوضح حسن أن المنافسة الإقليمية والتخوف من الطرف الآخر عاملان يفاقمان التسلح.
تقرير مؤتمر ميونخ للأمن أشار إلى الدور الصيني في إبرام المصالحة بين السعودية وإيران (غيتي إيميجز) الصين تهتموأشار التقرير إلى "الاتفاق التاريخي" بين السعودية وإيران، وذكر دور الصين في المصالحة رغم الاستدراك أن "سماح الرياض لبكين بإتمام الصفقة جاء لجلب اهتمام الولايات المتحدة"، لافتا إلى أن الرياض لا تزال تقود الجهود الرامية لاحتواء إيران، خصوصا في ما يتعلق بالحوثيين، وكذلك في ما يخص التسلح النووي.
وتهتم الصين بالمنطقة بشكل كبير، ويتمثل كذلك -حسب المصدر ذاته- في دعوتها للانضمام إلى منظمات للتعاون الاقتصادي، كدعوة منظمة "بريكس" مصر وإيران والسعودية والإمارات إلى الانضمام، وكذلك انضمام إيران إلى منظمة شنغهاي للتعاون، ومقرها بكين.
ويرى التقرير أن دول الشرق الأوسط ترى أن واشنطن تريد تقليص حجم نفوذها في المنطقة وتحويل التركيز إلى منطقة المحيطين الهندي والهادي، فيما تكثف الصين جهودها في المنطقة، وأضحت الشريك التجاري الأول لدول مجلس التعاون الخليجي، لكن أميركا لا تزال المزود الأول للمنطقة في المجال الأمني.
ويعلق كاوه حسن بأن "الصين تهدف بالتأكيد إلى أن تتحول للاعب رئيسي في المنطقة، وستحاول الاستفادة من الحرب الحالية ومن الغضب الشعبي ضد الغرب بسبب دعمه اللامحدود لإسرائيل حتى تكون وسيطا إقليميا مقبولا في عمليات السلام".
وتابع أن هذه الرغبة الصينية محكومة بضرورة طرح بكين إستراتيجية سياسية وعسكرية، وهو ما يبقى صعبا تقييمه من الآن، خصوصا الجزم بتعويض الصين للولايات المتحدة.
من جانبه، يؤكد حسني عبيدي أن الصين هي أكثر دولة تستفيد مما يجري، وأن دبلوماسيتها لم تظهر بعد بكامل قوتها، مبينا أن استفادتها بدأت منذ استنزاف القدرات الغربية في حرب أوكرانيا، سواء العسكرية أو الاقتصادية.
ويشدد الخبير على أن "السردية الغربية بشأن عدم مطالبة الصين دول المنطقة باحترام حقوق الإنسان هي سردية متجاوزة، لأن الغرب قوّى علاقاته مع دول لم تقم بأي إصلاحات في هذا المجال".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: الشرق الأوسط فی المنطقة إلى أن
إقرأ أيضاً:
دبلوماسيون: مطلوب حلول سلمية تؤمِّن وحدة واستقرار الدول
حذر عدد من الخبراء والدبلوماسيين من أن مخططات تقسيم الشرق الأوسط ستوسع نطاق الصراع في المنطقة، في ظل التحديات الراهنة التي تهدد الاستقرار الوطني والإقليمي.
وأشاد الخبراء والدبلوماسيون لـ«الوطن»، بالرؤية المصرية نحو تعزيز وحدة الدولة الوطنية، والحفاظ على الأمن القومي وتجنب توسيع نطاق الصراع الذى قد يؤدى إلى تفاقم الأزمات القائمة فى ظل الأوضاع المضطربة لدى عدد من دول المنطقة، مع تصاعد التوترات بين القوى الدولية، حيث تبرز دعوات مصرية ملحَّة لتبنى حلول سلمية تؤمّن وحدة الدولة الوطنية وتحمى مصالح الشعوب.
«حجازي»: مطلوب إرادة قوية من الجميعوقال السفير محمد حجازي، مساعد وزير الخارجية الأسبق، إن مصر تاريخياً كانت وستبقى قوة إقليمية رئيسية، تلعب دوراً فعالاً فى القضايا العربية والإقليمية والدولية، خاصة فى الصراع العربي الإسرائيلي وجهود الوساطة فى حرب غزة، خصوصاً أن موقع مصر يربط بين البحرين الأبيض والأحمر عبر قناة السويس، ما يمنحها نفوذاً جغرافياً دولياً.
وتابع: «الحلول السياسية لأزمات المنطقة تحتاج إلى إرادة قوية من جميع الأطراف، وتحقيق الأمن والاستقرار فى الشرق الأوسط يحتاج إلى توافق بين الدول الرئيسية، وعلى القادة العرب أن يدركوا أن الأمن والاستقرار لن يتحققا إلا من خلال العمل الجماعي وبإرادة شعوبهم، عليهم أن يكونوا واعين للمخططات التي تستهدف منطقتنا».
«حسن»: مصر تدعم استقرار الدول العربيةوأكد السفير رخا أحمد حسن، مساعد وزير الخارجية الأسبق، أن التحديات فى منطقة الشرق الأوسط تتجلى بشكل واضح فى ظل الظروف الحالية التي تعيشها دول المنطقة، حيث تواجه العديد من الدول حالة من السيولة السياسية وضعف السلطة المركزية، ما يتسبب فى تفشى النزاعات المسلحة والسياسية، ما يؤدى إلى إضعاف القوة العربية الشاملة، مضيفاً: «مع اقترابنا من عام 2025، تزداد المخاوف من إمكانية إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط، فالأزمات الحالية لا يمكن حلها فى فترة قصيرة، ما يستدعى التحرك الفوري من الدول العربية، وليس مصر فقط».
وأشار «حسن» إلى أن ليبيا تشهد أزمات سياسية متواصلة منذ أكثر من 14 عاماً، بينما تعانى سوريا من تداعيات الحرب الأهلية التي أدت إلى تغييرات جذرية فى النظام، فأصبحت سوريا ساحة مفتوحة لتدخلات متعددة، ما يعكس غياب الاستقرار ووجود فصائل متنازعة، فالأوضاع تجعل سوريا واحدة من أهم النقاط الاستراتيجية فى الشرق الأوسط، فضلاً عما تشهده القضية الفلسطينية من تدمير شامل فى غزة، حيث فقد الآلاف أرواحهم وتعرضت البنية التحتية لأضرار جسيمة، بينما تسعى إسرائيل إلى تقويض إمكانية قيام دولة فلسطينية، ما يهدد الاستقرار الإقليمي بعد تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي عن نوايا تغيير وجه المنطقة، وهو تحدٍ أمنى استراتيجي ليس فقط لدول الطوق، بل لكل منطقة المشرق.
وتابع: «أزمات المنطقة لا تقف عند حدود الطموح التوسعي لإسرائيل وإنما تمتد لأزمات أخرى تتورط فيها أطراف أكثر مع استمرار الحرب فى اليمن لأكثر من عشر سنوات، فى ظل انقسام الأطراف وعدم وجود رغبة حقيقية فى التوصل إلى حل، بينما يشهد السودان أزمة إنسانية وسياسية خانقة».
وأكد مساعد وزير الخارجية الأسبق أن مصر تلعب دوراً حيوياً فى معالجة الأزمات الإقليمية، وتدعو إلى حلول سلمية وتدعم استقرار كافة الدول العربية وتتبنى الرؤية المصرية مبدأ التوافق بين الأطراف المختلفة، وضرورة إقامة دولة وطنية فى فلسطين عاصمتها القدس الشرقية، والأوضاع الحالية تتطلب رؤية عربية موحدة لمواجهة التحديات.
«الإسلامبولي»: لدينا نهج دبلوماسي متوازنوقالت السفيرة هاجر الإسلامبولي، مساعد وزير الخارجية الأسبق، إن منطقة الشرق الأوسط تواجه حالياً مجموعة من الأزمات المعقدة، أبرزها القضية الفلسطينية والوضع فى سوريا، ما يعكس عمق التحديات التي تؤثر على الأمن الإقليمي والدولي، موضحة استمرار تأزم الأوضاع فى غزة والضفة الغربية، حيث يسعى الاحتلال الإسرائيلي إلى تنفيذ مخططات تتضمن تقسيم غزة والتوسع فى الضفة، ما يزيد من تعقيد جهود السلام.
وأشارت «الإسلامبولى» إلى أن الأزمات فى سوريا تؤثر على الاستقرار الإقليمي، والتحركات العسكرية الإسرائيلية فى الجولان تعكس طموحات الاحتلال فى التوسع، وبالطبع يتعقد الوضع أكثر مع وجود قوى دولية مثل إيران والولايات المتحدة، ما يجعل مسألة تقسيم سوريا أمراً غير محتمل فى الوقت الحالي.
وتابعت: «التوترات الحالية فى المنطقة تظهر حاجة ملحَّة لتحقيق توافق بين القوى المتنازعة، مع ضرورة الانتباه إلى أهمية الشعب السوري ودوره فى تحديد مصير بلاده».
وأكدت أن مصر تتبع نهجاً دبلوماسياً متوازناً فى التعامل مع الأزمات، حيث تسعى إلى حماية أمنها القومي وعدم الانغماس فى صراعات قد تضر بمصالحها، موضحة أن هذا النهج يتمثل فى التركيز على الحلول السلمية وعدم اتخاذ مواقف قد تؤدى إلى تفاقم الأوضاع، فضلاً عن أن التصريحات الرسمية المصرية تُظهر وضوحاً فى المواقف، حيث يتم التأكيد على أهمية الحوار والتعاون بين الدول العربية، إذ تتطلع مصر إلى تعزيز العلاقات الإيجابية مع جميع الأطراف المعنية، ما يعكس دورها كوسيط رئيسي في المنطقة.