لجريدة عمان:
2024-07-03@21:41:41 GMT

وتمضي مسيرة التكامل العُماني الكويتي

تاريخ النشر: 13th, February 2024 GMT

يسلس الحديث عندما يكون موضوعه العلاقات العُمانية الكويتية؛ فهي علاقات وطيدة وتاريخية ومتجذرة، وتستمد زخمها من مشتركات عديدة تتجسّد في روابط الدم واللغة والتاريخ، وتضفي عليها المصالح المشتركة بُعدًا واقعيًّا، وترفدها بقوة دفع إضافية نحو مرافئ غدٍ واعد، ومستقبل أكثر إشراقًا.

ترتكز هذه العلاقات الراسخة في جانب منها على أواصر اجتماعية ووشائج أخوية متينة تربط الشعبين الشقيقين، ومشاعر محبة خالصة تجمعهما، يرشحها لأن تكون الأوثق على مستوى محيطنا العربي بل وحتى على النطاق الخليجي.

ألمحنا إلى متانة العلاقات الأخوية بين الشعبين الشقيقين، ويمكننا هنا الاستدلال بما يعبّر عنه لسان حال العُمانيين الذين احتضنهم بلدهم الثاني الكويت قبل النهضة المباركة لتلقي العلم أو للعمل في التجارة، بل وفي مختلف مجالات العمل الوظيفي، يقابل ذلك في الوقت ذاته شعور من الود المتبادل من قِبل أشقائنا الكويتيين.

أما على صعيد العلاقات الثنائية على المستوى الرسمي، فحدّث ولا حرج، حيث يندر أن نجد مثيلًا لمستوى التماثل في استقلالية القرار على صعيد السياسات الخارجية كما هو الحال بالنسبة لعُمان والكويت، هذا عدا عن تطابق وجهات النظر بين قيادتي البلدين إزاء كافة القضايا على الساحتين الإقليمية والدولية وهو أمر نادر الحدوث بين دول المنطقة، التي تتجاذبها صراعات القوى العظمى التي تحوّم حول المنطقة بأساطيلها وبارجاتها، وتتقاذفها الانقسامات ورياح الولاءات التي لا ينتج عنها سوى مواقف ضبابية حيال القضايا المصيرية من شاكلة ما يجري حاليًّا في قطاع غزة وعموم الأراضي الفلسطينية المحتلة من إبادة جماعية لا توفر فيها آلة القتل الصهيونية طفلًا رضيعًا ولا امرأة ولا شيخًا مسنًّا!

تلتقي سياسة عمان والكويت الخارجية في وضوح المواقف حول قضايا الأمة، وصدق التوجه في تبنّي كل ما يخدم هذه القضايا والتصدي لمحاولات النيل منها أو المساس بها. وهي مواقف مسجلة ومعروفة ومشهودة ولا تحتمل المزايدة من أي كان.

وقد شهدت العلاقات العُمانية الكويتية نقلات تطويرية متتالية منذ أن أطلّ فجر النهضة المباركة على عُمان بقيادة السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور -طيّب الله ثراه- الذي ارتبط بعلاقات أخوية وثيقة مع إخوانه قادة الكويت، الشيخ جابر الأحمد الصباح والشيخ سعد العبدالله الصباح والشيخ صباح الأحمد الصباح -رحمهم الله- وكان من نتاج ذلك أن اكتسبت العلاقات بين البلدين تميزًا نوعيًّا، وارتادت آفاقًا رحبة من التعاون والتكامل. وصولًا إلى هذا العهد الزاهر، عهد النهضة المتجددة بقيادة حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق، الذي يبدي حرصًا متزايدًا مع أخيه الشيخ مشعل الأحمد أمير دولة الكويت، على مواصلة نهج التميز في مسيرة العلاقات لتشمل جميع المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، والثقافية والعلمية والسياحية.

ولأننا نعيش في عصر يُعلي من قيمة الاقتصاد، ويقدم الروابط الاقتصادية عما عداها من أوجه الارتباط، ولأن الصلات بين عُمان والكويت ارتبطت في جذرها التاريخي ومنذ عهود قديمة بالعلاقات التجارية البحرية، برز الاقتصاد ليشكّل الدالة الأهم في معادلة العلاقات الثنائية، وليمثّل جسر العبور نحو مستقبل عنوانه التكامل الاقتصادي، منطلقًا من فضاءات الدقم الرحبة والواعدة، في تفعّيل للدبلوماسية الاقتصادية التي تعمل على تمتين العلاقات بين الدول على قاعدة التكامل الاقتصادي المُفضي إلى تقدمها ورفاهية شعوبها.

ويؤكد مشروع مصفاة الدقم الذي يعد أكبر استثمار من نوعه بين دولتين خليجيتين بحجم استثمارات تصل إلى تسعة مليارات دولار، على هذا التوجه البنّاء لتوظيف الدبلوماسية الاقتصادية في المزيد من الارتقاء بالعلاقات العُمانية الكويتية بما يخدم مصالح الشعبين الشقيقين، ولإرساء نموذج يحتذى به لما ينبغي أن تكون عليه العلاقات بين الأشقاء.

إن المنطقة الاقتصادية بالدقم والتي ينظر إليها بحسبانها قاطرة تقود الاقتصاد العماني نحو آفاق الاستدامة والتنويع، يمكن أن تؤدي أدوارًا متعاظمة في خدمة الاقتصادات الخليجية من خلال إنشاء مناطق تكامل اقتصادي خليجي في هذه المنطقة الواعدة والتي تتوافر على ميزات قلّ أن يوجد لها مثيل من ناحية استراتيجية الموقع المطلّ على أهم خطوط الشحن البحري الدولية في المحيط الهندي وبحر العرب، علاوة على حزمة التسهيلات والحوافز التي تقدمها في سبيل استقطاب المستثمرين وتأسيس الأعمال.

وتدشين مصفاة الدقم بشراكة عُمانية كويتية، دليل على انفتاح عُمان وحرصها على توطيد ركائز العمل الخليجي المشترك خاصة في الجوانب الاقتصادية، كما أن افتتاح هذا المشروع الضخم والريادي على مستوى المنطقة والعالم، يعد أبلغ رد على الأصوات النشاز في محيطنا الخليجي والتي تنشط هذه الأيام في وسائط التواصل الاجتماعي سعيًا للنيل من عُمان بمحاولة تصويرها على أنها تغرد خارج سرب منظومة دول مجلس التعاون الخليجي، وهي ادعاءات جوفاء ولا تستند إلى دليل، وتدل على خواء مطلقيها، وتكشف عن أجندتهم المستترة خلف الأقنعة الزائفة.

فعُمان ومنذ إنشاء مجلس التعاون الخليجي لدول الخليج العربية عملت ولا تزال تعمل جاهدة على دعمه وتوطيد أركانه حرصًا على تحقيق أهدافه المأمولة، وإسهامها في سبيل ذلك لا يقل عن إسهام أي من الدول الأخرى المنضوية تحت لواء المجلس.

ولأن الزبد يذهب جفاء ويمكث في الأرض ما ينفع الناس، ولأن الأفعال أعظم وقعًا من الأقوال، وأشد تأثيرًا من الخطب الرنانة، ها هو مشروع مصفاة الدقم يكتمل مجسّدًا نموذجًا فريدًا للتكامل الاقتصادي بين دولتين من دول المجلس وفي إطار البيت الخليجي الواحد.

ستمضي عُمان في مسيرتها النهضوية النابعة من قناعات راسخة، والهادفة إلى تقدمها وازدهارها، وتعزيز رفاه شعبها، وستسلك كل السبل المُفضية إلى تحقيق هذه الأهداف النبيلة وفي مقدمتها التعاون والتكامل مع محيطها الخليجي.

سالم العمري كاتب عُماني

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: ع مانیة

إقرأ أيضاً:

مجلس عمان بين التكامل المؤسسي والتعاون المثمر

جاءت الجلسة المشتركة لمجلس عُمان بغرفتيه الدولة والشورى يوم الاثنين الماضي لمناقشة والتصويت على عدد من مشروعات القوانين لتعطي صورة إيجابية وشفافة على صعيد العمل المؤسسي ودور اللجان المشتركة في التقريب والتوافق في وجهات النظر حول إقرار مشروعات القرارات المحالة من الحكومة. وفي تصوري أن جلسة يوم الاثنين المشتركة أعطت أعضاء مجلس عُمان والمؤسسات الإعلامية والرأي العام صورة مميزة حول آفاق التعاون بين مجلسي الدولة والشورى خاصة وأن التباين حول مشروع قانون الإعلام كان كبيرا، ورغم ذلك استطاعت اللجنة المشتركة أن تتوصل إلى توافقات حول كل مواد القانون، والذي أثير حوله الكثير من النقاش رغم أنه لا يزال مشروعا. ومشروعات القوانين الثلاثة التي تم التوافق عليها والتصويت عليها بنسبة عالية جدا تعطي مؤشرا على أهمية العمل المؤسسي الوطني، وكما أكد جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم - حفظه الله ورعاه - في افتتاح الانعقاد الأول لمجلس عمان يوم الرابع عشر من نوفمبر الماضي أن مجلس عُمان هو جزء مهم من منظومة الدولة وبالتالي فإن التوافق والتنسيق المتواصل يُعد ركيزة أساسية في العمل الشوري.

لقد شهدت الجلسة المشتركة لمجلس عمان النقاش والتصويت على عدد من المشروعات منها مشروع قانون حماية الودائع المصرفية ومشروع قانون تنظيم الاتجار في الحياة الفطرية وأخيرا مشروع قانون الإعلام، وهذا الأخير حاز على اهتمام ومتابعة جماهيرية ومهنية كبيرة، وهذا شيء متوقع كون مشروع القانون جاء بعد عقود من قانون المطبوعات والنشر الذي صدر عام ١٩٨٤ وأدخلت عليه تعديلات محدودة ثم صدر قانون المصنفات الفنية، وأيضا، قانون المنشآت الإذاعية والتلفزيونية ومن هنا فإن مشروع قانون الإعلام الجديد شمل كل تلك القوانين في مشروع قانون واحد. ويمكن القول من ناحية مهنية وليس جزءا من الإسهام في العمل التشريعي لذلك القانون بأنه مشروع قانون مميز ويتماشى مع المتغيرات التي يعيشها قطاع الإعلام والصحافة ليس في بلادنا سلطنة عمان، ولكن على صعيد العالم، خاصة الإعلام الرقمي والتقني.

لقد كانت المناقشات حول بعض مواد تلك المشروعات القوانين من بعض أعضاء مجلس عمان جيدة وتستحق الاحترام، لكن عادة في المجالس التشريعية عندما يكون هناك توافق بين اللجان المشتركة لكلا المجلسين، فإن التصويت الإيجابي لتلك المشروعات يكون عاليا وهذا ما تم رصده خلال الجلسة المشتركة. من الأمور الموضوعية التي سادت الجلسة المشتركة هي روح التعاون والشعور بالمسؤولية الوطنية لأن إقرار مشروعات القوانين له علاقة بالعمل الوطني المؤسسي، وأيضا، له علاقة بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، كما أن سمة التباين في الجلسات والنقاشات في المجالس التشريعية هي سمة طبيعية بحيث تكون هناك آراء متعددة لإثراء النقاش، وأيضا، لتلافي بعض قضايا الصياغة اللغوية والقانونية.

لم تستغرق الجلسة المشتركة أكثر من ثلاث ساعات وهي فترة زمنية جيدة قياسا بمشروعات قوانين مهمة للعمل الوطني، كما أن وجود وسائل الإعلام المحلية واللقاءات الصحفية والإعلامية لعدد من أعضاء مجلس عمان داخل القاعة أو في الإذاعات المحلية قد أعطى زخما لمثل هذه الجلسات المشتركة التي ينص عليها قانون مجلس عمان في حال وجود تباين بين المجلسين، مما يوجب تشكيل لجان مشتركة ثم الجلسة أو الجلسات المشتركة والتي يرأسها حسب قانون مجلس عمان رئيس مجلس الدولة، وأيضا، تعقد الجلسة المشتركة في قاعة مجلس الدولة.

إن الساحة الإعلامية تترقب الإقرار والتصويت على مشروع قانون الإعلام والذي بُذلت فيه جهود كبيرة ومضنية من الحكومة منذ وصوله إلى مجلس الشورى ثم إلى مجلس الدولة وأدّت اللجان الفرعية واللجان الرئيسية واللجان القانونية وأخيرا اللجان المشتركة دورا محوريا على مدى الدورة التشريعية الخاصة بمشروعات تلك القوانين والتي يتوقع أن ترفع قريبا إلى جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم - أعزه الله - تمهيدا لصدور مراسيم سلطانية لتصبح قوانين نافذة. إن الجلسة المشتركة بين المجلسين الدولة والشورى والتوافق على عدد من مشروعات القوانين سوف تتواصل في المرحلة القادمة لما فيه مصلحة الوطن والمواطن، وأيضا، تُعطي رسالة للمجتمع بأن مجلس عمان بغرفتيه «الدولة والشورى» جاء لخدمة الوطن في كل ما من شأنه التطور والتقدم لأن مشروعات القوانين هي في المحصلة الأخيرة خارطة طريق للعمل الوطني حيث توزعت تلك المشروعات الثلاثة على قضايا البيئة وحماية الحياة الفطرية وهناك حماية الودائع المصرفية والتي تهم كل مواطن ومقيم وأخيرا مشروع قانون الإعلام الذي يهم المهنيين والصحفيين والإعلاميين والمبدعين، وبما يطور من الأداء الإعلامي والمحتوى الذي يجعل القطاع الإعلامي يتطور ويتماشى مع النهضة المتجددة التي يقودها بحكمة واقتدار حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم - حفظه الله ورعاه ـ. كانت الجلسة المشتركة لمجلس عُمان مميزة من خلال إدارتها وفرص النقاش حسب الآلية القانونية المتبعة في مثل تلك الجلسات المشتركة ومن هنا اتجهت الجلسة وما اتسمت به من شفافية وتوافق إلى إنجاز مشروعات القوانين التي تم التصويت عليها تمهيدا لرفعها إلى المقام السامي.

عوض بن سعيد باقوير صحفي وكاتب سياسي وعضو مجلس الدولة

مقالات مشابهة

  • تعاون إقليمي جديد: تركيا ومجلس التعاون الخليجي
  • أسباب دمج الوزارات في الحكومة الجديدة.. منها تحقيق التكامل بين السياسات ذات الصلة
  • مجلس عمان بين التكامل المؤسسي والتعاون المثمر
  • أمين عام التعاون الخليجي يؤكد سعي دول المجلس لزيادة الاستثمار في قطاع الفضاء
  • إعلام لبنانى: مسيرة إسرائيلية تستهدف المنطقة الواقعة بين بلدتي جويا ووادي جيلو في جنوب البلاد
  • غواص يرصد صدفة مشهد تزاوج بين سلحفاتين بحريتين بجزر الديمانيات في سلطنة عُمان
  • الإعلام الإسرائيلي يرسم "سيناريو إيرانيا" قرب مصر
  • أوكرانيا تهاجم مناطق روسية بـ25 طائرة مسيرة
  • 6 أسئلة شائعة.. كل ما تريد معرفته عن التأشيرة الخليجية الموحدة
  • حاكم بريانسك الروسية: إسقاط 9 طائرات مسيرة أوكرانية فوق المنطقة دون وقوع إصابات