"لعل أقصى ما يخيف المرء أن يجد نفسه مكشوفًا أمام غيره ممن أجاد اختراق الجدران. حينها تتعرى النفس، تظهر أغراضها القبيحة دون مقاومة، وحينما يعي المراقَب الأمر، يدرك أن دافع الآخر كان ممارسة لعبة تغذي إحساس الهيمنة لديه، في هذه اللحظة ينكشف المراقِب، تتبدل المقاعد خلف النوافذ لتمنح التلصص -ذلك الوحش الأسطوري- حيوات متجددة لا تنتهي".

مرة أخرى، تعود رباب كسّاب إلى الخوض في النفس البشرية في روايتها الجديدة "لعبة النوافذ"، حيث تتطرق إلى واحدة من أكثر الرغبات المظلمة وهي "التلصص"، مُبرزة كيف يتحول الأمر لإدمان يدفع صاحبه لاستكشاف حيوات الآخرين، ولا يكتفي بذلك فحسب بل يرغب في أن يكون محركا لها ومغيرا لأحداثها إن أمكن.

‎صدرت الرواية في 260 صفحة من القطع المتوسط، عن مؤسسة بيت الحكمة للثقافة، واستخدمت فيها رباب الراوي العليم في بعض أجزائها، بينما في أجزاء أخرى، تركت أبطالها يتحدثون بأصواتهم، ويعبرون عن أنفسهم. فهي ترى أن الرواية "لكل هؤلاء الموتى الأحياء الذين يسكنون خلف الجدران ويلعبون دور الإله، يظنون أنهم يكتبون حيوات الناس، يسيرونها بشكل أو بأخر وهم يلهون بينما الناس تظنهم ملائكة أو حتى شياطين، إلا أنهم في الحقيقة ليسوا أكثر من متلصصين".

حسب وصفها، تراقب بطلة "لعبة النوافذ" الساعة في غير أيام الإجازات؛ حيث لا بد لها أن تستبدل ملابسها، وأن تذهب لعملها "وقد شُحنت ببغضاء لا تقدر عليها"، كما قالت رباب.

وعن يوم بطلتها تقول: "تطفئ الراديو، والمروحة، تغلق باب الشقة، ثم تعود فلقد تذكرت أنها تركت نور الحمام مضاءً، تنزل درجتين ثم تعود؛ فقد نسيت ملفًا يخص عملها، تضعه تحت إبطها بينما كيس القمامة ما زال بيدها وحقيبة يدها ومناديلها الورقية التي لا تفارقها. تتخلص من كيس القمامة، تمشي قليلًا لتخرج للشارع العمومي، تواجهها الشمس بقوة حيث تنتظر أتوبيسًا يقلها لعملها، يدور رأسها بأفكار شتى وأسئلة تخترق جدار السكون البادي على وجهها، هل نسيت موتور المياه؟ هل ستضطر للعودة لإطفائه؟ هل ستتصل بها جارتها لتقول: طرقنا أبواب كل الشقق، الظاهر أنه من عندك! هل نسيت مفتاح الشقة في الباب؟ ابن جارتها كان يذكِّرها به دائمًا، اليوم لم تجده، فقد نزل إلى حضانته قبلها. تمد يدها إلى حقيبتها تبحث عن المفتاح تستقر يدها عليه، تخرجه، تضعه في جيب بنطلونها الجينز وتربت عليه لتطمئن. الأسئلة لا تكف، إنه القلق الذي تزرعه الوحدة من كل شيء. لا تعود، وصل أتوبيسها، تنقد الكمساري ثمن التذكرة، وتنتقي كرسيًا إلى جوار الشمس وتغيب".

وعبر سطورها، ترى أن أبطالها مهتمون للغاية بالتفاصيل، ومنهم من لديه ذاكرة تقدر على حفظ العلاقات الأسرية والإنسانية المتشابكة في محيطها. كتبت: "لم أصدق عيني حين رأيته قادمًا في موعده المعتاد، يستند إلى عصاه التي ورثها عن أبيه، وإلى فتاة باهرة الحسن. اندفعتُ إليه في فرحة ردتها الفتاة في قوة وبنظرة حادة أعادتني للخلف بينما كان يحييني ويسأل عن أبي. عدت إلى محلي، أستمع لثرثرة العمال عن باهرة الحسن، التي بعد دقائق عرفنا أنها ابنته الصغرى التي أنهت لتوها عامها الجامعي الأخير، أرهفت أذني لسماع كل كلمة تتردد بين العمال، وصلني صوتها وأنا أجلس على باب المحل، لم أصدق بدايةً أنه صوتها، صوت غليظ، قوي، صوت يليق برجل عنه بفتاة جميلة كهذه، رأيتها تخرج من المحل، تبعتها بعيني حتى اختفت، ثم عادت، بدت كأنها تعرف المكان، تعرف كافة تفاصيل العمل. العمال يثرثرون كثيرًا، إنها تعرف كل شيء، كما لو أنها أبوها، أو أنها تعمل معهم منذ سنوات، لم أتعجب من ذلك كثيرًا فهي ابنة عبد البديع، كل ما أتعجب منه هو صوتها، لا يمكن لهذا الصوت الأجش أن يكون لتلك الغادة. 

وعن وصف الفتاة تقول على لشان أحد الأبطال: "هي ابنة الرجل الذي أقدِّره، لكنها تغدو وتروح أمامي بصدر استوى رمانه وهي تعلم فحرصت أن يكون في كامل بهائه، وخصر نحيل، وسمانتين ممتلئتين، أما مؤخرتها فتبدو من جونلتها المحكمة حولها في كامل الاستدارة، شعرها الغجري الطويل، عيناها التي حرت في لونها فهي رمادية تارة، وزرقاء تارة، تبدو كعيني قطة تتلون مع الضوء، شفتاها الداعيتان للتقبيل طيلة الوقت، تمتلئ سفلاهما عن العليا وينغلقان على فم صغير، أعلاه أنف مستقيم بفتحتين صغيرتين أيضًا، كل ما فيها يدعو لتأملها، لم أقدر على تجنب قوتها، مفاتنها، لم أستطع الفكاك من شركها، وانزلقت قدمي، وطار عقلي".

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: رواية حيوات الناس

إقرأ أيضاً:

الصين تحشد العالم ضد واشنطن بينما يوسع ترامب صفقاته التجارية

في تحليل موسّع نشرته وكالة بلومبرغ، سلّطت فيه الضوء على استراتيجية الصين الجديدة لمواجهة التصعيد التجاري الذي تقوده إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب.

فبينما يواصل ترامب إبرام صفقات تجارية ثنائية مع معظم دول العالم مستثنياً بكين، تتحرك الأخيرة دبلوماسياً وإعلامياً لتصوير الولايات المتحدة كقوة "متنمّرة" لا يمكن الوثوق بها.

بكين تستغل مهلة ترامب لعكس الطاولة

ترى الوكالة، أن الحكومة الصينية تسعى لاستثمار نافذة الـ90 يوماً التي منحها ترامب لمعظم شركاء الولايات المتحدة لعقد اتفاقيات تجارية، في محاولة لإقناع تلك الدول بأن الرسوم الأميركية ليست سوى أداة ضغط تهدف لعزل بكين.

وتدعو بكين هذه الدول إلى تشكيل جبهة موحدة ترفض الإذعان لسياسات ترامب، معتبرة نفسها مدافعة عن النظام التجاري العالمي القائم على القواعد.

وفي الوقت الذي لم يتجاوب فيه الرئيس الصيني شي جينبينغ مع دعوات ترامب للتواصل، فإن حكومته تطالب برفع الرسوم الجمركية المتبادلة كشرط مسبق لأي تهدئة، وهو ما يضع واشنطن في موقف الطرف المتعنت.

الصين: "الولايات المتحدة تخرق النظام العالمي"

ويظهر التقرير كيف تسعى بكين إلى كسب التعاطف الدولي من خلال التركيز على الجانب المبدئي في النزاع، حيث قال وو شينبو، مدير مركز الدراسات الأميركية في جامعة فودان في شنغهاي، إن القضية "لم تعد بين الصين وأميركا فقط، بل باتت تخص النظام الاقتصادي العالمي برمّته".

كما أشار إلى أن الصمود الصيني أمام ضغوط ترامب أتاح للدول الأخرى فرصة التفاوض، قائلاً: "لو لم تصمد الصين، هل كانت واشنطن ستمنحهم مهلة 90 يوماً؟ عليهم أن يقدّروا ذلك".

حملة دبلوماسية وإعلامية منظمة

كثّفت بكين من تحركاتها الدبلوماسية مؤخراً، إذ قاد وزير الخارجية الصيني وانغ يي حملة ضمن مجموعة بريكس لحشد الدعم ضد ما وصفه بـ"الابتزاز الأميركي"، في حين أصدرت وزارة الخارجية الصينية فيديو يتهم واشنطن بالإمبريالية ويشبه الرضوخ لها بـ"شرب السمّ لإطفاء العطش".

وعلى الجبهة الإعلامية، كتب السفير الصيني لدى أستراليا مقال رأي بعنوان "رسوم أميركا تعيد العالم إلى قانون الغاب"، يهاجم فيه السياسات الحمائية الأميركية بشدة.

حذر أوروبي وتقدم هندي

ورغم تأييد بعض الدول الكبرى مثل الاتحاد الأوروبي لفكرة مواجهة سياسات ترامب، إلا أن العلاقات المعقدة مع بكين تمنع كثيراً منها من الاقتراب أكثر، خاصة بسبب السلوك العسكري الصيني في بحر الصين الجنوبي ودعمه لروسيا.

ومع ذلك، تبرز الهند كالدولة التي أحرزت تقدماً في مفاوضاتها التجارية مع واشنطن، رغم تلقيها مؤشرات إيجابية من بكين بشأن تهدئة الخلافات الحدودية.

رسائل صينية إلى جيرانها وخصومها

بدأت الصين خطوات تهدئة ملموسة، من بينها تنظيم أول حفل كوري جنوبي في الصين منذ 2016، وإرسال رسالة إلى رئيس وزراء اليابان لحثه على مقاومة الضغوط الأميركية.

كما عرضت بكين زيادة وارداتها من الهند والموافقة على استئناف رحلات الحج الهندوسي عبر الحدود المتنازع عليها.

حتى أميركا اللاتينية دخلت على الخط، حيث بدأت الصين إرسال بعثات تجارية إلى دول مثل الأرجنتين، لتوسيع صادراتها بعيداً عن السوق الأميركية.

هل تنجح بكين في كسب الحلفاء؟

ورغم كل هذه التحركات، ترى بلومبرغ أن نجاح الصين في قلب التحالفات العالمية لصالحها ما زال غير مرجّح، لكنها بالتأكيد تجعل مهمة إدارة ترامب في تشكيل جبهة موحدة ضد بكين أكثر صعوبة.

فكما يشير نيل توماس، الباحث في معهد آسيا، فإن هذه الجهود "قد لا تقنع حلفاء واشنطن بالانحياز إلى بكين، لكنها ستعرقل قدرة ترامب على فرض إجراءات منسقة كقيود التصدير أو المناورات العسكرية".

مقالات مشابهة

  • إقبال جماهيري على معرض زهور الربيع بالمتحف الزراعي في إجازة عيد العمال
  • الصين تحشد العالم ضد واشنطن بينما يوسع ترامب صفقاته التجارية
  • ماذا بعد معرض الكتاب؟!
  • مدير معرض أبو ظبي لصدى البلد: مصر شريك ثقافي دائم.. ولا نخشى التكنولوجيا بل نطوعها لخدمة الكتاب
  • معرض الكتاب العربي العاشر في صور.. ثقافة تقاوم الدمار الإسرائيلي
  • يسرا اللوزي تعود إلى السينما مع شيكو وإمام
  • واشنطن تلوح بسحب يدها من الوساطة بين روسيا وأوكرانيا
  • الصحة تحذر المواطنين لسوء الأحوال الجوية: يفضل عدم الخروج وغلق النوافذ| فيديو
  • تركيا تتحول إلى خط دفاع أوروبا الاستراتيجي
  • باحث كوردي فيلي يبتكر علاجا لدعم التخلص من إدمان المخدرات ومعالجة أضراره