الخرطوم – فقدت السودانية فاطمة أحمد عيسى نحو نصف وزنها لعدم رغبتها في تناول الطعام، وقل نومها، ولم تتوقف دموعها منذ أكثر من 6 أشهر حتى كادت أن تفقد بصرها، حزنا على ابنها الأصغر عادل، الذي خرج من منزل الأسرة في الخرطوم ولم يعد، كما يقول شقيقه محمد.

وتعيش مئات الأسر في السودان متاعب نفسية بسبب اختفاء أبنائها في ظروف غامضة منذ اندلاع الحرب في الخرطوم بين الجيش وقوات الدعم السريع في منتصف أبريل/نيسان الماضي، قبل أن تمتد إلى ولايات أخرى في غرب البلاد ووسطها.

وتعج مواقع التواصل الاجتماعي بإعلانات ونداءات مئات الأسر تحمل أسماء وصور أبنائها المفقودين في ظل توقف الشرطة عن العمل في الخرطوم منذ بدء القتال، وهو ما عطل خطوات البحث عن المفقودين عبر الإجراءات الرسمية.

ولا توجد معلومات موثوقة عن مكان وجود المفقودين الذين تجاوز عدد من حصرتهم منظمات ومجموعات تطوعية 800 شخصا منذ اندلاع الحرب، غادر غالبيتهم المنزل بحثا عن غذاء أو دواء أو للتحرك في نطاق محدود، فانقطع التواصل بينهم وذويهم.

منظمة حقوقية قالت إن معظم حالات المختفيات والمختطفات تشير بأصابع الاتهام إلى قوات الدعم السريع (الجزيرة) فقدان بدون أثر

ويروي محمد عبد الرحمن أن شقيقه الطالب الجامعي خرج من منزل الأسرة بمنطقة أم بدة في غرب أم درمان صباحا في الأسبوع الأول من يونيو/حزيران الماضي في طريقه إلى المخبز ولكنه لم يعد حتى الآن.

ويشرح شقيق المفقود، في حديث مع الجزيرة نت أنه ذهب إلى المخبز القريب من منزلهم بعد تأخر شقيقه أكثر من ست ساعات فلم يجده وأبلغه عامل في المخبز أن (عادل) لم يكن معهم، وسأل بعض جيرانهم من الشباب فنفوا مشاهدته.

ويضيف أنه لجأ إلى شباب في الحي ينشطون في مواقع التواصل الاجتماعي وطلب منهم نشر معلومات عن شقيقه المختفي، ثم تواصل لاحقا مع منظمات حقوقية ومجموعات تعمل في البحث عن المفقودين وأبلغ خاله الذي أجرى اتصالات مع الجيش والدعم السريع فلم يجد أي معلومات عنه.

ويؤكد محمد أن شقيقه ليس لديه انتماء حزبي أو نشاط سياسي وكان ينشط في العمل الطوعي والفعاليات الرياضية والثقافية ومساعدة الضعفاء والمرضى مع زملائه الشباب في منطقتهم.

أرقام متضاربة

ووفقا لآخر تحديث صادر عن المجموعة السودانية لضحايا الاختفاء القسري في ديسمبر/كانون الأول الماضي، فمن بين 842 مدنيا اختفوا، تم تأكيد اختفاء 48 امرأة وفتاة قسريا.

وقالت شبكة نساء القرن الأفريقي "صيحة" في تقرير حديث إن معظم حالات المختفيات والمختطفات تشير بأصابع الاتهام إلى قوات الدعم السريع، حيث يُستخدمن في العمالة المنزلية لخدمة ضباط القوات ويتعرضن لمخاطر العنف الجنسي.

كما تحدثت مبادرة "مفقود" عن أكثر من 800 حالة اختفاء حتى نهاية العام 2023. وقال محامو الطوارئ، في تقرير، إنهم أحصوا 44 مركز اعتقال لقوات الدعم السريع و8 مراكز اعتقال للجيش، في مدن ولاية الخرطوم الثلاث، يحتجز فيها عشرات من دون أن تعرف أسرهم موقع اختفائهم.

وقال المتحدث باسم قوات الشرطة السودانية العميد فتح الرحمن محمد إنه تم تدوين بلاغات عن 133 مفقودا حتى نهاية العام.

من جانبه، يوضح الناشط الحقوقي في "شبكة مفقود" صلاح التجاني أن عدد المفقودين المبلغ عنهم من أسرهم يتجاوز 800 شخص منذ اندلاع الحرب في الخرطوم، وعاد أكثر من 20 شخصا كان غالبيتهم محتجزين لدى قوات الدعم السريع أو الجيش، وتم إخطار أسر بوفاة أبنائهم في ظروف غامضة.

ويكشف في تصريح للجزيرة نت أن أبرز من فاضت روحهم في محبسهم الطبيب المفقود محمد حامد علي في موقع احتجاز لقوات الدعم السريع، في المدينة الرياضية شرقي الخرطوم، بحجة أنه ينتمي إلى قوات حكومية، مشيرا إلى أنه مدني ولا صلة له بأي عمل عسكري.

ويضيف أن شهادات الناجين عكست الأوضاع المأساوية للمحتجزين لدى طرفي القتال، في أماكن غير معدة للاحتجاز مثل مخازن الشركات والمصانع وأقبية المنازل وأقسام الشرطة الصغيرة التي سيطر عليها الدعم السريع.

الدكتور الرشيد محمد إبراهيم يقول للجزيرة نت إنه شهد وفاة عدد من المواطنين في المعتقل (الجزيرة) داخل "غوانتنامو"

ويروي أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في الجامعات السودانية الدكتور الرشيد محمد إبراهيم الذي أمضى 77 يوما معتقلا لدى الدعم السريع أنه كان محتجزا في مقر الجامعة العربية المفتوحة في شرق الخرطوم وحولته القوات إلى معتقل يطلق عليه "غوانتنامو".

ويقول للجزيرة نت إنه شهد وفاة عدد من المواطنين في المعتقل، أبرزهم محمد عبد الله سر الختم، الذي يقطن منطقة السروراب في شمال أم درمان، حيث تعرض إلى تعذيب؛ وهو ما أدى الى تدهور حالته الصحية ورفض عناصر الدعم السريع إسعافه وتوفي داخل المعتقل.

ويوضح أنه أدى عليه صلاة الجنازة، وبعد خروجه من المعتقل نشر معلومات عنه بصفحته في منصة "فيسبوك" وتواصلت معه أسرته التي كانت تبحث عنه شهورا بعد اختفائه ولم تكن تعلم أين يختفي حيث توفي في سبتمبر/أيلول الماضي ونشرت المعلومات عنه في نوفمبر/تشرين الثاني.

ويضيف الشاهد أنهم علموا من بعض حراس المعتقل أن من يموتون في مقر الاحتجاز لا يتم إبلاغ أسرهم ويدفنون في ميدان قريب من شارع عبيد ختم في شرق الخرطوم وليس في المقابر المعروفة.

ويواصل في سرده أن أحد المحتجزين معهم من منطقة شرق النيل بالخرطوم بحري خرج من منزلهم صباحا لشراء احتياجات مأتم لوالدته، فتم اعتقاله قبل أن يصل إلى السوق ولم يستطع إبلاغ أسرته التي تبحث عنه، كما أن جاره في السكن (آدم) من منطقة أبو آدم بالخرطوم لا يزال مفقودا منذ نحو 9 أشهر.

وحسب إبراهيم، فإن الأماكن التي تم تحويلها إلى معتقلات سيئة التهوية ويواجه المحتجزون أوضاعا إنسانية معقدة، والتعذيب والإذلال والجوع والعطش، ويستخدم الشباب منهم في أعمال نهب بعض المواقع ويتعرضون للقصف الجوي أحيانا خلال تحركهم مع قوات الدعم السريع.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: قوات الدعم السریع فی الخرطوم معلومات عن أکثر من

إقرأ أيضاً:

السودان يستدعي سفيره لدى كينيا احتجاجا على دعمها حكومة موازية

أعلنت وزارة الخارجية السودانية، الخميس، استدعاء سفير الخرطوم لدى نيروبي كمال جبارة، احتجاجا على استضافة كينيا اجتماعا ضم قوى سياسية وقيادات من قوات الدعم السريع بهدف إقامة "حكومة موازية".

وقالت وكالة الأنباء السودانية إن "وزارة الخارجية استدعت سفير السودان لدى كينيا كمال جبارة للتشاور، احتجاجا على استضافة كينيا اجتماعات المليشيا المتمردة (الدعم السريع) وحلفائها في خطوة عدائية أخرى ضد السودان" .

وفي وقت سابق الخميس، اتهم السودان الرئاسة الكينية بأنها "تحتضن وتشجع مؤامرة تأسيس حكومة" لقوات الدعم السريع.

وطالبت الخارجية السودانية، في بيان، كينيا بالتراجع عمّا سمته "التوجه الخطير" الذي يهدد السلم والأمن في الإقليم ويشجع على الإرهاب والإبادة الجماعية،


والأربعاء، قالت الخارجية الكينية إن "استضافة كينيا لاجتماعات مجموعات سودانية في نيروبي تأتي في إطار سعيها لإيجاد حلول لوقف الحرب في السودان، بالتنسيق مع الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي".

والثلاثاء، استنكرت الحكومة السودانية استضافة كينيا اجتماعا ضم قوى سياسية وقيادات من قوات الدعم السريع بهدف إقامة "حكومة موازية"، واعتبرت ذلك "تشجيعا لتقسيم الدول الإفريقية وتعارضا مع قواعد حسن الجوار".

ومنذ الثلاثاء، تشهد نيروبي اجتماعات قوى معارضة وحركات مسلحة محاربة للجيش السوداني وتسعى لتكوين حكومة موازية، بمسمى "تحالف السودان التأسيسي"، بمشاركة قوات الدعم السريع.

ومنذ أيام وبوتيرة متسارعة، بدأت تتناقص مساحات سيطرة "الدعم السريع" لصالح الجيش بولايتي الوسط (الخرطوم والجزيرة) وولايتي الجنوب (النيل الأبيض وشمال كردفان) المتاخمة غربا لإقليم دارفور (5 ولايات) وتسيطر "الدعم السريع" على 4 ولايات فيه، بينما لم تمتد الحرب لشمال البلاد وشرقها.


وفي ولاية الخرطوم المكونة من 3 مدن، بات الجيش يسيطر على 90 بالمئة من "مدينة بحري" شمالا، ومعظم أنحاء "مدينة أم درمان" غربا، و60 بالمئة من عمق "مدينة الخرطوم" التي تتوسط الولاية وتحوي القصر الرئاسي والمطار الدولي وتكاد تحاصرهما قوات الجيش، بينما لا تزال "الدعم السريع" بأحياء شرقي المدينة وجنوبها.
 
ومنذ  نيسان /أبريل 2023، يخوض الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع" حربا خلّفت أكثر من 20 ألف قتيل ونحو 15 مليون نازح ولاجئ، وفق الأمم المتحدة والسلطات المحلية، بينما قدر بحث لجامعات أمريكية عدد القتلى بنحو 130 ألفا.

مقالات مشابهة

  • الخرطوم تتهم كينيا بتهديد وحدة السودان بسبب استضافة اجتماعات لقادة الدعم السريع
  • الجيش السوداني يضيق الخناق على مقار الدعم السريع ويحكم سيطرته على كافوري في الخرطوم بحري
  • حكومة السودان تدخل تعديلات دستورية والدعم السريع يبحث تشكيل حكومة موازية
  • السودان يستدعي سفيره لدى كينيا احتجاجا على دعمها حكومة موازية
  • محمد ناجي الأصم: حكومة الدعم السريع القادمة بلا مشروع
  • الجيش السوداني يعلن تقدمه إلى وسط الخرطوم من الناحية الجنوبية ‎  
  • قوات الدعم السريع تقصف منزلا غرب الخرطوم وتقتل 6 أشخاص بينهم 4 أطفال
  • الحكومة السودانية ينتقد كينيا لتوفير منصة لقوات الدعم السريع لإعلان حكومة منها  
  • وسط الخرطوم تشهد مواجهات ضارية
  • الجيش السوداني يعلن تقدمه في محاور قتال بالفاشر على حساب قوات “الدعم السريع”