Alexander .. “نتفليكس” تعبث بالتاريخ وتُفسد الدراما
تاريخ النشر: 13th, February 2024 GMT
متابعة بتجــرد: بعد “كليوباترا”، ها هي منصة “نتفليكس” تقدم عملاً مشابهاً عن حياة ألكسندر العظيم (Alexander the Great)، أو الإسكندر الأكبر حسب النطق العربي، القائد المقدوني الإغريقي الذي يعد أحد أشهر الشخصيات العسكرية والسياسية على مر العصور.
المسلسل الذي يحمل عنوان Alexander: the Making of a God ينتمي إلى نوعية “الدوكيودراما”، أو الأعمال التي تمزج بين الوثائقي والروائي (التمثيلي)، ويتكون من 6 حلقات، مدة كل منها حوالي 45 دقيقة.
يعيد المسلسل رواية بعض ما هو متداول عن حياة الإسكندر الأكبر، وفقا للمصادر القديمة والحديثة والوسطى (إذ مرت صورة القائد الشهير بالعديد من المراحل، بداية بالمصادر القديمة المعاصرة له، أو التي كتبت بعد موته بقليل، ثم المصادر التي كتبت إبان عصر النهضة وحتى القرن التاسع عشر، والتي اتسمت بالرومانسية وتحويله إلى أسطورة وأيقونة “استعمارية”، وحتى المصادر الحديثة التي تحاول رسم صورة أكثر واقعية.. رغم أن مسلسل “نتفليكس” ينتقي من هذه المصادر أكثرها “درامية” حتى يكاد الإسكندر أن يتحول إلى بطل خارق في واحد من أفلام مارفل.
ما هو ثابت عن حياة الإسكندر أنه كان أميراً مقدونياً (عندما كانت مقدونيا جزءاً من بلاد الإغريق)، عاش بين 356 إلى 323 قبل الميلاد، تولى الحكم في سن العشرين عقب اغتيال أبيه فيليب، ومات قبل أن يبلغ الثالثة والثلاثين من العمر، بعد أن غزا أكبر إمبراطورية في العالم وقتها، فارس، ودخل مصر وبنى أجمل مدينة في العالم وقتها، وهي الإسكندرية، وامتد حكمه حتى حدود الهند، صانعاً لنفسه اسماً ستظل الأجيال تتناقله كأسطورة مغلفة بالتاريخ، أو كتاريخ تغلفه الأساطير.
اكتسب الإسكندر، مثل نابليون، سمعته من 3 صفات: قدراته التخطيطية الهائلة في إدارة المعارك، التي تجلت في انتصاراته بمعارك كانت أعداد جيوشه أقل بأضعاف من أعداد جيوش الخصوم، والثانية هي ثقافته الواسعة وحبه للفنون والأدب والعمارة، أما الثالثة فهي زعمه أنه نصف إله، إذ أخبرته أمه بأنه ابن كبير الآلهة زيوس، وهو الزعم الذي حوله إلى “حقيقة” في مصر، عندما زعم مرة أخرى أن كاهنة معبد آمون في سيوة أخبرته بأنه ابن كبير الآلهة المصريين آمون رع.
يقول إعلان مسلسل Alexander أنه: “يمزج لقاءات الخبراء بمشاهد إعادة تمثيل خلابة”، لكن المسلسل في الحقيقة لا هو وثائقي، ولا هو روائي، وإنما هجين بين الاثنين يمكن أن يضللك إذا اعتبرته عملاً وثائقياً، ويمكن أن يشتت اندماجك إذا اعتبرته روائياً.
صحيح أن المسلسل يتسم بالجودة في بعض من جانبيه الوثائقي والروائي، إذ يضم – في جانبه التوثيقي- عدداً من المؤرخين الملمين، لولا انبهارهم الزائد بشخصية الإسكندر، وتسليمهم المطلق بالمصادر التي يستندون إليها في معلوماتهم عنه، وكثير منها مشكوك فيه كما سأبين لاحقاً.
كذلك يحتوي المسلسل- في جانبه الروائي- على إنتاج ضخم، وأماكن تصوير جيدة، وتحريك للحشود الكبيرة، ومعارك متقنة التنفيذ، وذلك بالنسبة لعمل يقدم نفسه كوثائقي، بالطبع لا يمكن مقارنته بالأعمال الروائية البحتة من مسلسلات وأفلام هوليوودية بالغة الضخامة والإبهار، مثل فيلم Alexander لأوليفر ستون (2004)، أو Napoleon لريدلي سكوت (2023)، على سبيل المثال.
ولكن حين نقارنه بمسلسلات “الدوكيودراما” المماثلة، فهو عمل أُنْفِق عليه بسخاء، ولا يتعامل مع جانبه الروائي كعنصر تجميلي تشويقي فحسب.. حتى إنه يبدو أحياناً وكأنه عمل روائي تم إضافة بعض تعليقات الخبراء عليه.
ورغم أن الجانب الروائي يشغل مساحة كبيرة جداً من المسلسل، بالنسبة لهذا النوع من الدوكيودراما، إلا أن أهم ما يميز حياة الإسكندر وهو معاركه الحربية وخططه السابقة لعصرها ليس واضحاً، فالمعارك قليلة، ومقتضبة، وبعضها يقتصر على تصوير تلاحم بعض المجاميع، بينما تشغل الحكايات العاطفية والعائلية مساحة ربما أكبر مما ينبغي بالنسبة لشخصية مثل الإسكندر، ولعله العيب نفسه الذي عاناه فيلم Napoleon.
ويركز المسلسل في الحلقة الأولى مثلاً على تصوير العلاقة المثلية بين الإسكندر وأحد أصدقائه المقربين، ورغم أن هذه العلاقة مذكورة تاريخياً في أكثر من مصدر، لكنها لم تكن ذات شأن كبير في حياة الإسكندر، إذ باعتراف المسلسل نفسه، لم يكن الإغريق يعطون أهمية كبيرة لتصنيف أنواع العلاقات، ولعلها كانت تمارس كعلاقات عابرة، مؤقتة، خاصة في مجتمع المحاربين المغلق، ولكن تركيز المسلسل يوحي بتركيز صناعه ومنصة “نتفليكس” بشكل عام، على تصوير هذه العلاقات أكثر مما يجب.
في الحلقات المتأخرة يخصص المسلسل أيضاً مساحات للحديث عن زواج الإسكندر بالزوجة السابقة لداريوس، روكسان، بأسلوب يحول العمل إلى ما يشبه مسلسلات التليفزيون العاطفية.
معظم الخبراء الذين يتحدثون في العمل، كما أشرت، مبهورون بشخصية الإسكندر، يعتمدون غالباً على كتابات عصر النهضة “الرومانتيكية”، كغازٍ مغوار جذاب وفنان، والتي تختلف عن النظرة الأقدم الأكثر موضوعية، والنظرة الحديثة الأكثر واقعية.
ومن بين أحدث هذه المصادر كتاب Reinventing Alexander، أو “إعادة اختراع الإسكندر” تأليف كلوديا دانيوتي، دار نشر برسبوليس، 2022، والذي ترصد فيه مؤلفته التحولات التي طرأت على صورة الإسكندر على مر العصور، وهو كتاب يبين بشكل أكثر عمومية كيف أن التاريخ وشخصياته يخضعان للكثير من التعديل (أو التزييف)، وفقاً لتفسير كل عصر وميله لاستخدام هذا التاريخ وشخصياته للتعبير عن أفكاره وقضاياه ومصالحه.
مع ذلك، يضم المسلسل بعض الحقائق التاريخية المثيرة، المدعمة بالأسانيد، من خلال عالمة آثار يونانية تبحث في الإسكندرية عن آثار المدينة القديمة خلال السنوات الماضية، وقد عثرت بعثتها بالفعل على مئات القطع والأحجار القديمة.
ومن المعروف أن الإسكندر الذي خاض أعتى الحروب، لم يلق مصرعه في إحداها، ولكنه مات نتيجة إصابته بمرض الملاريا، ويقال أن قادة جيشه سمموه بسبب إصراره على مزيد من الفتوحات والحروب، ورغم أنه مات في بابل بالعراق، لكن يعتقد أنه دفن في مدينته المفضلة، الإسكندرية، حيث يبحث المنقبون منذ عقود عن بقايا قبره.
المسلسل الذي كتبه نيك كليف ولوسي فان بيك جرى تصويره في المغرب، ويلعب بطولة لجزء الروائي منه الممثل باك بريتويت، في دور الإسكندر، كما يلعب الممثل المصري الأصل ميدو حمادة شخصية ملك فارس داريوس الثالث، ولكل من حلقاته الـ6 عناوين تتبع حياة الإسكندر منذ صباه وتوليه الحكم في سن العشرين، خلفا لأبيه الملك فيليب الذي اغتيل بمؤامرة دبرتها زوجته، أم الإسكندر، كما يشير المسلسل، ولكنه لاحقاً يلصق التهمة للفرس، ليبرر رغبة الإسكندر في الانتقام.
وتبدأ كل حلقة بمقدمة تروى على لسان كاهنة معبد آمون قصة الإسكندر وداريوس وصراعهما الأسطوري، وفي لحظة ما، في الحلقة الخامسة، يتبين أنها الكاهنة نفسها التي يذهب الإسكندر لزيارتها في واحة سيوة، والتي تعلنه نصف إله من نسل آمون، وهنا يصل المزج بين الوثائقي والروائي إلى قمة خطورته، إذ يعترف ضمنياً، ويؤكد، هلاوسالإسكندرر النفسية.
main 2024-02-13 Bitajarodالمصدر: بتجرد
إقرأ أيضاً:
وزير الثقافة: الدراما المصرية قادرة على تقديم محتوى درامي يجمع بين الأصالة والحداثة يعبر عن هوية متجذرة لبلد عريق
تفعيلًا لرؤية الرئيس عبد الفتاح السيسي، رئيس الجمهورية، لأهمية تطوير الدراما لخدمة متطلباتنا التنموية وترسيخ هويتنا الوطنية، وتفعيل دور الدراما كأداة محورية في تشكيل وجدان المواطن وتعزيز الانتماء الوطني في ظل التحديات الفكرية والاجتماعية الراهنة، ترأس الدكتور أحمد فؤاد هَنو، وزير الثقافة، الاجتماع الأول للجنة دراسة التأثيرات الاجتماعية للدراما المصرية والإعلام المشكلة بقرار الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، وذلك لمناقشة التأثيرات الاجتماعية للدراما والإعلام على المجتمع المصري، ووضع آليات لتطوير المحتوى الدرامي المصري.
وأكد وزير الثقافة، في كلمته خلال الاجتماع، أن غاية كل فن، في جوهره، هي أن يترك أثرًا من الجمال في النفس، وأن يسمو بالوجدان والعقل نحو إدراك أعمق لمعنى الإنسان والحياة، مشيرًا إلى أن الدراما تبقى هي الفن الجامع، الذي تتجلى فيه جماليات التشكيل، والموسيقى، والمعمار، واللغة، والشعر، وسحر الحوار، في بناء سردي يعكس المجتمع ويعيد تشكيله.
وأوضح أن كل دراما حقيقية ومؤثرة تحمل في عمقها تأثيرات من الفنون المصرية الخالدة، من لوحات محمود سعيد وسيف وانلي، إلى موسيقى بليغ حمدي وسيد درويش، وشاعرية صلاح عبد الصبور وأمل دنقل، وصوت أم كلثوم، وطابع المعمار المصري الفريد، مضيفًا أن الدراما المصرية خرجت من قلب “الحارة” التي كتب عنها نجيب محفوظ، وتجسدت في أعمال صنع الله إبراهيم، وفتحية العسال وبهاء طاهر، وجمال الغيطاني، ووحيد حامد، وأسامة أنور عكاشة، وغيرهم من الكُتاب الكبار الذين شكّلوا وجدان هذا الشعب وسريانه
وأضاف أن الدراما المصرية تسير بخطى واثقة منذ ما يقرب من 110 أعوام من السينما، وأكثر من 65 عامًا من الدراما التليفزيونية، تطورت فيها الرؤية الجمالية، وصقلت الأدوات، وتنوعت التجارب، لتخلق حكايات ملهمة تعبر عن هوية مصر العميقة، وتصبح مرآة حقيقية لملامح الشخصية المصرية.
تصريحات وزير الثقافة
وأكد وزير الثقافة أن الدراما المصرية قادرة على تقديم محتوى درامي يجمع بين الأصالة والحداثة، يعبر عن هوية متجذرة لبلد عريق، مشيرًا إلى أن صناعة الدراما تستلهم الجمال وفق قواعده المعرفية، وتُنسج بمواهب صناعها في الكتابة، والإخراج، والتصوير، والمونتاج، والديكور، وهندسة الصوت، والإنتاج، لتقدم شكلًا جماليًا يرتقي بذوق المشاهد ويصونه
وشدد الوزير على أن اجتماع اللجنة ليس لوصاية على الفن، بل لاستعادة بريقه وبهائه، مؤكدًا أن قرار رئيس مجلس الوزراء بتشكيل اللجنة العليا للدراما خطوة ضرورية ومدروسة، تهدف إلى دراسة التأثيرات الاجتماعية والنفسية للدراما والإعلام المصري، واقتراح سبل معالجتها وتفادي سلبياتها، ووضع مسار متكامل لإصلاح المزاج العام، وبناء الشخصية المصرية في ضوء وعي ثقافي وفني وإنساني.
وأشار إلى التزام الدولة بحرية الفكر والتعبير، كركيزة لأي نهضة فنية حقيقية، تضع على عاتق الفنان والمثقف واجبًا تجاه مجتمعه، وتحفزه لصون الهوية ومواكبة الواقع وتقديم فن يعزز القيم الجمالية.
واختتم الوزير كلمته بالتأكيد على أن صناع الجمال من رواد الدراما المصرية قدموا أعمالًا شكلت ذاكرة الأجيال، ولا تزال عليهم مسؤولية تقديم المزيد من الأعمال الملهمة لأجيال قادمة،وقال "نحن لا نعيد إحياء الدراما، بل نقدم الدعم والرؤية، لتظل سفير مصر الثقافي، وعينًا صادقة ترى الواقع وتكتبه بالفن والجمال ".
وشهد الاجتماع مناقشة عدد من المحاور الرئيسية المتعلقة بتطوير المحتوى الدرامي، ودراسة مدى تأثيره على المجتمع، واقتراح آليات التعاون بين الجهات المختصة، كما شارك فيه عدد من الشخصيات العامة وممثلي المؤسسات الإعلامية والثقافية، وهم: المهندس خالد عبدالعزيز، رئيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، الكاتب والإعلامي أحمد المسلماني، رئيس الهيئة الوطنية للإعلام، عماد ربيع، رئيس قطاع الإنتاج الدرامي بالشركة المتحدة، علا الشافعي، رئيس لجنة المحتوى الدرامي بالشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، الدكتورة هالة رمضان، مدير المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، سارة عزيز حكيم، خبيرة اجتماعية ونفسية ومدير مؤسسة Safe، الدكتور حسن عماد مكاوي، رئيس لجنة الدراسات الإعلامية بالمجلس الأعلى للجامعات وعميد كلية الإعلام جامعة القاهرة الأسبق، والدكتورة جيهان يسري أبو العلا، عضو اللجنة التخطيطية للجنة قطاع الدراسات الإعلامية وعميدة كلية الإعلام السابقة، المخرج خالد جلال، رئيس قطاع الإنتاج الثقافي، المخرج عمر عبدالعزيز، رئيس اتحاد النقابات الفنية، الكاتب والسيناريست عبدالرحيم كمال، الكاتبة مريم نعوم، المنتج جمال العدل، والمخرج شريف عرفة.