محمد بن راشد يكرّم فريقي مشروعين فائزين بجائزة ابتكارات الحكومات الخلّاقة
تاريخ النشر: 13th, February 2024 GMT
دبي: الخليج
كرّم صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، فريق مشروع «روبورويال» لدعم النظام البيئي من الجمهورية التركية، وفريق مشروع «تحقيق التوازن في الوقت» من مملكة إسبانيا، الفائزين بجائزة ابتكارات الحكومات الخلاقة في دورتها السادسة، التي تم عرضها في منصة ابتكارات الحكومات الخلاقة، والتي يشرف عليها مركز محمد بن راشد للابتكار الحكومي، وتنظم بعنوان «منظور جديد»، وتضم 13 ابتكاراً عالمياً، ضمن أعمال القمة العالمية للحكومات 2024.
13 مشروعاً في منافسة عالمية
وتنافس المشروعان الفائزان مع 11 ابتكاراً آخر، تم ترشيحها وتقديمها في منصة ابتكارات الحكومات الخلاقة، ضمن فعاليات القمة العالمية للحكومات 2024، وشملت قائمة الدول المرشحة للجائزة كلاً من: كندا، وغواتيمالا، والصين، والولايات المتحدة الأمريكية، وكينيا، والمملكة المتحدة، وفنلندا، وإسبانيا، وأستراليا، والهند، وفرنسا، ورواندا، والجمهورية التركية.
«روبورويال»
ويجمع مشروع «روبورويال» بين الروبوتات المصغرة، والذكاء الاصطناعي، في عملية هادفة لتعزيز جودة حياة ملكات النحل، بما يرتقي بجودة عملية التكاثر. وقد عمل فريق من جامعة الشرق الأوسط التقنية، في تركيا، على تطوير خلية مبتكرة لمراقبة تحركات النحل لجمع البيانات حول سلوكها، بما يوفر الفرصة لتطوير روبوتات تحل محل النحل المسؤول عن تغذية الملكة والعناية بها، إضافة إلى تسهيل عملية نقل الفرومونات، ما يرفع كفاءة عملية التكاثر، وتزايد أعداد النحل، ويدعم في المحصلة النظام البيئي، ونمو النباتات والحيوانات.
ويقوم النحل بدور أساسي في حفظ استقرار النظام البيئي ودعم الزراعة، إذ يلقّح 75% من إجمالي المحاصيل المزروعة لإنتاج الغذاء البشري عالمياً، ما يتطلب تلقيح 5000 تريليون زهرة كل عام.
ويعمل مشروع «روبورويال» على استكشاف إمكانات التكنولوجيا الحيوية الهجينة، ويقدم معطيات مهمة تدعم عملية تصنيع كائنات فائقة التطور، ترتكز على مبدأ التعاون بين الروبوتات والحيوانات، ويدمج بين تكنولوجيا الروبوتات وحلول الذكاء الاصطناعي، لمواجهة التراجع في أعداد نحل العسل، بما يسهم في ضمان إنتاج ما يكفي من الغذاء للبشر، ويجري تنفيذ هذا المشروع أيضاً في كل من جمهورية التشيك، والنمسا.
أول قانون وطني خاص باستخدام الوقت
أما مشروع أول قانون وطني خاص باستخدام الوقت «تحقيق التوازن في الوقت» من برشلونة في إسبانيا، فيأتي في سياق توجه غير مسبوق في تطوير سياسات الوقت تقوده برشلونة، في ظل الإدراك المتزايد على مستوى الدول لقيمة الوقت، باعتباره احتياجاً أساسياً، وحقاً من حقوق الإنسان، وقد أصبحت واحدة من أولى المدن الأوروبية التي أدرجت استخدام الوقت في أجندة سياساتها، فألهمت أكثر من 75 مدينة أخرى في العالم لتحذو حذوها، بما في ذلك ستراسبورغ في فرنسا؛ وميلان في إيطاليا؛ ومونتيفيديو في أوروغواي، وجميعها أعضاء في «شبكة الحكومات المحلية والإقليمية المعنية بالوقت».
وتتراوح السياسات الحكومية المبتكرة التي تنفذها الحكومات من سنّ «قوانين سياسات الوقت» وتعيين «مدير تنفيذي لسياسات الوقت»، إلى توفير التعليم المجاني للأطفال، وإعادة تنظيم جداول الخدمات في المدن لتقليل حركة المرور في ساعات الذروة.
ويؤدي فقر الوقت، وهو ندرة الوقت الشخصي، إلى تداعيات بالغة الأثر في الصحة البدنية والعقلية، فضلاً عن تأثيره في الإنتاجية، والمساواة، والاستدامة. ويعد تبنّي سياسات الوقت ركيزة أساسية للسياسات الحكومية، تهدف إلى بناء مجتمع أكثر إنصافاً واستدامة وصحة.
وترجح دراسات وتقديرات أن قوانين استخدام الوقت قد تؤثر إيجاباً في 88% من الموظفين، مع زيادة الإنتاجية بنسبة 15%، والتأثير بشكل إيجابي في الناتج المحلي الإجمالي، فيما تشير إحصاءات إلى أن 35% من النساء يعانين حالياً، فقر الوقت، ومن الممكن تزويدهن بساعتين إضافيتين من وقت الفراغ أسبوعياً، كما تنعكس هذه السياسات على أوقات التنقل فتخفضها بنسبة 40%، وتسهم في رفع مستوى السعادة وجودة الحياة بنسبة 10%.
وقد أيدت مؤسسات بارزة «إعلان برشلونة بشأن سياسات الوقت»، وهي تجتمع سنوياً في برشلونة لحضور القمة العالمية لسياسات الوقت، التي تُعرف بـ«أسبوع استخدام الوقت».
«ابتكارات الحكومات الخلاقة» في نسختها السادسة
يذكر أن مركز محمد بن راشد للابتكار الحكومي أطلق النسخة السادسة من «ابتكارات الحكومات الخلاقة»، عبر منصة القمة العالمية للحكومات 2024، لتعريف المشاركين بأبرز التجارب والمبادرات والحلول المبتكرة التي طورتها الحكومات، تم اختيارها من 13 دولة.
وتهدف منصة ابتكارات الحكومات الخلاقة إلى عرض أبرز التجارب الحكومية المبتكرة من مختلف دول العالم، وتشكل فرصة لتبادل المعرفة وتمكين المسؤولين من اختبار الأدوات المبتكرة التي تساعدهم على الاستعداد للمستقبل وإدارة حكوماتهم بما يتلاءم مع متطلباته.
الطُفیلیات لتصمیم النقل الحضري
وقدمت «ابتكارات الحكومات الخلاقة» إلى جانب الابتكارين الفائزين، أحد عشر مشروعاً مبتكراً، وفي محور الذكاء البديل، عرفت المنصة بمشاريع مبتكرة شملت، مشروع الطُفیلیات لتصمیم النقل الحضري من كندا، ويقوم على استخدام الطفيليات للتخطيط الحضري، حيث عمل فریق من الباحثین في جامعة تورنتو الكندیة على تصمیم نموذج افتراضي یستخدم مھارة الطُفیلیات المُقسّمة في النمو لتصمیم جزء من مترو تورونتو، ونتج عن هذا النموذج شبكة أقوى بنسبة 40% من الشبكات التي تمت ھندستھا من قبل الإنسان، ويمكن لمسؤولي التخطیط الحضري استخدام ھذا النموذج في تصمیم شبكات طرق جدیدة، أو توسیع الشبكات الحالیة.
ديب جرين
أما مشروع ديب جرين من غواتيمالا، فيستخدم الذكاء الاصطناعي التوليدي في جمع بیانات عالیة الدقة حول المساحات والبنیة التحتیة، لتطویر سیناریوھات لمحاكاة التنمیة الحضریة المستدامة استناداً إلى نماذج بیولوجیة، وقد مكّن مدينة غواتيمالا من إعادة تصميم مواقع مكبات النفايات (99% من مكبات النفايات البالغ عددها 2240 مكباً غير قانوني وعشوائياً) بنظام ديب جرين المبني على حركة الطفیلیات المقسمة، حيث قدمت محاكاة للتطور الحضري.
كما طور المشروع مقترحين إضافيين للمدینة، الأول مخطط لإعادة الحیاة البریة لتعزیز التعایش بین الإنسان والحیوانات البریة، والثاني مخطط للزراعة الحضریة لتعزیز الأمن الغذائي وفرص العمل لسكان الریف.
توظيف الديدان
أما مشروع توظيف الديدان الذي طوّره فريق مشترك من الصين والولايات المتحدة الأمريكية، فيقوم بجمع بیانات التنوع البیولوجي بطرق مبتكرة، تقوم على استخدام الدیدان الماصة للدماء في جنوب غرب الصین لجمع بیانات التنوع البیولوجي، ويتغذى هذا النوع من الديدان، على الفقاريات ويمكنه الاحتفاظ بوجبته الدمویة لعدة أشھر. وقد قام فریق من الباحثین الأمریكیین والصینیین، بجمع أكثر من 30 ألف دودة وعثروا فيها على الأحماض النوویة لجمیع الحیوانات التي تغذت علیھا، وقد وفرت الدودة على الباحثين الوقت والتكالیف مقارنة بالطرق الیدویة والكامیرات المخبأة، وساعدت على قیاس مدى التنوع البیولوجي بطریقة أكثر فعالیة.
الفِیَلة صنّاع قرار
ومن كينيا والمملكة المتحدة طرح الفیلة صنّاع قرار «آنيميل إن ذا رووم»، تساؤلًا حول ماذا قد يحدث لو قام صناع السیاسات بإشراك الحیوانات في صنع القرار، ويشمل المشروع أفراداً یعیشون بالقرب من الفیلة، ولدیھم معلومات عن سلوكاتھا، إلى جانب أدوات الذكاء الاصطناعي للإصغاء إلى الحیوانات، وممثلي الحكومة والمنظمات البیئیة، والمنظمات غیر الحكومیة.
مدینة الكائنات المتعددة
ويقوم مشروع «مدینة الكائنات المتعددة» من فنلندا الذي تعمل عليه مدینة ھلسنكي، على سؤال مفاده: ماذا لو راعینا الأنواع البیولوجیة، ومنحناھا مقعداً على طاولة التخطیط؟ وينطلق المشروع من رؤية مركزها أن الخطط الحكومیة دائماً ما تتمحور حول احتیاجات الإنسان، لكنها تؤثر في النظام البیئي بأكمله، بدءاً من النباتات والحیوانات، وصولاً إلى الفطریات والأحیاء الدقیقة. ويدعم المشروع المدينة في تحقيق مساعيها لتصبح محایدة للكربون بحلول عام 2030، وخالیة من الكربون بحلول عام 2040، وسالبة للكربون في المستقبل.
وشمل محور التوقيت النهري مشاريع ضمت أحد المشروعين الفائزين بالجائزة، وهو مشروع أول قانون خاص باستخدام الوقت من إسبانيا، الذي عملت مدينة برشلونة على تطويره وتطبيقه ليصبح نموذجاً تتبناه العديد من الدول.
السفر إلى المستقبل
أما مشروع السفر إلى المستقبل من أستراليا، فيتمثل في قيام منظمة الكومنولث للبحوث العلمیة والصناعیة بتطوير موقع «التناظرية المناخية» الإلكتروني، الذي یستخدم النمذجة المناخیة لمساعدة مستخدمیه على تحدید المدن التي تمر حالیاً، بظروف مناخیة مماثلة، لما یُتوقع لمدنھم أن تشھده مستقبلا. وقد أثبتت المنصة فعالیتھا خاصة في القطاع الزراعي، حیث ساھمت باستراتیجیات تكیف عدة في مجال تفوق قیمته 70 ملیار دولار سنویاً في أستراليا.
الذكریات الاصطناعیة
ويبحث مشروع الذكریات الاصطناعیة من إسبانيا، إمكانية استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي لإعادة ذكريات مرضى الزهايمر، والخرف، بالتعاون مع مختصين، ويعمل بشكل رئيسي على إنتاج إسقاطات مرئیة واقعیة لأحداث من الماضي، وقیاس قدرتھا على إبطاء تطور المرض، ويعمل المشروع على إعادة بناء ذكریات من فقدوا القدرة على استحضار ماضیھم.
المقاييس الشخصية
في المحور الثالث: المقاييس الشخصية، قدمت ابتكارات الحكومات الخلاقة، مشروع جمعیة البیانات التعاونیة من الهند، الهادف إلى مواجھة التحدیات الناشئة عن التحكم غیر المتوازن في البیانات والافتقار للقیمة في اقتصاد البیانات خصوصاً التحديات التي تواجه النساء.
وأسهمت تعاونیات البیانات النسائیة في معالجة مسألة الإقصاء من البیانات، وتعزیز سلطة اتخاذ القرار، وتیسیر الوصول إلى الخدمات المالیة، وإنشاء عروض قیمة تلائم النساء، وستفيد ھذه المزایا القطاع الزراعي بشكل خاص، في ضوء تأنیث القوى العاملة، وعدم تمكن النساء من استخدام بیاناتھن، بما یحقق لھن الفائدة والقیمة.
أما مشروع مانثان «منصة تمويل الابتكارات» من الهند، فيعالج التحدیات التي تواجھھا الشركات الناشئة في مجال الابتكار مع التركیز على التقنیات الحدیثة وأھداف التنمیة المستدامة ومراكز التمیز لدعم الشركات الناشئة، وتعمل المنصة على تجمیع بیانات التحدیات العالمیة، وربط الشركات الھندیة الناشئة بمختلف الفرص، إضافة إلى استعراض الابتكارات الجاھزة للطرح في الأسواق ومبادرات البحث والتطویر المستقبلیة.
ومن فرنسا، قدمت ابتكارات الحكومات الخلاقة مشروع التحكیم اللامركزي لفض المنازعات الإلكترونیة «منصة كلاروس» اللامركزية، التي تستند إلى تقنية البلوك تشين لفض المنازعات وتوفر حلولاً شفافة وفعالة، وقد قامت المنصة بفضّ أكثر من 1600 نزاع، عادة في غضون 3 أیام، فيما تقل كلفة المنصة بنحو 8 إلى 10 مرات من الطرق التقلیدیة لفض النزاعات.
أما مشروع مھمات بدلاً من التخصصات الدراسیة من رواندا، فيتمثل في نموذج تعليمي مبتكر، يحدد من خلاله الطلاب في «جامعة القیادة الإفریقیة» أھدافھم بدلاً من اختیار تخصص محدد، ما يمنحهم فرصة تصميم تجربتھم التعلیمیة استناداً إلى التحدیات التي یریدون حلھا، والتأثیر الذي یریدون إحداثه في إفریقیا.
ومن تركيا، مثل مشروع روبورویال الفائز بجائزة ابتكارات الحكومات الخلاقة، تطبيقاً متفرداً في دعم استقرار النظام البيئي وتحسين واقع القطاع الزراعي، من خلال دمج الروبوتات بالذكاء الاصطناعي لمواجھة التراجع في أعداد نحل العسل، وضمان ما یكفي من الغذاء للبشر.
لجنة تحكيم عالمية
وتوزعت الابتكارات المشاركة في المنصة على ثلاثة محاور هي؛ الذكاء البديل الذي يركز على إمكانية الاستعانة بكائنات أخرى لاستخلاص المعلومات، و«التوقيت النهري»، وهو مفهوم يبحث في طرق جديدة لحساب الوقت، والمقاييس الشخصية.
وعملت لجنة تحكيم مستقلة تتكون من عدد من الخبراء والمتخصصين في مجال الابتكار في مؤسسات رائدة، عالمياً ومحلياً، وفي القطاعات الحكومية والخاصة والمنظمات الدولية، تضم كلاً من: صوفي هاو مفوض أجيال المستقبل السابق في ويلز، وجيليان دورنر نائب مدير الحوكمة في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وبرونا سانتوس مدير عام معهد البرازيل، وتمارا سينتيتش مدير مكتب الابتكار في حكومة ولاية كاليفورنيا، الوزير الرقمي في الحكومة الثانية والأربعين للجبل الأسود، وبوجا وارير كبير مسؤولي الشراكات في «إيه بوليتيكال»، على إجراء التقييم النهائي للابتكارات، واعتمدت في عملية التقييم ثلاثة معايير، شملت الحداثة، ويركز على تقييم مدى اختلاف الحل أو الفكر الجديد عما هو متبع حالياً، وإلى أي مدى يعتمد الابتكار على نماذج وعمليات وتقنيات جديدة، ومشاركة جهات، أو أفراد جدد لتقديم الأثر المطلوب، ومعيار القابلية للتكرار الذي يقيم مستوى قابلية الابتكار لإثارة أفكار وابتكارات جديدة في قطاعات ودول مختلفة، ومعيار الأثر، الذي يغطي نطاق وأهمية التحدي الذي يسعى الابتكار إلى حله، إضافة إلى مدى مساهمة الحل في تحسين الظروف المحيطة بالتحدي.
المصدر: صحيفة الخليج
كلمات دلالية: فيديوهات الذکاء الاصطناعی القمة العالمیة النظام البیئی استخدام الوقت محمد بن راشد
إقرأ أيضاً:
محمد بن راشد.. وثقافة الحلم
سألني: هل تذكر قبل 25 عاماً عندما كنت أجتمع مع موظفي حكومة دبي، أوجههم إلى بذل كل ما من شأنه الارتقاء بالعمل، وأبني من خلالهم فريق القيادة الحكومي للإمارة، وأؤسس أيضاً للصف الثاني والثالث من الكوادر الإدارية، وأنت بدورك كنت معهم، وتابع: «هل كنت تتوقع كل هذا الذي تراه اليوم في دبي من تطور وازدهار؟ هل كنت تتخيل أن تتحقق على الأرض كل هذه الإنجازات الكبيرة؟».
فاجأني الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، بهذه الأسئلة والملاحظات على هامش لقائه بمجلس الإدارة الجديد لجائزة الإعلام العربي، أعادني إلى ربع قرن ذهبي تحولت فيه دبي إلى لؤلؤة الكون، ولم أملك إلا أن أرد على سموه قائلاً: «نعم كنت أتوقع تطوراً وازدهاراً، فسموكم كنتم تضعون ركائز التقدم في تلك الاجتماعات، كانت اجتماعات مبشرة، تقول إن هناك شيئاً يلوح في الأفق، ولكن ما تحقق فاق كل توقعاتي، أصابني بالدهشة وحثني على التأمل، ودفعني للبحث وقراءة الدرس، وعبر التفكير العميق ومراجعة كل هذا الإنجاز المرة تلو الأخرى، توصلت إلى قناعة مفادها بأنكم صنعتم ثقافة الأحلام في العالم العربي، دفعتم برؤيتكم وأقوالكم وأفعالكم الناس لكي يستيقظوا مبكراً مملوئين بالأمل والتفاؤل، يذهبون إلى العمل لكي يقدموا أفضل ما لديهم، ويدفعوا عجلة الوطن إلى الأمام»، نعم مرة ثانية فمحمد بن راشد ليس صانع ثقافة الأحلام وحسب، ولكنه أول وأكبر من بشّر بها في الواقع العربي.من يقرأ التاريخ العربي المعاصر سيدرك اللحظة المصيرية الفارقة للإمارات بقيادة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، وسيعرف جيداً ما أضافته لمحيطها، ومن يقرأ الفكر العربي المعاصر سيعرف القيمة التي يمثلها محمد بن راشد لمسألة النهضة والتقدم.
مر العالم العربي بأحداث وتحولات بدأت من مرحلة النضال من أجل الاستقلال، مروراً بصراعات واستقطابات سياسية سادت خلال ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، وصولاً إلى واقع عربي مضطرب نتيجة لأزمات في التنمية والتطور خلال ما عُرف بالربيع العربي.
في ظل هذه الصورة كانت التجربة الإماراتية شابة، ومغايرة وتتوجه بوصلتها وفق رؤى مؤسسين وضعوا التنمية في مقدمة أولوياتهم، وكما جاء التاريخ العربي المعاصر قلقاً مضطرباً، جاء الفكر العربي انعكاساً له، كان المنتج النخبوي الفكري قد وصل إلى طريق مسدود، واتصف بالتشاؤم، بل بالنظرة السوداوية، وأعلن الكثيرون اليأس عقيدة ومنهج حياة، وكأن العرب خرجوا من التاريخ. لم تكن هناك من فسحة حلم في الواقع أو مستوى النظر، وعلى النقيض من ذلك تماماً جاءت رؤية محمد بن راشد آل مكتوم.
تخبرنا تجربة النهضة الأوروبية، بل وتجارب النهضات الأخرى، بأن الإنسان باستطاعته تجاوز مختلف العراقيل والعوائق، وبأنه لا مستحيل، ولا وضع بإمكانه أن يسود إلى الأبد، وأن البشر سواسية يمتلكون القدرات نفسها، وأنهم يستطيعون تطويع مواردهم، ولو كانت سهلة في سبيل الاستفادة منها، واستثمارها بأفضل السبل، واستوعب صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد هذه التجارب، بل وأضاف إليها وأكسبها طابعاً عربياً مستلهماً القيم الإيجابية في تراثنا التي في الحقيقة نحن أحق بها، فالتبسم في وجوه الجميع وإشاعة روح التفاؤل قيم عربية أصيلة، وهناك فكرة المضمار والسبق وضرورة الوصول إلى الرقم واحد، من هنا فرادة تجربة محمد بن راشد التي تحتاج إلى التوقف والتحليل والقراءة أكثر من مرة.
قدم الشيخ محمد بن راشد تجربة عربية أصيلة في النهضة، جعلتنا نحصد ما زرع على مدار عقود، تجربة تتأسس على رؤى واستراتيجيات وخطة عمل وإيمان بالعمل الجماعي، وفي هذه التجربة هناك قيم وممارسات ولغة وانفتاح على مختلف النماذج الناجحة، والملاحظ في زوايا وأركان هذه التجربة أنها وهي تشتغل بصبر ودأب على ترسيخ الإيجابيات كانت تمحو سلبيات ترسخت بفعل سنوات التراجع العربي، ولذا لاحظنا في أكثر من موقف أن تلك التجربة لا تعترف بكلمة مستحيل، ولا تلتفت إلى عوائق، ولا تتوقف أمام مطبات، ولا تولي اهتماماً كبيراً بقلة الموارد أو التقلبات الاقتصادية العابرة.
كانت تلك التجربة في صمودها ومتانتها وقوتها تشق طريقها بثبات وتقدم مطرد، لا تعرف التراجع أو التوقف أو حتى التقاط الأنفاس، كانت تُحلق، لأنها تدرك أن السير خطوة خطوة قد يتوقف فجأة لعائق ما ونتيجة لذلك ربما تتراجع خطوتين، من هنا فرادتها وقدرتها على الإدهاش وكلمة السر فيها هي الحلم، بكل مداراته ودلالته التي تحيل إلى المختلف والمغاير وغير المتوقع.
نعم جاء حلم محمد بن راشد مختلفاً ومميزاً وناجحاً، حلم أدخل دبي والإمارات في أفق آخر، لا يعرف سوى النجاح، وقدم لكل العرب الأمل، وقال لهم: «التقدم قاب قوسين أو أدنى إذا توافرت الرؤية والعزيمة»، وعلينا جميعاً أن نستفيد من مفردات حلم محمد بن راشد، وهو في الحقيقة حلمنا جميعاً.