ما التعلم بالملاحظة؟ وكيف يؤثر في سلوك الطفل وتربيته؟
تاريخ النشر: 13th, February 2024 GMT
تتعدد النظريات التربوية في طرق التربية المثلى للأطفال، بين تلك التي تدعو إلى تعزيز السلوكيات الإيجابية وأخرى تؤمن بأن العقاب يؤدي إلى التعلم. في المقابل، يرى علماء أن قدرا كبيرا من اكتساب الخبرات يحدث بشكل غير مباشر فيما يعرف بـ"التعلم بالملاحظة".
على سبيل المثال، في حال شاهد الطفل والديه يتجادلان بصوتٍ عالٍ ويلوحان بأيديهما، فمن الطبيعي أن يقلّد هذا السلوك فيما يطلق عليه في علم النفس "التعلم بالملاحظة".
ويعد عالم النفس ألبرت باندورا الباحث الأكثر ارتباطا بالتعلم من خلال الملاحظة، فقد أثبت هو وآخرون أن الإنسان يميل بشكل طبيعي إلى الانخراط في التعلم القائم على مراقبة الآخرين.
من جهتها، تقول الأخصائية النفسية للأطفال والمراهقين أسماء طوقان، إن التعلم بالملاحظة يبدأ في المراحل الأولى من حياة الطفل، من خلال مراقبة الطفل تفاعل وتصرفات من حوله، كالأب والأم والإخوة والأصدقاء والجيران.
ويتم ذلك من خلال مراحل التعلم الـ4 في علم النفس وهي:
الانتباه: لا تكفي مجرد المشاهدة للتعلم، بل ينبغي أن ينتبه الطفل إلى ما يحصل حوله. الحفظ: على الطفل أن يتذكر السلوك الذي يشاهده في وقت لاحق، ويعتمد ذلك على قدرته على تكرار أفعال النموذج ذهنيا أو جسديا. الحركة: امتلاك القدرة الحركية لتقليد الأفعال التي شاهدها.التحفيز: يجب أن يكون لدى الطفل دوافع تحفزه على تقليد أفعال النموذج.
وتوضح طوقان، بأن تأثير التعلم بالملاحظة على شخصية الطفل واستقراره النفسي يكون كبيرا، حيث يؤثر على نموه العاطفي والاجتماعي والعقلي من خلال:
تكوين شخصية الطفل: حيث تسهم الملاحظة في تشكل القيم والاتجاهات السلوكية من خلال مراقبة سلوك الآخرين وانفعالاتهم. تكوين العلاقات الاجتماعية: حيث يتعلم من خلال الملاحظة كيفية التفاعل مع الآخرين وبناء العلاقات الاجتماعية، مما يؤثر بشكل كبير على سلوكه مع الآخرين فيما بعد. تعزيز الاستقرار النفسي: حيث إن التعلم بالملاحظة يسهم في تطور فهم الذات وزيادة الثقة بالنفس، وتحسن التواصل الاجتماعي والعلاقات الشخصية.تطوير الفهم والتعلم: من خلال مراقبة تفاعل الطفل مع البيئة، يمكن للوالدين تحديد نقاط القوة والضعف في شخصيته وتشجيعه وتوجيهه لتحسين أدائه وسلوكه.
أما المستشار التربوي الدكتور عايش نوايسة، فيقول بدوره إن التعلم بالملاحظة "يستند إلى نظرية التعلم الاجتماعي والتعلم بالملاحظة للباحث ألبرت باندورا (عالم نفسي كندي مشهور بنظريته في التعلم الاجتماعي المعرفي)، ومن المعروف أن الأطفال يكتسبون سلوكيات عديدة من خلال النمذجة أو الملاحظة والتقليد".
ويعتمد التعلم بالملاحظة بشكل كبير على العديد من الوسائط في البيئة التي يعيش فيها الطفل، "ومن هذه الوسائط الأهل أو الأقران، وهذا التعلم يعتمد بشكل كبير على الطريقة التي يتعرض فيها الطفل إلى السلوك النموذج وبشكل خاص في حال التعزيز أو العقاب، وعادة ما يترك أثرا، إما إيجابي وإما سلبي لدى الطفل".
ويضيف، "التعلم بالملاحظة اليوم يرتبط بشكل كبير في الوسائل والتقنيات المعاصرة، التي أصبحت تفرض نفسها على نطاق الطفل التعليمي، فهو يتعلم مما يشاهد أو مما يسمع، حيث يظهر المعزز التلقائي، وهو الاستحسان الذي يراه الفرد يعطى للقدوة التي أمامه نتيجة قيامه بسلوك معين وإنجازه لهذا السلوك".
ويرى نوايسة أن هذا التعزيز إيجابي "وهذا السر في تعلم السلوك وتقليده، والعوامل المؤثرة في التعلم الاجتماعي ترتبط بالمكانة الاجتماعية أو درجة الشهرة والنجومية، فيزداد الحرص على الانتباه للنموذج ومتابعته والاقتداء به كلما كان النموذج نجما أو صاحب شهرة".
"وكذلك ما يصدر عن النموذج من أنماط استجابة مصاحبة وتأثيره الشخصي على الفرد الملاحظ، ودرجة حياده أو موضوعيته في العرض"، وفق نوايسة.
ويقول المستشار نوايسة إن للتعلم بالملاحظة شكلين، هما:
المحاكاة: ومن خلالها يكتسب الطفل واحدة أو أكثر من الأفعال التي يقوم بها النموذج، ويكون متواجدا جسديا حتى تتم المحاكاة. التقمص: يكتسب الطفل نماذج وسلوكيات عامة وسلوكيات دائمة، النموذج غير متواجدا جسديا، ولكنه موجود في التقمص.ويضيف، "ترتبط الملاحظة بالتفاعل الاجتماعي، والذي يمكن أن يكتسب الأطفال من خلاله اللياقة اللغوية وعلميات تكوين القواعد النحوية للغة".
من جهة أخرى يعد التعلم بالملاحظة مصدرا مهما لتعلم السلوك الإبداعي، وينتج ذلك من خلال التعرض إلى عدد كبير من النماذج بحيث يعمل الفرد على استخلاص ملامح مختلفة من سلوكيات هذه النماذج لتوليد سلوكيات مبتكرة وجديدة.
ويختم النوايسة بقوله، "تجدر الإشارة هنا إلى أنه كلما تنوعت النماذج وازداد عددها، زادت احتمالية توليد استجابات جديدة ومبتكرة".
ووفقا لدراسات الباحث باندورا، هناك العديد من العوامل التي تزيد من احتمالية تقليد السلوك والتعلم بالملاحظة من بعض الأشخاص، وفق ما نشر موقع "فري ويل مايند"، وفق التالي:
الأشخاص الذين نعتبرهم دافئين ومهتمين. الأشخاص الذين يتلقون مكافآت على سلوكهم. الأشخاص الذين يشغلون موقعا موثوقا في حياتنا. الأشخاص الذين يشبهوننا في العمر والجنس والاهتمامات. الأشخاص الذين نعجب بهم أو الذين يتمتعون بمكانة اجتماعية أعلى. عندما تتم مكافآتنا لتقليد السلوك في الماضي. عندما نفتقر إلى الثقة في معرفتنا أو قدراتنا.المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: من خلال مراقبة الأشخاص الذین بشکل کبیر
إقرأ أيضاً:
"عواقب وخيمة".. كيف يؤثر وقف المساعدات الأمريكية على مرضى الإيدز في أوكرانيا؟
تواجه المنظومة الصحية في أوكرانيا أزمة حادة بعد ثلاث سنوات من الحرب، حيث تتعرض المستشفيات لهجمات متكررة وتزايد الإصابات القتالية، إلى جانب آثار نفسية خطيرة. كما امتد التأثير ليهدد برامج الوقاية وعلاج فيروس نقص المناعة البشرية، التي أصبحت تعتمد كليًا على التمويل الخارجي.
وفي ظل هذا الواقع، أثار تجميد المساعدات الأمريكية في بداية ولاية الرئيس دونالد ترامب تساؤلات حول مستقبل الدعم الأمريكي، مما دفع منظمات مكافحة الإيدز إلى البحث عن حلول عاجلة لتعويض أي نقص محتمل في التمويل.
وقد قدم برنامج الطوارئ الرئاسي الأمريكي للإغاثة من الإيدز (PEPFAR) ما يقرب من 15.6 مليون دولار لدعم جهود مكافحة الفيروس في أوكرانيا بين عامي 2023 و2024، بما في ذلك العلاجات المضادة للفيروسات والاختبارات، وفقًا لتقرير حديث صادر عن برنامج الأمم المتحدة المشترك المعني بفيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز (UNAIDS).
لكن التقرير ذاته يحذر من أن أي قطع كامل للتمويل الأمريكي قد يحرم أكثر من 92,000 شخص – أي ما يعادل 78% من مرضى الإيدز في أوكرانيا – من الحصول على العلاج.
الحرب في أوكرانيا شردت 3.5 مليون شخص، منهم مصابون بالإيدز ومدمنون سابقون بلا دعم.ارتباك حول موقف الدعم الأمريكيبعد فترة وجيزة من توليه المنصب في يناير/ كانون الثاني، وقع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمرًا تنفيذيًا يقضي بتجميد مؤقت لجميع البرامج الصحية العالمية الأمريكية، بما في ذلك (PEPFAR). كما تم تفكيك الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID).
إلا أن الإدارة الأمريكية عادت وغيرت موقفها، حيث تم استثناء بعض المساعدات الإنسانية الضرورية، بما في ذلك علاج الإيدز، من التجميد. كما أمر أحد القضاة الأمريكيين برفع الحظر مؤقتًا عن التمويل.
لكن حالة عدم اليقين لا تزال قائمة، حيث حذرت المنظمات الإغاثية من أن توقف العلاج قد يؤدي إلى عودة انتشار وباء الإيدز عالميًا، لا سيما في دول مثل جنوب إفريقيا.
يعد PEPFAR من أنجح برامج الصحة العالمية، إذ يوفر علاج الإيدز لأكثر من 20 مليون شخص. لكنه يواجه تأخيرًا في التمويل يصل إلى 6 أشهر، ما قد يؤدي إلى انتكاس المرض خلال أقل من شهر.ورغم تصريحات وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو بأن (PEPFAR) لن يخضع للتخفيضات، إلا أن غموض الوضع دفع برنامج الأمم المتحدة المشترك المعني بالإيدز في أوكرانيا إلى دق ناقوس الخطر، حيث لم يتلق حتى الآن تأكيدًا رسميًا بشأن استمرار التمويل.
حاليًا، يوجد مخزون علاجي يكفي لمدة خمسة أشهر فقط، مع توقعات بوصول دفعة جديدة في مارس، وفقًا ليوليا كفاسنيفيسكا، المسؤولة عن برنامج (UNAIDS) في أوكرانيا. لكنها تحذر من وجود فجوة تمويلية بقيمة 2 مليون دولار قد تهدد استمرارية العلاج بعد أكتوبر المقبل.
وفي الوقت الحالي، خُفضت مدة العلاج التي يحصل عليها المرضى من ستة أشهر إلى ثلاثة، مما يفاقم الأزمة، خاصة للنازحين الذين يواجهون صعوبات في الوصول إلى الرعاية الصحية بشكل منتظم.
أزمة متفاقمة لمرضى الإيدز في أوكرانياولطالما سعت أوكرانيا إلى تطوير برنامج وطني لمكافحة الإيدز، لكنها أصبحت تعتمد بشكل شبه كلي على الدعم الدولي بعد الغزو الروسي، لا سيما من (PEPFAR) والصندوق العالمي لمكافحة الإيدز والسل والملاريا.
وكانت أوكرانيا وروسيا من بين الدول التي سجلت أعلى معدلات انتشار فيروس نقص المناعة البشرية في المنطقة. وفي عام 2022، دعت الأمم المتحدة إلى ضمان استمرار الخدمات الصحية لمرضى الإيدز دون انقطاع، نظرًا لوجود 260 ألف مصاب في أوكرانيا.
إلا أن الحرب أدت إلى انخفاض عدد المرضى المسجلين بنسبة 7%، وفقًا لأحدث التقارير، في حين تراجع عدد الذين يتلقون العلاج المضاد للفيروسات بنسبة 9% مقارنة بفترة ما قبل الحرب.
بعد ثلاث سنوات، 12 مليون شخص بحاجة للمساعدة، و6 ملايين ما زالوا نازحين. خدمات الإيدز مهددة مع تراجع الدعم. التمويل والتضامن والتحرك ضرورة.ومع استمرار النزاع، اضطر آلاف المرضى إلى تلقي العلاج خارج البلاد، حيث يعالج نحو 4,400 مريض في بولندا وحدها.
وفي ظل التهجير الجماعي والأزمات النفسية المصاحبة للحرب، مثل الاكتئاب والقلق، ارتفعت معدلات السلوكيات الخطرة، مثل تعاطي المخدرات والدعارة، مما يزيد من احتمالية انتشار الفيروس ويؤثر على قدرة المصابين على الالتزام بالعلاج.
وتبقى الصورة غير واضحة في المناطق المحتلة أو القريبة من الجبهة، حيث من الصعب تتبع المرضى ومعرفة ما إذا كانوا يحصلون على العلاج من روسيا أو يواجهون خطرًا صحيًا متزايدًا.
يحذر خبراء الصحة من أن أي انقطاع في العلاج قد يؤدي إلى زيادة حالات الإصابة بالإيدز والسل، الذي أصبح أكثر انتشارًا خلال الحرب.
وفي ظل هذا الوضع، يدعو برنامج الأمم المتحدة المشترك المعني بالإيدز إلى تحرك عاجل وتكيّف سريع لضمان استمرار العلاج، محذرًا من أن التأخير قد يكون له "عواقب وخيمة" على المرضى الذين يعتمدون على العلاج مدى الحياة دون انقطاع.
Go to accessibility shortcutsشارك هذا المقالمحادثة مواضيع إضافية عراقجي يلتقي لافروف ويؤكد: "إيران لن تتفاوض تحت الضغط والعقوبات" موسكو تُعلن عن بدء الاستعدادات لقمة مفصلية بين ترامب وبوتين ترامب ينفي ما ورد في صحيفة فرنسية عن زيارة مرتقبة إلى موسكو في يوم النصر وباءدونالد ترامبالولايات المتحدة الأمريكيةالحرب في أوكرانيا المساعدات الإنسانية ـ إغاثة