تتعدد النظريات التربوية في طرق التربية المثلى للأطفال، بين تلك التي تدعو إلى تعزيز السلوكيات الإيجابية وأخرى تؤمن بأن العقاب يؤدي إلى التعلم. في المقابل، يرى علماء أن قدرا كبيرا من اكتساب الخبرات يحدث بشكل غير مباشر فيما يعرف بـ"التعلم بالملاحظة".

على سبيل المثال، في حال شاهد الطفل والديه يتجادلان بصوتٍ عالٍ ويلوحان بأيديهما، فمن الطبيعي أن يقلّد هذا السلوك فيما يطلق عليه في علم النفس "التعلم بالملاحظة".

ويعد عالم النفس ألبرت باندورا الباحث الأكثر ارتباطا بالتعلم من خلال الملاحظة، فقد أثبت هو وآخرون أن الإنسان يميل بشكل طبيعي إلى الانخراط في التعلم القائم على مراقبة الآخرين.

لا يمكن للطفل التعلم بمجرد المشاهدة بل لا بد أن ينتبه إلى ما يحصل حوله (شترستوك)

من جهتها، تقول الأخصائية النفسية للأطفال والمراهقين أسماء طوقان، إن التعلم بالملاحظة يبدأ في المراحل الأولى من حياة الطفل، من خلال مراقبة الطفل تفاعل وتصرفات من حوله، كالأب والأم والإخوة والأصدقاء والجيران.

ويتم ذلك من خلال مراحل التعلم الـ4 في علم النفس وهي:

الانتباه: لا تكفي مجرد المشاهدة للتعلم، بل ينبغي أن ينتبه الطفل إلى ما يحصل حوله. الحفظ: على الطفل أن يتذكر السلوك الذي يشاهده في وقت لاحق، ويعتمد ذلك على قدرته على تكرار أفعال النموذج ذهنيا أو جسديا. الحركة: امتلاك القدرة الحركية لتقليد الأفعال التي شاهدها.

التحفيز: يجب أن يكون لدى الطفل دوافع تحفزه على تقليد أفعال النموذج.

أسماء طوقان: التعلم بالملاحظة يسهم في تطور فهم الذات وزيادة الثقة بالنفس لدى الطفل (الجزيرة) مظاهر تأثير التعلم بالملاحظة

وتوضح طوقان، بأن تأثير التعلم بالملاحظة على شخصية الطفل واستقراره النفسي يكون كبيرا، حيث يؤثر على نموه العاطفي والاجتماعي والعقلي من خلال:

تكوين شخصية الطفل: حيث تسهم الملاحظة في تشكل القيم والاتجاهات السلوكية من خلال مراقبة سلوك الآخرين وانفعالاتهم. تكوين العلاقات الاجتماعية: حيث يتعلم من خلال الملاحظة كيفية التفاعل مع الآخرين وبناء العلاقات الاجتماعية، مما يؤثر بشكل كبير على سلوكه مع الآخرين فيما بعد. تعزيز الاستقرار النفسي: حيث إن التعلم بالملاحظة يسهم في تطور فهم الذات وزيادة الثقة بالنفس، وتحسن التواصل الاجتماعي والعلاقات الشخصية.

تطوير الفهم والتعلم: من خلال مراقبة تفاعل الطفل مع البيئة، يمكن للوالدين تحديد نقاط القوة والضعف في شخصيته وتشجيعه وتوجيهه لتحسين أدائه وسلوكه.

يمكن للوالدين تشجيع الطفل وتوجيهه من خلال مراقبة تفاعله مع البيئة المحيطة (شترستوك) التعلم بالملاحظة والتقنيات المعاصرة

أما المستشار التربوي الدكتور عايش نوايسة، فيقول بدوره إن التعلم بالملاحظة "يستند إلى نظرية التعلم الاجتماعي والتعلم بالملاحظة للباحث ألبرت باندورا (عالم نفسي كندي مشهور بنظريته في التعلم الاجتماعي المعرفي)، ومن المعروف أن الأطفال يكتسبون سلوكيات عديدة من خلال النمذجة أو الملاحظة والتقليد".

ويعتمد التعلم بالملاحظة بشكل كبير على العديد من الوسائط في البيئة التي يعيش فيها الطفل، "ومن هذه الوسائط الأهل أو الأقران، وهذا التعلم يعتمد بشكل كبير على الطريقة التي يتعرض فيها الطفل إلى السلوك النموذج وبشكل خاص في حال التعزيز أو العقاب، وعادة ما يترك أثرا، إما إيجابي وإما سلبي لدى الطفل".

ويضيف، "التعلم بالملاحظة اليوم يرتبط بشكل كبير في الوسائل والتقنيات المعاصرة، التي أصبحت تفرض نفسها على نطاق الطفل التعليمي، فهو يتعلم مما يشاهد أو مما يسمع، حيث يظهر المعزز التلقائي، وهو الاستحسان الذي يراه الفرد يعطى للقدوة التي أمامه نتيجة قيامه بسلوك معين وإنجازه لهذا السلوك".

ويرى نوايسة أن هذا التعزيز إيجابي "وهذا السر في تعلم السلوك وتقليده، والعوامل المؤثرة في التعلم الاجتماعي ترتبط بالمكانة الاجتماعية أو درجة الشهرة والنجومية، فيزداد الحرص على الانتباه للنموذج ومتابعته والاقتداء به كلما كان النموذج نجما أو صاحب شهرة".

"وكذلك ما يصدر عن النموذج من أنماط استجابة مصاحبة وتأثيره الشخصي على الفرد الملاحظ، ودرجة حياده أو موضوعيته في العرض"، وفق نوايسة.

عايش نوايسة: يزداد حرص الطفل على الانتباه للنموذج والاقتداء به كلما زادت نجومية النموذج وشهرته (الجزيرة) الملاحظة والتفاعل الاجتماعي

ويقول المستشار نوايسة إن للتعلم بالملاحظة شكلين، هما:

المحاكاة: ومن خلالها يكتسب الطفل واحدة أو أكثر من الأفعال التي يقوم بها النموذج، ويكون متواجدا جسديا حتى تتم المحاكاة. التقمص: يكتسب الطفل نماذج وسلوكيات عامة وسلوكيات دائمة، النموذج غير متواجدا جسديا، ولكنه موجود في التقمص.

ويضيف، "ترتبط الملاحظة بالتفاعل الاجتماعي، والذي يمكن أن يكتسب الأطفال من خلاله اللياقة اللغوية وعلميات تكوين القواعد النحوية للغة".

من جهة أخرى يعد التعلم بالملاحظة مصدرا مهما لتعلم السلوك الإبداعي، وينتج ذلك من خلال التعرض إلى عدد كبير من النماذج بحيث يعمل الفرد على استخلاص ملامح مختلفة من سلوكيات هذه النماذج لتوليد سلوكيات مبتكرة وجديدة.

ويختم النوايسة بقوله، "تجدر الإشارة هنا إلى أنه كلما تنوعت النماذج وازداد عددها، زادت احتمالية توليد استجابات جديدة ومبتكرة".

يكتسب الطفل من خلال المحاكاة بعض تصرفات النموذج (شترستوك) عوامل تزيد احتمالية التعلم بالملاحظة

ووفقا لدراسات الباحث باندورا، هناك العديد من العوامل التي تزيد من احتمالية تقليد السلوك والتعلم بالملاحظة من بعض الأشخاص، وفق ما نشر موقع "فري ويل مايند"، وفق التالي:

الأشخاص الذين نعتبرهم دافئين ومهتمين. الأشخاص الذين يتلقون مكافآت على سلوكهم. الأشخاص الذين يشغلون موقعا موثوقا في حياتنا. الأشخاص الذين يشبهوننا في العمر والجنس والاهتمامات. الأشخاص الذين نعجب بهم أو الذين يتمتعون بمكانة اجتماعية أعلى. عندما تتم مكافآتنا لتقليد السلوك في الماضي. عندما نفتقر إلى الثقة في معرفتنا أو قدراتنا.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: من خلال مراقبة الأشخاص الذین بشکل کبیر

إقرأ أيضاً:

ماذا تعرف عن قيادات حماس الـ6 الذين فرضت عليهم الخزانة الأمريكية عقوبات؟

ماذا تعرف عن قيادات حماس الـ6 الذين فرضت عليهم الخزانة الأمريكية عقوبات؟

مقالات مشابهة

  • من هم القادة الذين صدرت بحقهم مذكرات اعتقال من المحكمة الجنائية الدولية؟
  • هل يؤثر نقص فيتامين د على الجسم؟.. استشاري يكشف مفاجأة
  • بعد واقعة حضانة الغربية| تأثير تعرض الصغار للضـ.ــرب.. وكيف يمكن للأم اكتشافها؟
  • ماذا سيفعل البنك المركزي في اجتماع اليوم؟ .. وكيف تدخل الرئيس لدعم المواطنين |تحليل
  • خبير تربوي يكشف أسباب سلوك العنف الصادر من المعلم نحو الطالب
  • خبير: متلازمة بين السلوك الإسرائيلي في غزة والدعم الأمريكي والعجز الدولي
  • خبير سياسي: هناك متلازمة بين السلوك الإسرائيلي في غزة والدعم الأمريكي والعجز الدولي
  • خبير سياسي: السلوك الإسرائيلي بعد «7 أكتوبر» أدى إلى وفاة منطق حل الدولتين
  • والعالم يحتفل بيوم الطفل .. أطفال اليمن وغزة ولبنان نموذج لأبشع الجرائم الإنسانية التي ارتكبتها أمريكا والعدو الصهيوني في ظل صمت دولي (تفاصيل)
  • ماذا تعرف عن قيادات حماس الـ6 الذين فرضت عليهم الخزانة الأمريكية عقوبات؟