لجريدة عمان:
2024-12-18@20:03:42 GMT

كوميديا الحياة الاجتماعية

تاريخ النشر: 13th, February 2024 GMT

كوميديا الحياة الاجتماعية

«ما هي الذات (الأنا)؟ رجل يقف إلى النافذة ليرى المارّة، فإن عبرتُ هل أستطيع القول إنه وقف هناك ليراني؟ لا؛ لأنه لا يفكر فيّ على وجه الخصوص. ومن يحب أحدًا لجماله هل يحبه فعلا؟ لا؛ لأنه لو أصيب بمرض الجدري فسوف يموت الجمال من دون أن يموت الإنسان، مما يعني أنه لن يحبه بعد الآن. وإذا كانوا يحبونني لحُكمي، لذكراي، فهل أنهم يحبونني؟ لا؛ لأنني أستطيع أن أفقد هذه الصفات من دون أن أفقد نفسي.

أين هي هذه الذات إذن إن لم تكن في الجسد ولا في النفس؟ وكيف نحب الجسد أو الروح، إن لم يكن من أجل هذه الصفات، التي لا تصنع الذات، لأنها قابلة للفناء؟ هل لأننا نحب جوهر روح الإنسان بشكل مجرد، وبعض الصفات الموجودة فيه؟ لا يمكن القيام بذلك، إنه أمر غير عادل. لذلك نحن لا نحبّ أحدًا أبدًا، بل صفاته فقط. فلنتوقف عن الاستهزاء بمن نكرمهم... لأننا لا نحب أحدًا إلا لصفاته المستعارة».

لا تزال كلمات الفيلسوف الفرنسي بليز باسكال (1623 - 1662) عن الذات تشكل- إلى الآن- مفاجآت وتحديات للآراء المتعارف عليها عمومًا والمتأصلة حول وجود «الذات» وطبيعتها. فإما أن الذات هي هذه «النواة الجوهرية» التي نتخيلها في أغلب الأحيان -وإن كان من المتعذر الوصول إليها وغير معروفة- وإما أن تَفَرُّد الإنسان يكمن في صفات فانية، وبالتالي لا تملك هذه الذات شيئا مُستدامًا. أضف إلى ذلك، إن باسكال يُبدّل مفهومًا شائعًا ومعينًا للحب. نحن لا نُحب أيّ شخص لنفسه أبدًا، بل فقط للصفات التي ندركها فيه. ولكن من خلال القيام بذلك، لا نكون متأكدين أبدًا من أننا لا نخطئ في فهمه.

من الطبيعي أن يؤكد باسكال هذه الأطروحة: «لذلك نحن لا نحب أحدًا أبدًا، بل صفاته فقط». لا يقول باسكال إننا لا نستطيع أن نحبّ الآخرين. يقول فقط -وهذا شيء مختلف تمامًا!- إننا لا نستطيع أبدًا أن نحب الآخرين لأنفسهم (لا يمكن الوصول إلى «ذواتهم»)، ولكن فقط لصفاتهم (التي هي قابلة للفناء). بمعنى آخر، لا يمكننا أن نفعل أي شيء سوى الثقة بما يبدو عليه الآخرون؛ لأننا لا نستطيع أبدًا الوصول إليهم في أعماق كيانهم. تتضمن أطروحة باسكال هذه، التشكيك في الاعتقاد المقبول عمومًا، بأنه من الممكن إقامة علاقات حقيقية مع الآخرين. إن مثل هذا الاعتقاد مجرد وهم محض.

لهذا السبب أيضًا يسخر باسكال من هذا الموقف الشائع تجاه الشخصيات العامة التي تسعى إلى حبّ الجمهور: فلنتوقف عن الاستهزاء بمن نكرمهم... لأننا لا نحبّ أحدًا إلا لصفاته المستعارة». فهذه المناصب العامة ذات المسؤوليات العالية تضفي سمعة سيئة على من يمارسونها (السلطة القضائية، كاتب العدل... على سبيل المثال). نحن نسخر بسهولة من تطلعاتهم إلى أن يتمّ اعتبارهم ومحبتهم بسبب وضعهم الاجتماعي. تبدو هذه السخرية ذات صلة؛ لأن الوضع الاجتماعي للشخص لا يتطابق بأي حال من الأحوال مع ذاته الداخلية.

يشير باسكال إلى أنه من المفارقة أن هذه السخرية لا أساس لها من الصحة، حيث إن ذات الشخص لا يمكن الوصول إليها ولا يمكن معرفتها، وكل ما تبقى هو صفات خارجية و«مستعارة». لذلك ليس هناك ما هو مثير للسخرية أو الصدمة في الرغبة في أن نكون محبوبين لما ليس نحن عليه؛ لأننا لا نستطيع أن ندّعي أننا محبوبون لما يفترض بنا أن نكون عليه... من هنا، بالنسبة إلى نجم سينمائي أو رياضي كبير أو شخصية سياسية، فإن سعيه للحصول على خدمة عامة والتحمس للحصول عليها ليس أكثر سخافة من الادعاء بالسعي إلى علاقات صادقة وحقيقية. ثمة وجه خلف القناع؛ وقد لا أكون أنا خلف الوجه...

يمكننا بالتأكيد أن نثير اعتراضات عديدة على نص باسكال. بادئ ذي بدء، أطروحته صالحة فقط إذا اعترفنا بمسلّمته الأولية، أي التمييز بين الذات باعتبارها جوهرًا (دائمة وغير قابلة للتغيير) من ناحية، وبين الصفات (القابلة للفناء والزوال) من ناحية أخرى. يمكننا أن نعارض باسكال بفكرة الهوية المتحركة، ونؤكد، باتباع التحليل النفسي على سبيل المثال، أن سرّ الهوية الشخصية هو جزء من تاريخ في طور التكوين دائمًا، من تجربة غير مكتملة دائمًا، في القانون كما في الواقع.. ويبدو لي أن هذا الاعتراض قوي، لكن باسكال يستجيب له مقدما، إذ يسعى جاهدا إلى تقويض أسس هذا الإيمان بوجود ذات جوهرية ودائمة.

من ناحية أخرى، لا يعتمد حبّنا للآخرين فقط على إدراك صفاتهم (الحقيقية أو المفترضة)، بل على الانتماءات الشخصية، على المرجعيات والقيم المشتركة، باختصار على مجموعة من الأشياء التي لا تكون واضحة دائمًا. وهي أشياء تمّ تحديدها أو تأسيسها بشكل عقلاني. وهكذا يمكننا أن نقارن هذا النص لباسكال بنص آخر له: «للقلب أسبابه التي يتجاهلها العقل»...

ولكن إن بقيت دوافع الحبّ غامضة بالنسبة لنا في معظم الأوقات، فيجب علينا أن ندرك أننا نعتقد دائمًا أنه يمكننا إقامة علاقة صادقة مع شخص يتم تقديره لفرادته وتفرده. «لأنه كان هو، لأنه كان أنا» مثلما يخبرنا فيلسوف آخر، مونتين، عن صداقته مع إتيان دو لا بويسي. يمكن أن يكون الشعور صادقًا، وفق باسكال؛ وتبقى الحقيقة أننا لسنا متأكدين أبدًا من قدرتنا على فهم أو معرفة ذات الآخرين؛ لأنها تفلت منا دائمًا.

نص باسكال هذا، هو نص فلسفي وميتافيزيقي وليس نص علم نفس. فهو لا يسأل «كيف» نحب، بل «ماذا» نحب (أو نعتقد أننا نحب) عندما نحب؟

على الرغم من كل هذه الاعتراضات القوية، فإن باسكال على حق، (حقيقة فعلية) إذ يصيب نصه عددا معينا من المعتقدات المتعلقة بأهمية أنفسنا، والأنا التي نفضل بها أنفسنا في كثير من الأحيان على الآخرين (فيما يتعلق بالذات). الأصالة الإشكالية التي نفترض أننا قادرون على تحقيقها في العلاقات الإنسانية، فيما يتعلق بالحب كنوع من المعرفة الحميمة والحقيقية للآخرين... من دون الذهاب إلى حدّ التأكيد بشكل واضح وقاطع على أن الذات غير موجودة، يتساءل باسكال، بقوة مذهلة، عن اليقينيات، وحتى الأوهام، التي نعتمد عليها فيما يتعلق بـ «ذاتنا» العزيزة، هذا الوحش الحميم الصغير، ولكن المستبد، الذي نبجله ونتملقه، لدرجة أننا نمنحه في كثير من الأحيان المركز الأول...

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: لا نستطیع أننا لا لا یمکن دائم ا

إقرأ أيضاً:

الحياة المرآوية.. ما هي ولِمَ يحذّر العلماء من مخاطرها؟

دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- قامت مجموعة مكونة من 38 عالماً يعملون في 9 دول بدق ناقوس الخطر بشأن إمكانية إنشاء بكتيريا "مرآوية"، وهي كائنات اصطناعية يتم فيها عكس البنية الجزيئية الموجودة في الطبيعة، قد تُعرّض البشر والحيوانات والنباتات لخطر التعرّض لمسببات الأمراض الخطيرة.

وفي حين أنّ العلم والتكنولوجيا اللازمين لإنشاء بكتيريا مرآوية في المختبر لا يزالان على بعد عقد أو أكثر من الزمان، زعم العلماء أن المخاطر القاتلة المحتملة التي يفرضها هذا المجال الجديد من البحث "غير مسبوقة" و"متجاهلة".

وكتب الباحثون في تقرير نُشر في الدورية العلمية "Science": "بدافع من الفضول والتطبيقات المعقولة، بدأ بعض الباحثين العمل على إنشاء أشكال حياة تتكوّن بالكامل من جزيئات بيولوجية مرآوية".

وأضافوا أن" مثل هذه الكائنات المرآوية من شأنها أن تشكّل انحرافًا جذريًا عن الحياة المعروفة، وأنّ إنشاءها يتطلّب دراسة متأنّية".

وفي حين كان المؤلفون الذين ضموا خبراء في علم المناعة، وعلم أمراض النبات، وعلم البيئة، وعلم الأحياء التطوري، والأمن البيولوجي، وعلوم الكواكب، متشكّكين في البداية من أنّ البكتيريا المرآوية يمكن أن تشكل مخاطر كبيرة، قال الخبراء إنهم أصبحوا الآن "قلقين للغاية".

وقال المؤلف المشارك في التقرير جوناثان جونز، قائد مجموعة في مختبر "Sainsbury" بمدينة نورتش في المملكة المتحدة: "إنه مثل جن، لا نريد إخراجه من القمقم".

وأضاف أنّ "خطر حدوث أمر سيء منخفض، لكن عواقب حدوث أمر سيء مروعة حقًا".

وأوصى العلماء بعدم السماح بإجراء أبحاث تهدف إلى إنشاء بكتيريا مرآوية، ما لم تظهر أدلة دامغة على أن الحياة المرآوية لن تشكل مخاطر غير عادية، ويجب على الممولين توضيح أنهم لن يدعموا مثل هذا العمل.

مخاطر البكتيريا المرآوية

استند المؤلفون في الورقة البحثية التي نشرت في "Science"  إلى تقرير فني مكون من 300 صفحة يوضّح بالتفصيل جدوى ومخاطر البكتيريا المرآوية.

وأشار التقرير إلى أن إنشاء الحياة المرآوية كان طموحًا طويل الأمد لمختبرات متعددة وممولين رئيسيين للأبحاث كجزء من الجهود المبذولة لفهم الحياة بشكل أفضل والمساعدة المحتملة في تطوير الأدوية والعلاجات الأخرى.

ويسعى العديد من علماء الأحياء الاصطناعية إلى فهم كيفية إنشاء الخلايا من جزيئاتها المكونة بهدف تسليط الضوء على كيفية نشوء الحياة لأول مرة، وفهم أنواع أخرى من الحياة التي قد تكون ممكنة. 

وذكر التقرير أنه إذا كان ممكنًا إنشاء خلية ذات صفة يدوية طبيعية من جزيئات عديمة الحياة، فمن الناحية النظرية، يمكن إنشاء خلية صورة طبق الأصل من جزيئات صورة طبق الأصل باستخدام الأساليب ذاتها.

وأكد التقرير أنه لا يوجد تهديد وشيك، وهناك حاليًا عقبات تقنية كبيرة أمام إنشاء بكتيريا مرآوية. 

ويتطلب القيام بذلك خلال عقد من الزمن، جهودًا كبيرة ومنسّقة مماثلة في الحجم والميزانية لمشروع الجينوم البشري، الذي رسم خريطة لـ92% من الجينوم البشري على مدى 12 عامًا ونصف العام.

الكائنات الحية المعرضة للإصابة بالعدوى

وتعتمد الأجهزة المناعية على التعرّف إلى الأشكال الجزيئية المحددة الموجودة في البكتيريا الغازية. وإذا انعكست هذه الأشكال، كما هي الحال في البكتيريا المرآوية، فإنّ التعرّف عليها سيضعف وقد تفشل الدفاعات المناعية، ما قد يجعل الكائنات الحية عرضة للإصابة.

وقال العلماء في تقريرهم بدورية "Science": "لا يمكننا استبعاد السيناريو الذي تعمل فيه بكتيريا المرآوية كنوع غازي عبر العديد من النظم البيئية، ما يتسبب في عدوى قاتلة واسعة النطاق في جزء كبير من الأنواع النباتية والحيوانية، بما في ذلك البشر".

ويمكن أن يؤدي انتقال العدوى عبر الحيوانات والبشر إلى انتشار مثل هذه البكتيريا في أنظمة بيئية مختلفة. وأوضح جونز، وهو خبير في أنظمة المناعة النباتية، أن البكتيريا المرآوية سيكون من الصعب للغاية اكتشافها في النباتات.

من جهته لفت توم إليس، أستاذ هندسة الجينوم الاصطناعي في مركز البيولوجيا الاصطناعية وقسم الهندسة الحيوية في جامعة إمبريال كوليدج، إلى أن الحياة المرآوية لا تزال تعد محض خيال علمي وليست حقيقة علمية.

وقال إليس، غير المشارك في البحث، "بشكل عام، أتفق مع المخاوف، رغم أنّها تكهنية للغاية نظرًا لأن البحث حاليًا في مرحلة مبكرة للغاية وبعيدًا عن أن يكون توصل إلى أي تهديد".

وأشار إلى أن العلماء كانوا يحاولون خلق حياة اصطناعية باستخدام جزيئات غير مرآوية لأكثر من عقد من الزمان، لكنهم ما زالوا "بعيدين" عن الحصول على خلايا ذاتية الاستدامة يمكنها الانقسام والتكاثر والتطوّر.

وقال عبر البريد الإلكتروني: "إن عمل الخلية الاصطناعية هذا يشكل تحديًا كافيًا بالفعل عندما يستخدم (العلماء) جزيئات وأنزيمات ومواد كيميائية عادية. وعندما يتعيّن عليهم القيام بكل ذلك، لكن فقط باستخدام جزيئات مرآوية، فإن كل ذلك يحتاج إلى صنع واختراع، وهذا يجعل الأمر.. أصعب بمقدار ألف مرة".

دراساتعلوم وأبحاثنشر الثلاثاء، 17 ديسمبر / كانون الأول 2024تابعونا عبرسياسة الخصوصيةشروط الخدمةملفات تعريف الارتباطخيارات الإعلاناتCNN الاقتصاديةمن نحنالأرشيف© 2024 Cable News Network. A Warner Bros. Discovery Company. All Rights Reserved.

مقالات مشابهة

  • عبد الرحمن رشدى يطرح لسه أغنية جديدة للتفاؤل وحب الحياة
  • نصائح لبدء تطوير الذات مع العام الجديد
  • عودة الحياة إلى طبيعتها بأسواق العاصمة السورية دمشق ليلا
  • الحياة المرآوية.. ما هي ولِمَ يحذّر العلماء من مخاطرها؟
  • بعد مشاركتها فى الكابتن.. آية سماحة: أكرم حسني يقدم كوميديا راقية
  • تحديات عدة تعترض الحياة التعليمية في سوريا بعد سقوط الأسد
  • عقوبات الاتحاد الأوروبي على عثمان عمليات وكرشوم: كوميديا سياسية في مسرح الأزمات السودانية
  • أحمد ناجي: ويليامز أفضل لاعب وحارس في افريقيا؟ كوميديا سوداء من الاتحاد الافريقي
  • الزغاوة هم القوى الاجتماعية الوحيدة في دارفور التي رفضت الجنجويد وصارعتهم مرتين
  • مسرحية «الباشا» في موسم الرياض.. كوميديا ونجوم في عرض لا يُفوت