لجريدة عمان:
2025-04-01@07:36:25 GMT

كوميديا الحياة الاجتماعية

تاريخ النشر: 13th, February 2024 GMT

كوميديا الحياة الاجتماعية

«ما هي الذات (الأنا)؟ رجل يقف إلى النافذة ليرى المارّة، فإن عبرتُ هل أستطيع القول إنه وقف هناك ليراني؟ لا؛ لأنه لا يفكر فيّ على وجه الخصوص. ومن يحب أحدًا لجماله هل يحبه فعلا؟ لا؛ لأنه لو أصيب بمرض الجدري فسوف يموت الجمال من دون أن يموت الإنسان، مما يعني أنه لن يحبه بعد الآن. وإذا كانوا يحبونني لحُكمي، لذكراي، فهل أنهم يحبونني؟ لا؛ لأنني أستطيع أن أفقد هذه الصفات من دون أن أفقد نفسي.

أين هي هذه الذات إذن إن لم تكن في الجسد ولا في النفس؟ وكيف نحب الجسد أو الروح، إن لم يكن من أجل هذه الصفات، التي لا تصنع الذات، لأنها قابلة للفناء؟ هل لأننا نحب جوهر روح الإنسان بشكل مجرد، وبعض الصفات الموجودة فيه؟ لا يمكن القيام بذلك، إنه أمر غير عادل. لذلك نحن لا نحبّ أحدًا أبدًا، بل صفاته فقط. فلنتوقف عن الاستهزاء بمن نكرمهم... لأننا لا نحب أحدًا إلا لصفاته المستعارة».

لا تزال كلمات الفيلسوف الفرنسي بليز باسكال (1623 - 1662) عن الذات تشكل- إلى الآن- مفاجآت وتحديات للآراء المتعارف عليها عمومًا والمتأصلة حول وجود «الذات» وطبيعتها. فإما أن الذات هي هذه «النواة الجوهرية» التي نتخيلها في أغلب الأحيان -وإن كان من المتعذر الوصول إليها وغير معروفة- وإما أن تَفَرُّد الإنسان يكمن في صفات فانية، وبالتالي لا تملك هذه الذات شيئا مُستدامًا. أضف إلى ذلك، إن باسكال يُبدّل مفهومًا شائعًا ومعينًا للحب. نحن لا نُحب أيّ شخص لنفسه أبدًا، بل فقط للصفات التي ندركها فيه. ولكن من خلال القيام بذلك، لا نكون متأكدين أبدًا من أننا لا نخطئ في فهمه.

من الطبيعي أن يؤكد باسكال هذه الأطروحة: «لذلك نحن لا نحب أحدًا أبدًا، بل صفاته فقط». لا يقول باسكال إننا لا نستطيع أن نحبّ الآخرين. يقول فقط -وهذا شيء مختلف تمامًا!- إننا لا نستطيع أبدًا أن نحب الآخرين لأنفسهم (لا يمكن الوصول إلى «ذواتهم»)، ولكن فقط لصفاتهم (التي هي قابلة للفناء). بمعنى آخر، لا يمكننا أن نفعل أي شيء سوى الثقة بما يبدو عليه الآخرون؛ لأننا لا نستطيع أبدًا الوصول إليهم في أعماق كيانهم. تتضمن أطروحة باسكال هذه، التشكيك في الاعتقاد المقبول عمومًا، بأنه من الممكن إقامة علاقات حقيقية مع الآخرين. إن مثل هذا الاعتقاد مجرد وهم محض.

لهذا السبب أيضًا يسخر باسكال من هذا الموقف الشائع تجاه الشخصيات العامة التي تسعى إلى حبّ الجمهور: فلنتوقف عن الاستهزاء بمن نكرمهم... لأننا لا نحبّ أحدًا إلا لصفاته المستعارة». فهذه المناصب العامة ذات المسؤوليات العالية تضفي سمعة سيئة على من يمارسونها (السلطة القضائية، كاتب العدل... على سبيل المثال). نحن نسخر بسهولة من تطلعاتهم إلى أن يتمّ اعتبارهم ومحبتهم بسبب وضعهم الاجتماعي. تبدو هذه السخرية ذات صلة؛ لأن الوضع الاجتماعي للشخص لا يتطابق بأي حال من الأحوال مع ذاته الداخلية.

يشير باسكال إلى أنه من المفارقة أن هذه السخرية لا أساس لها من الصحة، حيث إن ذات الشخص لا يمكن الوصول إليها ولا يمكن معرفتها، وكل ما تبقى هو صفات خارجية و«مستعارة». لذلك ليس هناك ما هو مثير للسخرية أو الصدمة في الرغبة في أن نكون محبوبين لما ليس نحن عليه؛ لأننا لا نستطيع أن ندّعي أننا محبوبون لما يفترض بنا أن نكون عليه... من هنا، بالنسبة إلى نجم سينمائي أو رياضي كبير أو شخصية سياسية، فإن سعيه للحصول على خدمة عامة والتحمس للحصول عليها ليس أكثر سخافة من الادعاء بالسعي إلى علاقات صادقة وحقيقية. ثمة وجه خلف القناع؛ وقد لا أكون أنا خلف الوجه...

يمكننا بالتأكيد أن نثير اعتراضات عديدة على نص باسكال. بادئ ذي بدء، أطروحته صالحة فقط إذا اعترفنا بمسلّمته الأولية، أي التمييز بين الذات باعتبارها جوهرًا (دائمة وغير قابلة للتغيير) من ناحية، وبين الصفات (القابلة للفناء والزوال) من ناحية أخرى. يمكننا أن نعارض باسكال بفكرة الهوية المتحركة، ونؤكد، باتباع التحليل النفسي على سبيل المثال، أن سرّ الهوية الشخصية هو جزء من تاريخ في طور التكوين دائمًا، من تجربة غير مكتملة دائمًا، في القانون كما في الواقع.. ويبدو لي أن هذا الاعتراض قوي، لكن باسكال يستجيب له مقدما، إذ يسعى جاهدا إلى تقويض أسس هذا الإيمان بوجود ذات جوهرية ودائمة.

من ناحية أخرى، لا يعتمد حبّنا للآخرين فقط على إدراك صفاتهم (الحقيقية أو المفترضة)، بل على الانتماءات الشخصية، على المرجعيات والقيم المشتركة، باختصار على مجموعة من الأشياء التي لا تكون واضحة دائمًا. وهي أشياء تمّ تحديدها أو تأسيسها بشكل عقلاني. وهكذا يمكننا أن نقارن هذا النص لباسكال بنص آخر له: «للقلب أسبابه التي يتجاهلها العقل»...

ولكن إن بقيت دوافع الحبّ غامضة بالنسبة لنا في معظم الأوقات، فيجب علينا أن ندرك أننا نعتقد دائمًا أنه يمكننا إقامة علاقة صادقة مع شخص يتم تقديره لفرادته وتفرده. «لأنه كان هو، لأنه كان أنا» مثلما يخبرنا فيلسوف آخر، مونتين، عن صداقته مع إتيان دو لا بويسي. يمكن أن يكون الشعور صادقًا، وفق باسكال؛ وتبقى الحقيقة أننا لسنا متأكدين أبدًا من قدرتنا على فهم أو معرفة ذات الآخرين؛ لأنها تفلت منا دائمًا.

نص باسكال هذا، هو نص فلسفي وميتافيزيقي وليس نص علم نفس. فهو لا يسأل «كيف» نحب، بل «ماذا» نحب (أو نعتقد أننا نحب) عندما نحب؟

على الرغم من كل هذه الاعتراضات القوية، فإن باسكال على حق، (حقيقة فعلية) إذ يصيب نصه عددا معينا من المعتقدات المتعلقة بأهمية أنفسنا، والأنا التي نفضل بها أنفسنا في كثير من الأحيان على الآخرين (فيما يتعلق بالذات). الأصالة الإشكالية التي نفترض أننا قادرون على تحقيقها في العلاقات الإنسانية، فيما يتعلق بالحب كنوع من المعرفة الحميمة والحقيقية للآخرين... من دون الذهاب إلى حدّ التأكيد بشكل واضح وقاطع على أن الذات غير موجودة، يتساءل باسكال، بقوة مذهلة، عن اليقينيات، وحتى الأوهام، التي نعتمد عليها فيما يتعلق بـ «ذاتنا» العزيزة، هذا الوحش الحميم الصغير، ولكن المستبد، الذي نبجله ونتملقه، لدرجة أننا نمنحه في كثير من الأحيان المركز الأول...

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: لا نستطیع أننا لا لا یمکن دائم ا

إقرأ أيضاً:

مفتي الجمهورية: الزكاة ركيزة أساسية لتحقيق العدالة الاجتماعية «فيديو»

أكد الدكتور نظير عياد، مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم، أنَّ العيد ليس مجرد احتفال فردي، بل هو مناسبة اجتماعية تعزِّز روح التكافل والتعاون بين المسلمين، حيث يحرص المسلمون فيه على إدخال السرور على قلوب الفقراء والمحتاجين من خلال إخراج زكاة الفطر.

وأضاف خلال لقائه مع الإعلامي «حمدي رزق» ببرنامج «اسأل المفتي» على قناة «صدى البلد»، أن الزكاة ركيزة أساسية في تحقيق العدالة الاجتماعية والتكافل بين أفراد المجتمع، مستشهدًا بحديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه: «أغنوهم عن السؤال في هذا اليوم».

وأشار إلى أن زكاة الفطر فرض على كل مسلم قادر، وتعد طهرة للصائم وتكملة لصيامه، مستدلًّا بحديث ابن عباس رضي الله عنهما: «فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين».

وأكد

على ضرورة إخراجها قبل صلاة العيد حتى تصل إلى مستحقيها في الوقت المناسب، موضحًا أن بعض الفقهاء أجازوا إخراجها نقدًا لتلبية احتياجات الفقراء المختلفة، وهو ما يتناسب مع متطلبات العصر.

اقرأ أيضاً«المفتي»: حماية البيئة ليست خيارًا بل واجب ديني

«المفتي»: الإسراف في استهلاك المياه خروجًا على تعاليم الإسلام

«7 عبادات».. المفتي يكشف ماذا كان يفعل النبي في ليلة القدر

مقالات مشابهة

  • أحمد هارون يوضح أسباب ضعف المناعة النفسية ويتضرع بهذا الدعاء لتعزيزها
  • أستاذة أرفود التي تعرضت لهجوم همجي بين الحياة والموت
  • «أحلى كوميديا أشوفها من سنين».. عمرو سلامة يعلق على فيلم سيكو سيكو
  • وزير الشؤون الاجتماعية يطلع على أحوال نزلاء مركز الرأفة للمتشردين ودار الأمل لرعاية الفتيات
  • ردده الآن.. دعاء لرفع المناعة النفسية وحماية الذات
  • أحمد هارون يكشف عن أفضل دعاء لرفع المناعة النفسية وحماية الذات
  • إيلون ماسك يعلن بيع منصته الاجتماعية إلى شركته للذكاء الاصطناعي إكس ايه آي
  • وزير الشؤون الاجتماعية والعمل يدشن توزيع كسوة العيد لأسر الشهداء والأيتام والفقراء
  • مفتي الجمهورية: الزكاة ركيزة أساسية لتحقيق العدالة الاجتماعية «فيديو»
  • وداعاً لإعادة الشحن.. بطارية نووية تعمل مدى الحياة