لجريدة عمان:
2024-11-15@15:22:34 GMT

سودانيات... «السَمْبِك»

تاريخ النشر: 13th, February 2024 GMT

تقول الشاعرة السودانية روضة الحاج:

«واحتجت أن ألقاك

حين تربع الشوق المسافر واستراح

وطفقتُ أبحث عنك

في مدن المنافي السافرات

بلا جناح

كان احتياجي...

أن تضمخ حوليَ الأرجاءَ

يا عطرًا يزاور في الصباح

كان احتياجي... أن تجيءَ إليَّ مسبحةً

تخفف وطأة الترحال...

إن جاء الرواح»

(1)

للحرب تجارها وكذلك لها ضحاياها.

حولنا الكثير من صور القتلى والجرحى والنازحين الذين اضطرتهم الحرب إلى الهجرة من أوطانهم، يحلمون إذا وصلوا إلى بلد المهجر أن ينجحوا في بناء ذواتهم أو تأسيس حياة ما، ثم ينظرون على نحو من الأنحاء إلى صور وطنهم الذي غادروه كَرها لا شجاعة ولا بطولة.

جاء في التقرير الإخباري ما يلي: «دفع استمرار الحرب في السودان، منذ نحو عشرة أشهر، آلاف الشباب السوداني للتفكير في المغامرة بحياتهم وركوب المصاعب بالهجرة خصوصا إلى أوروبا، بعدما قضت الحرب على أحلامهم، ودمرت منازلهم ومؤسساتهم التعليمية، وفقدوا مصادر رزقهم، وتضاعف قلقهم على مستقبلهم».

يستند التقرير إلى هذه الألفاظ: الحرب، الشباب، المغامرة، الهجرة، الأحلام، الفقد، القلق، ثم المستقبل. يُمكن بناء أفكار وتكوين سيناريوهات كثيرة تصلح لعمل فنيّ سينمائي أو مسرحي. على هامش هذا، أتذكر جملة قرأتها لوصف أطلقه الكاتب المسرحي النمساوي الساخر (كارل كراوس 1874-1936) الذي وثق حينذاك لصور الحرب الدائرة بين بريطانيا وألمانيا في عام 1914م، أنه كتب تحقيقا مسرحيا طويلا جدًا من (792) صفحة، أطلق عليه الوصف التالي للحرب: «الأيام الأخيرة للإنسانية»، ولا يقتصر التأثير والتوثيق والمعالجات للحروب المدمرة على الفن وحده، حيث أثبتت حياة البشر وانصهارها في التجارب الصعبة القاسية، قدرة الإنسان في الحياة والطبيعة على التوثيق. وإذا ابتعدنا نسبيا عن التقرير، ونظرنا إلى الخلف قليلا، فيما وراء تلك الألفاظ الكبيرة، لن نرى الأيام الأخيرة للإنسانية، بل التفكير بالحرب وبالعناصر والحيوات التي تتهشم من حولنا، وفي مشاعرنا وأفئدتنا!

من بين العناصر التي تباينت عندي تباينا شديدا هي صورة «السمبك» وهو مركب صغير مصنوع من البلاستيك يستخدمه المهاجرون للهروب من أوطانهم عبر المحيط، إلى البلاد الأوروبية؛ طلبا للحصول على لجوء سياسي بسبب طغيان الحرب، ويمكن أن يصعد على «السمبك» أكثر من خمسين هاربا، قد يصلُ بعضهم أحياء، وقد يموتون في المحيط تأكلهم حيتان البحر.

(2)

بدأت تسرد قصتها معددة فضائل السودان الذي تُحب وتهوى وتخشى عليه من الضياع.

قالت: «بسم الله الرحمن الرحيم... السودان معروف، وطن مليء بالخيرات والمقومات الطبيعية. ومن خلاله يمتد نهر النيل إلى مصر، حيث ملتقى النيلين في الخرطوم. وهناك مساحات شاسعة صالحة للزراعة، لكن اشتهر بزراعة الكركديه والصمغ والقطن. ويعرف السودان بأصله وطيبة شعبه؛ الشعب السوداني يتمتع بالعفوية وروح الدعابة. يحب الكرم والجود وإكرام الضيف، ويعد التواضع من القيم السودانية المهمة والشهامة والتضحية. وتشتهر نساء الشعب السوداني بلباس طويل مزركش بألوان يسمى الثوب السوداني والرجال الجلابية والسروال».

هل غيرت الحرب كل هذا؟ ورطت الحرب البشر جميعهم، وفككت حياة الناس إلى أقسام، كما كشفت عن الوجوه المستترة، والمتورطين في الجرائم.

قالت: «بسبب تردي الأوضاع في السودان مؤخرًا، هاجر كثير من الشباب إلى خارج البلاد بحثا عن لقمة العيش. بعد «الكورونا»، وسقوط البشير الرئيس المعزول عانى الشعب السوداني أكثر مما مضى، الأمر الذي جعل الشباب يهاجرون بحثا عن العيش».

كل امرأة تمتنع عن حكي قصتها فهي تسجل وثيقة لانسحابها من الحياة. وكل صوت يحكي عن نفسه أو عن الآخرين الذين يُشبهونه في التجربة، فهو يضع التاريخ غير الرسمي في إطار منفتح على تجارب الآخرين.

قالت: «أصبح الشاب يرى أباه يعمل ليلا نهارا، وأمه كذلك، ولا يستطيع تلبية الطلبات الأساسية والضرورية، ناهيك عن الكماليات الأخرى، مثلا يَجد أخته تريد تسديد قسط الجامعة، والأخرى قسط المدرسة، وأخاه مريضا مرضا مزمنا يريد علاجا شهريا مستديما. وتجد في المنزل الواحد يَسكن الجّد والجّدة، وربما العمة أو الخالة، هي أيضا تريد من يُعيلها. وتجد في بعض الأسر رب الأسرة جاءته المنية، وترك خلفه ذرية ضعفاء يريدون المعونة، ومن يعينهم في سد الرمق. أصبح الوضع الاقتصادي سيئا جدا؛ إذ شهدت البلد غلاء في الأسعار لم تشهده من قبل. يَفيق الشاب من غيبوبة ذلك الوضع، ويصبح يريد اللازم من الدفء والمأوى والضروريات، فيجد لا شيئا أمامه غير الهجرة».

التورّط في الحرب معناه أحد أمرين: الرغبة أو دون الرغبة. عند اختيار أحد الأمرين، وكلاهما مرٌ يستعيد المرء قدرته على الاختيار، إما النجاة مع أقل الخسائر، أو الفناء مع المجموع!

قالت: «الشاب يفكر بالهجرة بعيدا عن وطنه؛ بحثا عن حياة آمنة... بعض الشباب يريد الزواج، فيعجز من الشروط التعجيزية للزواج بحسب العادات والتقاليد في البلد... يسافر أو يهاجر ليجني المال الذي يساعده على الزواج، والعيش في رفاه. من ضمن أولئك الشباب هاجر أخي؛ لأنه سئم البطالة، وأنا تخرجتُ من كلية اللغات لكي أعمل وأُعين أهلي، ولكن دون جدوى. الآن ليس هنالك شغل لحاملي الشهادات، وليس هناك تعليم أو صحة جيدة، أصبح كل من يَمتلك شهادة يُقدم على طلب العمل في الخارج؛ لأن السودان الأجور فيه زهيدة... ومطالب الحياة كثيرة. ومن لا يمتلك شهادة بسبب وضعه المادي الذي لم يساعده على أن يدرس يهاجر عشوائيا عبر «السمبك»، أو التهريب عن طريق البّر لكي يهنأ بعيشة كريمة له ولمن يُعيلهم».

(3)

وجاء في التقرير الإخباري: «ويخشى خبراء من مخاطر الهجرة غير النظامية إلى أوروبا، واستغلال شبكات التهريب والاتجار بالبشر وفقدان السودان عقولا وأيادي عاملة تحتاجها البلاد لإعادة الإعمار والتنمية في مرحلة ما بعد الحرب، وتمزق الأسر والتداعيات الاجتماعية المترتبة على ذلك».

كم تبدو هذه الجملة قاسية وعنيدة: «في مرحلة ما بعد الحرب!» إن ميادين القتال تتحول شيئا فشيئا حتى تصير أشبه بالمستعمرات الصغيرة، تغرق في وحل مليء بالجرذان. لا تهم الجملة في أي شكل من السياقات، إذا ما كانت الحرب قد قضت على البشر الحالمين بأدنى حد في الحياة. سيصنفها الخبراء مع مرور الوقت -المولعون بالتصنيف-، أنها حرب لأجل السلام! لا يهم عدد القتلى الضخم، من جثث ملقاة على الطرق منتفخة أو عائلات نزحت هروبا من الأسلاك الشائكة وأعاصير المجنزرات، بصورة لم يشهدها تاريخ في عصرنا المتحضّر!

قالت: «هذا الوضع كان قبل الحرب، أما في وقت الحرب فتفاقمت الأوضاع أكثر فأكثر؛ أصبحنا في حيرة من أمرنا: من كان يَعمل مقابل أجر زهيد أصبح لا يعمل، وقيل له مرحبا بك في رَكب العطالة! ومَن كان يقرأ، جلس في منزله مجبرا، وليس هناك إمكانيات تجعل المرء يعمل أو يَقرأ أونلاين، لم يبق أمامه إلا أن يهاجر. في الأول والأخير أنا شاهدتُ الحرب رأي العين... حضرتُ المقذوفات العشوائية، والدانات، والرصاصات الطائشة. ليس منا أحد ينتمي إلى طرفي النزاع».

(4)

فظائع الحرب أشد قتامة من الوصف. الدخول في التجربة وخوض مغامرة الهروب والهجرة وطلب اللجوء السياسي، ستظل محفوفة بالمخاطر والشراسة والتوحش. عندما يلتقي المهاجرون في شارع ما في دولة أوروبية، سيتحدثون عن تجربة المصير الجماعي... والبحث عن إقامة قانونية... وعن الوظيفة والعمل والبيت وتكوين عائلة جديدة. يغشى بعضهم الفرح، وغيرهم الألم والشوق إلى الوطن... وسيبقى الشعور المشترك بينهم، أنهم استطاعوا خوض تجربة العيش مع الموت والشجاعة في كفة واحدة.

وأخيرًا...

قالوا: «عائِدُونَ إِلَى سُودانِنا، وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ».

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

السفير السوداني في روما: متفائل بعودة ترامب

بغداد اليوم - مقالات

خلال الندوة التي عقدها منبر السياسة الخارجية مع جمعية الصداقة بالعاصمة الإيطالية روما حول ملف السودان بمقر الفنون الجميلة والتي حضرها سفراء إيطاليين وصحافيين ومستشارين بالحكومة الإيطالية ,اكد السفير سيد الطيب احمد سفير السودان في إيطاليا أن هناك تفاؤل كبير من صناع القرار في البلاد بعودة دونالد ترامب للحكم فى الولايات المتحدة ,ودلل على هذا التفاؤل بالمبادرات والقرارات التى اتخذها رؤساء أمريكا من الحزب الجمهورى الأمريكي بدءا من رفع السودان من قائمة الدول التي ترعى الإرهاب وانتهاء بإسقاط الديون التي كانت تثقل عاتق الشعب السوداني ,كما أكد على انه واثق ان الرئيس ترامب سيوقف الحرب التى تديرها مليشيات حميدتى ضد السودان وذلك لوقف أي تدخلات من قوى عظمى قد يؤثر بالسلب على النفوذ الأمريكي فى السودان ومنطقة البحر الأحمر ,كما لفت أنظار الحاضرين إلى أهمية استقرار السودان بالنسبة لإفريقيا وأوروبا ودول الجوار ,وانه يتوجب على المجتمع الدولي التدخل بصورة فاعلة لأنه إذا ما اصاب المنطقة حالة من الفوضى فإن أوروبا ستتعرض لخطر موجات من الهجرة الشرعية خاصة وان التكتل السكاني في السودان والدول المحيطة به يصل إلى نحو مئتين وخمسين مليون نسمة وبالتالي سيكون أمن اوروبا مهددا بمزيد من المهاجرين غير الشرعيين وبمزيد من موجات العنف جراء هذه الحروب الأهلية .

نحافظ على علاقاتنا مع الجميع ولا نعادي أحد

وأشار الطيب خلال الندوة أن السودان لا يعادى أحد, وأنه على الرغم من تكرار شكواه من مسؤولي الإمارات بسبب مساندتهم إلى مليشيات حميدتى ,إلا ان صناع القرار فى السودان حافظوا على عدم قطع علاقاتهم بالإمارات لأنهم لا يريدون معاداة أحد من الأشقاء الذين سعينا دائما لمد جسور المحبة معهم ,وبمجرد ان يوقفوا دعمهم إلى مليشيات حميدتى سيصبح الوضع فى السودان هادئا خلال شهرين على أقصى التقديرات .

وفى رد على سؤال للسفير لويجي سكوتوا سفير إيطاليا فى الونغو ووسط أفريقيا سابقا على سبب دعم الإمارات لمليشيات حميدتى ,قال انه لا يجد سببا مقنعا لذلك, لأن السودان يضمن مصالح واستثمارات جميع الدول على أراضيه بما لا يمس بسيادة الدولة، وتابع، لم أجد سببا مقنعا لما يتم فعله من جانب مسؤولي الإمارات ,نحن لم نضرهم فى شىء بل كنا الداعم والمناصر لهم منذ بداية استقلالهم ,مذكرا الحضور بان اول زيارة لرئيس عربي كانت للرئيس الراحل جعفر نميري حيث ان السودان استقل فى عام 1956 والإمارات استقلت فى عام 1970 فقام السودان آنذاك بتقديم الخبرات السياسية والدعم المالي ,منوها إلى ان من قام بوضع الدستور الإماراتي هو الدكتور حسن الترابي رئيس البرلمان السودانى السابق والدكتور عبد الرازق السنهورى أستاذ القانون الدولي ووزير المعارف المصري السابق .

ووجه ندءا إلى المسؤولين في الإمارات بالمضي قدما على مسيرة آبائهم الذين يتذكرهم دائما الشعب السودانى وكل عربي حر بمواقفهم الإنسانية التى لا تنسى.

وفى رد على سؤال للصحفي محمد يوسف فيما إذا كان هناك أمل فى عودة العلاقات إلى طبيعتها بين السودان والإمارات إذا ما تدخل طرف ثالث للوساطة والبحث في متطلبات الجانب الإماراتي, لعلهم قدموا الأسلحة من أجل حماية إستثماراتهم فتم استخدامها فى قنوات أخرى لم ترغبها الإمارات على سبيل المثال كتأمين مناجم الذهب حيث ان حالة الفوضى فرضت عليهم إمداد قوات الحراسة بهذه الذخائر ؟

أجاب سعادته قائلا: السودان يضمن إستثمارات جميع الدول بما يتوافق مع مصالح شعبه ايضا, وليس هناك أي تهديد للمصالح الإماراتية أو إستثمارات أي دولة كما ذكرت لكم سالفا ,وان ما نطلبه من الإخوة فى الإمارات عدم مساندتهم لمليشيات الدعم السريع لأننا لا يمكن ان نساوى بين هؤلاء وبين الجيش النظامي السوداني .

وأن سبب كل ما يحدث الآن من مليشيات حميدتى هو رفضه الإنضمام للجيش السوداني ليصبح قوة شرعية للدولة وأصر على ان يكون هو القائد الشرعي للبلاد .

على سبيل المثال هل يمكن للدولة الإيطالية ان تقبل بمنظمة الألوية الحمراء المصنفة كمنظمة إرهابية فى إيطاليا أن تتولى إدارة مؤسسة الجيش الإيطالي, طبعا الإجابة ستكون لا، بالتالي ايضا بالنسبة للسودان لا يمكن قبول ذلك . 

ليس هناك تواجد إيراني أو روسي في السودان

وفى رد على سؤال للسفير روبرتو فالاسكي سفير إيطاليا السابق لدول أمريكا الجنوبية هل السودان يعول على التواجد الإيراني أو الروسي او الصيني؟، فأجاب سيادته بأنه لا يوجد أي قوات داعمة للجيش السوداني من أي دولة أجنبية وان القوات المسلحة السودانية هي من تقوم بتأمين المدن السودانية منفردة.

استثناء السودان من خطة ماتيي خطأ فادح

ولفت السفير الطيب نظر الحاضرين إلى ان إستثناء السودان من خطة ماتيي يؤثر بشكل مباشر على أمن أوروبا خاصة وان السودان بلد لعبور المهاجرين غير الشرعيين إضافة إلى ان المبلغ المرصود لخطة ماتيي وهو خمسة مليارات ونصف مليار يورو هو قيمة قليلة جدا ولا تكفى للمشروعات التي ستتقدم بها الدول التي أدمجت في هذه الخطة .

ووجه الشكر إلى الحكومة الإيطالية بزعامة جيورجا ميلونى على ما تقدمه للسودان من دعم ومنظمة الطوارىء الإيطالية ومنظمة موسيقى من أجل السلام وكل المنظمات الإيطالية التي قدمت مساعداتها إلى الشعب السوداني في محنته .

ووجه الشكر إلى جمعية الصداقة وإلى رئيسها الدكتور طلال خريس على تنظيم وتخصيص العديد من الفاعليات لمساندة السودان قيادة وشعبا , وفي نشر الحقائق للرأي العام الإيطالي وسط انشغال العالم بحرب أوكرانيا وحرب غزة ولبنان .

مقالات مشابهة

  • الأونروا: لا مساعدات كافية بغزة طوال الحرب الإسرائيلية
  • "أونروا": لا مساعدات كافية بغزة والوضع المعيشي "لا يُطاق"
  • الخارجية الإثيوبية تستدعي السفير السوداني
  • تفقد عدد (11) أسد و(4) ضباع .. مدير عام قوات حماية الحياة البرية يختتم زيارته إلى المملكة الأردنية الهاشمية
  • “العفو الدولية”: أنظمة أسلحة فرنسية في السودان تنتهك الحظر الذي تفرضه الأمم المتحدة
  • أنظمة أسلحة فرنسية تنتهك الحظر الذي تفرضه الأمم المتحدة في السودان
  • بحث دعم النازحين وتعزيز التعاون الليبي السوداني
  • الشباب والذكاء الاصطناعي.. ماذا قالت مجموعة التنمية البشرية عن الفرص والتحديات؟
  • ما الذي تريده تركيا تحديدًا من ترامب؟
  • السفير السوداني في روما: متفائل بعودة ترامب