لماذا يجب أن لا نتفاءل بتغير لهجة التصريحات الغربية تجاه الحرب؟
تاريخ النشر: 13th, February 2024 GMT
لأننا نعيش في عالم الاختزال، أقول مختصرا قبل التوسع بالتحليل: لا يجب التفاؤل بتغير لهجة التصريحات الغربية تجاه العدوان على غزة، لأن المهم هو الأفعال لا الأقوال، ولأن الغرب لن يسمح بنتيجة لا تبدو انتصارا كاملا للاحتلال، ولأن التغير الأوروبي لا قيمة عملية له فهو مجرد صدى لتغيير اللهجة الأمريكية، ولأن واشنطن -إذا كانت تريد تغييرا حقيقيا في مسار الحرب- فإن ذلك يتطلب قدرة على إجبار نتنياهو على ذلك وحتى الآن هذه القدرة غير متوفرة.
لذلك، لا أمل لحماية الفلسطينيين من المؤامرة الكبرى التي يتعرضون لها، بعد الله، إلا بقدرتهم على الصمود، في ظل محيط عربي رسمي معاد للقضية الفلسطينية، ومحيط شعبي متعاطف ولكن غير قادر على الاستفادة من "لحظة غزة" لكسر قيود الاستبداد عنه.
تغيير في الموقف الغربي؟
ثمة تغير واضح في لهجة التصريحات الغربية تجاه المجزرة الإسرائيلية في غزة. يشمل هذا الولايات المتحدة وبريطانيا ودول الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك ألمانيا عضو الاتحاد الأشد دعما لجرائم الاحتلال.
تتركز التصريحات الأمريكية والغربية هذه الأيام على ضرورة منع المأساة الإنسانية في غزة، وكأن المأساة لم تقع أصلا!. وتحذر هذه التصريحات من كارثة ستحل ضد السكان المدنيين إذا اقتحمت القوات البرية لجيش الاحتلال مدينة رفح المكتظة بأكثر من مليون ونصف نازح، أجبروا على ترك بيوتهم في شمال ووسط وجنوب مدينة غزة. وتجاوزت التصريحات الأمريكية هذا السقف، لتصف الرد الإسرائيلي على عملية طوفان الأقصى بأنه "مبالغ فيه"، ووصف رد حماس على ورقة التفاوض حول الهدنة بأنها إيجابية ويمكن البناء عليها.
وعلى أهمية هذا التغير في اللهجة، هل يمكن القول إنه تغير حقيقي في الموقف؟ الجواب القصير والمباشر هو لا. هذا اختلاف في التكتيك بين حلفاء، واختلاف في التفاصيل بين فريق واحد متفق على الخطوط العامة لخطة القضاء على الشعب الفلسطيني في غزة والقضية برمتها، بل أكثر من ذلك، يمكن وصفه بمحاولة الدول الكبرى لتهدئة "ابنتها" الصغرى من التصرف كثور هائج، لا يعرف مصلحته عندما يتحرك وفق غريزة الانتقام والدم دون حسابات سياسية دقيقة. أمريكا والغرب يحاولون منع الثور الإسرائيلي الهائج من إيذاء نفسه وهو يمارس القتل ضد الفلسطينيين، ولهدا فإن تغير اللهجة لا يعكس تغيرا حقيقيا في الموقف يمكن التفاؤل بنتائجه.
أسباب تغير لهجة الغرب
يخطئ من يعتقد ولو للحظة واحدة أن تغير لهجة الغرب له علاقة "بالأخلاق"، أو الخوف على المدنيين. لقد أقيمت "حضارة" الغرب في القرنين الأخيرين على فائض القوة العسكرية، وأدت هذه القوة إلى انتصار أوروبا ومن بعدها الدول التي أقيمت على إبادة السكان الأصليين في أمريكا وأستراليا وغيرها بالدم وحده في بداية الأمر، ثم تبع ذلك محاولات صناعة صورة النصر العسكري على أساس أنه فرع من انتصار الأيدولوجيا "ليبرالية- ديمقراطية- رأسمالية- علمانية"، بينما الحقيقة هي أن "تفوق" الغرب قام أساسا على الدوم والقوة. ولذلك فإن أي موقف غربي رسمي تجاه مناطق العالم الأخرى وشعوبها لا يمكن أن يبنى على موقف أخلاقي، بل على الحسابات المصلحية المجردة من أي اعتبار لقيمة الإنسان.
إن تغير اللهجة الغربية في الأسبوعين الأخيرين تجاه العدوان على غزة ينطلق من الأسباب التالية:
أولا: أدركت الولايات المتحدة والدول الغربية أن الأهداف التي طرحها نتنياهو للحرب غير واقعية وغير ممكنة. يمكن لنتنياهو أن يقتل أكبر عدد من الفلسطينيين، ولكن بات واضحا أنه لن يستطيع -حتى الآن على الأقل- تحقيق هدف التهجير -وهو هدف حقيقي للحرب وإن كان غير معلن رسميا-، كما أن جيش الاحتلال لن يستطيع إنهاء حماس، ولن يعيد الأسرى من فصائل المقاومة إلا عبر التفاوض. والحال هذه، صارت المقاربة الأفضل للاحتلال هو وقف إطلاق النار واتفاق تبادل للأسرى. هذه المقاربة يرفضها مجلس الحرب لأسباب داخلية يطول شرحها، ولكن واشنطن تعلم أنها "شر لا بد منه"، ولذلك بدأت تغير لهجتها لحماية إسرائيل من نفسها ومن نتنياهو تحديدا.
ثانيا: أصبح العدوان الإسرائيلي وما يرافقه من جرائم يشكل حرجا لواشنطن وغيرها من العواصم الغربية، خصوصا بعد قرار محكمة العدل الدولية الذي يرقى عمليا لاتهام الاحتلال بوجود النية لارتكاب الإبادة الجماعية. وبالطبع نحن نتحدث هنا عن تداعيات "الحرج" السياسية وليس الأخلاقية، إذ أن لا وجود للأخلاق في المقاربة الغربية للسياسة كما ذكرنا.
ثالثا: تشهد أمريكا وبعض الدول الغربية وأهمها بريطانيا انتخابات مهمة خلال العام الجاري، وقد أدى الموقف الغربي السافر إلى قيام حراك بين نخب المجتمعات المسلمة والعربية في هذه الدول لصناعة مواقف انتخابية تصوت للسياسيين بناء على موقفهم من العدوان على غزة. هذا الأمر سيؤثر بشكل كبير على فرصة بايدن في أمريكا وفرص العمال والمحافظين في بريطانيا، حيث صنعت الحرب لأول مرة حملات مركزة وفاعلة لاستخدام الصوت المسلم والعربي للتأثير في سياسات الأحزاب، بدلا من اعتبارها أصوات "مضمونة" ولا قيمة لها.
لماذا لا يجب التفاؤل بتغير اللهجة؟
لا يمكن التفاؤل بتغير اللهجة أولا، لأن الأفعال هي من تؤثر في مسار الأحداث وليس الأقوال. حتى الآن لم تتجاوز المواقف الغربية ساحة الرطانة الخطابية.
وإذا أردنا فهم المعادلة على حقيقتها، فإن الانتقال من الأقوال للأفعال حتى الآن يبدو بعيد المنال، لأن واشنطن وحلفاءها الغربيين لا يمكن أن يقبلوا بانتهاء الحرب بطريقة لا تبدو فيها دولة الاحتلال منتصرة. إن ممارسة ضغط حقيقي وعملي من واشنطن على تل أبيب سيتطلب مثلا وقف التسليح بالذخائر ووقف المساعدات المالية والدعم الدبلوماسي، وهذا سيودي بالضرورة إلى خروج كارثي للاحتلال من الحرب، وهو ما لا يرضى به الغرب.
من جانب آخر، فإن التغير بلهجة الخطاب الأوروبية، لا قيمة عملية له. إن المواقف الأوروبية والكندية والأسترالية هي مجرد صدى صوت للمواقف الأمريكية، إذ يدرك الجميع أن منطقة الشرق الأوسط هي في مركز النفوذ الأمريكي، بينما تلعب أوروبا وغيرها من دول "الغرب" أدوارا هامشية متممة للدور الأمريكي وبموافقته ورعايته.
ثمة خيارات أخرى لواشنطن غير اتخاذ إجراءات "عقابية" ضد الاحتلال، ولكنها في الوقت الحالي غير مرجحة، وهو ما يدفعنا للأكيد أن التفاؤل بتغيير حقيقي بالموقف في غير مكانه.
أول هذه الخيارات هو إقناع نتنياهو بإنهاء الحرب ولكن هذا الأمر لا يبدو واقعيا في المرحلة الحالية، لأن نتنياهو يدرك أن "خضوعه" لمطالبات أمريكا بالتعقل سيعني نهاية تاريخه السياسي وانهيار حكومته.
الخيار الثاني هو دعم أمريكي غير مباشر لحراك سياسي يؤدي إلى حل حكومة نتنياهو وتشكيل حكومة أكثر قبولا وتفاهما مع واشنطن، ولكن هذا غير ممكن إلا بتخلي غانتس وحزبه إضافة إلى وزير الدفاع غالانت -الذي ينتمي لليكود- عن نتيناهو. إذا وافق غالانت على هذا الخيار قد يصبح التأثير الأمريكي قويا على حكومة الحرب، ولكننا نستبعد موافقة وزير الدفاع عليه لأنه سيظهره خائنا في عيون كثير من المجتمع الإسرائيلي وسط حرب تم حشد هذا المجتمع بشكل غير مسبوق لصالحها.
هذه الأسباب وغيرها تدفعنا للقول إن الرهان الوحيد للفلسطينيين الآن في قطاع غزة هو على صمودهم فقط، إذ لا يرتجى أي أمل من التغير السطحي للمواقف الغربية، ولا من الدول العربية التي تتباين أدوارها من الصمت إلى التواطؤ مع الاحتلال، ولا من شعوب المنطقة التي يبدو أن اهتمامها بالمجزرة المستمرة قتلته آفة التعود والألفة!
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه غزة الفلسطينيين رفح بايدن السيسي فلسطين غزة بايدن رفح مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة
إقرأ أيضاً:
لماذا بكى وزراء نتنياهو خلال توقيع الصفقة مع (حماس)؟
سرايا - كشفت ما تسمى بـ "إذاعة الجيش الإسرائيلي" تفاصيل مضحكة تتعلق ببكاء عدد من الوزراء والموظفين في حكومة الاحتلال خلال جلسة الموافقة على صفقة تبادل الأسرى ووقف اطلاق النار مع المقاومة الفلسطينية في غزة (حماس).
وبحسب الإذاعة فأن وزراء وسكرتير "الحكومة الإسرائيلية" بكوا أثناء جلسة التصديق على الصفقة، حيث اعتبرها العديد منهم انها بمثابة هزيمة كبيرة لهم.
وبالتزامن مع بعاء وزراء حكومة الاحتلال، تعالت تكبيرات أهل غزة احتفالًا بسريان وقف إطلاق النار بقطاع غـزة، والانتصار، والصمود.
تابع قناتنا على يوتيوب تابع صفحتنا على فيسبوك تابع منصة ترند سرايا
وسوم: #ترامب#الحكومة#غزة#الاحتلال#الوزراء
طباعة المشاهدات: 1617
1 - | ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه. | 20-01-2025 11:55 AM سرايا |
لا يوجد تعليقات |
الرد على تعليق
الاسم : * | |
البريد الالكتروني : | |
التعليق : * | |
رمز التحقق : | تحديث الرمز أكتب الرمز : |
اضافة |
الآراء والتعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها فقط
جميع حقوق النشر محفوظة لدى موقع وكالة سرايا الإخبارية © 2025
سياسة الخصوصية برمجة و استضافة يونكس هوست test الرجاء الانتظار ...