فريكست.. هل تنهي ثورة الفلاحين عقد فرنسا مع الاتحاد الأوروبي؟
تاريخ النشر: 13th, February 2024 GMT
باريس – قد يبدو المشهد العام في فرنسا اليوم أكثر هدوءًا بعد انسحاب جرارات المزارعين من الطرق السريعة الرئيسية في البلاد، إلا أن غضبهم لا يزال على جمر خافت قد يشتعل في أي لحظة.
فمنذ بداية ثورة الفلاحين، لا يزال عدد من النشطاء والسياسيين يتداولون على مواقع التواصل الاجتماعي في فرنسا وسم "فريكست" على نطاق واسع، في إشارة للمطالبة بخروج فرنسا من الاتحاد الأوروبي، معتبرين أن خروج بلدهم من الاتحاد سيكون الحل الأفضل وربما الوحيد لمصلحة اقتصادهم سواء في مجال الزراعة أو غيره.
وشوهد هذا الشعار على جرارات بعض المزارعين الغاضبين، مصحوبا بعبارات مثل "أوروبا تدمر الزراعة الفرنسية" و"الاتحاد الأوروبي يقتلنا"، في وقت انتشرت فيه مقاطع فيديو توثق إحراق علم الاتحاد الأوروبي.
عدد من النشطاء اعتبروا أن خروج فرنسا من الاتحاد الأوروبي سيكون الحل الأفضل (مواقع التواصل) الخروج من العباءة الأوروبيةيرى المطالبون بانسحاب فرنسا من الاتحاد الأوروبي وسيلة لإنقاذ البلاد من الأزمات، التي تسهم في البطالة وزيادة الفقر على حساب العمال ولصالح ارتفاع ثروات الآخرين.
ويعتبر حزب الاتحاد الشعبي الجمهوري "يو بي آر" من بين أهم الجهات التي تدعم هذه الخطوة لإخراج فرنسا بشكل قانوني من منطقة اليورو ومن حلف شمال الأطسلي (ناتو).
وفي مقابلة مع الجزيرة نت، أوضح ممثل الحزب باتريس كالي أن "الحديث عن فريكست بدأ منذ 17 عاما مع رئيس الحزب فرانسوا أسيلينو، الذي قدم نفسه للانتخابات الرئاسية في عام 2017 والانتخابات الأوروبية في عام 2019″.
ووصف كالي بقاء فرنسا في الاتحاد الأوروبي بـ"الغرق" و"نوع من السقوط إلى الأمام الذي يقوده كل الداعمين للعقيدة الأوروبية، التي تم بناؤها منذ نحو 50 عاما مع معاهدة روما"، منتقدا في الوقت ذاته مساهمة بلده الكبيرة في الميزانية الأوروبية مقارنة بما تتلقاه سنويا من مساعدات تقدر بنحو 10 مليارات يورو.
وفي عام 2023، بلغت المساهمة الفرنسية في ميزانية الاتحاد الأوروبي 27.2 مليار يورو، مما يمثل 18.5% من نسبة مساهمة الدول الأعضاء، وبالتالي تعد فرنسا ثاني أكبر مساهم بعد ألمانيا (23.6%) وقبل إيطاليا (12.8%).
وفي سياق متصل، أعلن رئيس الوزراء الفرنسي غابرييل أتال خلال خطابه بشأن السياسة العامة أواخر الشهر الماضي أن "الذين يدعون إلى إنهاء تطبيق المعاهدات هم أنصار الخروج من الاتحاد الأوروبي، الأمر الذي من شأنه أن يضعف فرنسا"، مؤكدا أن "تقلص أوروبا يعني قوة أقل لفرنسا، ولدينا البريكست كمثال على ذلك".
Depuis #Rungis on fait un feu de joie avec le torchon bleu à étoiles de l’UE ! (voir vidéo ⤵️) ????????????
Avec Claude agriculteur venu avec son tracteur et ses camarades faire le blocus de Rungis !
Vive notre ???????? ! Vive la liberté ! Vive le Frexit ! Vive notre libération !… pic.twitter.com/obbgSAtmGc
— Florian Philippot (@f_philippot) January 29, 2024
"بريكست" فرنسييجد الخبير في الاقتصاد الزراعي تييري فوش أن المقارنة بين خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست) وخروج فرنسا (فريكست) غير منطقية، لأن المملكة المتحدة كانت دولة عضوة بقطاع زراعي ضعيف وبعدد أقل بكثير من المزارعين، كما كانت تواجه عجزا تجاريا في المنتجات الزراعية والغذائية بقيمة تتراوح بين 25 و30 مليار يورو سنويا.
في المقابل، "تُعد فرنسا القوة الزراعية الرائدة في الاتحاد الأوروبي، وتأتيها منه نحو 10 مليارات يورو من المساعدات في إطار السياسة الزراعية المشتركة"، على حد قول فوش.
وأضاف في حديثه للجزيرة نت أن "تطبيق النموذج البريطاني على فرنسا سيكون بمثابة كارثة حقيقية ستضر بمصالح البلاد، والأفضل في هذه الحالة هو توجيه سياسة الاتحاد الأوروبي في قطاع الزراعة بما يتناسب مع الدول الأعضاء".
ويشاركه زميله جون ماري سيروني الرأي، ويشرح ذلك في حديثه للجزيرة نت بالقول "تاريخيا، بريطانيا العظمى كانت في القرن التاسع عشر أول دولة أوروبية تختار الصناعة، شرط اعتمادها على دول الكومنولث لضمان غذائها".
ولفت إلى أن إجراء مقارنة بين البلدين لن يكون مجديا، "ففرنسا اليوم لا تستورد الكثير من مستعمراتها السابقة، بينما لا تزال المملكة المتحدة تحافظ على روابط اقتصادية قوية مع مستعمراتها السابقة في مجال استيراد المواد الغذائية مثل نيوزيلندا وأستراليا وكندا، ويكفي القول إن رأس الملكة إليزابيث يوجد حتى اليوم على الأوراق النقدية الكندية".
في المقابل، ينتقد الممثل عن الحزب المؤيد "للفريكست" كالي ما سبق لأن "الهدف هو منع الناس وتخويفهم من فكرة أن خروج فرنسا من الاتحاد هو الحل لمشاكلهم".
ويوضح "على سبيل المثال، انخفض معدل البطالة في بريطانيا إلى أقل من 4% في حين بلغ 7.4% في فرنسا، وزادت الرواتب البريطانية العام الماضي بنسبة 7.3% بينما لم تتجاوز 4.6% في فرنسا، كما تراجع التضخم في المملكة المتحدة إلى 3.9% في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي في وقت وصل فيه معدل التضخم السنوي لدينا 4.9%".
خطوة انتحاريةومع وجود نحو 400 ألف مزرعة في فرنسا، لا يعتقد سيروني أن المزارعين سيفضلون الانتحار خارج أوروبا والتخلي عن مساعدات تبلغ 23 ألف يورو سنويا لكل مزارع وسوق أوروبي مهم.
وتابع سيروني أن "فكرة مغادرة أوروبا لا تتناسب مع اقتصاد الزراعة الفرنسية، حتى لو اشتكينا من المعايير والقيود فنحن الفرنسيين نشتهر بشكوانا الدائمة من كل شيء".
وبما أن فرنسا هي الدولة الأكثر استفادة من السياسة الأوروبية المشتركة، يرى الكاتب والمحلل السياسي جان بيير بيران أن "خروج فرنسا من الاتحاد الأوروبي سيجعل المزارعين أول الخاسرين، وستكون خطوة انتحارية بالنسبة لهم"، معتبرا في حديثه للجزيرة نت أن هذه الدعوات "ستبقى هامشية فقط، سواء في المظاهرات أو على منصات التواصل، ولن تدخل حيز التنفيذ بشكل جدي".
من جانبه، أكد الخبير فوش أن قرار الخروج من الاتحاد الأوروبي "خطير ولا يحدث بسهولة"، إذ لا يمكن أن يتم إلا بإجراء استفتاء وطني وطرح السؤال على الشعب الفرنسي.
ويعتقد الخبير في الاقتصاد الزراعي أنه على الرغم من تسليط بعض السياسيين الضوء على الفريكست من حين إلى آخر، "فلا يمكن أخذه على محمل الجد لأنه سيكون لدينا الكثير لنخسره، وسيتعين علينا إعادة تنظيم الاقتصاد بالكامل".
لكن ممثل حزب الاتحاد الشعبي الجمهوري باتريس كالي يقرأ المشهد بشكل مختلف تماما، لأن هذه السياسة تهدف في نظره إلى "التعويض" عن الانخفاض في الرواتب الناتج عن التجارة الحرة التي تفرضها الدول الأعضاء وغياب الضرائب الحدودية.
وبما أن وعود الحكومة الفرنسية لتحسين الأوضاع "لا تزال حبرا على ورق، ولم تنفذ بعد على أرض الواقع" كما يصفها المزارعون، فمن المتوقع أن تتوجه الأنظار إلى ما سيحدث خلال المعرض الزراعي في باريس في غضون أسبوعين تقريبا.
وقد حذر أرنو روسو رئيس أول نقابة زراعية، في تصريحات صحفية، السلطة التنفيذية من استئناف المزارعين الغاضبين مظاهراتهم، إذا لم يتم بذل جهود ملموسة قبل افتتاح هذا الاجتماع السنوي الذي يحضره عدد من السياسيين، ومن بينهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: فرنسا من الاتحاد الأوروبی فی فرنسا
إقرأ أيضاً:
مصر والاتحاد الأوروبي 2024.. شراكة استراتيجية ونقلة نوعية غير مسبوقة
واصلت الدبلوماسية المصرية خلال عام 2024، بثبات وثقة، جهودها ومساعيها التي انطلقت منذ تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي مقاليد الحكم في عام 2014، لتعزيز وترسيخ ثقل مصر ودورها المحوري إقليمياً ودولياً واستعادة مكانتها ودورها لصالح شعبها العظيم.
ثوابت السياسة الخارجية المصرية، رسخها الرئيس السيسي، بعد ثورة الشعب المصري العظيم بمختلف أطيافه في الثلاثين من يونيو.. نسق ثابت للسياسة الخارجية المصرية منذ 2014، ودبلوماسية ترتكز على تنويع التحركات انطلاقا من مبادئ الاحترام المتبادل والندية ورفض التدخل في الشئون الداخلية للدول واحترام سيادتها واستقلالها مع التشديد على تماسك المؤسسات الوطنية للدول للحيلولة دون تهاويها ونشر الفوضى بها لاسيما في المحيط الإقليمي.
واستطاعت مصر - خلال السنوات الأخيرة - أن تُسخِّر تلك الإمكانات المُتراكمة عبر العقود الماضية، وتطويع مقومات القوة الشاملة التي تتسلح بها، مما زاد من فاعلية دورها في ترتيب الأوراق الإقليمية.
سياسة خارجية ناجعة لمصر في جمهوريتها الجديدة عنوانها ندية واحترام متبادل وشراكة وقرار وطني مستقل، وفقا للمحددات التي رسمها الرئيس السيسي في خطاب التنصيب خلال يونيو 2014، والذي أكد خلاله أن مصر بما لديها من مقومات يجب أن تكون منفتحة في علاقاتها الدولية، وأن سياسة مصر الخارجية ستتحدد طبقا لمدى استعداد الأصدقاء للتعاون وتحقيق مصالح الشعب المصري، وأنها ستعتمد الندية والالتزام والاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشئون الداخلية مبادئ أساسية لسياساتها الخارجية في المرحلة المقبلة، وذلك انطلاقاَ من مبادئ السياسة الخارجية المصرية، القائمة على دعم السلام والاستقرار في المحيط الإقليمي والدولي، ودعم مبدأ الاحترام المتبادل بين الدول، والتمسك بمبادئ القانون الدولي، واحترام العهود والمواثيق، ودعم دور المنظمات الدولية وتعزيز التضامن بين الدول، وكذلك الاهتمام بالبعد الاقتصادي.
وعلى مدى أكثر من عشر سنوات، جنت مصر - بقيادة الرئيس السيسي - ثمار سياستها الخارجية الجديدة من خلال العمل والتحرك الدبلوماسي بشقيه الثنائي والمتعدد الأطراف بل وامتد كذلك إلى الدبلوماسية الاقتصادية والتنموية والبيئية ودبلوماسية المناخ.. وفي هذا الإطار، شهدت العلاقات المصرية الأوروبية منذ عام 2014، تطوراً على المستويات السياسية والاقتصادية والاستراتيجية.
وأكد الرئيس السيسي - في العديد من المناسبات واللقاءات - عمق العلاقات بين مصر والاتحاد الأوروبي، لاسيما خلال القمة المصرية الأوروبية التي عقدت بالقاهرة خلال مارس الماضي، حيث رحب بالقادة الأوروبيين وبزيارتهم المهمة إلى مصر، والتي عكست " عُمق العلاقات المصرية الأوروبية الممتدة عبر التاريخ.. وتعكس أيضاً حالة الزخم، التي تشهدها العلاقات خلال الفترة الأخيرة، على مختلف الأصعدة: السياسية، والاقتصادية، والثقافية.. على أساس من الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة".
وأكد الرئيس السيسي - حينها - أن مصر أولت دوماً أهمية خاصة لعلاقات المتميزة التي تربطها بالاتحاد الأوروبي ودوله، وذلك في ضوء اعتقادنا الراسخ بمحورية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، لتحقيق المصالح السياسية والاقتصادية والأمنية المشتركة للجانبين، وبما يدعم تحقيق الأمن والسلام والاستقرار في المنطقة.
قمة تاريخية ومحطة شديدة الأهمية في العلاقات بين الجانبين، حيث شهدت تتويجاً للتعاون المتميز بين الجانبين بالتوقيع على الإعلان السياسي بين مصر والاتحاد الأوروبي.
إنجاز جديد في العلاقات بين الجانبين، هكذا وصفته رئيسة المفوضية الأوروبية أوروسولا فون دير لاين خلال زيارتها للقاهرة بمناسبة التوقيع على الإعلان السياسي المشترك، حيث أكدت أنه مع ثقل مصر السياسي والاقتصادي وموقعها الإستراتيجي في منطقة مضطربة للغاية، فإن أهمية علاقاتنا سوف تزداد بمرور الوقت.
وتحدد وثيقة الشراكة الاستراتيجية الشاملة بوضوح مجالات محددة للتعاون، وهي: العلاقات السياسية استقرار الاقتصاد الكلي، الاستثمار المستدام والتجارة، بما في ذلك الطاقة والمياه والأمن الغذائي وتغير المناخ، والهجرة، والأمن وتنمية رأس المال البشري.. وعليه، يتعين أن يؤدي وضع هذه المجالات قد التنفيذ إلى إطلاق العنان للعلاقة بين مصر والاتحاد الأوروبي للعمل بكامل طاقاتهما.
وفيما يتعلق بالعلاقات السياسية، ستواصل مصر والاتحاد الأوروبي العمل على صياغة برنامج عمل إيجابي وتنفيذه لتحقيق الرخاء والاستقرار المشترك.
وستواصل مصر والاتحاد الأوروبي العمل على التزاماتهما لمواصلة تعزيز الديمقراطية والحريات الأساسية وحقوق الإنسان والمساواة بين الجنسين وتكافؤ الفرص، على النحو المتفق عليه في أولويات الشراكة.
ووفقا للإعلان المشترك، يبدي الاتحاد الأوروبي استعداده لمساعدة مصر في تنفيذ استراتيجيتها الوطنية لحقوق الإنسان وبما يتفق مع أحكام اتفاقية المشاركة بين مصر والاتحاد الأوروبي وأولويات الشراكة خلال الفترة الممتدة من عام 2021 و حتى عام 2027.
وأشار الإعلان المشترك إلى أن التحديات الإقليمية والدولية تسلط الضوء على أهمية تعزيز الحوار السياسي بين الجانبين من خلال عقد قمة كل عامين تجمع رؤساء كل من جمهورية مصر العربية والمفوضية الأوروبية والمجلس الأوروبي، على أن تعقد القمة بالتناوب بين القاهرة وبروكسل، بالإضافة إلى اجتماع مجلس المشاركة السنوي بين مصر والاتحاد الأوروبي، والذي يشكل حجر الزاوية للمشاركة الثنائية بين الجانبين، وذلك في إطار اتفاقية الشراكة بين مصر والاتحاد الأوروبي، فضلاً عن أنشطة التعاون القائمة التي تضم مصر والدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.
وبالنسبة للاستقرار الاقتصادي، فإن الاتحاد الأوروبي على استعداد لدعم أجندة التنمية المصرية لعام 2030 لضمان استقرار الاقتصاد المصري الكلي على المدى الطويل والنمو الاقتصادي المستدام، وذلك وفقاً للأولويات التي حددها الجانبان وأهداف الإصلاح الواردة في أجندة التنمية المصرية.
وسيدعم التمويل، وسيواكب التقدم المحرز فيما يتعلق بتلك الأولويات والأهداف المحددة بشكل مشترك، وهو الأمر الذي من شأنه أن يطلق العنان لاستثمارات القطاع الخاص بكل طاقته، وهذا بدوره سيساعد على تخفيف التأثير الناجم عن الأزمات الدولية والإقليمية الحالية، بما يصب في صالح الاستقرار والأمن المشترك لكلا الجانبين.
وأكد الإعلان المشترك أن الاتحاد الأوروبي على استعداد لدعم الاقتصاد المصري على ضوء ما تواجهه مصر من ضغوط متزايدة على ميزان المدفوعات والنابعة من البيئة الاقتصادية العالمية، بما في ذلك الزيادة الحادة في تكاليف الاقتراض.. وسيفيد هذا الدعم مصر إذ سيكون مكملاً لتمويل صندوق النقد الدولي وسيدعم مصر في تنفيذ سياسات اقتصادية تهدف لتأكيد المصداقية، وتعزيز الثقة، وفتح الباب أمام تدفقات رؤوس الأموال الخاصة.. ولتحقيق هذه الغاية، يدعم الاتحاد الأوروبي الحوار الثنائي رفيع المستوى بين مصر وصندوق النقد الدولي للتمكين من التنفيذ المستمر للإصلاحات الشاملة والهيكلية في مصر.
ووفقا للإعلان المشترك، فإن الاتحاد الأوروبي على استعداد لتوفير الدعم لمصر لتلبية احتياجات استقرار الاقتصاد على المدى القصير، واحتياجات التنمية الاقتصادية على المدى المتوسط. فعلى المدى القصير، الاتحاد الأوروبي على استعداد لتقديم هذا الدعم في صورة دعم للموازنة، والتمويل الميسر والمنح، وبما يدعم تيسير الوصول إلى التمويل اللازم للتنمية. كما يمكن أن تكون بعض الآليات الأخرى، مثل مبادلة الديون، والتي تقررها دول الاتحاد الأوروبي الأعضاء، سُبلاً لتعزيز الفضاء المالي اللازم للاستثمار.
وفيما يخص الاستثمارات، اكد الاتحاد الأوروبي - في الإعلان المشترك - التزامه القوي بتعزيز مجالات التعاون مع مصر في قطاعات متعددة للاقتصاد الحديث، بما في ذلك الطاقة المتجددة والهيدروجين المتجدد، والتصنيع المتقدم، والزراعة، والأمن الغذائي، والربط و التحول الرقمي والأمن المائي، وإدارة المياه، حيث ستجذب هذه القطاعات ما يصل إلى 5 مليارات يورو من الاستثمارات الأوروبية المدعومة بضمانات الصندوق الأوروبي للتنمية المستدامة وخطة الاستثمار الاقتصادي.
كما سيدعم الاتحاد الأوروبي جهود مصر المستمرة لتعزيز بيئة الأعمال والاستثمار بها لتسهيل تدفقات التجارة والاستثمار وبما يتماشى مع التزاماتها الدولية، خاصة التزاماتها نحو الاتحاد الأوروبي.
ووفقا للإعلان، فإن الاتحاد الأوروبي على استعداد - أيضا - لدعم مؤتمر الاستثمار الدولي المقرر عقده في عام 2024، حيث سيؤدي تعزيز التبادل التجاري بين مصر والاتحاد الأوروبي إلى تعزيز بيئة الأعمال بصورة شاملة ودعم الاستثمارات العامة والخاصة.
كما سيمكن الدعم الأوروبي، مجتمع الأعمال الأوروبي من الاستفادة من الإمكانات الاستثمارية المتاحة في مصر، بما في ذلك الامتيازات التي توفرها قناة السويس باعتبارها أهم ممر تجاري وبحري يربط بين الشرق والغرب، بالإضافة إلى المنطقة الاقتصادية لقناة السويس التي من شأنها تعزيز دور مصر في سلاسل إمداد الاتحاد الأوروبي، ولديها من الإمكانيات لجذب صناعات للاتحاد الأوروبي إلى مصر.
وأشار الإعلان المشترك إلى أن مصر والاتحاد الأوروبي يدركان أن الواقع الجغرافي والسياسي الجديد وسوق الطاقة يتطلبان تعميق شراكتهما القائمة لدعم أمن الطاقة لكلا الجانبين. ولهذا الغرض، فقد اتفقت مصر والاتحاد الأوروبي على تكثيف التعاون مع التركيز بشكل خاص على مصادر الطاقة المتجددة، وأنشطة كفاءة الطاقة، فضلاً عن التعاون في مجالات التقنيات الأخرى الآمنة والمستدامة منخفضة الكربون، والاستفادة من الإمكانيات المصرية الكبيرة للتوسع الفعال من حيث التكلفة في توليد الطاقة المتجددة، وذلك من خلال مشروعات مثل مشروع الربط الكهربائي بين مصر واليونان (جريجي).
كما يلتزم الاتحاد الأوروبي أيضًا بدعم عمل منتدى غاز شرق المتوسط بهدف تعزيز التعاون في مجال الطاقة وأمن إمدادات الغاز في المنطقة وتجارة الغاز مع الاتحاد الأوروبي.
وفيما يتعلق بالتجارة، أكد الإعلان المشترك بشأن الشراكة الاستراتيجية والشاملة بين جمهورية مصر العربية والاتحاد الأوروبي أن الشراكة الاستراتيجية على استعداد لتعزيز التعاون القائم بين الاتحاد الأوروبي ومصر من أجل تنفيذ لمنطقة التجارة الحرة التابعة لاتفاقية الشراكة بالكامل وإطلاق العنان لكل إمكانياتها في إطار.
وفي إطار هذه الشراكة، سيستكشف الجانبان السبل المختلفة لتحديث ومراجعة اتفاقية الشراكة فيما يتعلق بمسألة العلاقات التجارية والاستثمارية بما يجعلها متوائمة مع التحديات المعاصرة.
وبالنسبة لقضايا المياه، أشار الإعلان المشترك إلى أنه واستناداً لرؤية المشتركة لإدارة أكثر استدامة للموارد المائية ومعالجة التحديات التي تفرضها إدارة المياه في سياق تزايد عدد السكان وتنافسية الطلب على المياه وتغير المناخ، فقد اتفقت مصر والاتحاد الأوروبي على مجالات التعاون في مجال المياه على المستوي الثنائي والإقليمي والدولي، وبما يتماشى مع الإعلان المشترك بين مصر والاتحاد الأوروبي لتعزيز التعاون في إدارة مستدامة للمياه، والذي تم توقيعه على هامش مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ (COP28) في دبي.
واعترافاً باعتماد مصر الكبير على مياه نهر النيل في سياق ما تعانيه من ندرة مائية، يكرر الاتحاد الأوروبي دعمه للأمن المائي في مصر والامتثال للقانون الدولي، مع التذكير بأن مبدأ "عدم الإضرار" يعد مبدأ توجيهياً في الصفقة الأوروبية الخضراء.
أما فيما يخص الهجرة والتنقل، أكد الاعلان المشترك انه استناداً لمبادئ الشراكة والمسئولية المشتركة وتقاسم الأعباء، تتبنى مصر والاتحاد الأوروبي نهجا شمولياً لحوكمة الهجرة. وفي هذا الإطار، سيقدم الاتحاد الأوروبي الدعم المالي اللازم لمساعدة مصر في البرامج المتعلقة بالهجرة والتي تستلزم تطوير نهج شامل للتعامل مع الهجرة، بما في ذلك مسارات الهجرة القانونية، وبما يتماشى مع الاختصاصات الوطنية وبرامج التنقل مثل مبادرة شراكة المهارات، ومعالجة الأسباب الجذرية للهجرة غير الشرعية، ومكافحة تهريب المهاجرين والاتجار في البشر، وتعزيز إدارة الحدود، وضمان العودة الكريمة والمستدامة وإعادة الإدماج.
وسيواصل الاتحاد الأوروبي ومصر، التعاون من أجل دعم جهود مصر في استضافة اللاجئين، ويلتزم الجانبان بحماية حقوق المهاجرين واللاجئين.
وبالنسبة للأمن، أعاد الطرفان تأكيد مساعيهما لمكافحة التحديات الأمنية، تحديداً، في إطار المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب، حيث تشارك مصر والاتحاد الأوروبي في رئاسة المنتدى منذ مايو 2023. وقد اتفق الاتحاد الأوروبي ومصر على ضرورة تعميق التعاون من خلال الحوار بشأن مكافحة الإرهاب، وتعزيز هذا الحوار في مجال منع التهديدات والتحديات الأمنية ومكافحتها، بما في ذلك تهديدات الأمن السيبراني وستواصل مصر والاتحاد
الأوروبي استكشاف التعاون في مجال إنفاذ القانون ومكافحة الجرائم الخطيرة والمنظمة والتدريب وبناء القدرات.
وسيعمل الطرفان على استكشاف التعاون العملياتي في المجالات المتعلقة بمنع تهريب السلع الثقافية واستعادة الممتلكات الثقافية التي تم الاتجار بها بشكل غير مشروع، وبما يتماشى مع القانون الدولي.
وفيما بخص الديموغرافيا ورأس المال البشري، أشار الإعلان المشترك إلى أنه وفي ضوء إدراك مصر لأهمية العنصر البشري في تحقيق التنمية، يؤكد الاتحاد الأوروبي - مجدداً - على دعمه لمصر في مجالات التعليم الفني والمهني والتدريب. وسيساعد هذا الدعم بالعمل من خلال الأولويات والأهداف التي حددها الجانبان، في التوفيق بين المهارات واحتياجات سوق العمل، بما في ذلك من خلال تنقل العمالة وبرامج العمالة الموسمية، والدعم المستمر لإعادة الإدماج الاجتماعي والاقتصادي للمصريين العائدين الي مصر.
كما سيعزز الاتحاد الأوروبي التعاون مع مصر في مجال البحث والابتكار وسيعمل على تعزيز المشاركة في برامجه ذات الصلة مثل برنامج الشراكة من أجل البحث والابتكار في منطقة المتوسط (بريما) PRIMA، وبرنامج تبادل الطلاب إيراسموس (+) Erasmus، كما سيسمح هذا التعاون لمصر بالتفاوض بشأن الانضمام إلى برامج الاتحاد الأوروبي مثل برنامج أوروبا المبدعة Creative Europe، وبرنامج (آفاق أوروبا Horizon Europe، وبرنامج أوروبا الرقمية) Digital.Europe.
وبناء على ذلك، فالاتحاد الأوروبي على استعداد تام للنظر في مبادرة لإطلاق جامعة أوروبية مصرية لتشجيع الجامعات الأوروبية للدخول في مشاركة أكبر مع مصر.
وقبل أيام قليلة من نهاية العام الجاري، أعلنت المفوضية الأوروبية موافقتها على صرف تمويل لمصر بقيمة مليار يورو، ضمن آلية مساندة الاقتصاد الكلي ودعم الموازنة MFA، والتي تعد المرحلة الأولى من تمويلات بقيمة 5 مليارات يورو سيتم إتاحتها حتى عام 2027.
ويحرص الرئيس السيسي، على توثيق العلاقات الثنائية مع دول الإتحاد الأوروبي من خلال الاتصالات واللقاءات و الزيارات الرئاسية، كان آخرها الجولة الأوروبية التى قام بها سيادته هذا الشهر والتى شملت الدنمارك والنرويج وأيرلندا.
وتواصل الدبلوماسية المصرية، جهودها لتعزيز العلاقات مع الإتحاد الأوروبى التى تستند إلي تاريخ طويل، خاصة وأنَّ الاتحاد الأوروبي يعد أحد الداعمين الرئيسيين لمصر في ظل التحديات الإقليمية والدولية المتصاعدة في الوقت الراهن، فضلا عن ما تمثله مصر من ثقل وأهمية استراتيجية لدول الاتحاد، باعتبارها ركيزة للاستقرار في الشرق الأوسط وبوابة لأفريقيا.
ومنذ تكليف الرئيس السيسي، للدكتور بدر عبد العاطي - سفير مصر السابق في بروكسل ولدى الاتحاد الأوروبي - بحقيبة الخارجية والهجرة والمصريين بالخارج، اكتسبت مسارات الحركة بين مصر ودول الاتحاد الأورويى زخماً نوعياً ملحوظاً فى ضوء ما يتمتع به من خبرات.
واتسع نطاق التحركات بوتيرة متسارعة وبقدر ملموس من التنوع سواء على صعيد علاقات مصر بمؤسسات الاتحاد أو على صعيد علاقات مصر الثنائية مع الدول الأعضاء.
ويؤكد الوزير عبد العاطي - في العديد من المناسبات واللقاءات والاتصالات المكثفة مع قادة ومسئولي الاتحاد ومسئولي الدول الأوروبية - على التطلع للبناء على الزخم الذي تشهده العلاقة بين مصر والاتحاد الأوروبي خلال الفترة الأخيرة، خاصة بعد الاتفاق على تدشين الشراكة الاستراتيجية والشاملة في مارس 2024.
كما يؤكد الوزير أهمية تفعيل مخرجات مؤتمر الاستثمار المصري - الأوروبي الذي عقد في يونيو 2024 بالقاهرة، والذي شهد التوقيع على 29 اتفاقية بما يقرب من 49 مليار يورو، و أهمية الإسراع في تنفيذ حزمة التمويل الأوروبية لمصر بقيمة ٧.٤ مليار يورو، المقترنة بمسار ترفيع العلاقات مع الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك صرف الشريحة الأولى بقيمة مليار يورو واعتماد البرلمان الأوروبي للشريحة الثانية بقيمة 4 مليارات يورو.
وخلال اللقاء الذي عقده الدكتور بدر عبد العاطي مع قيادات وأعضاء القطاع الأوروبي بالوزارة والأمانة العامة التنسيقية لتنفيذ اتفاقية المشاركة المصرية الأوروبية، مؤخرا شدد وزير الخارجية على أهمية دعم العلاقات الثنائية مع الدول الأوروبية في جميع المجالات خاصة بعد ترفيع العلاقات إلى شراكة استراتيجية شاملة في مارس 2024.
كما أكد وزير الخارجية أهمية دورية انعقاد المشاورات السياسية مع الدول الأوروبية، والارتقاء بالتعاون الاقتصادي والتجاري وتشجيع الشركاء الأوروبيين لدعم الاقتصاد المصري من خلال تكثيف الاستثمارات الأوروبية بمصر في المجالات الواعدة التي يتيحها السوق المصرية مثل الطاقة والطاقة المتجددة والتعليم والتكنولوجيا والنقل واللوجستيات والتعاون العلمي، فضلاً عن تشجيع الشركات الأوروبية للعمل بمصر، وزيادة التوعية بالفرص الاستثمارية في القطاعات المختلفة، فضلاً عن الارتقاء بالتبادل التجاري بين مصر والدول الأوروبية وزيادة نفاذ الصادرات المصرية إلى اوروبا وتوطين الصناعة في مصر.
علاقات تاريخية وجسور ممتدة بين مصر والإتحاد الأوروبي، وحرص من الجانبين على مواصلة ترسيخ الشراكة الاستراتيجية والشاملة والتعاون القائم بينهما بما يحقق المصالح المشتركة.. وآفاق رحبة في انتظار العلاقات خاصة في ضوء النهضة السياسية والاقتصادية التي تشهدها مصر حاليا والمشروعات الضخمة غير المسبوقة التي تشيدها في عصر الجمهورية الجديدة.
اقرأ أيضاًمجلس النواب يُقر منحتين بقيمة 11 مليون يورو بين مصر والاتحاد الأوروبي لدعم نظم حماية الطفل وتصنيع اللقاحات والأدوية
الرئيس السيسي: العلاقات بين مصر والاتحاد الأوروبي تشهد تطورًا كبيرًا
الرئيس السيسي: العلاقات بين مصر والاتحاد الأوروبي تشهد تطورا كبيرا في شتى المجالات