هل الدعاء لأهل غزة ومقاومتها يبرئ ذمتنا؟!
تاريخ النشر: 13th, February 2024 GMT
بينما يشن العدو الهمجي عدوانه على ما تبقى من مساحة قطاع غزة؛ فيصب جام إجرامه ووحشيته على مدينة رفح ونواحيها بوحشية لا تقل عما كان في شمال القطاع ووسطه، وأمام العجز والقهر اللذين يقطعان أكباد المخلصين من أبناء الأمة، تثور كثير من الأسئلة حول المطلوب الممكن من المخلصين والمؤمنين بعدالة القضية الفلسطينية، فيثور السؤال حول الدعاء لأهل القطاع ومقاومته، وإن كان الدعاء كافيا أمام العجز والإبعاد القسري عن الحدود.
لا شك بأن الدعاء مخ العبادة والله يحب الدعاء والإلحاح فيه؛ فلا بأس بإمطار أهلنا في غزة بالدعاء آناء الليل وأطراف النهار؛ فذلك بعض ما يمكن أن نقدمه لهم، والاستهانة بالدعاء خطأ كبير ونقص في الوعي والإيمان، لكن الدعاء وحده لا يكفي؛ فقد روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه رأى إبلا قد فشا فيها الجرب، فسأل صاحبها عن إهماله علاجها، فقال: عندنا عجوز تدعو لها بالشفاء، فقال له: "هلا جعلت مع الدعاء شيئا من القطران"؟
لا بد من الأخذ بالأسباب، ولا بد، والحالة هذه، من استعراض ما يمكننا القيام به للانتصار لأهلنا والتخذيل عنهم، في اللحظة التي تنزف فيها دماؤهم على مذبح العهر السياسي الغربي اللعين، والتواطؤ العربي المشين
إذا لا بد من الأخذ بالأسباب، ولا بد، والحالة هذه، من استعراض ما يمكننا القيام به للانتصار لأهلنا والتخذيل عنهم، في اللحظة التي تنزف فيها دماؤهم على مذبح العهر السياسي الغربي اللعين، والتواطؤ العربي المشين..
أولا، وقبل كل شيء: علينا ألا ننسى وقائع وأصداء طوفان الأقصى، ما حدث وما يحدث في غزة من العملية التي قام بها رجال المقاومة في 7 تشرين الأول/ أكتوبر، ومن ثم تصديهم لقوات الاحتلال المتوغلة في القطاع، ووحشية العدو وإجرامه بحق المدنيين، والدعم الغربي للكيان، وأن ننقله للأجيال القادمة، وندونه في كتبنا وكتاباتنا بكل أجناسها، من مقالة ودراسة وقصة وقصيدة ومسرحية، وتغريدة، وما إلى ذلك، وألا نمل من عرض ما حدث بكل الوسائل الممكنة في كل وسيلة إعلامية ممكنة.
ثانيا: أن نركز على جرائم الاحتلال ونكشفها للعالم، وأن نتعمد تكرار العبارات والمصطلحات الإجرامية ونتحدث بها ونكتب عنها ونصورها، من مثل: الإبادة الجماعية.. جرائم الحرب.. الفاشية الصهيونية.. المذابح الوحشية.. الغطرسة الصهيونية.. التطهير العرقي.. الفصل العنصري، التمييز العنصري.. قتل الأطفال والنساء، الحرب الوحشية.. الإرهاب الصهيوني.. التطرف الديني.. المعايير المزدوجة، وغيرها من المصطلحات التي يجب أن تحفر عميقا في ضمير البشرية..
ثالثا: أن نستمر في المقاطعة، فقد بدأت أصداؤها تظهر في الصحف الأمريكية والأوروبية، لكبير أثرها. ولا أريد هنا أن أكرر المعلومات حول خسارة كثير من الشركات العالمية التي تمول الكيان الصهيوني؛ مثل ماكدونالدز وستاربكس وغيرهما؛ فقد خسرتا المليارات باعترافهما، وخصوصا في أسواق تركيا وإندونيسيا وماليزيا ومعظم الدول العربية وعلى رأسها مصر والأردن وليبيا.. ومما يثلج الصدر ما نشاهده في البقالات من رفض الأطفال لكثير من أنواع الحلويات والألبان المحلاة، حيث يدققون فيما يشترون، ويرفضون كل ما له صلة بالشركات العالمية مثل نستلة وشركات الكوكا والبيبسي وما شابه.. ومن الطرائف أن تقرأ على جدران محلات كارفور في بعض الدول العربية عبارة: نحن مع المقاومة الفلسطينية، وضد الكيان المحتل؛ لكنك إذا دخلت محلات كارفور، بالكاد تجد بعض المتسوقين، في حين تجد المتاجر الأخرى الكبرى مزدحمة بالمتسوقين..
المقاطعة آتت أكلها، والتقليل من شأـنها إما جهل وإما تآمر على القضية الفلسطينية. وعليه، فلا بد من الاستمرار في المقاطعة إلى الأبد، وعلى أصحاب رؤوس الأموال المخلصين أن يستثمروا أموالهم في بدائل مشابهة لتلك الشركات المقاطَعة من قبل مؤيدي القضية الفلسطينية
إذا فالمقاطعة آتت أكلها، والتقليل من شأـنها إما جهل وإما تآمر على القضية الفلسطينية. وعليه، فلا بد من الاستمرار في المقاطعة إلى الأبد، وعلى أصحاب رؤوس الأموال المخلصين أن يستثمروا أموالهم في بدائل مشابهة لتلك الشركات المقاطَعة من قبل مؤيدي القضية الفلسطينية؛ تشجيعا للمقاطعين على استمرار المقاطعة، إضافة إلى كون ذلك استثمارا مجديا للمستثمر الذي سيحل مكان هذه الشركات الممولة للكيان المحتل. وأيضا لا بد من الإشادة بمستوى أداء شريحة من الشباب الواعي الذي قام بتصنيف الشركات التي تتعاطى مع الكيان، بشكل رائع ومنظم يستحق التقدير.
رابعا: التبرع بالمال لأهلنا المنكوبين، وألا نستهين بالقليل، فالقليل حين يتراكم يصبح كثيرا، ولنا أن نتخيل لو أن كل عربي ومسلم تبرع بدولارين أو ثلاثة فقط كم سيكون الناتج الذي يمكن أن يدفع باتجاه تحسين الأوضاع في غزة، والقضاء على الجوع والحرمان، علما بأن هناك تطبيقات مأمونة للتبرع، وهناك وسائل لا يعدمها الراغب في التبرع؛ لإيصال تبرعه إلى المستحقين.
خامسا: ألا نتوقف عن الخروج في التظاهرات وأن نحث أهلنا والمقربين على المشاركة فيها؛ ففي حين بدأت الشعوب العربية تتقاعس عن المشاركة في التظاهرات؛ نجد في دول الغرب ما يحيل إلى الدهشة من تظاهرات ضخمة تهز الأرض تحت أقدام الحكومات. إذا فالمسألة ليست فورة دم سرعان ما تهدأ؛ بقدر ما هي مبدأ وموقف يجب ألا يتراجع ولا يتوقف. ولعل التظاهرات الضخمة من أهم ما يمكن فعله هذه الأيام على وجه التحديد، لا سيما ورفح تتعرض لأسوأ حالة إجرامية يمكن تصورها.
سادسا: الحرب الإلكترونية أو ما يطلق عليه "حرب الميديا" لا تقل أهمية عن التظاهرات، بل إن أثرها يستمر طويلا على عكس التظاهرات، ويكتب في صفحات التاريخ؛ فعلى كل من يمتلك قلما حرا أن يكتب وينشر وينشئ محتويات رقمية ذات قيمة ومعنى وتأثير، ولا ينبغي لنا التقاعس عن مثل هذه الإنجازات الحضارية عالية المستوى والتأثير، لا سيما حين نستطيع الكتابة بأكبر عدد من اللغات الحية لإيقاظ مزيد من ضمائر الشعوب.
كل ما أتمناه أن نصل إلى درجة من الوعي والإنجاز الذي يصب في صالح القضية وأبناء شعبنا الصابر الصامد في قطاع غزة والضفة الغربية التي تتعرض يوميا للبطش والإجرام الصهيوني
سابعا: أن نُظهر -بكل وسيلة ممكنة- تعاطفنا وتأييدنا واندماجنا المعنوي والمادي مع أهلنا في قطاع غزة؛ وأن نتواصل معهم كلما أتيح لنا ذلك، أو نترك لهم رسائل التعاطف المودة في نوافذ رسائلهم، ودعمهم معنويا وإشعارهم بأننا معهم بكل ما نستطيع؛ فذلك مما يعزز صمودهم، ويقوي عزائمهم، ويشعرهم بأنهم ليسوا وحدهم.
ثامنا: أن نحرص على نقل الأخبار التي ترفع المعنويات إلى منصات التواصل الاجتماعي، وأن نحذر وسائل الإعلام المغرضة، وخصوصا إعلامَ الدول العربية المطبعة مع المحتل، وإعلام العدو الصهيوني والمحطات المتآمرة في الغرب، وفضحها بكل الوسائل الممكنة.
تاسعا وأخيرا، أن نستمر في صَلاتنا ودعائنا، فرب دعوة صادقة يكتب الله لها القبول، وتصيب العدو في مقتل، وليقم كل منا بالتخلي عن معصية أو ذنب أو عادة سيئة، موجهين بركة ذلك لأهلنا في غزة، مع الإلحاح في الدعاء..
كل ما أتمناه أن نصل إلى درجة من الوعي والإنجاز الذي يصب في صالح القضية وأبناء شعبنا الصابر الصامد في قطاع غزة والضفة الغربية التي تتعرض يوميا للبطش والإجرام الصهيوني..
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه غزة المقاومة غزة دعم المقاومة مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة القضیة الفلسطینیة قطاع غزة لا بد من ما یمکن فی غزة
إقرأ أيضاً:
فضل الدعاء قبل صلاة الجمعة
يوم الجمعة من خصائص الأمة المحمدية؛ فقد ورد في الحديث الشريف: «أَضَلَّ اللهُ عَنِ الْجُمُعَةِ مَنْ كَانَ قَبْلَنَا؛ فَكَانَ لِلْيَهُودِ يَوْمُ السَّبْتِ، وَكَانَ لِلنَّصَارَى يَوْمُ الْأَحَدِ، فَجَاءَ اللهُ بِنَا فَهَدَانَا اللهُ لِيَوْمِ الْجُمُعَةِ، فَجَعَلَ الْجُمُعَةَ، وَالسَّبْتَ، وَالْأَحَدَ، وَكَذَلِكَ هُمْ تَبَعٌ لَنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، نَحْنُ الْآخِرُونَ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا، وَالْأَوَّلُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، الْمَقْضِيُّ لَهُمْ قَبْلَ الْخَلَائِقِ».
الصَّلَاةُ الْخَمْسُ
كما أن يوم الجمعة يوم عيد للمسلمين؛ كما ورد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في "مسند أحمد"، وهو أفضل أيام الأسبوع، خصَّه الله تعالى بعدة خصائص لمزيد فضله ولبيان مكانته؛ فقد روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «الصَّلَاةُ الْخَمْسُ، وَالْجُمْعَةُ إِلَى الْجُمْعَةِ، كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ، مَا لَمْ تُغْشَ الْكَبَائِرُ»، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، فِيهِ خُلِقَ آدَمُ، وَفِيهِ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ، وَفِيهِ أُخْرِجَ مِنْهَا، وَلَا تَقُومُ السَّاعَةُ إِلَّا فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ» رواه مسلم، ومن مات في يوم الجمعة أو ليلتها وقاه الله فتنة القبر، فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَمُوتُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَوْ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ، إِلَّا وَقَاهُ اللهُ فِتْنَةَ الْقَبْرِ» رواه أحمد والترمذي.
ومن أجل هذه الفضائل فقد اختص يوم الجمعة بعدة وظائف يستحب للمسلم أن لا يغفل عنها، ومن ذلك الغُسل يومها، ولبس أحسن الثياب، والأبيض أفضلها، والتعطر، والتبكير لصلاة الجمعة، وكثرة الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقراءة سورة الكهف، ومن الوظائف أيضًا التماس ساعة الإجابة؛ فقد ورد في عدة أحاديث أن يوم الجمعة فيه ساعة لا يرد فيها الدعاء، وقد اختلفت ألفاظ هذه الأحاديث، وبناءً على هذا الاختلاف تفرَّق العلماء في تحديد هذه الساعة.
أما الأحاديث: فقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ فِي الْجُمُعَةِ لَسَاعَةً، لَا يُوَافِقُهَا مُسْلِمٌ، يَسْأَلُ اللهَ فِيهَا خَيْرًا، إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ» رواه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وفي بعض الروايات: «وَهِيَ سَاعَةٌ خَفِيفَةٌ»
وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يحدث في شأن ساعة الجمعة -يعني: ساعة إجابة الدعاء- فقال: «هِيَ مَا بَيْنَ أَنْ يَجْلِسَ الْإِمَامُ إِلَى أَنْ تُقْضَى الصَّلَاةُ» رواه مسلم.
وقال صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ فِي الْجُمُعَةِ لَسَاعَةً، لَا يُوَافِقُهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ اللهَ فِيهَا خَيْرًا، إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ» رواه أحمد من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
وفي الحديث: «التَمِسُوا السَّاعَةَ الَّتِي تُرْجَى فِي يَوْمِ الجُمُعَةِ بَعْدَ العَصْرِ إِلَى غَيْبُوبَةِ الشَّمْسِ» رواه الترمذي عن أنس رضي الله عنه.
ومن الأحاديث أيضًا قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «يَوْمُ الْجُمُعَةِ اثْنَتَا عَشْرَةَ سَاعَةً، فِيهَا سَاعَةٌ لَا يُوجَدُ عَبْدٌ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ اللهَ شَيْئًا إِلَّا آتَاهُ إِيَّاهُ، فَالْتَمِسُوهَا آخِرَ سَاعَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ» رواه أبو داود والنسائي والحاكم من حديث جابر رضي الله عنه.
وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ فِي الجُمُعَةِ سَاعَةً لاَ يَسْأَلُ اللهَ العَبْدُ فِيهَا شَيْئًا إِلا آتَاهُ الله إِيَّاه»، قالوا: يا رسول الله، أية ساعة هي؟ قال: «حِينَ تُقَامُ الصَّلاةُ إِلَى انْصِرَافٍ مِنْهَا» رواه الترمذي وابن ماجه عن عمرو بن عوف رضي الله عنه.
وعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «ابْتَغُوا السَّاعَةَ الَّتِي تُرْجَى فِي الْجُمُعَةِ بَيْنَ صَلَاةِ الْعَصْرِ إِلَى غَيْبُوبَةِ الشَّمْسِ، وَهِيَ قَدْرُ هَذَا»، يقول: قبضة. رواه الطبراني في "الكبير".
وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنِّي كُنْتُ قَدْ أُعْلِمْتُهَا -يعني ساعة الجمعة-، ثُمَّ أُنْسِيتُهَا كَمَا أُنْسِيتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ» رواه ابن ماجه وابن خزيمة والحاكم عن أبي سعيد رضي الله عنه.
وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «هِيَ مَا بَيْنَ أَنْ يَجْلِسَ الْإِمَامُ إِلَى أَنْ تُقْضَى الصَّلَاةُ -يعني ساعة الإجابة-» رواه مسلم عن أبي موسى رضي الله عنه.
دعاء زهران: تعليم الأبناء الإنتماء للوطن واجب وطني علي كل أم مصريةوالواضح من هذه الأحاديث إثبات أن في يوم الجمعة ساعة لا يرد فيها الدعاء، وقد ذكرت هذه الأحاديث صفة هذه الساعة كما ورد في حديث أبي هريرة رضي الله عنه من أنها ساعة خفيفة، وحديث الطبراني السابق عن أنس رضي الله عنه، وورد في رواية سلمة بن علقمة عند البخاري: ووضع -أي النبي صلى الله عليه وآله وسلم- أنملته على بطن الوسطى أو الخنصر، قلنا: يُزهِّدها. فالمأخوذ من ذلك أن وقت الإجابة في يوم الجمعة ليس وقتًا كبيرًا، بل هو وقت لطيف لا يهتدي إليه إلا من وُفِّق، هذا من حيث صفتها، أما من حيث تحديدها فالأقوال في ذلك كثيرة، أوصلها الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (2/ 416 وما بعدها، ط. دار المعرفة) إلى ثلاثة وأربعين قولًا، لكنه عقَّب قائلًا: [ولا شك أن أرجح الأقوال المذكورة حديث أبي موسى، وحديث عبد الله بن سلام] اهـ.
وهذان القولان هما أنها الساعة التي بين أذان الجمعة وانقضاء الصلاة، أو الساعة التي بعد العصر إلى أن تغرب الشمس، فكل واحدة من هاتين الساعتين تُرجى فيها إجابة الدعاء؛ قال الإمام أحمد: أكثر الأحاديث في الساعة التي تُرجى فيها إجابة الدعوة أنها بعد صلاة العصر، وتُرجى بعد زوال الشمس. انظر: "سنن الترمذي" (2/ 360، ط. مصطفى الحلبي).
أفضل دعاء بوقت اذان الفجرمسألة خلافية
فتحديد وقت إجابة الدعاء في يوم الجمعة مسألة خلافية، حتى إن من رجَّح قولًا معيَّنًا لم يحكم على باقي الأقوال بالتخطئة، وفي ذلك يقول الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (2/ 422): [وسلك صاحب الهدى مسلكًا آخر فاختار أن ساعة الإجابة منحصرة في أحد الوقتين المذكورين، وأن أحدهما لا يعارض الآخر لاحتمال أن يكون صلى الله عليه وسلم دلَّ على أحدهما في وقت وعلى الآخر في وقت آخر، وهذا كقول ابن عبد البر: الذي ينبغي الاجتهاد في الدعاء في الوقتين المذكورين، وسبق إلى نحو ذلك أحمد، وهو أولى في طريق الجمع، وقال ابن المنير في الحاشية: إذا علم أن فائدة الإبهام لهذه الساعة ولليلة القدر بعث الداعي على الإكثار من الصلاة والدعاء، ولو بيَّن لاتكل الناس على ذلك وتركوا ما عداها، فالعجب بعد ذلك ممن يجتهد في طلب تحديدها] اهـ.
فالتقيد بوقت محدِّد والتشبث به على أنه وقت الإجابة يوم الجمعة وإنكار كون باقي الأوقات فيه وقتًا للإجابة؛ غير سديد، فينبغي للعبد أن يكون مثابرًا على الدعاء في اليوم كله فيعظم بذلك الأجر.
إذا علم ذلك فلا بأس بالدعاء عندما يجلس الإمام بين الخطبتين، فهذا الوقت داخل فيما قيل إنه ساعة الإجابة يوم الجمعة، يعني بين أذان الجمعة وانقضاء الصلاة، فعلى هذا يكون الدعاء أثناء جلسة الإمام بين الخطبتين مشروعًا لإصابة ساعة الإجابة على رأيٍ، ولا ينبغي الإنكار على من يفعل ذلك أو يتركه، فالمسألة خلافية لا حَجر فيها على رأي بعينه أو قول بذاته.