بينما تشهد مصر والعالم الذكرى السنوية الثانية المؤسفة للغزو الروسي الوحشي لأوكرانيا، وانتهاك السيادة الذي لا نظير له في أوروبا الحديثة، فمن الضروري للغاية، كمستهلكين للأخبار، أن نزيد من يقظتنا ضد ما هو خفي والذي يعد كذلك أخطر تهديد.

التضليل الروسي موجود في كل مكان.

في الواقع، في عالمنا الرقمي حيث تتدفق كميات هائلة من المعلومات التي تبدو أنها لا تنتهي عبر هواتفنا، وساعاتنا، وأجهزة الكمبيوتر الخاصة بنا - وإلى أذهاننا وقلوبنا، لم تعد الحرب من أجل الحقيقة ذات أهمية.

إن غزو أوكرانيا بمثابة تذكير حقيقي بالمدى الذي قد تذهب إليه بعض الدول لإعادة صياغة الروايات، والتلاعب بالرأي العام، وإخفاء حقيقة أفعالها، لأنه في الحب والحرب، تعد القلوب والعقول ذات أهمية.

التضليل والدعاية بالطبع ليست بمفاهيم جديدة، لكن روسيا حوّلت معركة الرواية إلى جبهة واضحة وجلية في غزوها. وقد رفعها بوتين إلى مستوى سلاح استراتيجي؛ سلاح تم نشره وترقيته – مثل القوات الجوية أو البحرية – إلى فيالق متطورة ومتعددة الأوجه للسيطرة على السرد المحيط بالصراع في أوكرانيا في الداخل والخارج.

وبطبيعة الحال، نجح الكرملين، من خلال صياغة الرواية في الداخل، في بناء واقع مضاد يبرر أفعاله في عيون شعبه، ونجح كذلك في تبييض جرائمه وفظائعه في الخارج. وقد تمت إثارة الجينغوية لتبديد المعارضة، في حين يتم تغذية المواطنين الروس بنسخة منسقة بعناية من الأحداث يوما بعد يوم، ودقيقة بعد دقيقة، والتي تصور روسيا وقواتها كعناصر فاعلة وخيرة تدافع عن البلاد من "النازيين" الأوكرانيين، بدعم من قوات الأمن العدو القديم، "الغرب".

والأبعد من ذلك، تسعى حملات التضليل في الدول ذات الأهمية الاستراتيجية للسياسة الخارجية الروسية، بما في ذلك مصر بالطبع، إلى تعكير المياه وزرع الارتباك بين المؤثرين على الرأي العام وصناع القرار.

لا أحد، ولا حتى المصريين، محصن ضد هذا التلاعب بالمعلومات. وفي الواقع، فإن إحدى الأجهزة الأساسية في ترسانة المعلومات المضللة الروسية هي نشر الروايات الكاذبة من خلال وسائل الإعلام التي تسيطر عليها الدولة. على سبيل المثال، تحظى قناة RT بالعربية بشعبية كبيرة في مصر ولا سيما على وسائل التواصل الاجتماعي حيث يتابعها الملايين والملايين من المتابعين.

لكن تسليح هذه القنوات لا يقتصر على نشر الأكاذيب. كما أننا نشهد مؤامرات إظهار «أجزاء صغيرة من الحقيقة»، والتلاعب بأنصاف الحقائق. لقد تعلمت روسيا استغلال خطوط الصدع القائمة داخل المجتمعات لتضخيم الانقسامات، واستغلال التحيزات الموجودة مسبقا، ودفع المجتمعات المختلفة للانضمام إلى جانبها. على سبيل المثال، يتم تصوير الأوكرانيين على أنهم "نازيون" و"فاشيون" في نظر البعض، وعلى أنهم "عملاء الغرب" الذين يقوضون القيم الأسرية المحافظة في نظر البعض الآخر. وهذا يضعف فرص أي استجابة جماعية لتدابيرهم بين صناع القرار.

عندما يتعرض المواطنون لوابل من الروايات المتضاربة ونظريات المؤامرة، فإن الخطوط الفاصلة بين الحقيقة والخيال تتلاشى، مما يؤدي إلى انهيار الثقة في جميع المعلومات المتعلقة بالحرب، وما يعرف بالقدرية السلبي، أو ما أسماه البعض "التعب في أوكرانيا". تصبح القضية "معقدة" وساخنة للغاية لدرجة أن كلا الجانبين "لا بد أن يكونا على خطأ" - ويصبح الموقف المفضل هو عدم وجود رأي والجهل السلبي. كمصريين، لدينا ما يكفي من القضايا الخاصة بنا، فضلًا عن الحرب الوحشية في غزة التي تقع على عتبة بابنا، والتي يجب أن نأخذها بعين الاعتبار.

ولذلك، فإن التعامل مع الحقائق المعقدة للصراع البعيد في أوروبا، يصبح عبئًا معلوماتيًا آخر من الأفضل للكثيرين تجاهله.
ومع ذلك، معرفة الحقيقة أمر مهم.

وكما نتوقع من جيراننا أن يحترموا السيادة، ينبغي كذلك لحلفائنا أن يفعلوا ذلك. علاوة على ذلك، من واجبنا التأكد من دقة المعلومات التي تصل إلى قلوب وعقول أمتنا.

ويتطلب هذا بالفعل اتباع نهج شمولي. يجب على الحكومة وشركات التواصل الاجتماعي والمجتمع المدني ومجموعات الإعلام أن تكون يقظة فيما يتعلق بالتدخل الأجنبي. لدينا بالطبع قيمنا الخاصة التي نريد حمايتها. وعلى الرغم من أنها مسألة مثيرة للجدل، فإن المنظمات غير الحكومية - التي تحتاج أيضًا إلى الرقابة من حيث الإدارة والتمويل - وكذلك المنظمات المستقلة لتدقيق الحقائق والباحثين الأفراد والأكاديميين والناشطين ستلعب دورًا حيويًا في مساءلة كل من الحكومات ووسائل الإعلام.

تتقاتل الجهات الفاعلة العالمية مرة أخرى من أجل قلوب وعقول المصريين. ويتم مغازلة صناع قراراتنا وتعد انتماءاتنا الجيوسياسية مرغوبة. لذا، فبينما نتأمل الذكرى السنوية الثانية للغزو المروع والدموي، مهما كان معقدًا ومربكًا، يتعين علينا أن نحافظ على ولائنا للحقيقة. ويجب أن نكون يقظين فيما يتعلق بالادعاءات والتحقق من مصادرها ومراجعتها مرة أخرى، أي البحث دائمًا عن آراء ووجهات نظر عديدة.

وكما نقرأ في قرآننا الكريم، » لِّيَجۡزِيَ ٱللَّهُ ٱلصَّـٰدِقِينَ بِصِدۡقِهِمۡ وَيُعَذِّبَ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ إِن شَآءَ أَوۡ يَتُوبَ عَلَيۡهِمۡ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُورٗا رَّحِيمٗا.«

المصدر: بوابة الفجر

إقرأ أيضاً:

علي جمعة: منكرو السنة يسعون في الحقيقة لهدم الدين

عقد جناح الأزهر الشريف بمعرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الـ 56،اليوم الجمعة، ندوة بعنوان "القرآنيون.. لماذا أنكروا السنة؟"، شارك فيها  الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، الدكتور محمد الضويني وكيل الأزهر الشريف، الدكتور محمد عبد الدايم الجندي، أمين عام مجمع البحوث الإسلامية، وأدارها الإذاعي القدير سعد المطعني.

وقال الدكتور على جمعة، عضو هيئة كبار العلماء، إن الندوات الحوارية الأزهرية "سنة حميدة" سنها فضيلة الإمام الأكبر  أحمد الطيب، شيخ الأزهر بمعرض القاهرة الدولي للكتاب، الذي يعد أكبر المعارض في العالم العربي والإسلامي، مؤكدًا أن مصر لها القيادة والريادة في العلوم بأزهرها وعلومها وشيوخها وتراثها.

وأوضح عضو "كبار العلماء"، أن إنكار السنة بدأ بطرق ومراحل مختلفة منذ عصر الخوارج، وهم من نسميهم «النابتة»، مبينا أنهم لم ينكروا السنة بالكيفية التي ينكرها بها القرآنيون الآن، حيث إنهم مع إنكارهم للسنة تمسكوا بالإجماع وتشددوا في الدين، ثم بعد ذلك تم القضاء على الخوارج سنة ٨٢ ه‍، وظللنا لا نسمع عنهم حتى القرن الرابع الهجري، حين ظهرت نابتة منهم في المغرب وقُضي عليها، ثم خرجت منهم بوادر أخرى في القرن الثالث عشر الهجري، لكنهم أيضا لم يكونوا على حد أولئك الموجودين الآن.

وأضاف جمعة أن القرآنيين يمكن تقسيمهم من ناحية إنكارهم للسنة إلى طائفتين، «طائفة مع إنكارها لم تخرج عن الإسلام»، وذلك لعدم إنكارهم للإجماع، و«طائفة أخرى خرجت عن الإسلام»، لأنهم أنكروا السنة بالإضافة إلى جميع المصادر، موضحًا أن إنكار السنة بدأ في العصر الحديث منذ الاحتكاك بالاحتلال الانجليزي في الهند.

وبيّن الدكتور علي جمعة، أن من أبرز أسباب إنكار السنة، هي الصدام عند عدم التهيؤ، وعدم القدرة على الرد على الشبهات، والخلل العقلي والنفسي، والهوى، والجهل بصحيح الدين وبما فعله المسلمون الأوائل للحفاظ على السنة النبوية المشرفة، مؤكدًا أن هؤلاء المنكرون هم في الحقيقة يريدون هدم الدين وليس إنكار السنة، لكنهم لو صرحوا بذلك سرعان ما يفشلون فشلاً تامًا، مشددًا على أنه من الواجب علينا أن ندرب أبناءنا على التوثيق ونمكنهم من اللغة ونربيهم على الأخلاق حتى نستطيع تحصينهم من الانسياق خلف تلك الدعاوي الهدامة.

وخلال مشاركته بالندوة، وجه الدكتور محمد الضويني وكيل الأزهر الشريف رسالة طمأنينة للشباب حول العالم، بأن الأزهر الشريف هو الحارس الأمين للسنة النبوية المطهرة ويقف بالمرصاد لمن يحاولون هدم صحيح الدين الإسلامي، مؤكدًا أن رسالة الأزهر الشريف تقوم على الاهتمام بكتاب الله وسنة رسوله الكريم دون تفريط أو إقصاء، ويفد إلى الأزهر الآلاف لينهلوا من علم الأزهر ورسالته التي تخدم الشريعة الإسلامية؛ وهناك علماء بالأزهر الشريف يدَّرسون علمه النافع في أروقة الأزهر وكلياته النظرية والعلمية، ويوثقون العلم وينقلونه من جيل إلى جيل ليحصنوا علومه الأصيلة من عبث العابثين وإنكار المنكرين، وهناك استنباط وتحصين مستمر للأحكام الشرعية وعلوم القرآن في كليات الشريعة والقانون، بهدف نشر الوعي التام بكتاب الله تعالى وهدى النبي الكريم. 

وأكد أن الأزهر الشريف سيظل منبعًا للعلم والعطاء يحمي السنة ويدافع عنها ويحصن عقول الأمة من الانحرافات الفكرية وعبث المنكرين.

من جانبه أكد الدكتور محمد الجندي، أمين عام مجمع البحوث الإسلامية، أن القرآنيون تركوا السنة واخترعوا إطروحات مضللة ومزيفة تحاول إسقاط دور السنة في الحياة والإنسانية كلها، مطالبًا بضرورة حماية الشباب من المخاطر الفكرية من خلال تعزيز الوعي وتوطيد الصلة بين العلم والتلقي الصحيح وصحة السند، موضحًا أن الأزهر الشريف يُحصّن الشباب فكريًا من خلال تقديم علم وسطي نافع بأسانيد صحيحة، ويركز على ضرورة تحصين عقولهم ضد الغزو الفكري باستخدام برامج فكرية تحميهم من التلوث الفكري، كما شدد أمين عام مجمع البحوث الإسلامية، على أهمية التعليم  والتدبر في حماية الوعي من الفيروسات الفكرية في عصر التكنولوجيا، مؤكدًا أن القرآن الكريم وسنة النبي صلى الله عليه وسلم هما المصدران الرئيسيان للعلم والتوجيه، ولا يجب إنكار أحدهما.

وأضاف الجندي أن القرآن الكريم لا يحتوي على أي تفريط، وجاء مؤكدًا على أهمية السنة النبوية وعدم إنكارها، لأن إنكار السنة يعني إنكار القرآن، واتباع السنة هو اتباع للقرآن الكريم وأحكامه، فالسنة هي المصدر الثاني للتشريع بعد القرآن، وقد عمل أهل السنة على تحصين العقول من خلال اتباع هدي النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، حيث تعلمنا  السنة مناسك الدين وتفصل القرآن الكريم، ويجب على الجميع محاربة التيارات  الحداثية التي تسعى لتطبيق أفكار غريبة تهدف إلى هدم الدين، وتقديم تفسيرات مغلوطة للعلماء، في حين أن السنة تفسر وتوضح القرآن بإجماع العلماء، وتفصل أحكامه، مؤكدًا أن الابتعاد عن السنة يؤدي إلى التخبط الفكري والضلال وهدم المجتمعات.

ويشارك الأزهر الشريف - للعام التاسع على التوالي- بجناحٍ خاص في معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الـ 56 وذلك انطلاقًا من مسؤولية الأزهر التعليمية والدعوية في نشر الفكر الإسلامي الوسطي المستنير الذي تبنَّاه طيلة أكثر من ألف عام، ويقع جناح الأزهر بالمعرض في قاعة التراث رقم "4"، ويمتد على مساحة نحو ألف متر، تشمل عدة أركان، مثل قاعة الندوات، وركن للفتوى، وركن الخط العربي، فضلًا عن ركن للأطفال والمخطوطات.

مقالات مشابهة

  • حقيقة العاصفة الشمسية اللي الناس خايفة منها.. هل فعلا هتأثر علينا؟
  • هل تتحدث النساء أكثر من الرجال؟.. دراسة تكشف الحقيقة
  • علي جمعة: منكرو السنة يسعون في الحقيقة لهدم الدين
  • طلب إحاطة بالبرلمان لمواجهة حملات التضليل الإعلامي الإسرائيلية ضد مصر
  • المنطقة العسكرية «الساحل الغربي» تفنّد حملات التضليل في العجيلات
  • المنتدى السعودي للإعلام يطلق مبادرة “جسور الإعلام” التي تجمع Netflix وSony وShondaland بالمواهب السعودية
  • رئيس البرازيل: سنرد بالمثل إذا فرض ترامب رسوما جمركية علينا 
  • ليبرمان: علينا الانفصال عن غزة إلى الأبد
  • دعاء رؤية هلال شعبان 2025.. اللهم أهله علينا بالأمن والإيمان (فيديو)
  • الجزائر تتهم الاتحاد الأوروبي بممارسة التضليل السياسي في قضية الكاتب بوعلام صنصال