لماذا لا يدعم النظام العربي الفلسطينيين كما تدعم أمريكا إسرائيل؟!
تاريخ النشر: 13th, February 2024 GMT
لم يكن لـ"إسرائيل" أن تقوم بمحض الإرادة والقدرة الصهيونية؛ كيف ذلك والفكرة الصهيونية أصلا كانت وليدة طوائف من الكنائس البروتستانتية؛ وقد عدّها أكثر اليهود في حينه فكرة معادية للسامية، لكونها تقاطعت في ملابساتها التاريخية مع "المسألة اليهودية" في أوروبا، وقصدت إلى إقامة "إسرائيل" لأهداف مسيحانية خلاصية لتلك الطوائف تفضي إلى التخلّص من اليهود نهاية الأمر بحسب تلك التصوّرات المسيحانية.
وبقطع النظر عن الأسباب الثقافية التي تحصّل للحركة الصهيونية هذا القدر الهائل من الدعم طوال تاريخ الكيان الإسرائيلي، ومهما كانت الأغراض الاستراتيجية والسياسية للغرب من تأسيس "إسرائيل" في قلب المشرق العربي؛ فإنّ هذا الكيان لم يقم إلا بالتمهيد والتشييد الاستعماري الفرنسي/ والبريطاني، وتحديدا البريطاني.
وإذا كان استعمار تركة الدولة العثمانية قد أخذ صيغة الانتداب فيما صار العراق وسوريا ولبنان وشرقي الأردن، فإنّه خصّ فلسطين بنمط خاص من الإدارة البريطانية بما ينسجم مع إرادة إقامة كيان استعماريّ دائم فيها، عبّر عنه أوّل الأمر ما عُرِف بوعد بلفور، الأمر الذي يحتّم أخذ السياسة الاستعمارية تلك في سياق واحد، أي هندسة محيط فلسطين، بما يخدم تأسيس الكيان الإسرائيلي.
كيف يمكن تفسير مواقف الامتناع العربي عن نصرة الملاحقين بالإبادة والنار والجوع والعطش في غزّة، ولو بالكلمة؟ بل إنّ دولا كبيرة في الإقليم العربي، ولأسباب غامضة تجعل في صدارة اشتغالاتها الدعائية تنظيم الحملات للحطّ من الشعب الفسطيني وقضيته، وإذا كانت حماس الآن الهدف الأساس من ذلك، فإنّها وفي السنوات السبع الأخيرة، أي منذ وصول ترامب إلى البيت الأبيض، وهي تقصد الفلسطينيين كلهم
المهم بعد ذلك أنّ هذا الكيان ظلّ قائما لا بمجرّد عوامل القوّة الذاتية التي طوّرها بنفسه لأجل استمراره وتعزيز تماسكه المجتمعي والمؤسسي؛ ولكن أيضا، وهو الأهم، بشروط التأسيس ذاتها، أي الدعم الغربي المطلق، المستند اليوم وقبل أيّ شيء إلى الولايات المتحدة، تمويلا وتسليحا وهيمنة على العالم، ثمّ إلى المنطقة العازلة المهندسة استعماريّا في السياق ذاته الذي جرى فيه تأسيس الكيان الإسرائيلي.
عوامل قوّة الكيان الإسرائيلي واستمراره واضحة؛ ولا تحتاج مزيد بيان ولا كثير استدلال، وإن كانت حربه العدوانية الأخيرة على قطاع غزّة قد جعلت الأمر مقطوعا به من حيث؛ أولا أنّه ما كان له الاستمرار حتى اللحظة إلا بالدعم المطلق الذي يطلق يده بلا قيود في دم الفلسطينيين، وآلياته بلا كوابح في أرضهم، إلا قيود التدبير وكوابح المصلحة لأجل ضمان أهدافه ومنع ممارسته الإجرامية من الركون المطلق للقوة والانفلات الكامل من حسابات الاستراتيجيا، وهذا الذي يفعله الأمريكي؛ توفير كلّ ما يلزم من دعم وحماية، ثمّ تدبير سبل حماية الإسرائيلي من نفسه وحماقاته، وثانيا أنّه قويّ ومستمرّ بالتردي العربي المحيط، المتسم بالعجز والتواطؤ بما ينفي أيّ شكّ في أنّ الموقف العربي الحقيقي يطوي على عداء للقضية الفلسطينية من حيث أصلها بقطع النظر عمّن يمثّلها أو يرفع رايتها، فالممثل الجاد لها، والمقاتل الصادق باسمها، ينبغي ترويضه واحتواؤه وإعادة تشكيله، أو سحقه!
كيف يمكن تفسير مواقف الامتناع العربي عن نصرة الملاحقين بالإبادة والنار والجوع والعطش في غزّة، ولو بالكلمة؟ بل إنّ دولا كبيرة في الإقليم العربي، ولأسباب غامضة تجعل في صدارة اشتغالاتها الدعائية تنظيم الحملات للحطّ من الشعب الفسطيني وقضيته، وإذا كانت حماس الآن الهدف الأساس من ذلك، فإنّها وفي السنوات السبع الأخيرة، أي منذ وصول ترامب إلى البيت الأبيض، وهي تقصد الفلسطينيين كلهم شعبا وقضية بالتشويه والتحطيم!
إذا كان هذا حال الكلمة الممنوعة في بعض البلاد المشغولة دولها بتنظيم حفلات الرقص والغناء ومهرجانات الكلاب، أو إشاعة البهجة بإنجازات كروية عابرة؛ والمذبحة في غزة قائمة، فكيف بالفعل؟! لم يعد الأمر منحصرا في الامتناع عن إغاثة الفلسطينيين بالدواء والغذاء، ولكنه صار معلنا في مدّ الإسرائيلي بمقوّمات الاستمرار في إبادة الشعب الفلسطيني.
يفسّر البعض الموقف العربيّ هذا بالموقف من التيار الإسلامي الذي يُكنّ له النظام العربي عداء أيديولوجيّا راسخا، ومن ثمّ فمحدّد الموقف من الحرب الإسرائيلية الراهنة على غزّة هو العداء لحماس؛ أحد أهمّ تجلّيات التيار الإسلامي بقاء وإلهاما
يفسّر البعض الموقف العربيّ هذا بالموقف من التيار الإسلامي الذي يُكنّ له النظام العربي عداء أيديولوجيّا راسخا، ومن ثمّ فمحدّد الموقف من الحرب الإسرائيلية الراهنة على غزّة هو العداء لحماس؛ أحد أهمّ تجلّيات التيار الإسلامي بقاء وإلهاما. لكن هل هذا تفسير كامل؟!
يمكن بيان قصور هذا التفسير بالتاريخ العربي الطويل مع القضية الفلسطينية من الهزائم العربية التي أضاعت فلسطين في حربيّ 1948 و1967، في حين يُمنّ على الفلسطينيين بأنّ بلادا عربية خاضت حروبا عديدة لأجلهم، نصف هذه الحروب أضاع فلسطين، وأكثرها لم يكن لأجل فلسطين ولا بسببها! لا حاجة للعودة إلى هذا التاريخ، والذي منه تصفية المقاومات الفلسطينية في المحيط العربي، وتمرير اجتياح لبنان عام 1982، فيكفي التذكير بالكيفية التي تُرِك فيها ياسر عرفات وحده بين الدبابات الإسرائيلية، دون أدنى جهد لإخراجه من الحصار لحضور القمّة العربية في بيروت في 2002، التي لم تفعل شيئا إزاء المجازر الإسرائيلية في الانتفاضة الثانية، سوى مكافأة الإسرائيلي بعرض "المبادرة العربية للسلام"، وهي عادة عربية أثيرة منذ العام 1982، إذ يكافأ الإسرائيلي بعد كلّ مجزرة وغزو واجتياح بعرض سخيّ للسلام معه!
لم يكن ياسر عرفات منتميّا لما يُسمّى "الإسلام السياسي"، بل كان جزءا من النظام الرسمي العربي، كما أنّ عمليات التطبيع العربي التحالفي، التي مثّلت ذروة الإعلان العملي والنهائي عن التخلّي عن القضية الفلسطينية، كانت مع بنيامين نتنياهو، زعيم الحكومة الموصوفة بأنها الأكثر تطرفا في تاريخ الكيان الإسرائيلي، أليس لذلك دلالة؟! ألم يكن الحديث قبل 7 تشرين الأول/ أكتوبر عن تطبيع لا يعد الفلسطينيين بشيء سوى تحسين ظروف حياتهم؟! وكأنّ الفلسطينيين ليسوا بشرا لهم الحقّ في الحرية والكرامة لا في مجرد تحسين ظروف الحياة! ألا تُذكّر عبارة كهذه (تحسين ظروف الحياة) بوصف وزير الحرب الإسرائيلي غالانت للفلسطينيين بأنهم "حيوانات بشرية"؟! إنّ ذلك كلّه لا يستهدف حماس بل فلسطين وقضيتها وشعبها!
ما ينبغي أن نصدقه هو ما نشرته "WSJ" من أنّ دولا عربيّة تعهّدت بتمويل إجلاء الفلسطينيين من رفح وبناء مدن خيام لهم في حال أكمل الاحتلال حربه في رفح، ما يريده هؤلاء هو سحق حماس وترهيب شعوبهم وكلّ من يفكّر برفع رأسه. أمّا أمريكا فما تحاول إظهاره من مسافة تفصلها عن نتنياهو الآن بعدما غطّت حربه طوال الشهور الماضية بكل ما يلزم لاستمرارها، ليس أكثر من عبث سادي بالفلسطينيين وسخرية مستخفّة بالعالم
يحقّ للفلسطينيين أن يتوقعوا دعما عربيّا يضاهي الدعم الأمريكي للكيان الإسرائيلي، ليس بالضرورة من حيث الحجم، لتباين القدرات، ولكن من حيث صدق الإرادة وصلابة العزيمة. إذا كانت أمريكا تتبنى الكيان الإسرائيلي لأسباب ثقافية واستراتيجية، فإنّ الأسباب العربية لدعم الفلسطينيين لا تقلّ عن ذلك، وبما أنّ العرب لا يفعلون، بل يفعلون النقيض تماما، فهذا لا يُفسّر إلا بالتأسيس الاستعماري للنظام الإقليم العربي، بحيث ظلّت الهيمنة الاستعمارية تتعمّق حتى أفقدت النظام العربي أدنى إدراك لمصالح عامّة تعلو على مصالح النخب الحاكمة، والتي ترى في فلسطين عنصر تسييس وتحشيد وتنوير للجماهير العربية، فتصير فلسطين، والحالة هذه عدوّا، ومع حماس يزداد العداء الموجود قبلها.
لا ينبغي أن نُصدّق بعد ذلك كلّه، أنّ أحدا في هذا النظام العربي مستاء من حرب الإبادة على قطاع غزّة والجارية في شهرها الخامس، لا أحد يريد أن يمنع الإسرائيلي من استباحة مدينة رفح، ولا أحد يريد منع مئات المجازر المحتملة في مدينة صار يتكدس فيها أكثر من 1.2 مليون فلسطيني نازح. ما ينبغي أن نصدقه هو ما نشرته "WSJ" من أنّ دولا عربيّة تعهّدت بتمويل إجلاء الفلسطينيين من رفح وبناء مدن خيام لهم في حال أكمل الاحتلال حربه في رفح، ما يريده هؤلاء هو سحق حماس وترهيب شعوبهم وكلّ من يفكّر برفع رأسه. أمّا أمريكا فما تحاول إظهاره من مسافة تفصلها عن نتنياهو الآن بعدما غطّت حربه طوال الشهور الماضية بكل ما يلزم لاستمرارها، ليس أكثر من عبث سادي بالفلسطينيين وسخرية مستخفّة بالعالم!
فتحت "حماس" فرصة للعرب للدخول في التاريخ من جديد من باب مشرّف، إلا أنّهم أبوا إلا تصفية القضية الفلسطينية بدعم حرب الإبادة الإسرائيلية.
twitter.com/sariorabi
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه إسرائيل فلسطين حماس غزة إسرائيل فلسطين حماس غزة العالم العربي مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الکیان الإسرائیلی التیار الإسلامی النظام العربی الموقف من من حیث لم یکن
إقرأ أيضاً:
لماذا يتجاهل السيسي دعوات إخلاء سبيل المعتقلين؟.. تصاعد الانتهاكات في السجون
في الوقت الذي تتواصل فيه الدعوات للاصطفاف مع النظام المصري بمواجهة خطط الرئيس الأمريكي دونالد ترمب نحو المنطقة العربية، تتفاقم فيه معاناة المصريين مع سياسات البطش الأمني، التي زادت مؤخرا معدلات جرائمها بالمخالفة للقانون والدستور، متجاهلة دعوات حقوقية بإخلاء سبيل المعتقلين السياسيين لزيادة اللُحمة الوطنية.
آخر الأزمات الأمنية المثيرة لمخاوف المصريين، كان قيام نجل ضابط شرطة في مدينة "15 مايو" بحلوان جنوب العاصمة المصرية القاهرة، بإطلاق الرصاص من سلاح والده الميري على الشاب مصطفى على (21 عاما)، إثر خلاف بينهما، محدثا به إصابة بالغة يقبع على إثرها بالمشفى، بحسب "الشبكة المصرية لحقوق الإنسان".
وفي فاجعة جديد انتحر المعتقل المصري السابق مصطفى محمد أبوالوفا، بتناول حبة الغلة السامة، وذلك بعد معاناة طويلة مع المرض النفسي وتبعات اعتقاله بتهمة الانضمام لـ"تنظيم الدولة"، حيث ظهر بمقطع مصور يقول: "لن أسامح من ظلمني".
هذا مصطفى بن محمد محادثة بيني وبينه ( أبيض #من جوا )كما قال لي #الله يغفر له ويرحمه ويتجاوز عنه ينشر ما ننشره ليل... تم النشر بواسطة أحمد السادات عيد في الأربعاء، ١٩ فبراير ٢٠٢٥
وفي أزمة ثالثة، توفي المعتقل خالد أحمد مصطفى داخل محبسه بسجن العاشر، في وضع اعتبر "مركز الشهاب لحقوق الإنسان" أنه يؤكد "استمرار تدهور أوضاع السجون وغياب الرعاية الصحية عن المعتقلين".
وبحسب رسالة استغاثة من زوجته فقد المعتقل منذ 6 سنوات السيد سليمان، بصره بسبب الإهمال الطبي داخل سجن بدر، وسط تجاهل السلطات مطالبات الإفراج عنه.
وكشف تقرير بعنوان: "الصمت القاتل تجاه الاضطرابات النفسية في السجون"، لـ"المفوضية المصرية للحقوق والحريات"، عن تزايد حالات انتحار السجناء والسجينات، موجها اتهامه للنيابة العامة بالصمت وتجاهل المشكلة.
وبعد إنكار سجن "برج العرب" شمال غرب البلاد، لوجوده؛ تقدمت زوجة النقابي العمالي شادي محمد، ببلاغ للنائب العام حول اختفاء زوجها قسريا منذ اعتقاله إثر رفع لافتة دعم فلسطين، نيسان/ أبريل الماضي.
وكشف شاهد عيان عن حجم رداءة أوضاع المحبوسين بأماكن الاحتجاز، مع انعدام النظافة والازدحام الشديد وانتشار الحشرات، في حديثه للشبكة المصرية لحقوق الإنسان، مؤكدا أن احتجازه أسبوعين بقسم شرطة قصر النيل بالقاهرة أصابه بأمراض جلدية مختلفة بينها "الجرب".
والثلاثاء الماضي، قررت نيابة أمن الدولة العليا، حبس 25 شابا، كانوا مخفيّين قسريا، مع تجديد حبس المحامية الحقوقية فاطمة الزهراء غريب، المعتقلة على خلفية كتابة عبارات مناهضة للسيسي على جدران أبنية حكومية بمدينة أسوان (جنوب).
وأعلن المحامي الحقوقي خالد علي، الأحد الماضي، عن اعتقال 59 شابا الفترة الماضية وحبسهم احتياطيا بسبب أحاديث وفيديوهات على وسائل وجروبات التواصل الاجتماعي.
وفي تقرير "منظمات تحالف المادة 55"، حول الأوضاع داخل مراكز ومقار الاحتجاز عن كانون الثاني/ يناير الماضي، كشف عن الكثير من الانتهاكات الجسيمة، مؤكدة أنها "تعكس سياسات ممنهجة تتناقض مع نصوص الدستور والمعايير الدولية لحقوق الإنسان".
"دعوات لإخلاء السبيل"
ووجهت "منظمة العفو الدولية"، الأربعاء، ندائها للسلطات المصرية بأن تُفرج فورا عن عشرات الذين اعتُقلوا تعسفا وجرت مقاضاتهم بتهم تتعلق بالإرهاب، لنشرهم محتوى على الإنترنت يدعو لإنهاء حكم رئيس النظام عبد الفتاح السيسي.
وقبل حلول شهر رمضان المحتمل مطلع آذار/ مارس المقبل، تتواتر الدعوات لإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، وبينما جاءت إحداها من نقيب الصحفيين خالد البلشي، انطلقت اثنتين منها على لسان المحامي الحقوقي وعضو لجنة العفو الرئاسي، طارق العوضي، والإعلامي عمرو أديب.
وناشد العوضي، السيسي، مع اقتراب رمضان، أن "يمد يده بالعفو والرحمة إلى الأسر المصرية التي تعيش على أمل اللقاء"، كما قال أديب: "سيحل رمضان، ولدي أمل بعودة الإفراج عن سجناء الرأي"، فيما طالب البلشي، بالإفراج عن 25 صحفيا قبل رمضان.
ما دفع البعض للتكهن باحتمال أن تكون تلك المطالبات تمهيد لقرار عفو رئاسي عن بعض المعتقلين، أو تهدئة للشارع المصري في ظل حالة الغضب من خطط الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتهجير الفلسطينيين إلى مصر.
"لا يعنيه فقدان الأعمار والحياة"
وهنا تقول الحقوقية المصرية هبة حسن، إن "دعوات الاصطفاف كان بالإمكان أن يكون لها معنى وقيمة لو أن الشعب المصري بتنوع أطيافه يشعر بأقل قدر من انتماء هذا النظام له أو اهتمامه بمصالحه أو حرصه على أقل قيم العدالة والكرامة بل والإنسانية تجاه هذا الشعب".
وفي حديثها لـ"عربي21"، تضيف مديرة "التنسيقية المصرية للحقوق والحريات": "دعوات الاصطفاف للأسف تمثل دعوة للوقوف خلف نظام لم يترك للمصريين مساحة يشعرون فيها بأدنى درجات وضعهم في الاعتبار؛ فضلا عن تلبية طموحاتهم من كرامة وحرية، بل ولا حتى لقمة عيش تسد حاجتهم".
وعن استمرار الانتهاكات الحقوقية والجرائم الأمنية بحق المصريين وما تؤدي إليه هذه الانتهاكات من فقدان الأعمار وصولا لفقدان الحياة نفسها، فلا ترى حسن، أن "النظام يلتفت إليها فضلا أن يهتم ويحقق أو يوقف نزيف الأرواح التي تؤدي إليه".
وتختم بالقول: "وربما حتى يعتقد المصريون أن معارضته لخطط ترامب ليست بحثا عن مصالح وطن أو مواطنين، ولكن قلقا على قدرة النظام للحفاظ على قبضته الأمنية للبلد".
"سياسة عقابية ممنهجة"
من جانبه، يقول الحقوقي المصري أحمد العطار: "في الوقت الذي تحاول فيه السلطة المصرية حشد تأييد شعبي ورسمي لمواجهة التحديات الإقليمية، وعلى رأسها السياسات الأمريكية تجاه المنطقة، نجد أن الأوضاع الداخلية تتجه إلى مزيد من التأزم".
مدير الشبكة المصرية لحقوق الإنسان، يؤكد لـ"عربي21"، أن "الانتهاكات الحقوقية المتكررة تقوض أي دعوات للاصطفاف الوطني، لأن المواطنين الذين يُطلب منهم دعم النظام هم أنفسهم يعانون القمع، والاعتقالات التعسفية، والتضييق الأمني".
ويتساءل: "كيف يمكن بناء وحدة وطنية في ظل استمرار القتل خارج القانون، والانتحار بسبب القهر، والإخفاء القسري لمن يرفعون حتى شعارات إنسانية مثل دعم فلسطين؟، كما وثقنا ذلك في تقريرنا بالشبكة المصرية لحقوق الإنسان، وغيرنا من المنظمات المصرية والدولية".
"قتل وانتحار وإهمال وإخفاء"
وفي حديث العطار، عن جرائم القتل خارج القانون، تساءل: هل أصبح السلاح في يد الجميع؟"، مشيرا إلى أن "حادث إطلاق نجل ضابط شرطة الرصاص على الشاب مصطفى علي (21 عاما) تسلط الضوء على خطورة تفشي السلاح في أيدي غير المختصين، خاصة أبناء رجال الأمن، وما يعكسه ذلك من استغلال نفوذ وعدم محاسبة حقيقية للجناة".
ويوضح أنه "عندما يُستخدم السلاح الميري (المخصص لرجال الأمن فقط) في خلاف شخصي، فهذا يشير إلى غياب الرقابة والانضباط داخل المؤسسات الأمنية وأسر العاملين فيها"، مؤكدا أن "هذا النوع من الجرائم ليس الأول من نوعه، وقد شهدت مصر حالات مماثلة، ما يطرح تساؤلات حول مدى جدية الدولة في فرض سيادة القانون على الجميع، أم أن هناك فئات فوق القانون؟".
كما تحدث الحقوقي المصري، عن انتحار المعتقلين السابقين، متسائلا: "هل هو نتيجة القهر أم الإهمال؟"، مبينا أن "انتحار مصطفى أبوالوفا بعد فترة من إطلاق سراحه، بسبب معاناته النفسية جراء اعتقاله، يكشف البعد النفسي العميق لمعاناة المعتقلين السياسيين في مصر".
ويشير إلى أن "تجربة الاعتقال وما يصاحبها من تعذيب وإهانة وغياب للعدالة، تترك آثارا نفسية مدمرة قد تدفع البعض إلى إنهاء حياته، خاصة مع غياب الدعم النفسي والاجتماعي بعد الإفراج عنه".
ويلمح إلى أن "الفيديو الذي تركه أبوالوفا، والذي قال فيه: (لن أسامح من ظلمني)، يلخص معاناة كثير من المعتقلين السابقين الذين يجدون أنفسهم خارج السجن لكنهم في واقع الأمر لم يغادروا دائرة القهر، حيث يواجهون التهميش والوصم الاجتماعي وغياب الفرص".
وعن الإهمال الطبي في السجون، يؤكد العطار أنه "إعدام بطيء"، ويلفت إلى أن "وفاة خالد أحمد مصطفى بسجن العاشر بسبب الإهمال الطبي ليس حادثا فرديا، بل جزء من نمط متكرر بالسجون، حيث يتم تجاهل الحالات الصحية الحرجة، ما يؤدي إلى موت بطيء للمعتقلين".
ويقول إن "تقارير المنظمات الحقوقية تشير إلى أن الإهمال الطبي أصبح وسيلة غير مباشرة للتخلص من المعارضين السياسيين، إذ يتم حرمانهم من العلاج والأدوية والرعاية الصحية اللازمة، مما يؤدي إلى وفاتهم تدريجيا، في نهج يعكس سياسة عقابية ممنهجة وليس مجرد حالات فردية".
ويقول العطار إن "الإخفاء القسري أصبح مصير كل معارض"، ويلمح إلى "قضية اختفاء النقابي العمالي شادي محمد، بعد رفعه لافتة دعم فلسطين، تكشف عن مدى توسع دائرة القمع، بحيث لم تعد مقتصرة على المعارضين السياسيين التقليديين، وتمتد إلى النقابيين، والناشطين في القضايا الإنسانية".
ويرى أن "إخفاء شخص لمجرد إبداء موقف تضامني مع قضية فلسطين يعكس حساسية النظام تجاه أي شكل من أشكال التعبير الحر، حتى لو كان متماشيا مع التوجه العام للدولة".
هل يمكن أن يحدث تغيير؟
يعتقد الحقوقي المصري، أنه "رغم كل هذه الوقائع، لا توجد حتى الآن مؤشرات واضحة على أن السلطة المصرية بصدد تغيير سياساتها القمعية"، مضيفا: "وحتى عندما تخرج أصوات من داخل النظام، مثل الإعلامي عمرو أديب، مطالبة بالإفراج عن بعض المعتقلين، فإن هذه الدعوات تبدو شكلية وغير مؤثرة، حيث لا تتبعها إجراءات حقيقية".
ويستدرك: "لكن السؤال الأهم: هل يمكن أن يستمر هذا النهج طويلا دون تداعيات؟، مجيبا بالقول: "داخليا، استمرار القمع بهذا الشكل قد يؤدي إلى انفجار اجتماعي، خاصة في ظل التدهور الاقتصادي المتزامن مع القمع السياسي، ودوليا، تتزايد الضغوط على مصر من منظمات حقوقية ودول غربية، لكن النظام يعتمد على تحالفاته الإقليمية والدولية لتجنب أي مساءلة حقيقية".
يخلص للقول إن "ما يحدث حاليا يعكس أزمة متفاقمة بمجال حقوق الإنسان، حيث أصبحت الممارسات القمعية أكثر شراسة، سواء بالقتل خارج القانون، والإهمال الطبي، والإخفاء القسري، والتضييق على الحريات العامة".
ويختم مؤكدا أن "استمرار هذا النهج يجعل من الصعب تحقيق أي اصطفاف وطني حقيقي، لأن المواطنين لا يمكنهم دعم نظام يرون أنه ينتهك حقوقهم الأساسية يوميا؛ ما لم يكن هناك تغيير جذري بالسياسات الأمنية والقضائية، فإن هذه الانتهاكات ستظل مصدر توتر داخلي ودولي، وقد تؤدي لتداعيات لا يمكن التنبؤ بها على استقرار الدولة والمجتمع".
"وضع مفزع في توقيت صعب"
وفي رؤيته يقول السياسي المصري والبرلماني السابق، الدكتور عز الكومي، لـ"عربي21"، إن "دعوات الاصطفاف تلك فارغة وتقودها الأجهزة الأمنية والاستخباراتية لتبييض وجه النظام في ملف تهجير الفلسطينيين".
وكيل لجنة حقوق الإنسان ببرلمان 2012، يضيف: "ودليل أنها فارغة أن دعوات التظاهر عند معبر رفح والتي حشد لها الأمن المصري نهاية الشهر الماضي، في نهايتها نهب المتظاهرون شاحنة مساعدات إلى غزة، كما جرى اعتقال الذين تظاهروا من أنفسهم دعما للمقاومة ويتم تجديد حبسهم حتى الآن".
ويشير إلى أن "حديث عمرو أديب، بحكم أنه مقرب من النظام فقد يكون لديه إشارة بأن يوجه دعوته للإفراج عن المعتقلين السياسيين، وربما كان الهدف نوع من التهدئة للشارع وامتصاص الغضب والتنفيث كحالات التنفيث التي سبقت انتخابات البرلمان المصري عام 2010، والتي انتهت لاحقا بثورة 25 يناير 2011".
ويصف الكومي، الوضع الأمني والحقوقي في مصر بـ"المفزع"، ويستدرك: "ولكن هناك مقايضة عليه مع الغرب وأمريكا، بأن يغضوا الطرف عما يحدث مقابل حراسة الحدود الجنوبية للبحر المتوسط ومنع الهجرة غير الشرعية، وحراسة الكيان المحتل، وقمع الإسلام السياسي".
ويشير إلى "حادثة ساحل سليم في أسيوط الأحد الماضي، وقتل (خُط أسيوط" و8 آخرين، بعد أن خرج في بث مباشر سمى فيه بعض الضباط المتورطين في تجارة مخدرات وأسلحة وغيرها، وكذلك الشاب الذي يطلق الرصاص على آخر من سلاح والده الميري في مشهد معتاد، يأتي بعد تصريح السيسي في تشرين الأول/ أكتوبر 2013، بأنه لن يحاكم ضابط بعد اليوم".
وينتقد الكومي، ما يحدث بالسجون ويؤكد أنه "مأساة"، ويلفت إلى أنه "تم الكشف عن كثير منها خلال المراجعة الأممية الدورية الرابعة لملف مصر الحقوقي الشهر الماضي في سويسرا".
ويقول إن "النظام لا يريد الإفراج عن الإسلاميين المعتقلين والذين لا بواكي لهم والعالم لن يتحرك لأجلهم، ولكن ماذا عن علاء عبدالفتاح الناشط السياسي الذي يناشده العالم كله لإخلاء سبيله، ووالدته المضربة عن الطعام لأكثر من 140 يوما".
ويختم بالقول: "المنطقة تموج بأحداث تزلزل المنطقة من حرب غزة إلى إسقاط نظام بشار الأسد في سوريا، وحرب السودان"، ويوضح أن "هناك أحداث كبيرة ستلقي بظلالها على المنطقة ولكن العقلية الأمنية لا تفهم إلا القمع والقهر وتشديد القبضة الأمنية واعتقال كل من تم الإفراج عنهم والاستدعاء الأمني للكثيرين، واستمرار الانتهاكات التي طالت حتى النساء".