صالح الصماد.. العاشق للشهادة
تاريخ النشر: 13th, February 2024 GMT
وصفه سماحة الأمين العام لحزب الله اللبناني السيد حسن نصر الله بالقائد العزيز والكريم، وقال إن الشهيد الصماد قدم نموذجاً رائعاً للقائد الشجاع والمتواضع والمسؤول، والحاضر دائماً في الساحات والميادين، والعاشق للشهادة.
وُلد الرئيسُ الشهيد في بني معاذ بمديرية سحار بمحافظة صعدة شمالي اليمن سنة 1979م، وعاش -رحمه الله- في أسرة امتازت بالتقوى والصلاح، وحين سمع بالمشروع القرآني للشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي -رحمه الله- كان من أبرز المنضمين للمسيرة ثقافيًّا وسياسيًّا وعسكريًّا.
ذاع صيته كَثيراً مع ثورة الحادي عشر من سبتمبر 2014م، ثم مع العدوان الأمريكي السعوديّ على اليمن وتشكيل المجلس السياسي الأعلى بصنعاء في أغسطُس 2016، حَيثُ كانت الأحداث تتسارع، ومعها كان الرئيس الصماد أحد المؤثرين في تقلباتها.
رجل الإجماع الوطني
وصل الرئيس الصماد إلى السلطة بناء على اتّفاق بين المكونات السياسية المناهضة للعدوان، على أن تسلم اللجان الثورية مؤسّسات الدولة لهذا المجلس، حَيثُ كان رجل الإجماع الوطني ورجل المرحلة، وقاد اليمن في مرحلة حساسة جِـدًّا، واستطاع أن يكسب قلوب اليمنيين بصدقه ووفائه وحبه للوطن، كما كان تواقاً للشهادة والعمل الجهادي وإن جبهات القتال كانت أقرب إلى قلبه من العمل السياسي.
مر الرئيس الشهيد صالح الصماد بتجربة صعبة جِـدًّا في العمل السياسي، حَيثُ كانت هناك شراكة ما بين مكون “أنصار الله” وحزب “المؤتمر الشعبي العام”، وَأَيْـضاً في مواجهة العدوان الأمريكي السعوديّ، فكانت تجربة صعبة، وكانت الخلافات تزعجه كَثيراً من حَيثُ التعيينات وإدارة أمور الدولة واتِّخاذ الكثير من السياسَات ومن خلال العملية التفاوضية وغيرها، فلم يترك له المناخ المناسب أن يقوم بدوره الكامل لإدارة البلد بعيدًا عن الإملاءات التي تأتي من أعضاء المجلس، فكان ينزعج كَثيراً من التدخلات التي يقوم بها مباشرة الخائن علي عبد الله صالح أَو صالح الزوكا في التواصل مع ممثلي المؤتمر الشعبي في إطار المجلس السياسي الأعلى لاتِّخاذ مواقف ربما هم أنفسهم يرفضونها، كما كان ينزعج كَثيراً من انشغاله في الكثير من القضايا خارج الدوام الرسمي في لقاءات تستمر إلى الليل مع قيادات المؤتمر الشعبي العام، وكان يقول دائماً: “اتركوني أقود الدولة، فأنا لا أريد أن يشغلني المؤتمر ولا أنصار الله عن إدارة الحكم في اليمن، أعطوني مجالاً لأن أقوم بهذه الإدارة وبواجبي تجاهها”، بحسب ما ذكره أمين سر المجلس السياسي الأعلى بصنعاء الدكتور ياسر الحوري في حوار سابق مع صحيفة المسيرة.
وأطلق الرئيس الشهيد صالح علي الصماد في 26 مارس 2018، في الذكرى الثالثة لليوم الوطني للصمود مشروع بناء الدولة اليمنية (يد تبني ويد تحمي) والذي جاء تعبيراً عن الآليات والتصورات التي يمكن أن تعالج بها قضايا اليمن واليمنيين، حَيثُ كان يطمح الرئيس الشهيد إلى بناء دولة يمنية تليق بتضحيات اليمنيين، ولهذا كان يتحدث عن الاكتفاء الذاتي، وانتظام مؤسّسات وإدارات الدولة، وعن قضايا كثيرة، غير أنه استشهد –رحمه الله- قبل أن تكتمل الأفكار وينطلق بهذا المشروع، ليكون أمانة على الذين من بعده للعمل على تنفيذه وتطبيقه على أرض الواقع.
وكان في كَثيرٍ من اللقاءات التي يعقدها يتحدث بطلاقة وبنبرته المعروفة والإيمَـان العميق لله وحفظه للقرآن وملازم الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي، حَيثُ كان يقدمها بطريقة رائعة، وكان قبل اللقاء يطلب منه الإخوة أعضاء المجلس السياسي الأعلى ألا يدخل في الحديث السياسي قبل الحديث الديني، فكان يبحرُ في ملكوت الله بما أتاه الله من علم، فيربط الدينَ بالسياسة وبالواقع ويقدم صورة مجملة ومختصرة خلال نصف ساعة، فيحشد مئاتِ الأفكار ومئات التصورات ومئات الآيات والقصص القرآنية التي تجعلك متحمس وفي غاية الحماس وفي غاية الإيمَـان بأن الشعبَ اليمني سينتصرُ؛ لأَنَّنا نقود معركة حق ضد الباطل.
الجبهاتُ أقربُ إلى قلبه
لقد كان الرئيس الشهيد يضيق صدره من العمل السياسي والمواجهات السياسية التي ليس لها طائل سوى إضعاف العمل المؤسّسي؛ ولهذا كان يؤمن أن جبهات القتال هي أقرب إلى قلبه من العمل السياسي، وكان يقول أن ترى خصمك أمامك وتتواجه معه وجهاً لوجه أحسن من هذا العمل السياسي الذي يأتي بطرق ملتوية أَو من الخلف، وهو رجل خبر المواجهات العسكرية وقاد الكثير من جبهات القتال في حروب صعدة الست الظالمة وغيرها، وبالتالي كانت روحه الجهادية أسمى من أن يبقى مقيداً ومكبلاً بالعمل السياسي أَو الإداري والتواجد على كرسي الرئاسة، وكان يتوق دائماً إلى الميدان، وكان أحياناً يخالف بعض التعليمات الأمنية ويفاجئ الجميع بأنه في الميدان.
لقد كانت نفسه تواقة للعمل الجهادي وللشهادة، وكان حريصاً على التواجد في الميدان، فمثلاً عند انتقاله إلى جزيرة كمران، استهدفت من قبل طيران العدوان الأمريكي السعوديّ، وكثير من الفعاليات التي حضرها في ذمار وغيرها ومناطق التدريبات العسكرية كانت تستهدف الأماكن التي يوجد فيها الرئيس الشهيد الصماد.
لقد كان –رحمه الله- يعرف أنه على قائمة الاستهداف، لكن روحه لم تكن غالية عليه أكثر من الوطن والشهداء، فكان مغامراً وكثير النزول إلى الجبهات، وكل من كان بجوار الرئيس الشهيد الصماد يعلمون أنه كان يريد الشهادة ويتمناها، والرئيس الصماد لم يكن رجلاً وُلد ليعيش ويتقلد المناصب ويبقى في الكراسي، هو رئيسٌ بدرجة رئيس الشهداء ورئيس المجاهدين.
مجابهةُ أمريكا على رؤوس البنادق
ووصل الرئيسُ الشهيد صالح الصماد في 18 أبريل 2018 إلى محافظة الحديدة، بعد أن وصلت إليه معلومات بأن العدوّ يحشد للحديدة ولديه توجّـه بفتح جبهة هناك، فكان مصراً على أنه يجب مواجهتهم على رؤوس البنادق ولم يحب أن يطلق هذه الصرخة والموقف العالي إلا لأَنَّ العدوان كان يردّد بأن أبناءَ الحديدة سوف يستقبلونه بالورود، فقال إن أبناءَ الحديدة سيواجهون العدوان على رؤوس البنادق، وكان يطلق هذه الصرخة والموقف العالي من الحديدة نفسها، وكان هذا في يوم 19 أبريل 2018، وقد ألقى كلمةً حذر فيها من التحَرّكات الأمريكية في الحديدة، وتصريحات السفير الأمريكي الذي قال إن أبناءَ الحديدة سيستقبلونهم بالورود، لكن الرئيسَ الشهيد رفع المعنويات، وأكّـد أن استقبالَ الغزاة لن يكون إلا بالبنادق، ودعا إلى مسيرة جماهيرية تُرفَعُ فيها الأسلحة، ليعرف الأمريكيون والغزاة، أن الحديدة لن يتكون إلا ناراً وباروداً عليهم.
لقد كان الأعداء يتربصون بالشهيد الرئيس صالح علي الصماد، وكان يعرفون حجمَ تأثيره على الناس، وتحَرّكاته الكبيرة في مواجهة الغزاة والمحتلّين، لذلك فقد رصدوه كهدفٍ أول لاغتياله، فكان خطاب الحديدة هو الأخير، وبعدَه بيوم تم اغتياله في فاجعة هزت كُـلّ أرجاء اليمن.
وفي 24 أبريل 2018 عُقد اجتماعٌ موسعٌ ضم كُـلَّ قيادات الدولة، حَيثُ ألقى فيهم قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي خطاباً، تطرق فيه إلى الشهادة وأهميتها، ثم أخبر الحاضرين بأن الرئيس صالح بن علي الصماد قد انتقل إلى رضوان الله شهيداً كريماً في مدينة الحديدة، وحدّد الزمان والمكان الذي وقعت فيه هذه الجريمة التي ارتكبها طيران العدوان الأمريكي السعوديّ وَطلب من الجميع الصبرَ والثباتَ وأكّـد على أهميّة ترتيب وضع الدولة.
لم تكن دولُ العدوان الأمريكي السعوديّ على علمٍ بمن استهدفوا في ذلك اليوم، فكان هناك حديثٌ عن استهداف لقائد القوات البحرية وغيره، ولم يكن لديهم معلومات مؤكّـدة أن المستهدَف هو الرئيس الشهيد صالح الصماد، وكان العدوان يبحث عن التأكّـد من هذه المعلومات، وقد استطاع الجيش واللجان الشعبيّة والقيادة العسكرية في المنطقة الخامسة الاحتفاظ بالمعلومات كاملة من ليلة الخميس إلى يوم الاثنين.
الوداعُ الأخيرُ للرئيس الشهيد الصماد كان في موكِبٍ جنائزي مهيب في ميدان السبعين بصنعاء، وغاراتُ العدوان حاولت تعكيرَ الأجواء وإفساد هذه المراسيم، لكن اليمنيين واصلوا إكمالَ المراسيم بقلوب مكلومة على فراق قائدهم.
قتل الأمريكيون وَآل سعود الصمادَ وقد علموا يقيناً أنه الرئيسُ الذي لم يستمتعْ بالحُكم ولم يلهَثْ وراءَ ملذاتِ ومغرياتِ السلطة، فلا مالاً اكتسب ولا عقاراً نهب.. تماماً كما هو حالُ مَن قرأنا عن سِيَرِهم من فُرسانِ النهار ورُهبانِ الليل في زمنِ الأئمة الهادين.
المسيرة
المصدر: ٢٦ سبتمبر نت
كلمات دلالية: العدوان الأمریکی السعودی المجلس السیاسی الأعلى الرئیس الشهید العمل السیاسی الشهید الصماد الشهید صالح صالح الصماد رحمه الله لقد کان
إقرأ أيضاً:
” الحِكمة ” في مشروع الشهيد القائد
أينما تجد الحكمة تجد العقل، تجد التدبير الصحيح، تجد الأخلاق السامية، تجد المواجهة ضد الظالمين وعدم الاستسلام للمستكبرين … سواء على مستوى الأفراد أو الجماعات أو المجتمعات..
فلا رقي ولا حضارة ولا عزة ولا كرامة إلا بوجود الحكمة واستخدامها في السير في هذه الحياة وفق المنهج الإلهي الذي رسمه لنا في كتابه الكريم الذي قال فيه(وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شيء) .
وإذا ما فقدت المجتمعات الحكمة كانت الفرقة والشتات والجهل والتخلف والخنوع والاستسلام لأعداء الله تعالى
إن الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي – رضوان الله عليه – عندما تكلم عن الحكمة إنما تكلم عنها بالمفهوم الواسع وليس بالمفهوم الضيق، لأنه – رضوان الله عليه – كان يحمل هموم أمة يريدها أن ترتقي من التخوم إلى أعالي النجوم يريدها أن تنطلق وتتحرك بحركة القرآن الكريم كما كان نبيها العظيم – صلى الله عليه وآله وسلم – قرآناً يمشي على وجه الأرض، يتحرك بحركته، ويسير على منهجه (إن اتبع إلا مايوحى إليَّ)[الأحقاف:9] .
ولهذا قال الشهيد القائد- رضوان الله عليه – : ((الحكمة أن تكون تصرفاتهم حكيمة، أن تكون مواقفهم حكيمة، أن تكون رؤيتهم حكيمة … وقال – أيضاً- الحكمة هي تتجسد بشكل مواقف، بشكل رؤى، بشكل أعمال، هي تعكس وعياً صحيحاً، وعياً راقياً، تعكس زكاء في النفس تعكس عظمة لدى الإنسان ….)).
لقد انطلق الشهيد القائد في كلامه عن الحكمة من قوله تعالى : (وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا)[البقرة:269] .
والحكمة اسم لإحكام وضع الشيء في موضعه، والحكيم هو من تصدر أعماله وأقواله عن رويّة ورأي سديد…
يُقال: فلان من أهل الحكمة أي من أهل العلم والمعرفة والتبصر بحقائق الأمور وكنهها ….
والحَكَمَة (بفتح الحاء والكاف) هي في اللغة ما أحاط بحنكي الفرس وتُسمى بحَكَمَة اللجام وهي حديدته التي تكون في الفرس لإحكام لجامه وسميت بذلك لأنها تمنعه من الجري الشديد وتذلل الدابة لراكبها حتى تمنعها من الجماح ومنه اشتقاق الحِكمة- التي نحن في صدد الكلام عنها – لأنها تمنع صاحبها من أخلاق الأراذل ومن المهانة والابتذال ومن الانحطاط في سفاسف الأمور وما يخل بالمرؤة والفتوة .
والحكمة المذكورة في قوله تعالى :(ويُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ)[البقرة:129] ليس المراد بها السنة كما ذهب إليها المفسرون..
فقد استبعد الشهيد القائد هذا المعنى وقال رداً عليهم : ((إن الله تعالى قال في آية أخرى لنساء النبي ( وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ)[الأحزاب:34]، هل معنى ذلك أنهن يقرأن أحاديث في البيوت ؟ لا…)).
قلتُ: لايُعقل أن يكون المراد بالحكمة هي السنة في قوله ( و يُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ) وذلك لأمور كثيرة منها -إضافة لما ذكره الشهيد القائد -:
– أن الحكمة هي من القرآن وليس منفصلة عنه قال تعالى:(وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ..)[النساء:113] فالإنزال واحد، والحكمة هي من الكتاب مما يتلى على نساء النبي- صلى الله عليه وآله وسلم – قال تعالى:(وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ) فهل الأحاديث كانت تتلى على نساء النبي – صلى الله عليه وآله وسلم-؟! مع أن الأحاديث بدأ تدوينها مع مطلع القرن الثاني للهجرة، قال ابن حجر في فتحه[ 1/ 277] : (( وكان ابن شهاب الزهري أول من دوّن الحديث على رأس المائة بأمر من عمر بن عبدالعزيز ))
– إن كلمة الحكمة مجردة عن إضافة الرسول أو النبي يعني لم يقل الله : “ويعلمهم الكتاب وحكمة النبي أو وحكمة الرسول وإنما قال:(ويُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ) وأما واو العطف فهو مثل قوله تعالى:(وَلَقَدْ آَتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآَنَ الْعَظِيمَ)[الحجر:87] فالسبع المثاني هن من القرآن وليس هن السنة !! .
– إذا كان المراد بالحكمة هي السنة فكيف نفهم معناها في قوله(وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آَتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ..)[آل عمران:81] .
فهل الله آتى أنبياءه الأحاديث التي لم يتم تدوينها إلا في مطلع القرن الثاني الهجري والتي قام بتدوينها الزهري؟!
قال الشهيد القائد – رضوان الله عليه – : (( كلمة (حكمة) في القرآن الكريم لا تعني سنة إطلاقاً، رسول الله – صلى لله عليه وآله وسلم – مهمته هو أن يعلِّم الناس هذا القرآن بما فيه من آيات وهي: أعلام وحقائق في كل مجال تتناوله )).
قلت: من هذا نعلم أن المراد من ذلك المفهوم الواسع للحكمة حسب ما تكلم عنها الشهيد القائد وهي منبثقة من القرآن وهي أيضاً آيات من القرآن تمنح الإنسان الحكمة إذا ما أتمر بأوامر القرآن وانتهى عن نواهيه..
قال الشهيد القائد: ((القرآن الكريم فيه أشياء كثيرة تتجه نحو الإنسان لتمنحه الحكمة (ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ)[الإسراء:39] كما قال في سورة الإسراء بعد أن ذكر عدة وصايا ثم قال (ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ)….)).
وهذا يعني أن الوصايا هن آيات الحكمة لأنه تعالى قال عقبها: (ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ) .
وهذه حقيقة تفرد بها الشهيد القائد وغفل عنها العلماء، ولا أظن أحداً تفطن إليها ونحن فهمناها من مضمون كلامه -رضوان الله عليه – وإليك توضيح ذلك :
ذكر الله تعالى آيات في سورة الإسراء تشتمل على وصايا
وكل آية منها تبدأ بصيغة (لا تفعل) وبعضها تبدأ بصيغة (افعل) وهي الأقل :
– (لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ….. وَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا – وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ…
– وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ….
– وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا….
– وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ….
– وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ …..
– وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ…
– وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ …
– وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا…..)[انظر سورة الإسراء من آية 22 – 27 ]
ثم قال تعالى عقب هذه الوصايا (ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ) يعني أن هذه الآيات
– الوصايا – هي مما أوحى الله لنبيه من الحكمة …
كذلك قال الله تعالى في لقمان الحكيم(وَلَقَدْ آَتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ)[لقمان:12] ثم ذكر بعد هذه الآية وصايا لقمان لابنه وهي من الحكمة التي آتاها الله إياه :
_ (يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ……
– يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ…
– وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا…
– وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ …)[انظر سورة لقمان من آية 13 – 19]
وهكذا كل آية تبدأ بصيغة (افعل) أو (لا تفعل) تدخل ضمن آيات الحكمة التي ذكرناها آنفا.
وآيات الحكمة هن المراد من الحكمة في قوله(وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ..) ومن قوله (وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ..) ومن قوله (وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ) وغيرها من الآيات التي تُعرف بالقرينة والسياق وهذه الآيات – الوصايا الحكيمة – تمنحك الحكمة كما أشار إلى ذلك الشهيد القائد.
نعم تمنحك الحكمة بالعمل بها بأن تأتمر بأوامرها وتنتهي عن نواهيها بل إن العمل بمنهجية القرآن هو من سيجعلنا كلنا حكماء لأنه (كتاب أُحكمت آياته.) .
قال الشهيد القائد – رضوان الله عليه-(( إنه _ أي القرآن _ في الأخير يجعل كل من يسيرون على وفق توجيهاته ويتثقفون بثقافته يُمنحون الحكمة، والعكس الذين لا يسيرون على ثقافة القرآن، لا يهتمون بالقرآن، سيفقدون الحكمة، وسيظهر مدى حاجة الناس إلى الحكمة في المواقف المطلوبة منهم في القضايا التي تواجههم…))إهـ .. ثم أتى الشهيد القائد بمثال عن من فقدوا الحكمة قال – رضوان الله عليه – :((الآن في هذا الوضع الذي نعيش فيه وتعيش فيه الأمة العربية، الأمة الإسلامية، ونحن نسمع تهديدات اليهود والنصارى، تهديدات أمريكا وإسرائيل وسخريتها من الإسلام ومن المسلمين ومن علماء الإسلام ومن حكام المسلمين بشكل رهيب جداً تجد موقف الناس بكل فئاتهم يتنافى مع الحكمة أي هم فقدوا الآن الموقف الحكيم مما يواجهون، الرؤية الحكيمة لما يواجهون، النظرة الصحيحة للوضع الذي يعيشون …)).
إذاً لا مخرج لهم من هذا الإنحطاط الذي وصلوا إليه إلا بالتمسك بالقرآن الكريم وذلك بالتثقف بثقافته والسير على نهجه حتى يمنحهم الله الحكمة ويكونوا كما قال الله (أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ)[المائدة:54].