منذ بدء الغزو الروسي يوم 24 فبراير/شباط 2022، قتل أكثر من 70 ألف جندي أوكراني على الجبهة، بحسب التقديرات الأميركية، لأن أوكرانيا لا تكشف عن عدد القتلى، وترك الكثيرون وراءهم أطفالا وزوجات، تبدأ محنتهن بالإعلان عن الوفاة، وتمر بالتعرف على الجثة إن لم يكن الجندي مفقودا، لكن في المقابل فإن التعويض المالي الذي يتلقينه يثير غيرة أخريات.

تنقل صحيفة لوموند -في تقرير بقلم فوستين فينسان- قصة إيرينا بوندارينكو (41 عاما) التي حاولت عندما لم يرد زوجها على الاتصال أن لا تكون مذعورة، كما أوصاها قبل عودته للجبهة قائلا "لا داعي للذعر إذا لم تكن لديك أخبار، فالاتصال غالبا ما يكون ضعيفا".

في اليوم التالي، جاء رجلان يرتديان الزي العسكري إلى منزلها في أوديسا، وقرآ عليها ورقة صغيرة تحمل ختما رسميا بصوت عالٍ "يؤسفني أن أبلغكم بهذه الوثيقة أن فولوديمير بوندارينكو توفي في القتال يوم 23 يوليو/تموز 2022 بالقرب من بلدة ميكولايف. ستسمح لك هذه الوثيقة ببدء عملية الحصول على المعاش التقاعدي والمزايا المنصوص عليها في القانون الأوكراني"، لتفقد وعيها بعد إصابتها بتشنجات.

وليست إيرينا بوندارينكو التي مرت بمحنة التعرف على زوجها الذي اخترق جسمه صاروخ، إلا واحدة من آلاف النساء اللاتي وجدن أنفسهن أرامل بين عشية وضحاها، بعد عامين من بدء الهجوم الروسي على بلدهن، وهن يشكلن مجتمعا غير مرئي، تقترن مأساته بسلسلة من العقبات.

وفي أوديسا، تتظاهر نحو 20 امرأة كل أسبوع لتذكير الناس بأنهن ينتظرن أخبارا عن أزواجهن المفقودين منذ مارس/آذار ومايو/أيار 2022، "لقد نسيتهم السلطات، وأغلبية الناس لا يعرفون بأن هذه المشكلة موجودة"، كما تقول تيتيانا لانوفايا (36 عاما)، وهي تحمل بين يديها لافتة عليها صور المفقودين، "نريدهم أن يساعدونا في العثور عليهم".

سوء فهم المجتمع

وبعد وفاة أزواجهن، تتوقف حياة هؤلاء النساء التي دمرها الحزن، تقول أخصائية تجميل الأظافر آنا فراتكينا (41 عاما)، وهي أم لطفلين توفي زوجها رومان في القتال في سبتمبر/أيلول 2022، "لم أعد أعيش.. أنا موجودة.. هذا كل شيء".

وعلى الرغم من ثقل الحزن، فإن هؤلاء النساء غالبا ما يواجهن عدم الفهم أو حتى العداء من المجتمع، ويثرن الغيرة لأسباب مالية في المقام الأول لحصولهن على 370 ألف يورو تعويضا، يتقاسمنه مع والدي القتيل، في بلد متوسط الراتب فيه 365 يورو.

تتذكر ميكولا ستوروزوك نائبة رئيس منظمة مركز المحاربين القدامى غير الحكومية في أوديسا، كيف كانت دهشتها عندما أعلنت السلطات عن المبلغ "بصراحة، بين العسكريين والمحاربين القدامى وعائلاتهم، فوجئنا جدا بوعدهم. مثل هذا المبلغ المرتفع. بالطبع، الحياة لا تقدر بثمن، لكننا اكتشفنا أنها تساوي ضعف ما هي عليه في الولايات المتحدة".

اختلاف التعويض

هذا المبلغ بعيد مما تلقته أرامل الجنود الذين سقطوا على الجبهة قبل عام 2022 في الحرب في دونباس عام 2014، حين حصلت أراملهن على 16 ألف يورو، أي أقل 23 مرة من المبلغ اليوم، تقول ميكولا ستوروزوك "لقد صدمنا من هذا الفارق. ربما اعتقدت الحكومة أن الحرب لن تكون طويلة إلى هذا الحد".

وقد أدى هذا الاختلاف في المعاملة إلى نقاشات متوترة على مجموعة "نحن معا" على فيسبوك، وهي تضم نحو 3300 أرملة جندي.

تقول تيتيانا فاتسينكو بونداريفا، مؤسسة المجموعة التي قُتل رفيقها، "النساء اللاتي فقدن أزواجهن قبل عام 2022 يقلن إن هذا الأمر غير عادل، وإنهن فقدن أزواجهن أيضا. نعم هذا غير عادل، لكن لا يمكننا إعادة كتابة الماضي"، وقد قررت، لوضع حد للمشاجرات، عدم قبول الأرامل من حرب دونباس في مجموعتها.

"يقول لي الناس حسنا. مات زوجك في الحرب، لكنك على الأقل غنية"، لترد آنا فراتكينا، التي تبرعت بجزء من هذا المبلغ للجيش، "يحاول الآخرون حساب المبلغ الذي حصلت عليه. أسمعهم يتحدثون وراء ظهري. إنهم لا يعرفون أن آنا تشعر بالحزن في كل مرة تنفق فيها هذه الأموال. أنا أعرف من أين أتت. هذا يذكرني بموت رومان طوال الوقت".

وقد أنشأت الحكومة برامج لدعم أسر الجنود الذين قتلوا، وهي وسيلة للاعتراف بتضحياتهم من أجل الأمة، ولكن المجتمع لا يعترف بآلام هؤلاء النساء.

تقول تيتيانا فاتسينكو بونداريفا "بعد 4 أيام من وفاة زوجي، قيل لي توقفي عن البكاء. لا بأس". إن الطريقة التي يُنظر بها إلى حزننا مقارنة بحزن الأم تختلف جذريا. بالنسبة للأم، يُنظر إلى ذلك على أنه كارثة حياتها، أما بالنسبة للأرملة فيقول الناس لأنفسهم "إنها تتألم، لكنها ستجد أحدا وسيمر الأمر".

وتقرر العديد من الأرامل الانضمام إلى الجيش إما للانتقام لأزواجهن وإما لمواصلة القتال، ومع ذلك، "لم تكن واحدة منا مستعدة لدفع مثل هذا الثمن الباهظ للبلاد -كما تؤكد تيتيانا بانفعال- لا أستطيع أن أتخيل مستوى الوطنية الذي يجب أن تتمتع به المرأة لتقول إن تضحية زوجها كانت مبررة".

المصدر: الجزيرة

إقرأ أيضاً:

هيئة الأمم المتحدة للمرأة: الأزمة الإنسانية في السودان لها تأثير كارثي خاص على النساء والفتيات

قالت هيئة الأمم المتحدة للمرأة إن الصراع في السودان والأزمة الإنسانية الناتجة عنه كان لهما تأثير كارثي خاص على النساء والفتيات، حيث يواجهن الجوع والنزوح ونقصا في الخدمات والإمدادات الأساسية، فيما تضاعف العنف القائم على النوع الاجتماعي.

جاء ذلك في تقرير صدر عن الهيئة بعنوان "النساء والفتيات في السودان: الصمود وسط لهيب الحرب"، والذي سلط الضوء على التأثيرات غير المتناسبة للصراع المتصاعد على النساء والفتيات السودانيات.

وبحسب التقرير، زاد عدد المحتاجين إلى خدمات متعلقة بالعنف القائم على النوع الاجتماعي بنسبة 100% منذ بداية الأزمة، ليصل إلى 6.7 مليون شخص – الغالبية العظمى منهم من النساء والفتيات - بحلول كانون الأول/ديسمبر 2023، ومن المتوقع أن يكون هذا الرقم أعلى اليوم.

وأشار التقرير إلى أن العنف المستمر، وخاصة في الخرطوم ودارفور وكردفان، أدى إلى تفاقم المخاطر التي تواجهها النساء والفتيات، وسط تزايد التقارير عن حالات عنف واستغلال واعتداءات جنسية مرتبطة بالصراع.

وفي حين أدت الحرب في السودان إلى أكبر أزمة نزوح داخلي في العالم منذ الصراع السوري عام 2011، تتعرض النساء والفتيات النازحات داخليا- والبالغ عددهن 5.8 مليون امرأة وفتاة- للخطر بشكل خاص، حيث لا يتم الإبلاغ عن العديد من حالات الإساءة بسبب الافتقار إلى الدعم الكافي والخوف من الوصمة والانتقام.

وأكد التقرير أن الأسر التي تعولها نساء تعاني بشكل أكبر من أزمة انعدام الأمن الغذائي الحاد التي تواجهها البلاد، وهي الأسوأ التي تم تسجيلها على الإطلاق في السودان، مضيفا أن النساء والفتيات "يأكلن أقل من غيرهن ويكن آخر من يأكل".

وقال التقرير إن الوصول إلى خدمات الرعاية الصحية يشكل تحديا آخر، وخاصة للنساء الحوامل اللواتي يتعدى عددهن الـ 160 ألف امرأة، ومن المتوقع أن يولد ما يقدر بنحو 54 ألف طفل في الأشهر الثلاثة المقبلة.

هذا وتتأثر النساء والفتيات بشكل غير متناسب بنقص المياه والصرف الصحي والنظافة الصحية الآمنة، حيث لا تستطيع ما لا يقل عن 80 في المائة من النساء النازحات داخليا تأمين المياه النظيفة. كما أن 74 في المائة من الفتيات في سن المدرسة - 2.5 مليون فتاة - خارج المدرسة حاليا، مما يزيد من خطر تعرضهن لممارسات ضارة مثل زواج الأطفال وتشويه الأعضاء التناسلية للإناث.

وقالت هودان أدو، القائمة بأعمال المديرة الإقليمية لمكتب هيئة الأمم المتحدة للمرأة في شرق وجنوب أفريقيا: "تواجه النساء والفتيات في السودان تحديات لا يمكن تصورها، ومع ذلك فإن قوتهن وقدرتهن على الصمود لا تزال تلهمنا. لا يمكننا أن نسمح للسودان بأن يصبح أزمة منسية. والآن، أكثر من أي وقت مضى، يجب على المجتمع الدولي أن يتكاتف لدعم النساء في السودان، وضمان حصولهن على الموارد والحماية التي يحتجن إليها للبقاء على قيد الحياة وإعادة بناء حياتهن".

وشددت الهيئة على ضرورة اتخاذ إجراءات عاجلة لضمان حماية النساء والفتيات، وتأمين وصولهن إلى الغذاء والمياه النظيفة وخدمات الصحة الجنسية والإنجابية، وخاصة من خلال زيادة التمويل للمنظمات المحلية التي تقودها النساء، والتي لم تتلق سوى 1.63 في المائة من موارد الصندوق الإنساني للسودان عام 2023. ودعت هيئة الأمم المتحدة للمرأة إلى وقف الحرب على الفور والعودة إلى طاولة المفاوضات لإجراء محادثات سلام.

   

مقالات مشابهة

  • بوتين: سيتم تحقيق كل الأهداف المحدّدة في أوكرانيا
  • لست عالقاً ولا نازحا يا ابن أخي وانت مازلت داخل وطن الجدود رغم ظروف الحرب اللعينة العبثية المنسية فاي دار تطرق بابها تقول لك ألف ألف مرحب
  • بين الإصابات والنزوح وفقدان الرعاية.. تحديات تواجه المرأة السودانية في ظل الحرب
  • [ لا رجل شجاع ك {{ حسن نصرالله }} ]
  • أثر الحرب في السودان على النساء والأطفال: العنف ضد النوع واستغلال الأطفال
  • حكايات مُفجعة.. كيف بات اغتصاب النساء سلاحا في الحرب الأهلية بالسودان؟
  • نادية بوعيدا خلال الأكاديمية الأوروبية الخريفية: الاستقلال المالي والتعليم مدخل أساسي لتحرير المرأة الحقيقي
  • (هوجة ) الفلول امس !! حمل كاذب !!
  • هيئة الأمم المتحدة للمرأة: الأزمة الإنسانية في السودان لها تأثير كارثي خاص على النساء والفتيات
  • تقرير أممي: الأزمة الإنسانية في السودان لها تأثير كارثي على النساء والفتيات