انطلقت منذ قليل، أكبر قافلة مساعدات للتحالف الوطني للعمل الأهلي التنموي «مسافة السكة»، في إطار المرحلة الرابعة جسر المساعدات البري الممتد، والذي أطلقه التحالف بالتعاون مع مؤسسات المجتمع المدني.

وقال عصام عبد الرحمن، مدير المركز الإعلامي لمؤسسة صناع الخير للعمل الأهلي التنموي، إن المؤسسة تشارك في أكبر قافلة مساعدات يطلقها التحالف، والتي تضم أكثر من 500 شاحنة محملة بآلاف الأطنان من المواد الغدائية، المستلزمات الطبية، ملابس وأغطية الشتاء.

وأضاف في تصريح لـ«الوطن» أن المؤسسة تشارك بسيارتي إسعاف حديثة مجهزة، إلى جانب 50 سرير طبي و4 أجهزة تنفس صناعي و400 طن مساعدات متنوعة ما بين مساعدات غذائية وأدوية ومستلزمات طبية وبطاطين الشتاء وملابس.

وأوضح أن المساعدات التي تقدمها صناع الخير راعت عند تجهيزها طبيعة الاحتياجات والأولويات التي يحتاجها سكان غزة، وتناسب الظروف الاستثنائية، من بينها أكثر من 300 طن مساعدات غذائية تنوعت بين معلبات بالدرجة الأولى ودقيق، وغيرها من المواد الغذائية الضرورية التي يسهل استخدامها، إلى جانب أجهزة طبية وأدوية.

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: التحالف الوطني مسافة السكة صناع الخير غزة

إقرأ أيضاً:

سرير بروكرست: مقصلة الاختلاف

كان الغريب مسافرًا إلى أثينا، ممتطيًا حصانه المتعب، يجفل كلما سمع همهمة غريبة أو عواءً يدوّي في البعد. وحين هبط عليه الليل وهاجمته أمواج العتمة، ظل سائرًا في طريقه، تعصف الريح من حوله وتصرخ العاصفة. رفّت أجنحة الشياطين في الخفاء، وتغلغل المطر في ثيابه حتى أثقلها. كان يرتعش بردًا وخوفًا، حتى لاحت في الأفق نار متقدة.
توجّه إليها، وكلما اقترب سمع صخب الأدوات. كانت ورشة حداد تقع بالقرب من الطريق الرئيس، لكن كان يفصل بينها وبين المسار الرئيسي ساحة تتناثر فيها الحجارة، وتنتشر فيها أشجار الزيتون، مُلقيةً بظلالها على المكان، مما يضفي عليه رهبة غامضة.
في الداخل، وقف رجل ضخم يشعّ حوله وهج النار المتقدة في فرن حديدي ضخم. كان طويل القامة، مفتول العضلات، بهيئة تذكّر ببوسيدون، إله البحر. كان يهوى بمطرقته على قطعة حديد، فتتطاير الشرارات مع كل ضربة. لم يُبدِ دهشة عند رؤية الغريب، بل بدا كأنه في انتظاره. ألقى بمطرقته جانبًا، وأقبل نحوه. في عينيه بريق مكر غامض، بينما تلاطمت في نفس الغريب مشاعر الخوف والرجاء.
رحب به، هدأ من روعه، ودعاه إلى منزله حيث مائدته الفاخرة. قدم له الطعام والفاكهة والمشروبات. أكل حتى امتلأ وشرب حتى كاد يفقد وعيه، ثم ترنح وهو يكاد يغلبه النعاس .
هنا دعاه الحداد إلى سريره الفريد، الذي يتكيف مع جسد النائم. سار الغريب مع مضيفه إلى غرفته الخفية، واستلقى على السرير الضخم. لم يصل طول الرجل إلى حده الأقصى، فانزلقت قطعة من السرير، فتشابك جسده فيها، وأصبح عالقًا. غمرته الدهشة أولًا، ثم البلاهة، وأخيرًا الرعب، عندما بدأ الحداد في سحب أطراف الغريب لتتكيف مع السرير. كان الحداد يسحب الأطراف واحدة تلو الأخرى، ويصرخ الغريب متألمًا، وأوصاله تتقطع، تكسرت مفاصله، وكأن جسده يُمَزّق قطعًا، وانتهت حياة أحد الضحايا على سرير بروكرست.
كان هذا السرير، الذي صنعه بروكرست، لا يعد مجرد أداة للراحة أو الاسترخاء، بل كان مقصلة للاختلاف، تفرض على من ينام عليه أن يتكيف مع ‘المعيار الصحيح”. حيث يُبتر طرفي الطويل ويُمدد القصير. كان بروكرست يعتبر ذلك واجبًا مقدسًا: أن العدل لا يتحقق إلا بتسوية الجميع، حتى وإن كان ذلك يعني تدميرهم في سبيل التماثل
استمر بروكرست في ممارسة طقوسه حتى جاء اليوم الذي استضاف فيه ثيسيوس، المحارب الذي لم يكن مجرد زائر عابر، بل كان قدره المحتوم. لم يكن ثيسيوس مجرد مقاتل، بل كان رجلاً يرى في مضيفه انعكاسًا مشوّهًا لكل نظام يدّعي العدل، لكنه في الواقع يقضي على كل ما يجعل البشر أحياء. وعندما أُجبر بروكرست على الاستلقاء على سريره، لم يكن موته مجرد عقاب، بل كان لحظة كشف حقيقته: أن السرير الذي صنعه لم يكن أداة للعدالة، بل فخًا نصبّه لنفسه.
لا تزال روح بروكرست حاضرة في كل محاولة لفرض مقاييس قسرية على الآخرين، حتى لو كان ذلك يعني تشويه حقيقتهم أو كبح أصواتهم. إنه حاضر في كل نظام يقيس الأفراد بمعيار واحد، وفي كل مجتمع يرفض الاختلاف باسم الانسجام، وفي كل عقل يختزل الحقيقة في قالب جامد.
لم يكن سرير بروكرست مجرد قطعة أثاث في أسطورة قديمة، بل أصبح أداة ذهنية وفكرية تُستخدم لقمع الاختلاف عبر العصور. فالأنظمة التي تسعى لفرض الانسجام القسري تبتكر مقاصل فكرية خاصة بها، تقطع بها أطراف الحقيقة أو تمدها لتتناسب مع معاييرها. في القرن العشرين، لم يكن الاتحاد السوفيتي استثناءً، حيث أصبح ‘سرير بروكرست’ أداة سياسية تصوغ العقول بالقوة، حتى وإن أدى ذلك إلى سحق أكثر مؤيديها إخلاصًا.
عندما صرخ مايكوفسكي: ‘من ليس معنا فهو ضدنا’، وعندما تم تصنيف كل معارض بأنه ‘عدو الشعب’، كانت روح بروكرست تلوح بمقصلة الفكر، تقطع الزائد أو تمد الناقص حتى يطابق النموذج المفروض. لكن المأساة تكمن في أولئك الذين يهرعون إليه طلبًا للراحة، غير مدركين أنهم قد يكونون الضحايا التالية. وقد تجسد ذلك في حالة مايكوفسكي، الذي، على الرغم من دعمه للنظام السوفيتي، وجد نفسه في النهاية ضحية للنموذج الذي نادى به. انتهت حياته بانتحار غامض عام 1930، وسط خيبة أمل من نظام قمع حتى أكثر أنصاره إخلاصًا. لم ينجُ من فخ بروكرست.
تناول العديد من الكتاب “متلازمة بروكرست” بالبحث والتحليل، منهم نسيم نيكولاس طالب في كتابه سرير بروكرست.

في سرير بروكرست، يقدم نسيم نيكولاس طالب مجموعة من التأملات الفلسفية والنقدية التي تتناول حدود المعرفة البشرية، والخداع الذاتي، والقوالب الفكرية التي يفرضها المجتمع على الأفراد. العنوان مستوحى من الأسطورة اليونانية لبروكرست، الذي كان يجبر ضحاياه على التكيف مع سريره، إما بمدّ أطرافهم أو بقطعها، وهو رمز للتحجيم القسري الذي تمارسه الأنظمة الاجتماعية، الاقتصادية، والتعليمية على الفكر والسلوك البشري.

من خلال أسلوبه الاستفزازي والساخر، يناقش طالب كيف أن المؤسسات الحديثة، من التعليم إلى الاقتصاد، تفرض معايير ثابتة على الأفراد، مما يؤدي إلى تشويه الفكر والإبداع بدلاً من احتضان التنوع والاختلاف. يرى طالب أن البشر، بدافع حاجتهم إلى التبسيط، يحاولون حشر الأفكار والمفاهيم داخل قوالب جامدة، حتى لو أدى ذلك إلى إفساد الحقيقة نفسها.

الكتاب ليس تنظيرًا أكاديميًا، بل سلسلة من التأملات الموجزة التي تدعو القارئ إلى إعادة التفكير في المسلّمات والنظر إلى العالم بعيون ناقدة. إنه كتاب عن كيف نقيّد أنفسنا دون أن ندرك، وكيف يمكننا استعادة وعينا في عالم يميل إلى اختزال التعقيد في مفاهيم سطحية ومضللة.
النزعة إلى فرض القوالب لا تقتصر على السياسة والمجتمع، بل تشمل أيضًا عالم الفكر والفن، حيث يسعى النقد أحيانًا إلى فرض معايير مسبقة على الإبداع، متجاهلًا تعقيد النصوص وأبعادها الأصلية. كما كان بروكرست يسعى لتسوية ضحاياه وفقًا لمعاييره الخاصة، يسعى بعض النقاد إلى إعادة تشكيل النصوص الأدبية لتتوافق مع تصوراتهم، حتى لو أدى ذلك إلى تشويه بنيتها الأصلية. وقد حدث هذا أيضًا مع أعمال همنغواي، حيث أصبحت محاولة إعادة ترتيب قصصه نموذجًا آخر من “سرير بروكرست”، لكن هذه المرة تم ذلك على الورق.

مقالات ذات صلة صناعة هبل الميديا 2025/03/16

سرير بروكرست في أدب همنغواي

في دراستها سرير بروكرست: دراسة نقدية لتحرير فيليب يونغ لقصص نِك آدامز لإرنست همنغواي، انتقدت أغوستا رونارسدوتير محاولة فيليب يونغ إعادة ترتيب قصص نِك آدامز وفق تسلسل زمني. هذا الترتيب، رغم ظاهره المنطقي، شوه بنية القصص الأصلية وأهمل الروابط المتعمدة التي وضعها همنغواي. أسلوبه المقتصد كان يربط كل قصة بمعانٍ ضمنية، لكن النقد الأكاديمي هنا أصبح “سرير بروكرست”، يعيد تشكيل النصوص بما يتناسب مع معايير مسبقة، مما يحد من حرية النص ويقلل من تعقيد معانيه.

الخاتمة
“إن سرير بروكرست ليس مجرد قطعة أثاث في أسطورة، بل هو منهج يُعاد إنتاجه كلما حاولت سلطة ما قمع الاختلاف وتحجيم الحقيقة. لكن الأمل يكمن دائمًا في أولئك الذين يرفضون الاستلقاء عليه، والذين يدركون أن العدالة لا تعني التسوية القسرية، بل قبول التنوع والتباين. فهل نمتلك الشجاعة لكسر السرير بدلًا من أن نحاول التأقلم معه؟

مقالات مشابهة

  • مقتل 3 عناصر شديدة الخطورة فى مواجهات أمنية بالقليوبية
  • سرير بروكرست: مقصلة الاختلاف
  • قمرة يواصل تمكين صناع الأفلام لدعم المبدعين في مسيرتهم السينمائية
  • "خدمة" تطلق حملة "أنر دروب الخير" لدعم العمل الخيري في رمضان
  • شرطة رأس الخيمة تشارك في تعبئة الطرود الغذائية لدعم غزة
  • الأغذية العالمي : لم نتمكن من نقل أي إمدادات غذائية لغزة منذ 2 مارس
  • بنك مصر يشارك في مبادرة «كرتونة الخير» بـ 100 ألف كرتونة غذائية خلال شهر رمضان
  • مؤسسة صقر بن محمد القاسمي تجهز 1100 طن مساعدات غذائية لدعم غزة
  • الأغذية العالمي سيلغي مساعدات غذائية عن مليون شخص في بورما
  • محافظ أسيوط: نستهدف توزيع 70 ألف كرتونة مواد غذائية على الأسر المستحقة