سودانايل:
2025-03-24@21:18:02 GMT

ماكس فيبر في الخرطوم: الديمقراطية أم الدولة؟ (2-2)

تاريخ النشر: 13th, February 2024 GMT

عبد الله علي إبراهيم
جاءت مينا العريبي رئيسة تحرير مجلة "الناشيونال" بأبوظبي، في لقاء أخير لها مع فريد زكريا بالـ"سي أن أن" بفكرة عن السياسة الأميركية في المنطقة العربية نافعة في تحليل الحرب المشتعلة في السودان. فذكرت مواجهات أميركا الراهنة مع الجماعات المسلحة من غير الدولة (الحوثيين، الحشد الشعبي العراقي، حزب الله) لتقول إن على أميركا أن تقدم في سياساتها الخارجية وجود الدولة-الأمة نفسها على ما سواه.

ونفع هذه العبارة للسودان في حربه القائمة عظيم لأنه حتى أكثر المتفائلين يكاد يكون فرغ من أن دولة السودان إلى انهيار قريب.
فليس واضحاً في السياسة الأميركية أنها جعلت من الدولة مركز دائرة سياساتها الخارجية. فبقول الرئيس بايدن إن "السياسة العالمية نزاع بين الديمقراطية الليبرالية والطغيان" وضعت أميركا الديمقراطية في ذلك المركز نجحت في المسعى أم لم تنجح. فاكتفت في التعامل مع هذه الكيانات المسلحة من غير الدولة بالجزرة والعصا. فتسمي الجماعة إرهابية وتفرض مقاطعتها ثم تترك العصا إلى الجزرة في توقيتها المناسب. فكانت فرضت المقاطعة على الحوثيين ثم رجعت عن ذلك في يناير 2017 على عشم استصحابهم في جهود السلام في اليمن
وهنا قد يسعفنا ماكس فيبر، عالم الاجتماع الألماني (ت1920) في النظر إلى النزاع السوداني الذي لم يعد عن الانتقال الديمقراطي في سياسة أمريكا حيالناـ فأكثرنا تفاؤلاً يرى في الحرب القائمة خراب الدولة السودانية.
كان فيبر عرف الدولة الحديثة بأنها "مجتمع إنساني يزعم احتكار الاستعمال الشرعي للقوة الفيزيائية (البدنية) في مجتمع معين". والجيش في مثل هذه الدولة من يقع عليه إدارة هذا العنف المشروع. فحجة الجيش السوداني بشرعيته في الدولة من دون "الدعم السريع" قاطعة حتى لو زعم "الدعم السريع" الشرعية بقانون صادر من نفس الدولة. فترخيص الدولة لـ"الدعم السريع" لاستخدام العنف الفيزيائي بقانون خلال حرب دارفور وغيرها مما يقع في اختصاصها أيضاً. فاستخدام هذا العنف بيد جماعة مثل "الدعم السريع" لا يكون إلا بإذن الدولة. فالدولة، في قول فيبر، هي منبع الحق لاستخدام العنف. وعليه فهي تختلف عن العصابات ووكالات الحماية المختلفة في أمرين: احتكار العنف، من جهة، والحق في تكليف من تراه مثل "الدعم السريع" لاستخدام العنف نيابة عنها. وبهذا يفسد القول الرائج بأن الدعم السريع صنو للجيش لخروجه من رحمه في العبارة الذائعة.
فمطلب الديمقراطية في الدولة هنا يتأخر عن مطلب وجود الدولة نفسها بحسب فيبر. فبتعريف الدولة كمحتكرة للاستعمال الشرعي للقوة على الأبدان أنهى فيبر تقليد من سبقوه لدراسة الدولة ناظرين إلى غاياتها الأخلاقية. فعالم الاجتماع الإنساني مثله، في قوله، معني بحقائق هذا الاجتماع وحقيقة الدولة في احتكارها للسلاح فيه. فليس من شغله أن يقرر أخلاقية هذا التوظيف لشوكة الدولة. فالدولة عنده لا تعرف بغاياتها أي مشروعاتها، بل بالوسائل التي تختص بها من دون سواها، وتتوسل بها للاستخدام القانوني للقوة. والديمقراطية، مهما سبحنا بحمدها، قيمة أخلاقية قد تنعقد الدولة من دونها. فتراود الناس في الدولة، متى وجدت، مشروعات شتى ليست الديمقراطية، أفضل أسوأ النظم، سوى واحد منه. فهناك الدولة الديكتاتورية والشعبوية والشعبية والاشتراكية إلخ، بل والديمقراطية نفسها في الدولة طيف واسع: الليبرالية واللاليبرالية والديمقراطية الاجتماعية والرئاسية والبرلمانية. فالدولة تعريفاً هي الحق في استعمال العنف، فاحتكار العنف قرين بمطلب الناس للنظام. فإذا تعذرت للدولة الشوكة، أو شاركت فيها مثل "الدعم السريع" مناصفة، "تبخر مفهوم الدولة وحلت الفوضى".
لم يعد الانتقال الديمقراطي من حقائق الحرب السودانية في يومنا. وليس وارداً تأمينه بالعودة إلى خطة الإصلاح الأمني والعسكري التي نفذت الحرب من فوهة الخلاف حولها بين الجيش و"الدعم السريع". فـ"الدعم السريع" نفسه يذيع الآن من فوق كسبه في الميدان العسكري أنه يريد جيشاً جديداً يأخذ بالتنوع الإثني والمناطقي في الاعتبار. وهذا نقد شائع عن الجيش للظن بغلبة شمالي النيل والوسط في صفوة ضباطه. ومطلب الجيش إعادة اختراع الجيش بخلاف ما اتفق عليه الدعم السريع بالاتفاق الإطاري في ديسمبر (كانون الأول) 2022 الذي قضى بدمجه في الجيش طال الزمن أم قصر. وهذه الدعوة ليست بعيدة عن دعوة بريمر في العراق في حل جيش البعث وبنائه من أول وجديد. ومتى علمنا أن "الدعم السريع" وجماعات من قوى الحرية والتغيير تطلق على الجيش مسمى "جيش الكيزان"، أي جيش نظام الإنقاذ المباد، اكتمل تطابق ما حل بجيش العراق بما يبيت لجيش السودان.
إن حقيقة الحرب التي تشفق السودانيين والمراقبين للشأن السوداني هي تبخر الدولة وحلول الفوضى. وهي نذر بوسع أميركا تداركها متى انتقلت من مسعى بسط الديمقراطية إلى مسعى يتشبث بوجود الدولة في تعريف فيبر لها وهو احتكارها للعنف الفيزيائي المشروع الذي تفوض إدارته لجيشها. والديمقراطية "ملحوقة" كما نقول. وتحتاج أميركا في هذا التدارك إلى نصح هوارد فرنش، الأكاديمي والصحافي بـ"فورين بوليسي"، بأن توطن نفسها في السياسة الأفريقية التي تتناسل أزماتها من تاريخ قل من أصغي له. ويعني، في قول آخر، أن تشتبك مع العالم كما هو لا كما ينبغي أن يكون.

IbrahimA@missouri.edu  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الدعم السریع فی الدولة

إقرأ أيضاً:

قيادي بالدعم السريع في السودان: فقدنا القصر الرئاسي لكن لم نخسر الحرب

الأناضول/ أقر قيادي بقوات الدعم السريع، الجمعة، بخسارة قواتهم القصر الرئاسي وسط الخرطوم لصالح قوات الجيش السوداني، لكنه اعتبر أن ذلك لا يعني خسارة الحرب، وفي منشور عبر منصة "إكس"، قال مستشار قائد قوات الدعم السريع الباشا طبيق، إن "سقوط القصر الجمهوري لا يعني خُسران الحرب".

وأشار طبيق، إلى أن المعركة حول القصر شهدت ما وصفه بـ"بطولات وتضحيات".

وأضاف أن قوات الدعم السريع أظهرت "بسالة وشجاعة وصمود"، حسب تعبيره.

من جهته، قال المتحدث باسم الدعم السريع، الفاتح قرشي، عبر بيان، إن "المعركة حول القصر الجمهوري لم تنته بعد".

وأضاف قرشي: "قواتنا ما زالت في محيط المنطقة وتقاتل بشجاعة وإصرار لتحرير جميع المواقع"، على حد تعبيره.

تأتي هذه التصريحات بعد إعلان الجيش السوداني، في وقت سابق من اليوم، استعادة السيطرة على القصر الرئاسي والوزارات المجاورة في وسط الخرطوم، للمرة الأولى منذ اندلاع الحرب مع قوات الدعم السريع قبل نحو عامين.

وتتكون الخرطوم باعتبارها عاصمة السودان من 3 مدن هي الخرطوم (جنوب شرق) وبحري (شمال شرق) وأم درمان (غرب)، وترتبط فيما بينها بجسور على نهري النيل الأزرق والنيل الأبيض.

وبسيطرة الجيش على القصر الرئاسي والوزارات المحيطة به اليوم، يكون معظم وسط الخرطوم تحت سيطرته، باستثناء منطقة المقرن، ومقر الكتيبة الاستراتيجية العسكرية، وجزيرة توتي على النيل الأزرق، فيما تتواجد قوات الدعم السريع جنوبي وشرقي الخرطوم.

كما يسيطر الجيش السوداني على كامل مدينة بحري، ومنطقة شرق النيل، ومدينة أم درمان، باستثناء أجزاء من غربي وجنوبي أم درمان.

يذكر أن الجيش وقوات الدعم السريع يخوضان منذ أبريل/نيسان 2023 صراعا داميا أسفر، وفقا للأمم المتحدة والسلطات المحلية، عن مقتل أكثر من 20 ألف شخص ونزوح ولجوء حوالي 15 مليون آخرين. وبحسب دراسة أجرتها جامعات أمريكية، قد يصل عدد القتلى إلى نحو 130 ألفا.

والخميس، أعلن الجيش، تحقيق تقدم كبير في وسط الخرطوم، بما في ذلك السيطرة على مواقع استراتيجية بالقرب من القصر الرئاسي.

وجاءت هذه التطورات عقب معارك عنيفة في المنطقة بين الجانبين منذ مساء الأربعاء.

في سياق متصل، أفادت وزارة الصحة بولاية الخرطوم، عبر بيان، بأن قوات الدعم السريع واصلت قصف الأحياء السكنية في أم درمان باستخدام الأسلحة الثقيلة مساء الجمعة.

وأوضح البيان، أن القصف استهدف مدنيين في الحارة 4 و11 بحي الثورة والحارة 3 بمنطقة أمبدة، ما أسفر عن مقتل طفلة تبلغ من العمر 9 أعوام، وإصابة 8 آخرين، نقلوا إلى مستشفى النو التعليمي الحكومي لتلقي العلاج.

وفي تطور آخر، قالت شبكة أطباء السودان (نقابية) عبر بيان، إن القصف المدفعي "المتعمد" من قوات الدعم السريع على منازل المواطنين في مدينة الأُبَيّض، عاصمة ولاية شمال كردفان (جنوب) تسبب في مقتل 4 أشخاص وإصابة 11 آخرين.

وأضاف البيان، أن الهجمات المستمرة على المدنيين العزّل "تشكل انتهاكا صارخا للقوانين الدولية والإنسانية".

ولم يصدر عن قوات الدعم السريع أي تعليق على هذه الأحداث حتى الساعة 17:10 ت.غ.

وفي الأسابيع الأخيرة، تسارعت وتيرة تقهقر قوات الدعم السريع في عدة ولايات، منها الخرطوم، الجزيرة، النيل الأبيض، شمال كردفان، سنار، والنيل الأزرق، وسط تقدم مستمر لقوات الجيش.  

مقالات مشابهة

  • ما سر انتصارات الجيش السوداني الأخيرة على قوات الدعم السريع؟
  • مقتل 3 في قصف للدعم السريع على أم درمان بعد تقدم الجيش في الخرطوم وجزيرة توتي  
  • الجيش السوداني يسترد المصرف المركزي من قوات الدعم السريع
  • بعد دخول القصر.. هل كتب الجيش السوداني نهاية الدعم السريع؟
  • قائد في الجيش السوداني يكشف أدق تفاصيل خسائر الدعم السريع وسط الخرطوم 
  • قائد في الجيش السوداني يكشف عدد قتلى الدعم السريع وسط الخرطوم
  • الجيش السوداني يستعيد المصرف المركزي من قوات الدعم السريع  
  • الجيش السوداني يواصل تقدمه في الخرطوم ويحكم حصاره على قوات الدعم السريع
  • الجيش السوداني يسيطر على منزل قائد الدعم السريع في حي المطار
  • قيادي بالدعم السريع في السودان: فقدنا القصر الرئاسي لكن لم نخسر الحرب