#مبتدأ_وخبر
د. #هاشم_غرايبه
المبتدأ: شاهد أحدهم شخصا يسير ليلا في شارع جيئة وذهابا عدة مرات، فسأله: هل تبحث عن شيء، فقال: نعم، سقط مني دينار، فأراد مساعدته بالبحث معه، فساله هل كنت تسير على الرصيف أم على الشارع، فأجابه لا هذا ولا ذاك، فقد كنت أسير على الرصيف في الجهة المقابلة، فقال له: لماذا اذاً لا تبحث هناك؟، فرد عليه: الرصيف الآخر ليس به إنارة.
الخبر: خلال القرن المنصرم، وفي كل بضع سنوات كانت اعتداءات المعسكر الغربي على أمتنا تنفّذ في معظمها بواسطة مخلبه القذر (الكيان اللقيط).
فسر بعض الأنظمة ذلك الاستهداف المتواصل، بأنه لضمان مصالح الغرب في منطقتنا، فبالغوا بالإلتزام بإملاءاته، لكن ذلك لم ينفع لأن ظنٌّهم غير صحيح، فمصالحه محفوظة على الدوام، ولا يوجد نظام سياسي عربي أو إسلامي واحد يجرؤ على الخروج على النص غير المعلن، وهو أن هنالك استعمار خفي لكل الأقطار الإسلامية، يضمن الحفاظ على مصالحه من غير الحاجة لاحتلاله عسكريا، والذي ما انتفت الحاجة إليه إلا لوجود الكيان اللقيط كمخفر متقدم في قلب الأمة.
الصحيح أن كل الحروب التي تشن على الأمة، سواء العسكرية منها، أوالقلاقل الاجتماعية، اوالفساد السياسي، جميعها بهدف التمكين للكيان اللقيط، سواء بابقاء تفوقه العسكري الساحق على مجموع قوى الأمة، أو بتطمين المستوطنين المستوردين لبقائهم وديمومة سيطرتهم على الأرض التي يعلمون أنها مسروقة من أصحابها.
رغم أنهم قد رتبوا الأحوال الكفيلة بتحقيق الشرطين السابقين (التفوق العسكري والديموغرافي)، اعتمادا على قبول الأنظمة السياسية في كل أرجاء المنطقة العربية بهذا الواقع، ومنع نشوء أية حركات راديكالية رافضة له، إلا أنهم يبقوا غير مطمئنين على دوام الحال.
السبب هو علمهم بأن الشعوب لا تقبل بما قبل به الحكام.
وسبب ذلك أن الشعوب معتنقة عقيدة الإسلام، والتي يعلمون أنها حصن منيع من الاستسلام، فلا تقبل لهم ذلك الاندحار.
لذلك يشنون الحروب كل حين للتخويف، وينشرون النعرات التقسيمية لشرذمة الصفوف، ويضغطون اقتصاديا بإضاعة الثروات بأيدي الناهبين وبالاستدانة بهدف الإفقار والتجويع، لحمل الشعوب على الرضوخ لما رضخ له حكامهم.
هذا هو التفسير المبسط لاستدامة توالي المصائب على أمتنا من دون الأمم.
وما أبقاها كذلك الا الإصرار على البحث عن الحل في الرصيف الآخر، لأن المستعمر حظر البحث في المكان الصحيح.
لذلك فبداية الحل ترك البحث في الرصيف الخاطئ، فقد مر على الأمة أزيد من قرن وهي تبحث فيه، ولو بقيت مصرة على ذلك قرونا لن تعثر على ما تبحث عنه.
الخطوة الأولى الانتقال الى الرصيف الآخر، والبدء في ترتيب الأولويات.
الأولوية الأولى هو في استعادة قدرات الأمة على النهوض، ولا يمكن لأمة مفككة و مغتصبة الإرادة أن تنهض، وتجربة المقاومة الإسلامية الناجحة في القطاع كفيلة بأن تنير لنا الرصيف الذي أداموا عليه التعتيم.
فنظام سياسي منتهج عقيدة المحكومين حقق التلاحم بين القيادة والشعب، كما أنتج الوازع الديني إخلاص القيادة، مما أثمر وحدة وطنية، حققت الاكتفاء الاقتصادي الذاتي برغم الحصار الخانق، فتحققت قاعدة انتاجية متحررة من التبعية للمستعمر، فرأينا أكبر تحد في التاريخ للقوة الغاشمة، فصنع الصمود أبطالا قهروا أشرس تحالف في تاريخ البشرية.
هذه التجربة المعاشة راهنا، أثبتت أنها ناجحة بدرجة باهرة، وربما أن الله تعالى شاء أن يبرم لهذه الأمة خيرا بتدبير الأحداث لكي تسير الأمور بهذا الشكل، ليعيد لنا صوابنا بعد أن تُهنا طويلا عن الصراط الذي هدانا إليه، لكن كبراءنا أضلونا بعد أذ اتبعوا الصراط المنحرف الذي رسمه لهم تحالف المغضوب عليهم والضالين.
لذا فالحل استلهام هذه التجربة على مستوى الأمة، وعندها سنرى كيف ستنهض سريعا، وتعود الى سابق مجدها، نافعة لنفسها ولباقي الأمم، محققة للمساواة والتعاون بين البشر، وتسقط نظرية تفوق الجنس الأبيض، لا فرق بين أحمر وأسود إلا بالتقوى. مقالات ذات صلة المخطط الأخطر 2024/02/13
المصدر: سواليف
إقرأ أيضاً:
ثمار الشهادة في سبيل الله
الثورة /متابعات
الشهادة كقيمة أخلاقية وإنسانية
الشهادة هي في جوهرها قيمة أخلاقية وإنسانية عظيمة، تمثل أسمى درجات الإيمان والشجاعة في سبيل الله. هذه القيمة تعبر عن استعداد المؤمن للتضحية بنفسه من أجل قضية عادلة، وتجعل الشهداء مثالًا يُحتذى به في قمة الأخلاق والتفاني. ومن خلال الشهادة، يضع الشهيد نفسه في أعلى مراتب العطاء، فالشهادة لا تُعطي فقط للمؤمن حياة خالدة، بل تجعل من تضحياته إرثًا خالدًا يساهم في بناء مجتمع قوي قائم على القيم الإيمانية والإنسانية.
التصدي للعدو وحماية الأمة.. يأتي على يد الشهداء وتضحياتهم
الشهادة في سبيل الله تمثل الدرع الذي يحمي الأمة ويعزز مكانتها أمام أعدائها. المؤمنون الذين يضحون بأنفسهم من أجل حماية أمتهم وتحريرها من الظلم ينالون بذلك أعلى درجات الإخلاص والتضحية. وقد ورد في القرآن الكريم تشجيع على مقاومة الأعداء والوقوف ضد الظلم، كما في قوله تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ” فالآية تحث المؤمنين على الثبات وتذكر الله في مواجهة العدو، مما يعكس عظمة الصمود والشجاعة في سبيل الله.
اليوم المعركة هي معركة الأمة كلُّ الأمة، والاستهداف ليس جديدًا في واقع هذه الأمة؛ وإنما هو وفق مراحل مستمرة، ونحن في مرحلة مهمة وحساسة، ووجدنا أن ثمرة مفهوم الشهادة في سبيل الله وفق المفهوم الصحيح، التقديم الصحيح، أثمر نصرًا في واقع هذه الأمة، وأصبحت نماذجه قائمة في الساحة وحاضرة في الساحة بكل نجاحٍ ملموسٍ وواضح. التجربة في فلسطين تجربة الجهاد والاستشهاد أثمرت نصرًا، حريةً، عزةً، كرامةً، ما نراه في قطاع غزة هو نموذج حي، يشهد لصحة وإيجابية وأهمية وضرورة هذا المفهوم، عندما يقدَّم بشكل صحيح كيف يصنع في واقع الأمة متغيرات مهمة وإيجابية، يصنع الحرية بإرادة الله “سبحانه وتعالى”، والكرامة والعزة والاستقلال، يصنع النصر.
عندما نجد النموذج في لبنان أمامنا متجسدًا ومنذ سنوات عديدة، منذ بداية انطلاقة المقاومة الإسلامية في لبنان، ثم ما صنعته من انتصارات كبيرة في عام 2000م وفي عام 2006م، وما منَّ الله به -أيضًا- من انتصارات لاحقة في لبنان وسوريا وغيرها، وكذلك ما تقدمه المقاومة الإسلامية في لبنان اليوم من ثبات وتضحيات عظيمة رغم استشهاد قادتها و في المقدمة أمين الأمة وشهيدها السيد حسن نصر الله وكذلك الثبات الأسطوري للمقاومة الفلسطينية رغم همجية العدو وحجم التضحيات و الدمار في قطاع غزة ما تزال ثابته منذ أكثر من عام, كما نجد ما قبل ذلك نموذجًا عظيمًا وكبيرًا متمثلًا بالثورة الإسلامية في إيران، حررت إيران الإسلام من هيمنة أمريكا، ومن نفوذ إسرائيل، ومن الأداة التي كان يعتمد عليها الأمريكيون والإسرائيليون في السيطرة على الشعب الإيراني المسلم، متمثلةً بالنظام الملكي و(الشاه) آنذاك، ثم فتحت المجال أمام الجمهورية الإسلامية لتكون نموذجًا ورائدًا كبيرًا في الساحة الإسلامية، في الحرية والاستقلال، والتصدي للهيمنة الأمريكية، والتصدي للعدو الإسرائيلي.
النموذج القائم في سوريا والعراق، والنموذج القائم والمتجسد في التضحيات الكبيرة وفي العزم الذي لا يلين الذي يقدمه شعب البحرين، نماذج تاريخية كثيرة في مختلف الأقطار العربية والإسلامية، وفي مختلف المراحل لأمتنا.
إن كل ذكرى من العزة، وإن كل ذكرى للنصر هي مرتبطة بهذا المفهوم العظيم، وهذا كافٍ في أن ندرك مدى أهميته، ومدى قيمته، ومدى ما يترتب عليه في واقع هذه الحياة الدنيا والآخرة.
واجب الأمة تعزيز روح التضحية بين الأجيال
واجب الأمة تجاه شهدائها لا يتوقف عند إحياء ذكراهم، بل يتعدى ذلك إلى تعزيز روح التضحية في نفوس الأجيال المقبلة، يجب أن يُزرع في نفوس الشباب حب التضحية لأجل الله واستعدادهم لبذل أرواحهم في سبيل القيم والمبادئ النبيلة. فالحفاظ على إرث الشهداء يتمثل في إحياء هذا العطاء الخالد في قلوب المسلمين، ليصبحوا على أتم الاستعداد للذود عن حياض الأمة وقيمها.
ويأتي ذلك في إطار قوله تعالى: “وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ” (الأنفال: 60)، فالآية تحث المسلمين على الاستعداد الدائم وتربية النفوس على الجهاد والصبر.
الاعتناء بأسر الشهداء
تقتضي مسؤولية الأمة نحو الشهداء الاعتناء بأسرهم، ومواساتهم والوقوف إلى جانبهم، لأنهم فقدوا أحب الناس إليهم من أجل رفعة الأمة، وهذا الوفاء لا يقل أهمية عن التضحية ذاتها، إذ يجسد تقدير المجتمع لذوي الشهداء ولتضحياتهم. ينبغي أن يكون لكل أسرة شهيد مكانة خاصة في المجتمع، وأن يكون هناك نظام كامل من الدعم والرعاية لهم، تعبيرًا عن تقدير الأمة لعطاء ذويهم وتكريمًا لما قدموه في سبيل الله.
ختامًا، يتبين لنا أن الشهادة ليست مجرد تضحيات عابرة، بل هي قمة العطاء في سبيل الله، هذا العطاء الخالد يزرع في الأمة الثبات، والعزيمة، والقوة لمواجهة كل الصعاب، ويحصنها من هيمنة الأعداء، من الطواغيت والمنافقين، كما أن عطاء الشهداء يخلق إرثًا من الإيمان والشجاعة يحافظ على بقاء الأمة، ويدفع بها نحو النصر.
أن واجبنا تجاه الشهداء في إحياء ذكراهم، وتعزيز روح التضحية في نفوس الأجيال، وتكريم أسرهم تقديرًا لما قدموه.
في كل شهادة نبض جديد لقلب الأمة، وفي كل تضحية تفتح أبواب العزة والكرامة، تحقيقًا لوعود الله لعباده المؤمنين بالنصر والثبات.