العِراق عناق الحلم والأسطورة
تاريخ النشر: 13th, February 2024 GMT
أثير – عبدالله العريمي
العراق قصيدة قيد الكتابة لا تقبل الانتهاء وكأنها لا تريد لنفسها إلا أن تكون أبدية جمالية، إنه التناغم الكامل بين إنصات القلب لإيقاعه ومهارة العقل في قراءة المعنى، إيقاع يسري في شوارعه ويفضي إلى يقين أن للعراق أبوابا تفضي إلى معنى باطني، وبين هذا وذاك سفر مرتجل يجعل المتخيل واقعا، شيئا يحس ويرى، وعادة ما تكون لكل مدينة طبائعها، وطبيعة البصرة أن تمد أشياء زينتها بين دهشة السؤال وحيرة الإجابة، واقع يهذِّبه استقراء المعنى ويحرره من قيد نمطية الصورة المكوَّنة، فكلما ازدتَ وعيا كلما زادت سعة الجمال هنا، وصرتَ أكثر قدرة على التآلف مع هذا المحيط الممتلئ بالجماليات، ربما لأنك عميق التحولات بالفطرة، أو ربما لأن البصرة مدينة لا تقبل إلا أن تكون شاعرية على مدار الساعة، كل شيء في البصرة يتوثب للطيران وراءك كسرب فراشات ليحط على كتفيك، والشعر فيها ذاتي النمو لا يحتاج إلى اهتمام ورعاية، ليل البصرة يشعل لك الضوء لتقرأ قواميس الحب والجمال بمهارة المتمرس ومغامرة العاشق، ونهارها يدربك على انتقاء الكلمات والتأمل في عبقرية الإنسان والمكان، والشعر منثور في كل زاوية، في الأزقة والمقاهي والمطارات، أينما وليت وجهك ثمة احتفاء بشاعر، وفي الجانب الآخر خارج محيط المجاز والكناية والقشور اللغوية ثمة أسطورة أخرى أعلى من الشعر، إنه الإنسان بكرمه الإنساني السمح، وجنوحه الدائم إلى أبهى صور الإنسانية.
إن مهرجان المِربد في دورته الخامسة والثلاثين لم يكن شعريا بامتياز فقط بقدر ما كان فرصة لاكتشاف أسطورة المكان والإنسان، الإنسان المضاء بثقافة لا يغطيها الوصف أو يصدقها إلا من يعيشها، في شوارع البصرة فقط تشعر أنك ترتاد أرض الخيال وأنت تستقبل طفلا لم يبلغ العاشرة بعد يبيع العِلْكة -كنزه الوحيد- لئلا يكون مضطرا للتسول ولكن هذا الثري الكبير يرفض أن يأخذ مقابلا حين يكتشف أنك ضيف بل ويصرُّ عليك أن تحل ضيفا عليه، وفي البصرة تستقل سيارة أجرة وتذرع الشوارع لتكتشف في المحطة الأخيرة أن السائق قد أقسم أنه لن يتقاضى أجرا لأنك ضيف البصرة، وحين يسأله أولاده عما جناه اليوم يكون الجواب (أكرمت ضيوفا) وهو الأمر المبارك والمعادل الطبيعي لغنى النفس وسموها، في العراق معنى تذوب فيه ولا تفهمه ولا تريد الصحو أو الشفاء منه، كم كنت أسأل نفسي إن كان ما قرأناه من كرم في أشعار العرب واقعا أضفى عليه المتخيل سحرا أم تراه واقعا محضا، حتى رأيت العراق فأصبحت الحيرة يقينا والمعرفة خشوعا، وفي طريق الوداع تجد نفسك مبللا بندى مستحيل، والشوارع محنّاة بطيبة الإنسان، ونخيلا مباركا معلقا فوق الغيوم، ولا يساورك إلا شيء واحد هو أنك تريد أن تحتضن البصرة كلها، البصرة التي وجدتَ فيها الحب والشعر أكثر والفوارق المحيرة في مستويات الجمال أقل، ذلك هو العراق العظيم، فشكرا للعراق حتى نجد لغة لائقة نحبه بها أكثر.
المصدر: صحيفة أثير
إقرأ أيضاً:
كاتب تركي: ترامب حوّل الحلم الأميركي إلى كابوس
يرى الكاتب التركي قدير أوستون أن الرئيس دونالد ترامب حوّل "الحلم الأميركي" -الذي جذب المهاجرين نحو الولايات المتحدة على مدى عقود وأسهم في استقطاب الخبرات والكفاءات من مختلف أنحاء العالم- إلى كابوس حقيقي عقب قرار إغلاق الحدود وترحيل المهاجرين بشكل جماعي.
وفي مقال نشرته صحيفة "يني شفق" التركية، قال الكاتب إن "الحلم الأميركي" كان قائما على فكرة أن أبواب الولايات المتحدة مفتوحة للجميع بغض النظر عن العرق أو الدين أو الجنسية، مما جعلها بالنسبة لملايين الناس حول العالم "أرض الفرص" التي يمكن لأي شخص أن يحقق فيها النجاح إذا عمل بجد.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2الجميع متعبون والمزاج تغير.. الغارديان تلقي الضوء على أزمة فرار الجيش الأوكرانيlist 2 of 2فورين بوليسي: على نتنياهو أن يخفض سقف التوقعات قبل اجتماعه مع ترامبend of listلكن الخطاب المناهض للمهاجرين الذي تبناه دونالد ترامب في حملتيه الانتخابيتين عامي 2016 و2024 بلغ ذروته منذ توليه السلطة في ولايته الثانية مع بدء عمليات الترحيل القسري والجماعي، وهو ما يبعث رسالة واضحة مفادها أن "الحلم الأميركي" لم يعد متاحا للجميع، حسب تعبير الكاتب.
ملاحقات في كل مكانوأشار الكاتب إلى أن إدارة ترامب بدأت فور توليها السلطة بتنفيذ عمليات ترحيل واسعة النطاق وفاء بوعدها بطرد "المهاجرين غير النظاميين".
وفي هذا الإطار، أطلقت وكالة إنفاذ قوانين الهجرة والجمارك حملات مداهمة في ولايات عدة، مع التركيز على المهاجرين المتهمين بجرائم.
إعلانوذكر الكاتب أن تقارير كشفت عن ضغوط من البيت الأبيض لترحيل ما بين ألف و1500 مهاجر يوميا، وهو رقم لا يمكن تحقيقه إلا عبر استهداف المهاجرين الذين انتهت مدة تأشيراتهم أو الذين لا يزال وضعهم القانوني معلقا رغم تقديمهم طلبات اللجوء.
وأضاف أن ترامب منح سلطات الهجرة صلاحيات لدخول ما تعرف بـ"مدن الملاذ" وحتى اقتحام المدارس والكنائس، وهو ما يُظهر مدى التعسف والتشدد في عمليات الترحيل.
وترفض مدن مثل نيويورك ولوس أنجلوس وشيكاغو التعاون مع السلطات الفدرالية في اعتقال المهاجرين غير المتهمين بجرائم، مما جعل ترامب يعتبرها عقبة أمام تطبيق قوانين الهجرة.
وحسب الكاتب، فإن ترامب يحاول عبر هذه الإجراءات الضغط على المدن الديمقراطية ووضعها في موقف المدافع عن المهاجرين غير النظاميين، متهما إياها بتهديد الأمن العام.
الحلم لم يعد متاحا للجميعويرى الكاتب أن استهداف جميع المهاجرين بلا تمييز -بمن فيهم من ينتظر البت في طلبات اللجوء أو من انتهت صلاحية تأشيراتهم- يعكس رفض بعض العنصريين البيض واقع تغيّر التركيبة السكانية في البلاد، ويبعث رسالة إلى ملايين المهاجرين الذين لم يستوفوا وثائق الإقامة الدائمة ولديهم عائلات وأطفال حصلوا على الجنسية بأنهم ليسوا جزءا من المجتمع الأميركي.
وأكد الكاتب أن تاريخ أميركا شهد موجات من العداء ضد أعراق مختلفة من المهاجرين، مثل الأيرلنديين والصينيين واللاتينيين والمسلمين، لكن ما يميز الوضع اليوم هو أن جميع الفئات مستهدفة حتى أولئك الذين ساهموا في نمو الاقتصاد الأميركي كعمالة رخيصة منذ سنوات.
وتابع أن هذه السياسات تقوض فكرة "الحلم الأميركي" عبر تهميش المهاجرين بدلا من منحهم فرصة الاندماج، وتُضعف اقتصاد الولايات المتحدة، وترسخ فكرة أن أميركا "ملك للبيض"، مما يجعلها أكثر انعزالا عن العالم ورفضا للآخر.
والمفارقة -حسب تعبير الكاتب- أن الولايات المتحدة التي لطالما روجت أنها تمثل منارة الأمل والديمقراطية -والتي أسسها مهاجرون من أوروبا بعد تهجير السكان الأصليين- أصبحت اليوم تعادي المهاجرين وترحّلهم قسريا.
إعلانوختم الكاتب بأن هناك عوامل قد تفسر هذا التوجه، إذ زاد شعور الأميركيين بعدم الأمان بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول، وتعززت النزعة المعادية للأجانب، ولم يعد "الحلم الأميركي" متاحا للجميع.