السومرية نيوز – منوعات

لطالما كانت التحديات التي تفرضها الكوارث الطبيعية والحروب والأوبئة والتوسع العمراني جزءاً لا يتجزأ من التاريخ البشري. المدن التي كانت يوماً معاقل للحضارة والثقافة، قد تلاشت تحت وطأة هذه الكوارث، تاركةً وراءها أطلالاً تحكي قصصاً عن مَجدها السابق ونضالاتها، لتعتبر بعد ذلك مدن تاريخية لم تعد موجودة في عالمنا.


علماء الآثار، بمساعدة التكنولوجيا الحديثة والدراسات المتقدمة، يكشفون عن أسرار هذه المواقع القديمة، موفرين بذلك نافذة على ماضينا. هذه الأطلال، التي تبدو اليوم هشة ومهجورة، كانت في يوم من الأيام مراكز للحياة والنشاط، تعج بالناس والأسواق والمعابد.

ورغم مرور الزمان على اختفائها وبفضل جهود علماء الآثار عرفنا العديد من المدن التي كانت تزخر بالحياة في فترة من الفترات، والتي كانت تعد معقل التقدم في وقتها، إلا أنها اختفت لأسباب مختلفة سواء أكانت طبيعية أم حربية أم غيرها.

تُقدِّم هذه الأماكن القديمة لمحات عن التاريخ والثقافة والهندسة المعمارية في فتراتها، ولا تزال آثارها تأسر خيال الناس اليوم. وبعد مرور آلاف السنين في المستقبل، تخيل ما سيكتشفه الناس عن كيفية إدارة مجتمعنا وكيف عشنا حياتنا.

كم سيبقى من ثقافتنا المتاحة الآن؟ وهل سيكون لدى الناس في المستقبل أمل في معرفة من نحن؟ الوقت وحده كفيل بالإجابة على هذه الأسئلة.

مدينة الاستجمام الإيطالية والبركان الثائر "بومبي"
حسب موقع World Atlas الكندي تعد مدينة بومبي، التي تقع في قلب كامبانيا الإيطالية، واحدة من أكثر المواقع الأثرية إثارة للإعجاب والفضول في العالم. هذه المدينة، التي أدرجتها اليونسكو ضمن قائمة التراث العالمي عام 1997، كانت في يوم من الأيام موطناً لأكثر من 10 آلاف نسمة.

كانت مومبي تعيش في ازدهار حتى ذلك اليوم المشؤوم في 24 أغسطس/آب سنة 79م، حين انفجر بركان جبل فيزوف، مغطياً المدينة بالكامل تحت طبقات سميكة من الرماد البركاني.

الكارثة التي حلت ببومبي لم تترك أي فرصة لسكانها للهروب أو حتى للتحذير من الدمار الوشيك. الاكتشافات الأثرية في الموقع تحكي قصة مأساوية، حيث تم العثور على السكان كما لو كانوا متجمدين في الزمن، بفضل الحفظ الاستثنائي للرماد والحجر البركاني.

ما يضاف إلى فظاعة الحادثة هو الاكتشاف الأخير لغرفة يُعتقد أنها كانت تؤوي عبيداً، ما زالت مغطاة بالرماد والزجاج البركاني، والتي توفر نظرة عميقة على الحياة اليومية والظروف المعيشية في تلك الفترة.

لفهم أعمق لهذه الظروف، لجأ علماء الآثار إلى إنشاء قوالب من الجبس لتسليط الضوء على العناصر الموجودة داخل الغرف. هذه الطريقة، إلى جانب استخدام التكنولوجيا الحديثة، تسمح بإعادة تصور الحياة في بومبي بطريقة لم يكن ممكناً تخيلها قبل عقود.

الزوار والباحثون يمكنهم الآن التجول في شوارع المدينة القديمة، مستكشفين منازلها، وحماماتها، وأسواقها، في رحلة خلفية في الزمن تعيد إلى الذاكرة مجتمعاً بأكمله توقف فجأة عن الوجود.

مع توسع فهمنا لهذه الفترة من خلال التكنولوجيا والأبحاث المستمرة، تصبح بومبي ليست فقط موقعاً أثرياً يستحق الزيارة، بل أيضاً مركزاً للتعلم والتأمل في هشاشة الحياة البشرية وقوة الطبيعة المتغيرة.

مدينة الحرب الخالدة.. طروادة بتركيا
طروادة، المدينة الأسطورية التي تقع على أرض تركيا الحديثة، تمثل واحدة من أروع النقاط التي تجمع بين التاريخ، والأسطورة، والثقافة الشعبية عبر العصور. تأسست حوالي سنة 3600 قبل الميلاد، وهي تشهد على التداخل الفريد بين الواقع والخيال، حيث ارتبط اسمها ارتباطاً وثيقاً بحرب طروادة، الحدث الذي ألهم العديد من الأعمال الأدبية وأسر الخيال الشعبي لقرون.

قصص هوميروس، "الإلياذة" و"الأوديسة"، لعبت دوراً حيوياً في خلود مصير طروادة المأساوي وأبطالها، مانحةً الحياة لشخصيات وأحداث قد تتجاوز الواقع التاريخي لتنتقل إلى عالم الأساطير. الموقع الأثري لطروادة، بطبقاته الإحدى عشر المذهلة، يكشف عن قصة طويلة الأمد تمتد لأكثر من 4000 عام، متضمناً فترات متعددة من التاريخ البشري والتطور الحضاري.

في عام 1996، قامت الحكومة التركية بإنشاء متنزه وطني تاريخي حول طروادة، في مبادرة لحماية هذا الموقع الأثري القيم وآثاره وبيئته. وجاء افتتاح متحف طروادة في قرية توفيقية عام 2018 ليضيف بُعداً جديداً لتجربة الزوار، حيث يعرض المتحف نحو ألفي قطعة من مجموعته الشاملة التي تزيد عن 40 ألف قطعة أثرية، مقدماً للزائرين فرصة نادرة للغوص في أعماق التاريخ واكتشاف ثروات طروادة الثقافية.

طروادة، سواء أكانت مدينة تاريخية حقيقية أم رمزاً أسطورياً، تظل تراثاً فريداً يحتفظ بسحره وغموضه عبر الزمن. إنها تقف كشاهد على قوة السرد الإنساني وقدرته على تجاوز حدود الزمان والمكان، ممزوجة بين الحقيقة والخيال، وتقدم للعالم لغزاً آسراً يستمر في إلهام الأجيال وجذب علماء الآثار والمؤرخين والسياح على حد سواء لاستكشاف أسرارها وتراثها العريق. أكبر مدينة للإمبراطورية الآشورية.. نينوى بالعراق
نينوى، هذه المدينة العريقة التي تقع في العراق الحديث، كانت في يوم من الأيام قلب الإمبراطورية الآشورية النابض، وتعد من أهم المدن في التاريخ القديم. كأكبر مدينة في العالم قبل انهيار الإمبراطورية الآشورية في عام 612 قبل الميلاد.

كانت نينوى تمثل مركزاً حضارياً وتجارياً رئيسياً يربط بين الشرق والغرب، وقد استفادت من موقعها الاستراتيجي بين البحر المتوسط والمحيط الهندي.

تعكس الحفريات الأثرية التي أجريت في الموقع عظمة نينوى القديمة، حيث كشفت عن قصور ملكية فخمة، ومعابد دينية مهيبة، وتحصينات مدروسة بعناية. كانت هذه التحف الهندسية تزخر بالتماثيل الكبيرة التي تصور التاريخ الغني لبلاد ما بين النهرين، ما يؤكد على القوة والثراء الذي كانت تتمتع به الإمبراطورية.

لم تتوانَ الإمبراطورية الآشورية في إنفاق الثروات لبناء نينوى وجعلها تحفة حضارية، لكن هذه العظمة لم تدم طويلاً. بزوغ نهاية نينوى جاء عندما اقتحمها الميديون والبابليون، مخلفين وراءهم دماراً وخراباً لم يسبق له مثيل.

الهياكل العظمية غير المدفونة التي اكتشفها علماء الآثار تشهد على النهاية المأساوية لسكانها الذين لم يستطيعوا الفرار من الهجوم.

اليوم، يبقى من نينوى القديمة جداران فقط، أحدهما حجري والآخر من الطوب اللبن، يحيطان بما تبقى من الآثار القديمة. هذه الجدران، التي يصل ارتفاعها إلى 10 أمتار وسمكها إلى 14.5 متر، تقف كشاهد على ما كانت عليه هذه المدينة العظيمة.

على الجانب الآخر من نهر دجلة، تقع الموصل، المدينة التي تعتبر الخليفة الحديثة لنينوى. بعدد سكان يتجاوز 3.7 مليون نسمة، تعد الموصل ثاني أكبر مدينة في العراق، وهي موطن لآثار نينوى التي لا تزال تروي قصة الماضي العريق لهذه الأرض.

إن تراث نينوى، الذي يجمع بين العظمة والدمار، يظل شاهداً على تقلبات التاريخ، ويذكرنا بالحضارات التي ساهمت في تشكيل العالم الذي نعرفه اليوم.

عاصمة ملوك الأخمينيين.. مدينة برسبوليس "إيران"
في جنوب غربي إيران، تمثل واحدة من أروع الشواهد على عظمة الحضارة الفارسية القديمة. مدينة برسيبوليس عاصمة الإمبراطورية الأخمينية، التي امتد حكمها من سنة 550 إلى 330 قبل الميلاد، تقف أطلال برسيبوليس شاهدة على التاريخ العريق والفن المعماري المتقن الذي طبع هذه الحقبة.

المباني الضخمة في برسيبوليس، المشيدة من الحجر الرمادي المصقول بدقة بالغة، تعكس مهارة وإبداع العمارة الأخمينية. هذا الحجر، الذي يعطي مظهراً يشبه الرخام، يضفي على الموقع جمالية خاصة تنبض بالحياة من خلال المنحوتات الزخرفية التفصيلية التي تحكي قصة داريوس الأول وعظمته.

داريوس الأول، الذي حكم من سنة 522 إلى 486 قبل الميلاد، اختار برسيبوليس عاصمة للإمبراطورية الفارسية، وأمر ببناء أكبر قصورها فيها.

الاكتشافات الأثرية في الموقع قدمت أكثر من 30 ألف نقش، ما يوفر نافذة فريدة لفهم الحياة السياسية والاجتماعية والدينية في ذلك العصر. برسيبوليس، بموقعها البعيد، بقيت محتجبة عن العالم الخارجي وخاصة اليونانيين حتى غزو الإسكندر الأكبر لآسيا في عام 330 قبل الميلاد.

الإسكندر، في خطوة رمزية للسيطرة على الإمبراطورية الفارسية، استولى على المدينة وأحرق القصر، في حدث يعتبر منعطفاً مهماً في التاريخ القديم.

اليوم، تعد برسيبوليس موقعاً أثرياً يجذب الباحثين والسياح من جميع أنحاء العالم، كما أن بعض القطع الأثرية البارزة من الموقع معروضة في متاحف بارزة في إنجلترا، والولايات المتحدة، وكندا، وفرنسا. هذه القطع تشكل جسوراً ثقافية تسمح بتبادل المعرفة والاحترام المتبادل بين الشعوب، وتروي قصة حضارة فارسية عظيمة استطاعت، عبر الزمن، أن تترك بصماتها الخالدة على صفحات التاريخ.

مدينة الإمبراطورية الرومانية.. ليبتيس ماغنا (لبدة الكبرى)
الجوهرة الأثرية المطلة على ساحل البحر المتوسط في ليبيا، لبدة الكبرى تعد واحدة من أبرز الشواهد على عبق التاريخ الذي يمتد عبر العصور. تم الاعتراف بأهميتها التاريخية والثقافية على الصعيد العالمي بإدراجها ضمن قائمة مواقع التراث العالمي لليونسكو في عام 1982، تقديراً لمكانتها كأحد المراكز الحضارية العظيمة التي شهدت العديد من الحقب التاريخية.

أسسها الفينيقيون في القرن السابع قبل الميلاد، وشهدت لبدة الكبرى تطورها كمركز تجاري مهم خلال العصر الروماني، بعد ضمها للإمبراطورية الرومانية إثر الحروب البونيقية. الموقع الاستراتيجي للمدينة على ساحل البحر المتوسط جعل منها نقطة عبور تجارية حيوية بين الشرق والغرب.

في عهد الإمبراطور سيبتيموس سيفيروس، الذي ولد في ليبيا، شهدت لبدة الكبرى عصرها الذهبي. سيفيروس، الذي حكم حوالي عام 193 من الحقبة العامة، استثمر ثروات طائلة في توسعة وتجميل المدينة، ما جعلها واحدة من أروع المدن في العالم القديم.

لكن المجد الروماني لم يدم إلى الأبد، حيث تدهورت أهمية المدينة تدريجياً بسبب التغيرات في طرق التجارة، وفي النهاية، دُمّرت بشكل كبير بسبب تسونامي مدمر في عام 365م. اليوم، تقف آثار لبدة الكبرى كشاهد على ماضٍ عريق، متحدية عوامل الزمن والطبيعة.

بين الأطلال الباقية، يبرز قوس سيبتيموس سيفيروس، وهو معلم بارز يحتفي بالإمبراطور وإنجازاته، وكنيسة سيفيران، والتي تعد من أشهر الأمثلة على العمارة الرومانية. المدرج والسوق يوفران أيضاً للزوار فرصة نادرة للسفر عبر الزمن واستكشاف الحياة اليومية في عصر لبدة الرومانية.

تمثل لبدة الكبرى ليس فقط شاهداً على عظمة الإمبراطورية الرومانية في شمال أفريقيا، ولكن أيضاً تذكيراً بالدورة المتغيرة للحضارات والمدن عبر التاريخ. تعكس الأطلال الرائعة لهذه المدينة التاريخ الغني للمنطقة وتبقى كنزاً للإنسانية تجب المحافظة عليه للأجيال القادمة.

مدينة وسط الصحراء السورية.. تدمر
الواحة الصحراوية التي تشكّل واحدة من أكثر المواقع الأثرية إثارة في العالم، تقع تدمر في قلب الصحراء السورية. كمركز تجاري مزدهر على طول طريق الحرير، لعبت تدمر دوراً حيوياً في التبادل الثقافي والتجاري بين الحضارات القديمة.

تحت حكم الإمبراطورية الرومانية في القرن الأول الميلادي، شهدت تدمر ازدهاراً لم يسبق له مثيل، ما أتاح الفرصة لإنشاء تحف معمارية مذهلة تظهر الثراء والتنوع الثقافي للمدينة.

معبد بعل، الذي يعد واحداً من أبرز المعالم في تدمر، يمثل تكاملاً رائعاً بين الأديان والثقافات. مخصصاً للإله بعل، إله بلاد ما بين النهرين، تحول هذا المعبد فيما بعد إلى كنيسة مسيحية في العصر البيزنطي، ما يدل على التغيرات الدينية والثقافية التي مرت بها المدينة عبر العصور.

تدمر، بموقعها الفريد بين سلسلتين جبليتين ومواجهتها للصحراء السورية من الجانبين، تقدم منظراً طبيعياً خلاباً يعزز من جمالها الأثري. الأعمدة القائمة لمعبد بعل، التي تعود إلى القرن الأول الميلادي، تقف شامخة حتى اليوم شاهدة على عظمة تدمر القديمة ومرونتها أمام الزمن.

رغم التحديات التي واجهتها، تظل تدمر شاهداً على قدرة الحضارات على الازدهار في أقسى الظروف، وتبقى مثالاً للجمال والعظمة التي يمكن أن تصل إليها البشرية. تمثل الأطلال الرائعة لتدمر دعوة للعالم للتأمل في عظمة الماضي وضرورة الحفاظ على تراثنا الثقافي للأجيال القادمة.

مدن تاريخية لم تعد موجودة في عالمنا.. موهينجو دارو
موهينجو دارو، المدينة القديمة التي تنتمي إلى حضارة وادي السند، تقف اليوم كأطلال أثرية في باكستان، تحكي قصة حضارة عريقة تميزت بتقدمها الهندسي والاجتماعي. تأسست في القرن السادس والعشرين قبل الميلاد، وكانت في زمانها نقطة إشعاع حضاري، تمتعت بنظام تخطيط شبكي للشوارع يظهر مستوىً عالياً من التنظيم الحضري والاجتماعي، وأنظمة صرف صحي متطورة تدل على فهم عميق للصحة العامة.

الهياكل المعمارية متعددة المستويات والمصنوعة من الطوب تعكس معايير معيشية رفيعة ومجتمعاً يتمتع بتنظيم دقيق. الاكتشافات الأثرية، بما في ذلك الفخاريات المصنوعة بدقة والمجوهرات المعقدة والتركيز على طقوس الاستحمام، تقدم نظرة ثاقبة إلى ثقافة قيمت الجمال والنظافة.

تعتبر موهينجو دارو شاهداً على قدرة الإنسان على التكيف والابتكار في مواجهة التحديات البيئية. يُعتقد أن الكوارث الطبيعية والتغيرات في مجاري الأنهار كانت من بين الأسباب التي أدت إلى هجر هذه المدينة العظيمة في القرن التاسع عشر قبل الميلاد.

تصنيف موهينجو دارو كموقع تراث عالمي لليونسكو في عام 1980، جعلها أول مدينة في جنوب آسيا تحصل على هذا الشرف، ما يؤكد على أهميتها العالمية كمركز حضاري قديم. اكتشافها في 1919-1920 فتح الباب أمام العالم لاستكشاف إنجازات وأسرار حضارة ظلت مفقودة لآلاف السنين.

موهينجو دارو، بأطلالها الساحرة، تقدم لنا نافذة على الماضي، تظهر كيف كان يمكن للمجتمعات القديمة أن تبني مدناً ذات بنية تحتية متقدمة وأنظمة اجتماعية معقدة. تبقى هذه المدينة القديمة رمزاً للعبقرية البشرية وتذكيراً بأن حضارات عظيمة كانت تزدهر في أماكن اليوم قد نعتبرها غير مهمة.

أسسها الفينيقيون .. قرطاج تونس
قرطاج، المدينة التي شهدت على عظمة وسقوط حضارات، تقف اليوم كأطلال تختزل آلاف السنين من التاريخ على الساحل الشمالي الشرقي لأفريقيا، ضمن أحضان العاصمة التونسية الحديثة. تأسست في القرن التاسع قبل الميلاد على يد الفينيقيين، كانت قرطاج نقطة محورية في التحكم بالمرور البحري نحو البحر الأبيض المتوسط عبر خليج تونس، مما جعلها مركزًا للقوة والثروة.

الدمار الذي لحق بقرطاج في نهاية الحرب البونيقية الثالثة عام 146 قبل الميلاد لم يكن النهاية، بل كان بداية فصل جديد. إذ أعاد الرومان بناء المدينة بعد مائة عام، لتصبح قرطاج الرومانية، العاصمة الفخورة للإمبراطورية الرومانية في أفريقيا. اليوم، تشهد أطلال أكروبوليس بيرسا، الموانئ البونيقية، المقابر، المدرج، والسيرك، بالإضافة إلى الحمامات، البازيليكا، وصهاريج لامالجا، على العظمة التي كانت لهذه المدينة.

على الرغم من التوسع الحضري الذي شهدته تونس في القرن العشرين، استطاعت أطلال قرطاج الحفاظ على جوهرها التاريخي والأثري، مما يعكس ثراء المدينة الثقافي والحضاري عبر العصور. تم تصنيف قرطاج كموقع تراث عالمي لليونسكو في عام 1979، وهو تقدير يليق بأهميتها الكبيرة كمحور للأحداث التاريخية، وكنقطة التقاء للفنون والثقافات المتنوعة.

زيارة قرطاج اليوم تعد بمثابة رحلة عبر الزمن، حيث يمكن للزوار استكشاف الأطلال الباقية والتأمل في عظمة ما كانت عليه هذه المدينة. تشكل الأطلال الأثرية دعوة لاستكشاف الحياة اليومية، العبادة، والنشاط التجاري الذي شكل جزءًا لا يتجزأ من تاريخ المتوسط. قرطاج، بكل ما تحمله من أسرار الماضي وعظمة الحضارات التي احتضنتها، تظل شاهدة على تدفق الزمن وتغير العصور، محتفظة بقيمتها كجوهرة تاريخية وأثرية لا تقدر بثمن.

أيقونة البحر الأبيض المتوسط .. أفسس
المدينة اليونانية القديمة التي تحولت إلى واحدة من أبرز المراكز الرومانية في شرق البحر الأبيض المتوسط، أفسس التي تقع بالقرب من قرية سلجوق في غرب تركيا، على بعد خطوات من بحر إيجه. مع تأسيسها في القرن العاشر قبل الميلاد، تكشف الحفريات الأثرية عن بدايات الاستيطان البشري في المنطقة منذ 6000 قبل الميلاد، ما يؤكد على الأهمية الطويلة الأمد لأفسس كمركز حضاري.

المدينة لها أهمية خاصة في تاريخ المسيحية؛ فقد عاش فيها الرسول بولس بين عامي 52 و54 ميلادي، حيث نظم نشاطه التبشيري وكتب الرسالة الأولى إلى أهل كورنثوس، معالجًا الانشقاقات التي نشأت في الجماعة المسيحية المبكرة. هذا التاريخ الديني يضيف طبقة عميقة من الروحانية إلى أفسس، مما يجعلها نقطة جذب للزوار المهتمين بالتاريخ المسيحي.

على صعيد الهندسة المعمارية، تُعتبر أفسس مثالًا باهرًا للعظمة الهندسية في العالم القديم. كان معبد أرتميس، أحد عجائب الدنيا السبع في العالم القديم، يقف شامخًا كرمز للثروة والقوة في المدينة. وعلى الرغم من أن القليل جدًا قد بقي منه اليوم، إلا أن الموقع يظل شاهدًا على الماضي العريق لأفسس ويجذب مليوني زائر سنويًا.

توفر أفسس لزوارها الفرصة للتجول بين آثارها المذهلة، والتي تشمل ليس فقط معبد أرتميس ولكن أيضًا الأكروبوليس، الموانئ، المقابر، المدرج، والمنطقة السكنية. كل زاوية في هذا الموقع تحكي قصة عن الحياة اليومية، الدين، والفنون في واحدة من أكثر المدن تطورًا في العالم القديم.

أفسس، بتاريخها الغني ومعالمها الأثرية الفريدة، تقف كموقع لا يُنسى يجسد عبقرية الإنسان في البناء والتنظيم الاجتماعي، مما يجعلها واحدة من أهم وجهات السياحة التاريخية في تركيا والعالم.

سميت على البطل هرقل.. مدينة هيركولانيوم إيطاليا
المدينة الرومانية القديمة التي وقفت ذات يوم على خليج نابولي في كامبانيا بإيطاليا، تمثل هركولانيوم شاهدًا آخر على القوة المدمرة لجبل فيزوف البركاني. سميت المدينة تيمنًا بالبطل الأسطوري هرقل، وقد شاركت مصيرها المأساوي مع مدينة بومبي في العام 79 ميلادي عندما ثار البركان، مخلفًا وراءه مأساة وجمالًا محفوظًا عبر الزمن.

تم إعلان أنقاض هركولانيوم، إلى جانب بومبي وتوري أنونزياتا، كموقع للتراث العالمي لليونسكو في عام 1997، تقديرًا لأهميتها الأثرية والتاريخية الفريدة. الحفريات المبكرة في الموقع قد أشارت إلى أن سكان هركولانيوم ربما تلقوا تحذيرًا مسبقًا، حيث تم اكتشاف عدد قليل من الرفات البشرية في البداية. ومع ذلك، كشفت الاكتشافات اللاحقة في الثمانينيات عن قصة أكثر دراماتيكية، حيث وُجدت هياكل عظمية على الشواطئ القديمة لخليج نابولي، تحكي عن محاولات الفرار اليائسة من الكارثة.

مثل بومبي، ظلت هركولانيوم مخفية تحت الرماد والمواد البركانية لمئات السنين حتى تم اكتشافها بالصدفة، مما أتاح للعالم نظرة نادرة على الحياة في العصر الروماني. عمق الرماد الذي غطى المدينة، والذي وصل في بعض الأماكن إلى 50 قدمًا، ساهم في الحفاظ على الآثار بشكل كامل تقريبًا، موفرًا بذلك فرصة فريدة لاستكشاف المباني، الفسيفساء، الجداريات، والأدوات اليومية التي كانت جزءًا من الحياة اليومية لسكانها.

التنقيب في هركولانيوم مستمر حتى اليوم، مما يعكس الجهود المتواصلة لفهم أعمق لتاريخ هذه المدينة العظيمة والحفاظ عليها للأجيال القادمة. كل اكتشاف جديد يقدم رؤى ثمينة حول العادات، الثقافة، والتقنيات التي شكلت الحياة في عالم البحر المتوسط القديم، مما يجعل هركولانيوم وجهة لا تقدر بثمن للباحثين والسياح على حد سواء، الراغبين في استكشاف عجائب التاريخ الروماني. 

المصدر: السومرية العراقية

كلمات دلالية: فی العالم القدیم الحیاة الیومیة البحر المتوسط علماء الآثار الرومانیة فی قبل المیلاد هذه المدینة عبر العصور فی الموقع عبر الزمن التی کانت الحیاة فی تحکی قصة واحدة من فی القرن على عظمة التی تقع مدینة فی کانت فی

إقرأ أيضاً:

من بينها البروكلي والجزر.. 16 مصدرًا طبيعيًا لفيتامين ك

دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)-- يُعتبر فيتامين "ك" أحد الفيتامينات القابلة للذوبان في الدهون. ويلعب دورًا مهمًا في عملية تخثّر الدم، ومنع النزيف، والمساعدة بإلتئام الجروح، والحفاظ على صحة العظام.

مقالات مشابهة