صحيفة التغيير السودانية:
2025-04-07@07:16:39 GMT

البرهان بين خيار الحرب والتفاوض

تاريخ النشر: 13th, February 2024 GMT

البرهان بين خيار الحرب والتفاوض

زين العابدين صالح عبد الرحمن

السؤال الذي يدور في مجالس الحوار و الوسائط الإعلامية، و الإعلام و الصحافة و المحللين السياسيين، بعد كل حديث و خطاب للفريق أول عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة و القائد العام للجيش… هل سوف يقبل بدعوات التفاوض مع الميليشيا أم أنه يريد مواصلة الحرب حتى تكون البندقية هي القول الفصل في الحرب؟ و هل حسم الميليشيا و التفاوض معها هو تناقض في الخطاب أم هو الرأي و الحرب و المكيدة؟

أن الإجابة على السؤال تستشف من خطابات البرهان في منابر الحاميات العسكرية، و أيضا في المؤتمرات الصحفية التي يعقدها داخل السودان و خارجه، و من خلال مجمل الخطابات تتبين رؤية البرهان المركزية، باعتباره قائد الجيش و ليس البرهان رئيس مجلس السيادة، و كل واحدة من الوظيفتين تحتم عليه استخدام لغة تتناسب مع المقام… البرهان لا يستخدم مصطلح التفاوض و لا يبدأ به حديثه في المنابر العسكرية، إلا بعد أن يطرح الرؤية العسكرية بالكامل في رفع الروح المعنوية للمقاتلين ضباطا و جنودا، و يؤكد في الخطاب أن الحسم العسكري هو الهدف، و بعد ذلك يأتي التفاوض مقرون بشروط ما كان قد وقعته ميليشيا الدعم في إعلان المباديء في منبر جدة في مايو من العام الماضي.

و معلوم أن الميليشيا رفض تنفيذ ما وقعت عليه لأسباب عديدة.. هذا الرفض يؤكد عند قيادة الجيش أصبح هناك خيارا واحدا هو الاستمرار في القتال حتى النصر…

تجد المسألة تختلف بعض الشيء عندما يقف البرهان مخاطبا الإعلام في المؤتمر الصحفي، و هو دون بزته العسكرية، فيخرج من الخطابات الحماسية باعتبار أن المنبر يتطلب لغة مغايرة، و يريدها أن تسوق ليس في إطار الدولة التي يزورها، و أنما لكل العالم، حينئذ يقدم خطابا فيه شيء من الين.. و يتوافق مع الحدث و المقام، و يقدم في حديثه التفاوض باعتباره أحد وسائل الحل المطلوبة، و يتلاءم مع المقام، لكن التفاوض نفسه مقرون بشروط إعلان المباديء.. أو تصور جديد للتفاوض… و يتضح من خطابات البرهان أن التفاوض ليس هو الغاية، و لكن يعتبر احد الآليات التي يمكن اللجوء إليها، و هنا تكمن قدرة البرهان على المناورة.. و تحدث ارتجاجا عند المستمعين للخطابين.. حيث تتصاعد الانفاس وسط الراغبين في مواصلة الحرب حتى النصر، و بين الراغبين في المفاوضات.. المجموعة الأولى تعتقد أن البرهان يريد أن يوقف الحرب حتى يجعل للميليشيا دورا أخر في العملية السياسية، و هذا الدور الأخر سوف يفتح الباب مرة أخرى لعودة قحت للساحة السياسية.. و يبدأ النقد و الهجوم على البرهان… المجموعة الثانية ترحب بحديث البرهان و تعتبره تحولا جديدا في سياسة البرهان.. و تبداتبني إستراتيجيتها على التفاوض و تخرج حملتها بهدف أن تخلق رأيا عاما مؤيدا للبرهان، حتى تفجأ مرة أخرى بخطاب ناري يعيدها للمربع الأول.

استطاع البرهان منذ اليوم الأول للحرب أن يستخدم هذه المناورة السياسية، دون أن يفقد مناصرة أغلبية الشعب له.. و يعود ذلك أن المناورة التي يطبقها البرهان ليست قاصرة عليه شخصيا.. أنما هي إستراتيجية متفق عليها في القيادة العسكرية.. و يبين ذلك وجود فراودة يساعدون البرهان على إنجاز هذه المهمة، و يتمثلوا في مساعد القائد العام الفريق أول ياسر العطا و أخيرا الفريق إبراهيم جابر و قيادات الفرق و المناطق و قيادات الحركات الواقفة مع الجيش.. كل هؤلاء الفراودة تتمثل مهمتهم في: الأول رفع الروح المعنوية للجيش.. الثاني احتفاظ العلاقة القوية بين الجيش و الشعب في كل مناطق السودان.. ثالثا الحرب النفسية ضد الميليشيا و اتباعها.. رابعا خلق حالة من الضبابية للقوى التي يعتقد إنها داعمة للميليشيا، و الحالة الضبابية تجعلها غير قادرة على وضع استراتيجية مضادة، لأنها غير متيقنة أي الرؤيتين سوف يتم التركيز عليها، و هذا التناقض يبدو ظاهرا في خطابها؛ مرة تتحدث عن ثورة شعبية أو تجمع مدني واسع لوقف الحرب، و مرة عن تدخل إقليمي أو دولي في السودان، و مرة تنادي بتطبيق البند السابع في ميثاق الأمم المتحدة، الأمر الذي يوضح حالة الإرباك التي تعيشها ..الغريب أن هؤلاء يعلمون أن التدخل الدولي لن ينجح في ظل الصراع الاستراتيجي الدولي المستعر، و تدخل الدول فرادى ايضا لا يمكن في ظل الحروب الدائرة الآن في المنطقة و حرب روسيا و أوكرانيا و بحث الصين قاعدة لها في المحيط الاطلنطي. إلي جانب الاختلال الامني في البحر الأحمر.

أن الفريق أول ياسر العطا في حركته في أم درمان بهدف الإسراع أن تعلن أم درمان منطقة خالية من التمرد، و الإعلان سوف يعطي دفعة قوية لمناطق أخرى تسير بذات الكيفية و القوة لخروج عناصر الميليشيا من مناطقها.. الأمر الذي يؤكد أن الجيش يميل للحسم العسكري إما انتصارا ميدانيا أو استسلام الميليشيا و قبول شروط الجيش، و في أخر خطاب للبرهان في قيادة المنطقة 19 مشاة بالدبة في الشمالية قال ( لابد من إنهاء سرطان متمردي ميليشيا آل دقلو الإرهابية بدعم الشعب السوداني الذي التفه حول الدولة و الجيش) و عن وصول الإغاثة للميليشيا قال البرهان ( هذا لن يكون إلا بعد وقف هذه الحرب، و خروج الميليشيا من منازل المواطنين و المؤسسات الحكومية و الخدمية، و من كل المدن التي قاموا بنهبها و احتلالها في نيالا و الجنينة و مدني والخرطوم، و إرجاع كل المنهوبات التي قاموا بسرقتها) و الملاحظ: كل ما تقدم الجيش يصعب على الميليشيا الشروط.. كانت في الأول الخروج من بيوت المواطنين و المؤسسات الحكومية و الخدمية.. أضيفت إليها الآن “إرجاع كل المنهوبات و هذا يعني محاسبة الذين قاموا بالنهب و السرقة”.

أن خطابات البرهان رغم تباينها في مقامات مختلفة لكنها تنطلق من إستراتيجية واحدة، هي إنهاء الميليشيا و عدم قبول أي دور لها مستقبلا، إن كان عسكريا أو سياسيا، و لغة التفاوض هي مناورة تساعد على تهدئة العملية السياسية، و أيضا تهدئة حالة القلق التي تظهرها بعض الدول، و المنظمات الإقليمية و الدولية.. و كان البعض يراهن على الولايات المتحدة أن تمارس الضغط على قيادة الجيش، و لكن تصاعدة نبرات الانتخابات و الحروب في المنطقة تجعلها تقف في دور المناشدة. و توقف دور السفير الأمريكي من النشاط و انتظار مبعوث أمريكي سوف يعين كلها تؤكد أعطاء فترة زمنية للجيش لكي يحسم ألأمر. أما الدول الغربية تؤرقهم حرب أوكرانيا و ليس لديهم استعداد للدخول في أي حروب أخرى. نسأل الله حسن البصيرة.

الوسومزين العابدين صالح عبد الرحمن

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

إقرأ أيضاً:

لماذا أنظمة الجودة ضرورة لا خيار؟

 

 

د. سعيد الدرمكي

أنظمة إدارة الجودة هي منظومة من السياسات والإجراءات تهدف إلى ضمان تقديم خدمات أو منتجات تلبي توقعات العملاء وتفوقها، من خلال تحسين الأداء وتوحيد العمليات وتقليل الأخطاء. وتُعد هذه الأنظمة بمثابة خارطة طريق لفرق العمل لضمان تطبيق أفضل الممارسات بشكل متكرر، كما هو الحال في شركات الطيران التي تعتمد أنظمة جودة دقيقة لفحص الطائرات بشكل منتظم، ما يُسهم في تقليل الأخطاء وتعزيز رضا العملاء.

ولأنَّ فاعلية الجودة لا تتحقق بالمفاهيم فقط؛ بل بالتطبيق العملي، فمن المهم التعرف على أبرز النماذج العالمية. من أبرزها نظام الأيزو 9001 (ISO 9001) الذي يُركّز على تحسين العمليات ورضا العملاء، ويسهم في رفع الكفاءة بنسبة تصل إلى 30%. أما الستة سيجما (Six Sigma)، فيستخدم أدوات تحليلية لتقليل الأخطاء إلى 3.4 لكل مليون فرصة، وقد وصفه جاك ويلش في كتابه الفوز (Winning) بأنه من أكثر النظم فاعلية في تقليل التكاليف وزيادة الإنتاجية. ويُعد نموذج التميز الأوروبي (EFQM) إطارًا متقدمًا لتقييم الأداء من خلال معايير القيادة والابتكار والشراكات، في حين تركز إدارة الجودة الشاملة (TQM) على تحسين الكفاءة وتقليل العيوب من خلال مشاركة جميع العاملين.

كانت بعض المؤسسات في الماضي تنظر إلى الجودة كإجراء شكلي لإرضاء جهات التفتيش، دون إدراك لقيمتها الاستراتيجية، مما أدى إلى تهميشها واعتبارها عبئًا إداريًا. إلا أن هذه النظرة التقليدية لم تصمد أمام تحولات السوق وتسارع التنافسية؛ حيث أصبحت الجودة اليوم ضرورة استراتيجية لا غنى عنها. فغيابها يُؤدي إلى فقدان العملاء وضعف الثقة وصعوبة التوسع، في وقت يفضّل فيه العملاء الخدمات الدقيقة والموثوقة حتى مع ارتفاع التكلفة.

تُعد أنظمة الجودة رافعة استراتيجية تدعم تنافسية المؤسسات واستدامتها من خلال تعزيز كفاءة العمليات واتخاذ قرارات تستند إلى بيانات دقيقة. فهي تُساعد في تقليل الهدر، وتوحيد الإجراءات، ورفع كفاءة استخدام الموارد. ويُسهم تطبيق أدوات مثل "الستة سيجما" في تحقيق كفاءة تشغيلية عالية، كما هو الحال في المستشفيات الكبرى التي تستخدم أنظمة الجودة لتحسين الرعاية الصحية وتقليل الأخطاء الطبية.

إلى جانب الكفاءة التشغيلية، تسهم أنظمة الجودة في تعزيز تجربة العملاء وبناء صورة مؤسسية موثوقة، من خلال تقديم خدمات عالية الجودة والاستجابة السريعة لاحتياجاتهم، مما يُعزز الولاء والتوصيات الإيجابية. كما أن الحصول على شهادات دولية مثل "أيزو" و"نموذج التميز الأوروبي" لا يقتصر على تحسين الصورة المؤسسية؛ بل يدعم فرص التوسع والمنافسة عالميًا. وقد جسّدت هيئة كهرباء ومياه دبي هذا النجاح بتطبيق نموذج EFQM، ما رفع رضا المتعاملين، وعزز الكفاءة، وجعلها أول جهة خارج أوروبا تنال جائزة التميز المستدام، مما رسّخ مكانتها كمؤسسة خدمية رائدة عالميًا.


تُبرز تجارب المؤسسات الناجحة أن تطبيق أنظمة الجودة يحدث تحولًا فعليًا في الأداء المؤسسي من خلال ترسيخ ثقافة التحسين المستمر، وتقليل الأخطاء، وتعزيز رضا العملاء. تؤكد التجارب العملية في قطاع التعليم أن تطبيق أنظمة الجودة يحقق تحولًا حقيقيًا في الأداء المؤسسي. وقد أسهم تطبيق نظام ISO 9001:2000 في قسم طب العيون بجامعة السلطان قابوس في تحسين جودة الخدمات الطبية والتعليمية وتقليل الأخطاء، وفق ما أكده البحث المنشور في Oman Medical Journal (2010). كما نجحت جامعة الملك سعود في تعزيز جودة الأداء الأكاديمي والخدمات الطلابية من خلال تبني نظام إدارة الجودة الشاملة، مما أدى إلى تسريع الإجراءات، ورفع رضا الطلاب، وتعزيز مكانة الجامعة إقليميًا ودوليًا.

ونجاح أنظمة الجودة لا يعتمد على مثالية النظام؛ بل على قدرة المؤسسة في التعامل مع التحديات. يمكن التغلب على مقاومة التغيير بنشر ثقافة الجودة تدريجيًا وإشراك الموظفين، ومعالجة نقص الوعي عبر التدريب المستمر وربط الجودة بمهام الجميع. أما اعتبار الجودة تكلفة إضافية، فيُعالج بتوضيح أثرها الاقتصادي في تقليل الأخطاء وزيادة الإنتاجية ورضا العملاء. ويبقى دعم الإدارة العليا عنصرًا حاسمًا، إذ يتطلب إصدار قرارات رسمية، متابعة مباشرة، وتخصيص الموارد لضمان نجاح التطبيق وتحقيق الأثر المطلوب.

بينما يُعد تطبيق أنظمة الجودة خطوة أساسية، فإن التحدي الحقيقي يكمن في ترسيخها كثقافة مؤسسية مستدامة، تتجاوز كونها مشروعًا مؤقتًا لتصبح ممارسة يومية يقودها الجميع. وقد أكدت رؤية "عُمان 2040" على أهمية تبني معايير التميز والابتكار وتحسين الكفاءة، مما يجعل من الجودة ركيزة استراتيجية لضمان التنافسية والاستدامة ورفع مستوى الأداء المؤسسي وتجربة العملاء.

وأخيرًا.. إنَّ المؤسسات التي تتبنى الجودة كنظام متكامل وثقافة مستدامة، تضمن لنفسها التفوق والجاهزية لمستقبل أكثر تنافسية وتحولًا.

مقالات مشابهة

  • لماذا أنظمة الجودة ضرورة لا خيار؟
  • الذهب والفضة ينخفضان مع تصاعد الحرب التجارية التي أعلنها ترامب
  • مقاطعة الإعلام الحربي كأداة مقاومة ضد آلة الدعاية العسكرية
  • لماذا لن يحكم الجيش من جديد؟
  • الميليشيا تتراجع في الصالحة وأم بدة وتستهدف محطة كهرباء مروي.. الجيش السوداني يضيق الخناق على «الدعم» بأم درمان
  • الكشف عن الدولة العربية التي قدمت دعما لحملة القصف على اليمن
  • مسؤولون أمريكيون: العملية العسكرية ضد الحوثيين تستمر 6 أشهر وتكلفة الضربات تجاوزت المليار دولار
  • وسط نزوح جماعي للمدنيين … تواصل المواجهات العسكرية بين الجيش و الدعم السريع بجنوب كردفان
  • الحرب العالمية التجارية التي أعلنها ترمب لا تخصنا في الوقت الراهن
  • أبو عبيدة: نصف أسرى الاحتلال في مناطق الإخلاء .. والتفاوض هو الحل الوحيد لضمان حياتهم