د. منذر سليمان وجعفر الجعفري: قمة “الناتو” لأوكرانيا: استمروا في القتال والعضوية مؤجلة
تاريخ النشر: 20th, July 2023 GMT
د. منذر سليمان وجعفر الجعفري حسم الرئيس الأميركي جو بايدن سريعاً توقّعات أوكرانيا المفرطة بشأن قبول عضويتها رسمياً في حلف الناتو، قائلاً ما مفاده أن الأمر يمكن إعادة النظر فيه بعد انتهاء الحرب ضدّ روسيا، بينما أعلنت دول الحلف الأخرى موافقتها عندما “تستوفي أوكرانيا الشروط” المعروضة، وتطبيق الإصلاحات البنيوية المطلوبة.
تزامن التباطؤ الأميركي لدخول أوكرانيا عضوية الحلف مع تنامي الانتقادات الداخلية في أركان المؤسسة الحاكمة، سياسيا وعسكرياً وأمنياً، لفشل “الهجوم الأوكراني المضادّ”، والذي دأبت كل الأطراف على التعويل على نجاحه، وخصوصاً تزويد أقطاب الحلف أوكرانيا بمعدات وذخائر عسكرية متواصلة وحديثة، آخرها إعلان واشنطن تسليمها قنابل عنقودية.
لكن الأمر عينه لم يحظ بإجماع دول الحلف، إذ أعرب البعض، ومن بينهم ألمانيا، عن تحفظه عن تقديم الدعم العسكري بسبب ما قد يفضي إليه من مواجهة مباشرة مع روسيا، وذلك بعد انقضاء عام على “قمة مدريد” لحلف الناتو، وتبنيها مفهوماً استراتيجياً، وُصف بأنه جديد كون “روسيا تشكّل تهديداً مباشراً” لأعضائه.
كما أن التزام كبار أعضاء الحلف، أميركا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، توفير معدات وذخيرة متطورة لأوكرانيا “سيكون خارج إطار حلف الناتو”، بحسب تحفظات بعض النخب السياسية الأميركية، في ظل اشتراط واشنطن على سائر الأعضاء تخصيص 2% من ناتجها المحلي الإجمالي للإنفاق العسكري “بحلول عام 2024″، في ظل تردّي الأوضاع الاقتصادية الداخلية في عموم أوروبا الغربية.
بيد أن تلك “الاستراتيجية الجديدة” وسّعت دوائر الخطر المحدقة بالحلف “والتحديات غير المسبوقة”، لتشمل “الإرهاب والتقنيات الجديدة وتحديات المناخ”، جنباً إلى جنب مع التهديدات العسكرية التقليدية.
على الرغم من تصدّر جدول أعمال الحلف البت في عضوية أوكرانيا، حقّقت السويد طموحها بشأن الانضمام إلى الحلف، بعد تراجع تركيا عن شروطها السابقة، في مقابل “وعد أميركي بتقديم دعم اقتصادي” للحيلولة دون انزلاق أدائها الاقتصادي وتعزيز قدرتها على توفير استثمارات أجنبية ضرورية لمعدلات النمو الطموحة.
وقدّمت أنقرة أوراق اعتمادها إلى الجانب الأميركي بالإفراج عن “فوج من قادة آزوف” المحتجزين لديها، مخالفةً ترتيبات سابقة عقدها الرئيس أردوغان مع الرئيس الروسي بوتين، في هذا الشأن.
في المقابل، أقلعت واشنطن عن تحفظاتها السابقة بخصوص صفقة الطائرات المقاتلة لأنقرة من طراز أف-16، الأمر الذي يمهّد الأجواء لاستئناف الأخيرة دورها بالانضمام إلى مجموعة مختارة من حلفاء الولايات المتحدة للمساهمة في عملية إنتاج مكوّنات تدخل في صناعة المقاتلة الأميركية الأحدث، أف-35.
تراجعت تلك الإرهاصات والوعود الأميركية للحلفاء بتصريح للرئيس جو بايدن، خلال مقابلة أجرتها معه شبكة “سي أن أن”، بشأن تطورات الحرب في أوكرانيا، شكا فيه من نقص معدلات الذخائر في الترسانة الأميركية.
وقال الرئيس بايدن إن ” ذخيرة الأوكرانيين تنفد. هذه حرب تتعلق بالذخائر، وذخيرتهم تنفد، وما لدينا منها أصبح قليلا”.
وانتقدت يومية “وول ستريت جورنال”، بتاريخ 10 تموز/يوليو الحالي، إقرار الرئيس بايدن بنقص الذخيرة بأنه يشكل “وصمة عارٍ في حاجة إلى إصلاح عاجل”.
وأضافت أن الولايات المتحدة زوّدت كييف بما يزيد على مليوني قذيفة مدفعية من عيار 155 ملم، والبنتاغون يقول إن أوكرانيا تستهلك 3 آلاف قذيفة يوميا، مطالبة البيت الأبيض ببذل “جهد وطني جديد لتوسيع نطاق إنتاج الأسلحة والذخائر”.
يشار، في هذا الصدد، إلى تقرير نشرته صحيفة “وول ستريت جورنال”، مطلع العام الجاري، كشفت فيه “خطراً استراتيجياً يواجه الولايات المتحدة، بحيث انخفضت مخزونات الأسلحة لديها، و أن شركات صناعة الأسلحة ليست مجهّزة لتجديد المخزون بسرعة، وتعمل بآلية أكثر ملاءمة لبيئة زمن السلم”، معرّجة على خشية كبار العسكريين الأميركيين من “سرعة نفاد ذخائر الجيش الأميركي في نزاع محتمل مع الصين في منطقة المحيطين الهندي والهادئ”. (“وول ستريت جورنال”، 23 كانون الثاني/يناير 2023).
ومنذئذ دقت وسائل الإعلام الأميركية المختلفة، المرئية والمقروءة، جرس الإنذار لما استشعرت من ثُغَر بنيوية في الاستراتيجية الأميركية الكونية، وخصوصاً في مواجهتها الصين، أو احتوائها.
وأبرزت نشرة مختصة بالشؤون العسكرية تحديات نقص الإمدادات والذخيرة في الترسانة الأميركية، وبأن “مسار التوريد لأوكرانيا يشكّل مقدّمة لطبيعة القيود الصناعية، التي قد تعرقل الفعالية العسكرية الأمريكية إذا اشتبكت مع خصم ، مثل الصين ، التي ستتسبب بخسائر فادحة في المعدات والأفراد” (نشرة “وور أون ذا روكس –War on the Rocks“، 16 آذار/مارس 2023).
وانضم أحد أكبر مراكز الأبحاث النافذة في صنع القرارين السياسي والعسكري الأميركيين، مبكراً، إلى الجدل الدائر بشأن نقص الذخيرة، قائلاً إنه “بمجرد أن يتم استهلاك مخزون الترسانة، لا تستطيع وزارة الدفاع ببساطة شراء المزيد من الذخائر، وقد يستغرق تصنيعها أعواماً” (دراسة بعنوان “النضوب السريع للذخائر يشير إلى تبنّي تغييرات ضرورية” عن “مؤسّسة هاريتاج”، 20 كانون الأول/ديسمبر 2022).
الإقرار الأميركي المتواصل بنقص معدلات الذخيرة إلى نِسَب مقلقة، له أكثر من بُعد، إذ لا يجوز تجاهل دور صناعة الأسلحة في ترويج تراجع المخزون طمعاً في حثّ الكونغرس على تخصيص ميزانيات إضافية وعاجلة لعملية إنتاج مكثفة، يشترك فيها بعض الدول المؤيدة لسياسات واشنطن، مثل تركيا.
وفي الشق المقابل، يشير إلى ما سمّاه بعض الخبراء العسكريين مخاطر سياسة خصخصة الانتاج الحربي وتراجع دور الدولة المركزية وإشرافها على وجهة الإنفاق، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
للدلالة على عمق الأزمة البنيوية والنفوذ الطاغي لكبريات شركات الأسلحة، نشر مؤخراً تقرير يتضمن كلفة البنتاغون لشراء “سلة مهملات بسعر 51،600 $” من شركة بوينغ، والتي كانت تبيعها وفق المواصفات نفسها بتكلفة 300 دولار (تقارير ووكالات، 22 حزيران/يونيو 2023).
ترافق ذلك الكشف مع تقرير تدقيق مالي قدّمه البنتاغون لمجموع إنفاقاته للعام الحالي، يشير إلى “خطأ حسابي أسفر عن توافر مبلغ ،قيمته الصافية بلغت 6،2 مليارات دولار” سيتم الإنفاق منه على المعدات العسكرية المخصصة لأوكرانيا (وكالات، 20 حزيران/يونيو 2023).
لم تتم محاسبة قادة البنتاغون من قبل مجلس النواب الذي يصادق على حجم ميزانيات الدفاع سنوياً. واكتفى “4 أعضاء في مجلس الشيوخ” بتقديم مذكرة شديدة اللهجة إلى وزير الدفاع، لويد أوستن، يطالبونه بتقديم تفسير لـ”الخطأ الحسابي”، المشار إليه، باستنادهم إلى تخصيص الكونغرس “أكثر من 113 مليار دولار لمساعدة أوكرانيا لتاريخه”، واتهامه بتفضيل “معاملة أوكرانيا على حساب المصالح الحيوية للولايات المتحدة” (مذكرة بتاريخ 11 تموز/يوليو 2023).
ما تَقدّم يشكل غيضاً من فيض في معدلات الإنفاق على “المسائل العسكرية” الأميركية والهدر المتواصل من دون آليات مراقبة حقيقية أو محاسبة مرتكبيها. بل كرّر الرئيس جو بايدن، في قمة حلف الناتو الأخيرة، ضرورة زيادة أعضاء الحلف نسبة الإنفاق على الشأن العسكري، وأوضح الأمين العام للحلف أنه يتعيّن على الدول الأعضاء تخصيص ما لا يقل عن 2% من الناتج القومي العام لكل منها “لشؤون الدفاع”.
وعليه، فإن كلمة السرّ الأميركية هي المضي في مواجهة كل من روسيا والصين، وتوزيع التكلفة على حلفائها من دول الناتو، وبعض الدول النفطية، بما فيها العربية، عبر حثّها على شراء معدات عسكرية لا تستطيع استيعابها، فضلاً عن استخدامها في أجواء الانفتاح السياسية الأخيرة نسبياً في المنطقة العربية.
المصدر: رأي اليوم
إقرأ أيضاً:
نائب أمريكي: بايدن وترامب فشلا في وقف سعي إيران نحو الأسلحة النووية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
قال النائب الأمريكي براد شيرمان، أحد أبرز الأصوات الديمقراطية في الكونغرس الأمريكي المعارضة لإيران، إن الرئيسين الأمريكيين جو بايدن ودونالد ترامب فشلا في إيقاف تقدم إيران نحو امتلاك الأسلحة النووية.
ويشغل شيرمان، الذي يمثل منطقة مالبو وبيل إير في لوس أنجلوس، منصب عضو في مجلس النواب الأمريكي منذ 28 عامًا، وكان جزءًا من لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب لسنوات عديدة. وقد اختلف شيرمان مع كل من الرئيسين من الحزبين الجمهوري والديمقراطي في سياستهما تجاه إيران.
ويعد شيرمان من المنتقدين البارزين لحكام إيران الإسلاميين، حيث يدعم التشريعات التي تنتقد معاملتهم للشعب الإيراني وتزيد من فرض العقوبات.
كان شيرمان من القلة القليلة من الديمقراطيين الذين صوتوا ضد خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA) في عام 2015، وهي الاتفاقية التي تهدف إلى الحد من البرنامج النووي الإيراني مقابل تخفيف العقوبات.
وقال شيرمان: "كان يجب أن يكون هناك اتفاق أفضل". وأشار إلى أن "إدارة ترامب، رغم الضغط الكبير الذي مارسته على النظام، لم تقلل من البرنامج النووي، كما أن بايدن أيضًا لم ينجح في إبطاء هذا البرنامج".
وأشار إلى أنه يفهم خيبة أمل بعض الديمقراطيين الأمريكيين من أصل إيراني الذين صوتوا لصالح ترامب في الانتخابات الماضية بسبب استراتيجيته "الضغط الأقصى" على إيران، لكنه قال إن خطاب الرئيس المنتخب لم يحقق نتائج ملموسة أيضًا. وأضاف: "أعرف أن معارضي النظام يعجبون بتصريحات ترامب الحازمة والعاطفية ضد النظام، وبالتأكيد يظهر ترامب عاطفة أكبر ضد النظام من بايدن، لكن لم يوقف أي منهما عمل أجهزة الطرد المركزي. ولم يوقف أي منهما قتل أي شخص يجرؤ على رفع صوته".
وفي وقت لاحق، أصدرت مجموعة E3، وهي ائتلاف دبلوماسي يضم ألمانيا وبريطانيا وفرنسا، بيانًا الثلاثاء يعبر عن قلقها من زيادة تخصيب اليورانيوم في إيران، ودعت طهران إلى التراجع عن تقدمها النووي.
من جانبه، قال وزير الخارجية الأمريكي المنتهية ولايته، أنتوني بلينكن، خلال حديثه في مجلس العلاقات الخارجية الأربعاء، إن النظام الإيراني قد يفكر في تطوير سلاح نووي بعد الانتكاسات التي تعرض لها في المنطقة، مشيرًا إلى قدرة إسرائيل على تدمير الوكلاء العسكريين لإيران في هجوم مباشر في أكتوبر.
وقال بلينكن: "أعتقد أن هناك فرصة للتفاوض"، مشيرًا إلى أن "السلاح النووي ليس أمرًا حتميًا".
لكن شيرمان اعتبر أن وجهة النظر التقليدية للحزب الديمقراطي، التي تعتمد على إظهار ضبط النفس في المفاوضات مع إيران، هي خطأ كبير. وقال: "هناك من في إدارة بايدن يعتقدون أنه من خلال القيام بالقليل، ومن خلال بعض التريث، سيتمكنون من التفاوض. لا، هذا نظام إذا كنت ستتفاوض معه، يجب أن تفعل ذلك من موقع قوة".
عقوبات أشد
وفيما يتعلق بالعقوبات، طالب شيرمان بفرض عقوبات أكثر صرامة على الصادرات الإيرانية. وقال: "لدينا الآن عقوبات أشد على الصادرات الروسية مقارنة بالعقوبات المفروضة على إيران".
وشدد شيرمان على ضرورة أن تضاعف أمريكا جهودها للحد من البرنامج النووي الإيراني، مشيرًا إلى أن الولايات المتحدة يجب أن تمول مجموعات الديمقراطية السرية التي تقاوم النظام الديني الإيراني، لكنه امتنع عن الخوض في التفاصيل.
وأضاف: "لقد دعمت بالتأكيد كل ما فعلناه لدعم القوى الديمقراطية، وبعض ذلك مصنف".
وبينما يدعم شيرمان نهج "التفاوض من موقع قوة" الذي يتبناه الرئيس المنتخب دونالد ترامب، فإنه يعتقد أن النظام الإيراني مصمم على بناء قنبلة نووية. وقال: "طالما أن هناك جمهورية إسلامية في إيران، فإنها ستكون دولة تسعى لامتلاك الأسلحة النووية".