حسني محلي

لم يهمل إردوغان في الحملة الانتخابية اتخاذ بعض القرارات العاجلة لزيادة الحد الأدنى من الأجور ومنح قروض مصرفية بفوائد متدنية، واعداً الشعب باتخاذ قرارات اقتصادية مهمة بعد الانتخابات؛ لتخفيف أعباء الأزمة المالية والاقتصادية.

خلال الحملة الانتخابية للجولة الأولى في تركيا والتي جرت في 14 أيار/مايو والثانية في 28 أيار/مايو، وعد الرئيس إردوغان الشعب التركي، وبشكل خاص أنصاره وأتباعه، بالكثير من الوعود المعنوية والمادية التي أثبتت فعاليتها، إذ ساعدته على الفوز في هذه الانتخابات.

فقد أثبتت الحملة أن الذين صوّتوا لإردوغان لم يبالوا كثيراً بوعود مرشح المعارضة كمال كليجدار أوغلو الذي وعد المتقاعدين بزيادة مرتباتهم بنسبة 100%، كما وعد النساء والشباب والعاملين في جميع مؤسسات القطاعين العام والخاص بزيادة مرتباتهم ومكافآتهم كي يعوض لهم خسائرهم الكبيرة من جراء ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة بعد أن تراجعت قيمة الليرة التركية أمام الدولار والعملات الأجنبية الأخرى بشكل خطير. فيما ركز إردوغان على المقولات والشعارات القومية والدينية التي يبدو أنها دغدغت مشاعر الناخبين، وأقنعهم أن منافسه كليجدار أوغلو “مدعوم من الدول والقوى الإمبريالية والاستعمارية التي تدعم الإرهاب والإرهابيين بأشكالهم كافة، وفي مقدمتهم حزب العمال الكردستاني والداعية فتح الله غولن ووحدات حماية الشعب الكردية في سوريا. ومن دون أن يهمل إردوغان في هذه الحملة اتخاذ بعض القرارات العاجلة لزيادة الحد الأدنى من الأجور ومنح المواطنين قروضاً مصرفية بفوائد متدنية، واعداً الشعب باتخاذ قرارات اقتصادية مهمة بعد الانتخابات؛ لتخفيف أعباء الأزمة المالية والاقتصادية على المواطن، بعد أن تراجع احتياطي المصرف المركزي إلى ناقص 70 مليار دولار. كذلك وصلت الخزانة العامة إلى حافة الإفلاس بسبب تكاليف الحملة الانتخابية، وقبل ذلك قصص الفساد الخطرة التي زادت قيمتها عن مئات المليارات من الدولارات. ودفع ذلك الرئيس إردوغان إلى توجيه الشكر لحكام الخليج (قبل الانتخابات بثلاثة أيام) وقال عنهم إنهم “خففوا من عبء المصرف المركزي وسوف يستمرون في ذلك”، على حد قوله. وهو الموضوع الذي بحثه إردوغان مع حكام السعودية والإمارات وقطر خلال جولته الأخيرة في 17-19تموز/ يوليو إلى هذه الدول. ومن دون أن يهمل الرئيس إردوغان دغدغة الشعور القومي العنصري لدى أتباعه فتحدث إليهم باستمرار عن “عظمة تركيا التي تصنع الطائرات النفاثة والغواصات والمسيرات وحاملة الطائرات والسيارات الكهربائية” وأهدى بعضاً من هذه السيارات لحكام السعودية والإمارات وقطر. في حين كذّبت المعارضة أحاديث إردوغان وقالت “إن أكثر من 70% من أجزاء السيارة مصنوعة في الخارج، وأن الأعداد الأولى منها تم استيرادها من الخارج” وهو ما أثبته الصحافي جان آتاكلي بعد تأكيده أن عدد السيارات التي تم بيعها في السوق الداخلية لم يتجاوز 40 سيارة بعد أن قال إردوغان إن المصنع سينتج 40 ألف سيارة في السنة. وجاءت مفاجآت إردوغان للشعب التركي عندما تخلى عن النصوص الدينية التي كان يقول إنه لن يتراجع عنها ما دام على قيد الحياة. وقد سمح لوزير ماليته الجديد محمد شيمشاك (بريطاني الجنسية) ومحافظ المصرف المركزي غاية آركان (الأميركية الجنسية) رفع نسبة الفائدة المحرمة إسلامياً بالنسبة إلى إردوغان. وكان ذلك كافياً لتراجع قيمة الليرة التركية في ليلة واحدة من 19.5 للدولار الواحد إلى 26 ليرة والآن 27 وهو ما يعني خسارة الليرة نحو 20%؜ من قيمتها. مع التذكير أن قيمة الليرة تراجعت بنسبة 300% خلال العامين الماضيين. ومع تراجع قيمة الليرة، فاجأ الرئيس إردوغان الشعب بموجة عارمة من الضرائب على كل المنتجات والخدمات وبنسب تصل أحياناً إلى 100%؜ بعد أن ارتفعت هذه الأسعار خلال العام الماضي بنسبة 250-300% كما هو الحال بالنسبة إلى المشتقات النفطية. فارتفع سعر البنزين قبل أيام من 24 ليرة لليتر الواحد إلى 35 ليرة (من المتوقع أن يصل إلى 60 ليرة أي دولارين) وهو ما انعكس فوراً وسينعكس على أسعار الخدمات والمنتجات كافة. في الوقت الذي ذكّرت فيه المعارضة الرئيس إردوغان بتصريحاته السابقة قبل الانتخابات وتحدث فيها عن “اكتشاف حقول نفط غنية جنوب شرق البلاد، وهي أكثر وأجود من بترول السعودية ولا تحتاج إلى التكرير”. كما تحدث عن اكتشاف احتياطيات ضخمة من الغاز الطبيعي في البحر الأسود بمئات المليارات من الأمتار المكعبة. وقرر إردوغان آنذاك توزيع الغاز على المنازل مجاناً لمدة شهرين لإقناع الناخبين بهذا الاكتشاف، ليتبيّن لاحقاً أن لا وجود له أساساً، حيث تقرر الأسبوع الماضي رفع أسعار الغاز أيضاً بنسبة نحو 50% كما هي الحال بالنسبة إلى الكهرباء المستهلكة في الصناعة والمساكن بفارق بسيط. ومن دون أن يعني ذلك أن إردوغان سيكتفي بهذه الزيادات والضرائب التي لم يعد يتحملها المواطن التركي (عندما تم طبع فئة 200 ليرة في الأول من كانون الثاني/يناير 2009 كانت تساوي 131 دولاراً والآن تساوي 7.5 دولارات) لتغطية العجز في الخزانة العامة مع توقعات أن تصل تكاليف الزلزال الأخير إلى 120 مليار دولار، بعد أن زادت الديون الخارجية والاستقراض الداخلي عن تريليون دولار. ومن دون أن يكون واضحاً هل وكيف أقنع الرئيس إردوغان حكام الخليج بمساعدته لإخراج البلاد من أزمتها المالية الخطرة، بعد أن فشلت مساعيه لإقناع الرئيس بايدن والعواصم الأوروبية في هذا الاتجاه بسبب الأزمات المالية التي تعاني منها الدول الغربية نتيجة الحرب الأوكرانية. في وقت تتوقع المعارضة للرئيس إردوغان أن يبيع أكبر عدد ممكن من مؤسسات القطاع العام كالمصانع الاستراتيجية والموانئ والخطوط الجوية والمصانع الحربية ومؤسسة القطارات وغيرها. وهو ما اعترف به إردوغان قبل جولته إلى دول الخليج، وتقول أوساط مالية إنها لن تستعجل في مساعدة إردوغان إلا بعد ضمان استثماراتها المالية، والحصول منه على تنازلات سياسية على الصعيدين العربي والإقليمي في موضوع ليبيا وسوريا والعراق، بل وحتى إيران، إذ ما تزال الأجواء الخليجية سلبية تجاهها، على الرغم من المصالحة الإيرانية مع السعودية ومصر وليبيا ودول عربية أخرى. في جميع الحالات، ومهما كان وضع المواطن كارثياً ومأساوياً يبقَ الرئيس إردوغان محظوظاً على الصعيدين الخارجي والداخلي، أولاً بسبب الموقع الاستراتيجي لتركيا، وثانياً سيطرة إردوغان على السياسة الداخلية بعد هزيمة المعارضة في الانتخابات الأخيرة، وانفجار الصراعات داخل أحزاب المعارضة وأهمها الشعب الجمهوري. فقد تمرد رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو ضد زعيم الحزب كمال كليجدار أوغلو بعد أن حمّله وفريق عمله المسؤولية في الهزيمة الأخيرة. وكان وضع المعارضة الممزق كافياً بالنسبة إلى غالبية الشعب التركي للاستسلام للواقع المفروض عليهم من إردوغان الذي يسيطر على جميع مؤسسات الدولة، وأهمها الجيش والأمن والمخابرات والقضاء والإعلام. وتقول المعارضة إن إردوغان لن يرحم أحداً إذا فكّر بالخروج عن طاعته، وأن لا بديل له ولا أحد يستطيع أن يخرج إلى الشارع للتعبير عن استنكاره للواقع المالي والاقتصادي والاجتماعي والنفسي المرير المفروض من قبل إردوغان. ويعرف الجميع أنه (إردوغان) لن يسمح لأحد حتى بالتفكير في ذلك، لأنه لا يريد أن تعيش تركيا ما عاشته الدول العربية خلال ما يسمّى بـ”الربيع العربي”. وكان غلاء أسعار المواد الأساسية والفقر والجوع بمنزلة الشرارة الأولى لهذا “الربيع”. وكان له أن يتكرر في تركيا على أكثر من مرة؛ لأن ما يعاني منه الشعب التركي الآن أضعاف ما عانى منه الشعب المصري أو السوداني أو التونسي قبل “الثورة” التي قيل إنها انفجرت من أجل الديمقراطية والحرية، لكنها أوصلت تلك الدول وغيرها في المنطقة إلى ما وصلت إليه من دمار بكل المعايير والمقاييس الاقتصادية والمالية والاجتماعية والثقافية والأخلاقية وسببها جميعاً السياسة ومن عليها كما هي الحال في تركيا! (الميادين)

المصدر: رأي اليوم

كلمات دلالية: الرئیس إردوغان بالنسبة إلى وهو ما بعد أن

إقرأ أيضاً:

تحرك عربي ونيابي للتفاهم على الرئيس وتأمين الانتخاب بعد ضمان النصاب

بدا من المعطيات الجدية المتجمعة من حركة الكواليس السياسية والنيابية أن جهوداً شاقة لا تزال في البدايات لعدم اقتصار جلسة انتخاب رئيس الجمهوربة في التاسع من الشهر المقبل على تأمين النصاب الدستوري فقط دون التمكن من انتخاب الرئيس العتيد.

وذكرت" النهار" انه وفق نواب وسياسيين ينخرطون في حركة المشاورات التي تتصاعد تباعاً يوماً بعد يوم، فإن الحيوية التي دبت في مناخ الاستحقاق الرئاسي تُعتبر غير مسبوقة فعلاً منذ بداية الاستحقاق وأن ما تحقق في هذا السياق ليس أمراً عابراً لجهة ضمان الحضور النيابي الكبير الذي يتجاوز أكثرية ثلثي النواب أي 86 نائباً وأكثر. ومع ذلك يشير هؤلاء إلى أن حركة المشاورات الداخلية لم تصل بعد إلى نقطة القدرة على الجزم بأن كل الاحتمالات قد استنفدت لتأمين انتخاب رئيس الجمهورية بأكثرية الثلثين في الدورة الأولى أو الأكثرية العادية في الدورات التالية لأن بلورة الاتجاهات الانتخابية حيال المرشحين الجديين لم تكتمل بعد. وكشف هؤلاء النواب والسياسيون عن معادلة تتردد الآن ومفادها "إما جوزف عون وإلا تاجيل محتمل جديد للانتخاب" في إشارة إلى ارتفاع أسهم قائد الجيش ولكنهم لفتوا إلى أن الجزم بهذا السيناريو لا يبدو واقعياً قبل استنفاد الاتصالات "والمساومات" وقبل اقتراب موعد الجلسة بحيث يترتب عليها الكثير من التطورات غير المحسوبة بما يبقي أسماء مرشحين آخرين، ولو أن عددهم سيتقلص كثيراً، في دائرة "التأهل" أيضاً للاستحقاق المنشود. ومع ذلك تحدثوا عن معطيات تصاعدية داخلياً وخارجياً لمصلحة تزكية قائد الجيش العماد جوزف عون.
ومن المقرر في هذا السياق أن يعقد ممثلو الكتل النيابية المعارضة اجتماعاً تنسيقياً اليوم في مقر رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل في بكفيا.
الاجتماع يكتسب جانباً من الاهمية خصوصاً وأنه سيكون الأخير قبل الدخول في عطلة عيدي الميلاد ورأس السنة الجديدة بحيث تشهد الحركة السياسية انحساراً. وسيشارك نواب المعارضة من جميع اطيافها مع عودة النائب بلال الحشيمي إلى الاجتماع بالإضافة إلى نواب مستقلين وسيتم عبر الاجتماع تحديد خارطة الطريق تماشياً مع المتغيرات الحاصلة، كما سيفنّد المجتمعون الاسماء المطروحة للرئاسة ويتخذون قرارات في شأن بعضها بما يمهد للاتفاق النهائي المفترض قبيل 9 كانون الثاني.   
وفي إشارة جديدة إلى "ثبات" معطياته حيال الموعد المحدد للانتخابات الرئاسية، قال البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي خلال رعايته أمس "مؤتمر ترسيخ الوجود المسيحي" في لبنان الذي نظمه "المجلس المسيحي للتنسيق" برئاسة فؤاد ابو ناضر في بكركي "إن لبنان لا يموت وقد مررنا بظروف صعبة وكل الأمور تدل على أننا في نهاية الطريق وصولاً إلى الخلاص برعاية سيدة لبنان". وأكد "أننا بحاجة إلى إعادة بناء من دون خوف وبثقة تعلمنا أن نضع أيدينا بيد بعض، وكلنا نتطلع إلى التاسع من كانون الثاني ولا شك لدينا أنه سيصار إلى انتخاب رئيس في السنة الجديدة 2025 التي أعلنها قداسة البابا سنة مقدسة".
وكتبت " نداء الوطن": في ملف انتخابات رئاسة الجمهورية، ترصد الأوساط السياسية ما يمكن أن يعلنه رئيس "تيار المردة" سليمان فرنجية في احتفال يقيمه التيار للذين عملوا في مهمات الإيواء في زغرتا. كما ترصد الأوساط ما سيصدر عن اجتماع المعارضة في بكفيا اليوم أيضاً.
وكتبت" اللواء": تحدثت مصادر على صلة «بالثنائي الشيعي» ان حزب لله ما يزال يتريث، وينتظر خطوة النائب السابق سليمان فرنجية اليوم، مع الاشارة الى ان الكتلتين الشيعيتين لا تضع لتاريخه فيتو على اي مرشح.
ويعقد اليوم نواب المعارضة اجتماعاً في بكفيا.
وأكد مصدر مدعو ان الاجتماع على غاية من الاهمية، لجهة مناقشة مجريات الاتصالات الجارية لانتخاب رئيس جديد للجمهورية.
وكتبت" الاخبار":يتقاطَع المشهد اللبناني المرتبط بجلسة 9 كانون الثاني لانتخاب رئيس للجمهورية، مع اقتراب دخول الرئيس الأميركي المُنتخب دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، وترقّب كيفية تعامل إدارته مع لبنان، ولا سيما بعد الحدث السوري.
في غضون ذلك، يبدو أن الضغط الجدي لانتخاب رئيس قد بدأ، مع انتشار كلمة سر أميركية بأن واشنطن تريد إيصال قائد الجيش جوزف عون إلى بعبدا، بالتزامن مع تكثيف الاتصالات مع فرنسا والسعودية وقطر. وكان أول المتلقّين للكلمة النائب السابق وليد جنبلاط الذي نقل إلى الرئيس نبيه بري بعد اجتماعه بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن الغرب أكثر ميلاً إلى انتخاب عون. وقالت مصادر مطّلعة إن جنبلاط تحدّث عن «اتجاه دولي ضاغط» في هذا الاتجاه، متسائلاً: «ما المانع من انتخابه؟». كما نقل جنبلاط عن ماكرون أن «باريس لا تزال تفضّل انتخاب سمير عساف أو زياد بارود، لكنها لن تقف في وجه إجماع قد يتشكّل بين أطراف اللجنة الخماسية والمجتمع الدولي على دعم عون». وفيما لا يزال موقف بري معارضاً لانتخاب قائد الجيش، قالت مصادر مطّلعة إن «جنبلاط قال أمام زواره إنه لا يريد انتخاب رئيس لا يرضي المسيحيين، ولا يريد تبنّي مرشح مواجهة مع الثنائي أمل وحزب الله، لذلك يسعى إلى إقناع بري بالسير بانتخاب عون».

مقالات مشابهة

  • زعيم المعارضة التركية يسافر إلى المغرب
  • ميقاتي يشكر الرئيس السيسي على إدراج أزمة لبنان بجدول أعمال قمة الدول الثماني
  • الرئيس الإندونيسي يشكر مصر على الفرص التعليمية لطلاب بلاده بالجامعات المصرية والأزهر
  • تحرك عربي ونيابي للتفاهم على الرئيس وتأمين الانتخاب بعد ضمان النصاب
  • ترحيب ورفض محلي لمبادرة خوري لحل الأزمة الليبية
  • الانتخابات الرئاسية: الآية إنقلبت
  • الولايات المتحدة تعتزم الإعلان عن عقوبات جديدة ضد جورجيا
  • الخارجية الأمريكية: واشنطن تعتزم الإعلان عن عقوبات جديدة ضد جورجيا
  • المشري يرحب بإحاطة خوري ويطالب بحكومة موحدة لتهيئة الظروف لإنجاز الانتخابات
  • تشريعية الشيوخ: الأوضاع الحالية في المنطقة تخلق نوعا من القلق المرتبط بالحرص