الخليج الجديد:
2024-07-09@14:27:51 GMT

غزّة والقيم الغربية

تاريخ النشر: 13th, February 2024 GMT

غزّة والقيم الغربية

غزّة والقيم الغربية

مَن ذا الذي يجهل مكانة فلسطين في الوجدان العربيّ الإسلاميّ بوصفها رمزاً للأمّة وللمِلّة؟

تضع غزّة الغربَ كلَّه في امتحانٍ أخلاقيّ نادر النّظائر لم تَقْوَ أفعالهُ على اجتيازه بنجاح.. أو حتّى بأقلّ الخسائر المعنويّة!

مَن ذا الذي يجهل أنّ مساندة الغرب للاحتلال تتخطّى مجرّد ما يُحْكَى عن المحرقة في العهد النّازيّ إلى المشتَرَك الثّقافيّ والحضاريّ وما يترتّب عنه؟

لم تتسع الفجوة بين مجتمعاتنا العربيّة والغرب يوماً بهذا المقدار المَهُول الذي اتّسعت به منذ ابتداء العدوان الإسرائيلي على الشّعب الفلسطينيّ في غزّة.

* * *

لم تكنِ الفجوة بين مجتمعاتنا العربيّة والغرب قد اتّسعت، يوماً، بهذا المقدار المَهُول الذي اتّسعت به منذ ابتداء العدوان الإسرائيلي على الشّعب الفلسطينيّ في غزّة.

في برهةٍ من الزّمن خاطفةٍ، بَلَع الغربُ قيَمه التي زعم، دوماً، حرصَه عليها وأماط النّقاب عن وجوهٍ من العنصريّة والكراهية والإنكار، تجاه الفلسطينيّين والعرب، كان يُحْكِم الإغلاقَ عليها لئلا تفضح المخبوء فتدينه، أو تكشف عن حقيقة انقلابه على المبادئ والقيم التي ظلّ يرفعها.

هكذا اجتمع الغربُ السّياسيّ على هدفٍ واحدٍ جامع: الدّفاع عن أمن دولة الاحتلال والتّستّر على جرائمها ضدّ شعب فلسطين، لينقسم بعدها، بين مشاركٍ في العدوان، ومؤيّد له، وساكتٍ على ما يجري (مخافةَ الانفضاح)، وما رحِم ربُّك إلا القليلَ ممّن سَتَر عورة ذلك الغرب السّياسيّ بإبداء الموقف المشرِّف على مثال ما فعلت إسبانيا وبلجيكا وأيرلندا، وإلى حدٍّ ما، لوكسمبورغ ومالطا؛ وهي مجموعة الدّول التي جدّفتْ ضدّ التّيار السّائد.

الحكومات التي شاركت، ماديّاً، في العدوان على غزّة (الولايات المتّحدة وبريطانيا) ذات تقاليد عريقة في تزويد المعتدي بموارد العدوان، والتّغطية السّياسيّة على جرائمه؛ وذات باعٍ طويل في مناهضة الحقوق الوطنية للشّعب الفلسطينيّ في أرضه، بل هي كانت في أساس صُنْع مأساته الممتدّة على مدى نيّفٍ وثلاثة أرباع القرن.

وهي ما كفاها أن تُشَرْعِنَ العدوان بكلامها الممجوج عن «حقّ إسرائيل في الدّفاع عن نفسها»، بل زادت عليه بتزويدها بالأسلحة والذّخائر عبر جسرٍ جويّ من مئات الرّحلات المخصَّصة لهذا الغرض، وبإرسال الخبراء والمستشارين العسكريّين لمساعدة جيش الاحتلال في حربه.

فضلاً عن إرسال حاملات الطّائرات والبوارج الحربيّة لتعزيز العدوان وحمايته من أيّ مفاجآت؛ هذا دون أن تنسى دورها في إنقاذ المحتلّ من كلّ إدانةٍ لعدوانه في الأمم المتّحدة، ومن كلّ قرارٍ بوقف الحرب.

القسم الأكبر من حكومات الغرب لم يشارِك، مباشرةً، في العدوان على مثال مشاركته في الحرب إلى جانب أوكرانيا، دعماً ماديّاً وإسناداً عسكريّاً، وإنّما انقسم إلى فريقين مؤيّديْن للعدوان:

- قسمٌ يجهر بالتّأييد ويكرّر اللازمة السّخيفة عن «حقّ الدّفاع عن النّفس»،

- وقسمٌ يؤيِّد العدوان من غير جهْر، أو قُل، يسكت عنه وكأنّه في كوكبٍ آخر يجري لا في ملتقى ثلاث قارّات في قلب الوطن العربيّ!

على أنّ التّصنيف هذا تأشيريٌّ فقط؛ إذِ الانقسامُ في المواقف يدبّ إلى داخل كلّ معسكر. مثالُ ذلك أنّ درجات الحماسة في تأييد العدوان والتّسويغ له تتفاوت من دولةٍ إلى أخرى في المعسكر الأوّل على نحوٍ لا يمكن إلا أن يستوقف الباحث.

هكذا نجد أنّ درجة الحماسة تلك تبلغ أعلاها في ألمانيا مقارنةً بفرنسا أو إيطاليا أو كندا أو پولونيا؛ وهذه جميعُها تساند دولة الاحتلال وحربَها، وإنْ بتفاوُت بينها في لهجة المساندة.

حتّى هولندا، وقد ظلّت - دائماً - شديدة التّعاطف مع دولة الاحتلال، لم ترفع عقيرتها مسانَدَةً للعدوان كما فعلت ألمانيا وفرنسا (قبل أن تبدأ الأخيرة في فرملة اندفاعتها العمياء وراء الإملاءات الأمريكيّة!).

من البيّن، إذن، أنّ الفجوة بين مجتمعاتنا والغرب في هذه «النّازلة» مبْناها على حقيقةِ مكانةِ كلٍّ من طرفيْ الصّراع في الوجدان الجمْعيّ لنا وللغربيّين: لفلسطين وشعبها وقضيّتها مكانَ القلب عند العرب والمسلمين، ولدولة الاحتلال مكانة مركزَيّة في سياسات الغرب وربّما في ثقافته.

والأمر مفهومٌ لنا تماماً؛ إذْ مَن ذا الذي يجهل مكانة فلسطين في الوجدان العربيّ الإسلاميّ بوصفها رمزاً للأمّة وللمِلّة؟ ثمّ مَن ذا الذي يجهل أنّ المساندة الغربيّة للاحتلال تتخطّى مجرّد ما يُحْكَى عن المحرقة في العهد النّازيّ إلى المشتَرَك الثّقافيّ والحضاريّ وما يترتّب عنه؟

ولكن، ما وراء المشتَرَك الثّقافيّ ذاك الذي يبرِّر السّياسات تلك، تضع غزّة الغربَ كلَّه في امتحانٍ أخلاقيّ نادر النّظائر لم تَقْوَ أفعالهُ على اجتيازه بنجاح.. أو حتّى بأقلّ الخسائر المعنويّة!

*د. عبد الإله بلقزيز كاتب وأكاديمي مغربي

المصدر | الخليج

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: غزة الغرب فلسطين الشعب الفلسطيني القيم الغربية امتحان أخلاقي العدوان الإسرائيلي دولة الاحتلال ة الغرب

إقرأ أيضاً:

القبّة اللغوية للاحتلال.. كيف تستخدم إسرائيل اللّغة لتسويغ الجرائم المرتكبة‌؟

نشرت صحيفة "فوكس بلس" التركية، مقال رأي، للكاتب، إبراهيم قره تاش، بيّن فيه كيف تستخدم دولة الاحتلال الإسرائيلي اللّغة كدرع وغطاء للتغطية على الظلم، وإذا أمكن خلق انطباع بأنها على حقّ في كل ما تفعله من تجاوزات.

وقال الكاتب، في مقاله الذي ترجمته "عربي21"، إن "اللغة تُستخدم لتغيير إدراك الناس وتسويغ الجرائم المرتكبة. ولا توجد دولة تُعلن أنها تستغل موارد دولة أخرى، بل تبرّر أفعالها بأنها تجلب الحضارة وتساهم في تنمية تلك الدول". 

"أما الذين يقاومون هذا الاستغلال فيتم تصنيفهم كإرهابيين، وهكذا يتم تسويق الجريمة على أنها إقامة للعدالة. فلا بُد من وجود قوة خطابية للمدافعين عن الحقيقة لقبولها، وإلا فإن الضحايا يظهرون كالمذنبين" يسترسل المقال ذاته.

واستعرض الكاتب، تيّارًا فكريًا يعرف بـ"التفكيك"، وهو الذي أسّسه الفيلسوف الفرنسي، جاك دريدا، والذي يدرس هذه السلوكيات من منظور لغوي وفلسفي. وبناءً على هذه النظرية فإن اللغة تتشكّل وفقًا للرؤية الأوروبية للعالم، حيث تُفسّر المفاهيم مثل الخير، الحداثة، الأخلاق، الحقوق الأساسية، الإرهاب، البراءة، التقدم، والتخلف بمعانٍ من تعريف الغرب. 


ويتابع بالقول: "إذا رأى الغربيون أن بعض الميول الجنسية، مثل: المثلية، تعتبر بريئة وشرعية وأخلاقية وحقًا أساسيًا، فإن معارضة ذلك تُعتبر رجعية أو ضد الحرية".

في هذا السياق، يُعتبر كتاب "الاستشراق" للكاتب الفلسطيني، إدوارد سعيد، ردّ فعل على الهيمنة اللغوية للقوى العظمى التي تصل إلى حد الإساءة اللفظية والاستغلال ضد من يوصفون بكونهم "الضعفاء" أو "الشرقيين". 

أما المفكرون الغربيون مثل دريدا، فرغم عيشهم في الغرب، فقد فضحوا كيفية استخدام اللغة لتبرير الجرائم. وبعض الباحثين في مجال العلاقات الدولية يسعون للوصول إلى الحقيقة من خلال "تفكيك" العبارات الجاهزة. وهم يعتبرون أن معرفة الحقيقة تأتي من كشف الحقائق المخفية وراء اللغة، لأن اللغة يمكن أن تعطي الحقائق شكلًا مغايرًا مثل الطلاء.

وتناول الكاتب دور الغرب في تأسيس دولة الاحتلال الإسرائيلي وتبرير احتلال فلسطين من خلال الخطاب الإعلامي. حيث يشير إلى أن "الغرب ينفي دوره في تأسيس إسرائيل، معتبرا أن هذا النجاح هو بفضل الإسرائيليين أنفسهم، لكن الحقيقة أن إعلان بلفور البريطاني هو الذي مهّد الطريق لإنشاء دولة الاحتلال الإسرائيلية".

وأضاف بأن: "الدعم الغربي كان مستمرا ولا يزال، إذ تستخدم دولة الاحتلال الإسرائيلي أسلحة أمريكية في عملياتها، وتحظى بدعم كبير من أعضاء الكونغرس الذين يتلقون أموالًا من مجموعات الضغط اليهودية". 

وتابع: "في أوروبا، تقدم معظم الدول الدعم لدولة الاحتلال الإسرائيلي، بما في ذلك ألمانيا التي استخدمت معارضة الاحتلال الإسرائيلي كذريعة لرفض منح الجنسية الألمانية. إذ تقوم الحجّة الغربية الرئيسية على أن للاحتلال الإسرائيلي الحق في الدفاع عن نفسها، وهي حجّة تبدو بريئة في الظاهر، لكنها في الواقع تغطي على جرائم كبيرة".

واسترسل: "الاحتلال الإسرائيلي في موقف هجومي، وليس دفاعي، فهو يستولي على منازل الفلسطينيين ويقتلهم، بينما يدّعي الدفاع عن النفس. وهذا الخطاب يجعل الاستيلاء على الأراضي حقًا مشروعًا، ومعارضة الاحتلال إرهابًا".‌


وأشار الكاتب إلى أن "دولة الاحتلال الإسرائيلي تصف الفلسطينيين بأنهم ليسوا بشراً، في حين أن الإنسانية تُقاس بالرحمة والعدل. من يقتل الأطفال بحجة أنهم قد يصبحون من أعضاء حماس في المستقبل هو نفسه غير إنساني. ويُستخدم هذا التّحايل اللغوي لإخفاء مثل هذه الفظائع".

وتطرّق الكاتب إلى الادّعاء القائل بعدم وجود دولة فلسطينية أو شعب فلسطيني، من خلال تفنيد هذا عبر التاريخ والحقائق القانونية. كانت فلسطين جزءاً من الإمبراطورية العثمانية حتى سنة 1917، ثم أصبحت تحت الانتداب البريطاني، حيث تم إنشاء دولة باسم فلسطين. وفي سنة 1948، أُنشئت دولة الاحتلال الإسرائيلي ودولة فلسطين بموافقة الأمم المتحدة، ممّا يثبت وجود دولة فلسطين قانونيًا وينفي ادعاءات الإسرائيليين. 

وأردف: "أما بخصوص الشعب الفلسطيني، فإنهم من أصول عربية، ولكن هذا لا ينفي حقّهم في أراضيهم. إذا اتبعنا منطق الاحتلال الإسرائيلي، فإن الشعب الأمريكي أيضًا ليس له هوية عرقية محددة"، مستفسرا: "هل يصبح احتلال أمريكا مشروعًا؟".


"كما أن دولة الاحتلال الإسرائيلي نفسها لا تمثّل عرقًا واحدًا، حيث يتكون سكانها من مختلف الأعراق ولا يوجد ارتباط دموي بينهم، وبالتالي فإن مفهوم السامية لا ينطبق بشكل كامل على اليهود فقط بل يشمل العرب أيضًا" يوضّح الكاتب نفسه.

واستعرض الكاتب أيضًا ما وصفه بـ"زيف استخدام مصطلح: "معاداة السامية" كوسيلة لإسكات الانتقادات ضد الاحتلال الإسرائيلي، خاصّةً في الغرب، حيث يُتّهم كل من ينتقد دولة الاحتلال الإسرائيلي فورًا بمعاداة السامية. وهذا الاستخدام للمصطلح يهدف إلى تبرير أفعال الاحتلال ومنع أي انتقاد موجه لها".

وأكد الكاتب أن "الادعاء بأن دولة الاحتلال الإسرائيلي مُحاطة بالعرب ويجب أن تكون مسلّحة بشكل كبير وتتصرّف بعدوانية غير صحيح، لأن العرب لم يحاصروا الاحتلال الإسرائيلي، بل اليهود هم الذين جاءوا واستوطنوا الأراضي العربية واحتلوها وقاموا بالاعتداءات. فممّا لا شك فيه أنه إذا ما حاول اليهود استعمار لندن، فإن البريطانيين لن يقفوا مكتوفي الأيدي، لأن المقاومة هي رد فعل طبيعي في مواجهة الاحتلال".


كذلك، شكّك الكاتب في مدى تأثير "ديمقراطية" دولة الاحتلال الإسرائيلي على الفلسطينيين. فوجود نظام ديمقراطي داخل الاحتلال الإسرائيلي لا يعني شيئًا للفلسطينيين الذين يعانون من الاحتلال والقتل. الديمقراطية لا تمنع الجرائم، بل ربما تسهم في استمرارها من خلال انتخاب حكومات جديدة تستمر في نفس السياسات العدوانية. ولا يميل مجتمع الاحتلال الإسرائيلي إلى انتخاب سياسيين مسالمين، مما يزيد من معاناة الفلسطينيين.

وبيّن الكاتب أن عملية 7 أكتوبر/ تشرين الأول كانت ردّ فعل دفاعي ضد الاحتلال المستمر منذ 76 عامًا. ولا يمكن تبرير الاستخدام المفرط للعنف ضد غزة جرّاء هذا الرّد، إذ لم يشارك فيه المدنيون.

وفي الختام، أعاد الكاتب، التأكيد على أن "اللغة المستخدمة لتبرير أفعال الاحتلال الإسرائيلي متناقضة مع الحقائق على الأرض. والخطوة الأولى لتحقيق السلام هي تطهير اللغة من الأكاذيب، لأن اللغة الحالية تغطي على الحقائق. وفي سبيل مقاومة ظلم الاحتلال الإسرائيلي، يجب تفكيك هذه "القبّة اللغوية" التي تبرر الأفعال العدوانية للاحتلال الإسرائيلي".

مقالات مشابهة

  • مهاتير محمد ينتقد موقف الغرب من الحرب على غزة ويدعو المسلمين إلى الوحدة
  • الغرب هو نحن
  • حماس تطالب الوسطاء بوضع حدا لألاعيب نتنياهو بشأن المفاوضات
  • دلالات تصويت أقصى اليمين الفرنسي
  • الجريمة والثواب: توريث الجريمة للأبناء والأحفاد وبقية الأهل
  • الغرب أم روسيا.. ماذا يريد قادة حزام الانقلابات الأفريقي؟
  • أبو عبيدة: المقاومة بخير وجندنا آلاف المجاهدين وتحرك الضفة والقدس و48 قادم بشكل لن يتوقعه العدو
  • البلاغة من فوهة البندقية.. لماذا صنفت الولايات المتحدة أبا عبيدة إرهابيا؟
  • القبّة اللغوية للاحتلال.. كيف تستخدم إسرائيل اللّغة لتسويغ الجرائم المرتكبة‌؟
  • تطورات العدوان.. إصابة 9 فلسطينيين برصاص الاحتلال بالضفة الغربية