غزّة والقيم الغربية
مَن ذا الذي يجهل مكانة فلسطين في الوجدان العربيّ الإسلاميّ بوصفها رمزاً للأمّة وللمِلّة؟
تضع غزّة الغربَ كلَّه في امتحانٍ أخلاقيّ نادر النّظائر لم تَقْوَ أفعالهُ على اجتيازه بنجاح.. أو حتّى بأقلّ الخسائر المعنويّة!
مَن ذا الذي يجهل أنّ مساندة الغرب للاحتلال تتخطّى مجرّد ما يُحْكَى عن المحرقة في العهد النّازيّ إلى المشتَرَك الثّقافيّ والحضاريّ وما يترتّب عنه؟
لم تتسع الفجوة بين مجتمعاتنا العربيّة والغرب يوماً بهذا المقدار المَهُول الذي اتّسعت به منذ ابتداء العدوان الإسرائيلي على الشّعب الفلسطينيّ في غزّة.
* * *
لم تكنِ الفجوة بين مجتمعاتنا العربيّة والغرب قد اتّسعت، يوماً، بهذا المقدار المَهُول الذي اتّسعت به منذ ابتداء العدوان الإسرائيلي على الشّعب الفلسطينيّ في غزّة.
في برهةٍ من الزّمن خاطفةٍ، بَلَع الغربُ قيَمه التي زعم، دوماً، حرصَه عليها وأماط النّقاب عن وجوهٍ من العنصريّة والكراهية والإنكار، تجاه الفلسطينيّين والعرب، كان يُحْكِم الإغلاقَ عليها لئلا تفضح المخبوء فتدينه، أو تكشف عن حقيقة انقلابه على المبادئ والقيم التي ظلّ يرفعها.
هكذا اجتمع الغربُ السّياسيّ على هدفٍ واحدٍ جامع: الدّفاع عن أمن دولة الاحتلال والتّستّر على جرائمها ضدّ شعب فلسطين، لينقسم بعدها، بين مشاركٍ في العدوان، ومؤيّد له، وساكتٍ على ما يجري (مخافةَ الانفضاح)، وما رحِم ربُّك إلا القليلَ ممّن سَتَر عورة ذلك الغرب السّياسيّ بإبداء الموقف المشرِّف على مثال ما فعلت إسبانيا وبلجيكا وأيرلندا، وإلى حدٍّ ما، لوكسمبورغ ومالطا؛ وهي مجموعة الدّول التي جدّفتْ ضدّ التّيار السّائد.
الحكومات التي شاركت، ماديّاً، في العدوان على غزّة (الولايات المتّحدة وبريطانيا) ذات تقاليد عريقة في تزويد المعتدي بموارد العدوان، والتّغطية السّياسيّة على جرائمه؛ وذات باعٍ طويل في مناهضة الحقوق الوطنية للشّعب الفلسطينيّ في أرضه، بل هي كانت في أساس صُنْع مأساته الممتدّة على مدى نيّفٍ وثلاثة أرباع القرن.
وهي ما كفاها أن تُشَرْعِنَ العدوان بكلامها الممجوج عن «حقّ إسرائيل في الدّفاع عن نفسها»، بل زادت عليه بتزويدها بالأسلحة والذّخائر عبر جسرٍ جويّ من مئات الرّحلات المخصَّصة لهذا الغرض، وبإرسال الخبراء والمستشارين العسكريّين لمساعدة جيش الاحتلال في حربه.
فضلاً عن إرسال حاملات الطّائرات والبوارج الحربيّة لتعزيز العدوان وحمايته من أيّ مفاجآت؛ هذا دون أن تنسى دورها في إنقاذ المحتلّ من كلّ إدانةٍ لعدوانه في الأمم المتّحدة، ومن كلّ قرارٍ بوقف الحرب.
القسم الأكبر من حكومات الغرب لم يشارِك، مباشرةً، في العدوان على مثال مشاركته في الحرب إلى جانب أوكرانيا، دعماً ماديّاً وإسناداً عسكريّاً، وإنّما انقسم إلى فريقين مؤيّديْن للعدوان:
- قسمٌ يجهر بالتّأييد ويكرّر اللازمة السّخيفة عن «حقّ الدّفاع عن النّفس»،
- وقسمٌ يؤيِّد العدوان من غير جهْر، أو قُل، يسكت عنه وكأنّه في كوكبٍ آخر يجري لا في ملتقى ثلاث قارّات في قلب الوطن العربيّ!
على أنّ التّصنيف هذا تأشيريٌّ فقط؛ إذِ الانقسامُ في المواقف يدبّ إلى داخل كلّ معسكر. مثالُ ذلك أنّ درجات الحماسة في تأييد العدوان والتّسويغ له تتفاوت من دولةٍ إلى أخرى في المعسكر الأوّل على نحوٍ لا يمكن إلا أن يستوقف الباحث.
هكذا نجد أنّ درجة الحماسة تلك تبلغ أعلاها في ألمانيا مقارنةً بفرنسا أو إيطاليا أو كندا أو پولونيا؛ وهذه جميعُها تساند دولة الاحتلال وحربَها، وإنْ بتفاوُت بينها في لهجة المساندة.
حتّى هولندا، وقد ظلّت - دائماً - شديدة التّعاطف مع دولة الاحتلال، لم ترفع عقيرتها مسانَدَةً للعدوان كما فعلت ألمانيا وفرنسا (قبل أن تبدأ الأخيرة في فرملة اندفاعتها العمياء وراء الإملاءات الأمريكيّة!).
من البيّن، إذن، أنّ الفجوة بين مجتمعاتنا والغرب في هذه «النّازلة» مبْناها على حقيقةِ مكانةِ كلٍّ من طرفيْ الصّراع في الوجدان الجمْعيّ لنا وللغربيّين: لفلسطين وشعبها وقضيّتها مكانَ القلب عند العرب والمسلمين، ولدولة الاحتلال مكانة مركزَيّة في سياسات الغرب وربّما في ثقافته.
والأمر مفهومٌ لنا تماماً؛ إذْ مَن ذا الذي يجهل مكانة فلسطين في الوجدان العربيّ الإسلاميّ بوصفها رمزاً للأمّة وللمِلّة؟ ثمّ مَن ذا الذي يجهل أنّ المساندة الغربيّة للاحتلال تتخطّى مجرّد ما يُحْكَى عن المحرقة في العهد النّازيّ إلى المشتَرَك الثّقافيّ والحضاريّ وما يترتّب عنه؟
ولكن، ما وراء المشتَرَك الثّقافيّ ذاك الذي يبرِّر السّياسات تلك، تضع غزّة الغربَ كلَّه في امتحانٍ أخلاقيّ نادر النّظائر لم تَقْوَ أفعالهُ على اجتيازه بنجاح.. أو حتّى بأقلّ الخسائر المعنويّة!
*د. عبد الإله بلقزيز كاتب وأكاديمي مغربي
المصدر | الخليجالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: غزة الغرب فلسطين الشعب الفلسطيني القيم الغربية امتحان أخلاقي العدوان الإسرائيلي دولة الاحتلال ة الغرب
إقرأ أيضاً:
الاحتلال يقصف نازحين ويهدد بتوسيع العدوان على غزة
قصف جيش الاحتلال الإسرائيلي فجر اليوم الجمعة مجددا نازحين في خان يونس، وهذا أسفر عن شهداء بعد يوم شهد مجازر في جباليا ومدينة غزة، وهدد بتوسيع العدوان على القطاع.
فقد أفاد مراسل الجزيرة باستشهاد 5 من أسرة واحدة، هم أب وأم حامل وأطفالهما الثلاثة، في غارة استهدفت خيمة نازحين في منطقة المواصي غرب مدينة خان يونس جنوبي قطاع غزة.
وقالت قناة الأقصى الفضائية إن الغارة على المواصي المكتظة بالنازحين تمت بواسطة مسيّرة انتحارية.
???? شهداء أطفال من عائلة أبو طعيمة ارتقوا جراء قصف الاحتلال خيمة نازحين في منطقة المواصي غرب خانيونس جنوب قطاع غزة، قبل قليل pic.twitter.com/4EWlyOWDBv
— ساحات – عاجل ???????? (@Sa7atPlBreaking) April 25, 2025
كما تعرضت بلدة عبسان الكبيرة شرق خان يونس لغارة جوية فجر اليوم، وبالتزامن قصفت المدفعية الإسرائيلية حي قيزان رشوان جنوب غرب المدينة.
وفي رفح القريبة، نفذت قوات الاحتلال عمليات نسف جديدة للمنازل في المناطق الشمالية للمدينة.
وفي وقت مبكر اليوم، استهدفت طائرات الاحتلال عيادة طبية في حي التفاح شرقي مدين غزة، وتحدثت مصادر في البداية عن شهداء، لكن الدفاع المدني أكد فقط وقوع إصابات.
إعلانوتقع شرقي غزة أحياء بينها التفاح والشجاعية، وتعرضت هذه المناطق لقصف مكثف في الأيام الماضية أسفر عن عدة مجازر بحق المدنيين.
وكانت الطائرات الإسرائيلية نفذت أمس قصفا كثيفا على عدة مناطق في قطاع غزة، أسفر عن استشهاد 65 فلسطينيا.
ومنذ استئناف إسرائيل عدوانها على غزة في 18 مارس/آذار الماضي، استشهد نحو ألفي فلسطيني وأصيب 5200 آخرين، وفق أحدث بيانات وزارة الصحة في غزة.
في غضون ذلك، قال رئيس أركان الجيش الإسرائيلي إيال زامير أمس إن الجيش يواصل الضغط العملياتي وتضييق الخناق على حركة حماس قدر الإمكان.
وأضاف زامير خلال جولة ميدانية في رفح أنه في حال عدم حصول أي تقدم في إعادة المحتجزين فسيتم توسيع نطاق العمليات العسكرية بشكل أكبر.
وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يسرائيل كاتس أطلقا تهديدات مماثلة في الأيام القليلة الماضية.
في الأثناء، أمر الجيش الإسرائيلي سكان منطقتي بيت حانون والشيخ زايد شمالي قطاع غزة بإخلائهما تمهيدا لمهاجمتهما.
وبرر جيش الاحتلال الأمر بالإخلاء بعمليات تشنها المقاومة الفلسطينية في المنطقة.
وقتل جنديان إسرائيليان وأصيب آخرون في عمليتين وقعتا في بيت حانون خلال أيام.
وتشن قوات الاحتلال توغلات قرب بيت حانون وبيت لاهيا شمالي القطاع، وفي أطراف حي الشجاعية وحي التفاح شرقي مدينة غزة، وفي رفح جنوبا.
واحتل الجيش الإسرائيلي مؤخرا شريطا يمتد بين خان يونس ورفح حتى البحر وأطلق عليه اسم "محور موراغ"، كما أنه يحتل محور نتساريم الذي يفصل جنوب القطاع عن شماله.