كابوس رفح المُرعب في اللغة الأكثر تهذيبا
تاريخ النشر: 13th, February 2024 GMT
للشهر الخامس والشعب الفلسطيني في غزة، يتعرض لإبادة جماعية، هذا معروف إن كان بوصف الضحايا وأعدادهم، أو بحجم التدمير غير المسبوق على مساحة جغرافية ضئيلة يتكدس فيها أكثر من 1.2 مليون فلسطيني، وغالبيتهم أصبحوا محاصرين في جنوب القطاع في مدينة رفح مع أوضاع لا تكفيها مصطلحات الكارثة والفواجع من قواميس اللغة.
كل التفاصيل تشرح نفسها أن الاحتلال بهمجيته يتعمد فرض استحالة الحياة هناك، ثم يبقى السؤال: ماذا بعد أن استخدم النظام العربي كل التحذيرات من اللغة، وكرر وصف المأساة والبكاء على الضحايا، وبعد أن استمعنا وشاهدنا مواقف منافقة من الإبادة الجماعية؟ هناك إصرار عربي بإرسال عجزٍ مخزٍ ومهين، ونازفٍ من أخلاقه وسياساته لوقف العدوان على الشعب الفلسطيني، بمطالبة العالم بالتحرك وتحذيره، بينما أصابه شلل رباعي في مواجهة العدوان ونتائجه، فمؤشر الإبادة الجماعية يتطور ويتسع بشكل مرعب، لا يحتمل مجددا الزحف على البطون في استجداء سياسات إسرائيلية وغربية تقوم بركل أطرافنا المعطوبة بكل الاتجاهات، وتتقدم نحو أجساد شهدائنا وتبقر جثثها وتسرقها وتحرقها وتقتل النساء والأطفال ببث حي ومباشر.
هناك إصرار عربي بإرسال عجزٍ مخزٍ ومهين، ونازفٍ من أخلاقه وسياساته لوقف العدوان على الشعب الفلسطيني، بمطالبة العالم بالتحرك وتحذيره، بينما أصابه شلل رباعي في مواجهة العدوان ونتائجه، فمؤشر الإبادة الجماعية يتطور ويتسع بشكل مرعب، لا يحتمل مجددا الزحف على البطون في استجداء سياسات إسرائيلية وغربية
كل شيء جُرب في غزة، من جرأة الوحشية، إلى التفنن بفاشية نسف كل ما يشير لحياة البشر هناك.. كل اللغة العربية استُخدمت عن الخطوط الحمراء التي فقدت لونها تحت جنازير دبابات الاحتلال ووحل غزة وركام منازلها.. في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي سمع النظام العربي كله ومعه بقية العالم المنافق حديث نتنياهو عن اقتحام مستشفى الشفاء: "دخلنا مجمع الشفاء رغم المطالبة بعدم دخوله لأنه لا يوجد مكان لن نصل إليه"، وشاهد العالم مجزرة الأجنّة فيه ومذبحة الجرحى واعتقالهم، ثم كرر نتنياهو تفاخره بالقول: سمعنا تحذيرات كثيرة ولم نلتفت لها وفعلنا العكس ولم يحدث شيء.
فإسرائيل متيقنة تماما من ردود الفعل العربية الرسمية بسقفها العالي، عن منصة مؤتمر صحفي هنا وهناك، وفي كل العواصم، فالرسائل العربية فارغة من محتوى العزيمة و"الجرأة" في صد العدوان، وأن كل تحذير عربي رصيده صفري للصرف والعمل به، فموقع المشروع الصهيوني أصبح في قلب أنظمة الاستبداد العربي يتبوأ مكانة "مرموقة" من العار، بخلاف التحذيرات والمطالب المتعلقة بوقف جريمة الإبادة ضد الشعب الفلسطيني..
تتوجه الأنظار مجددا إلى الجيب الغزاوي في رفح مع الحدود المصرية، وإلى التهديدات الإسرائيلية بشن عدوان على النازحين واللاجئين في المدينة، بعد تعرضهم لجولة من أربعة أشهر لمختلف أنواع الجرائم، وتدمير حواضرهم ومخيماتهم ومدنهم في الشمال والوسط والجنوب، وبعد أكثر من مائة ألف شهيد وجريح، فما زال يتمترس المراقب السياسي العربي خلف شعار التحذير من الأوضاع الإنسانية، تمترس لم يمنع أو يحد من شهوة الفاشية الصهيونية على الأرض.
سلسلة المذابح وجرائم العدوان المتواصل طالت كل مستشفيات قطاع غزة وكل مدارسها ومراكز الإيواء، وآلاف المجازر، واستهداف الصحفيين والأطباء والرياضيين والأطفال والنساء والشيوخ والأجنّة والحوامل والمربعات السكنية، والبيوت ودور العبادة وخزانات الماء والكهرباء والحيوانات، وصولا لسحق الإنسان.. هذه تفاصيل العدوان والتشريد والتدمير والقمع والاعتقال ونشر الموت والخراب، فما الذي بيد النظام العربي ليفعله لمنع تكرار هذه التفاصيل بحق مليون ونصف فلسطيني محاصرون في رفح؟
الإجابة أوردتها إذاعة جيش الاحتلال الاسرائيلي: بأن المسؤولين المصريين أبلغوا الجانب الإسرائيلي بأنهم لن يعملوا على منع أي عملية عسكرية في رفح، طالما جرت دون المسّ بالمدنيين الفلسطينيين هناك.
لماذا نصدق إذاعة جيش الاحتلال في هذه الجزئية؟ أسباب كثيرة تدفع لتفسيرات الشارع الفلسطيني والعربي الذي بُح صوته لمطالبة النظام المصري بفتح معبر رفح وإنقاذ الجرحى ودخول المساعدات الغذائية والدوائية وغيرها، وتكفي صرخات ونداءات النساء والأطفال والشيوخ في غزة، والذين استخدموا لغة أكثر تهذيبا بمخاطبة الوجدان الرسمي العربي لتنفيذ قرار الجامعة الأخير بكسر الحصار وإدخال المساعدات، وتنفيذ قرار محكمة العدل الدولية بخصوص إنقاذ الضحايا ومنع الإبادة.
حالة العجز والهوان من رؤية تدهور الأوضاع بهذا الشكل على المستوى الغذائي والصحي والإيواء ومن على مقربة من حدود عربية لم تعد بحاجة لتفسير بايدن المتلعثم عن إقناع السيسي بذلك، ولا لتفنيد رواية جيش الاحتلال عن خضوع النظام المصري وبعض الأنظمة العربية للإرادة الصهيونية، مع رسوخ بديهيات عن سياسات عربية مستمرة في مستنقع التآمر، أدت لاستمرار الجرائم ولن تمنع نتنياهو مجددا من اختبار القلق العربي ورفضه لها.
مصر لديها تحفظ ورفض لتهجير الغزيين، وتعمل على تقديم ضمانات ضبط الحدود مع القطاع وتشديد المراقبة ورفع الجدار الحدودي بما يضمن سلامة الاحتلال، لكن ليس لديها تحفظ على سحق المقاومة هناك، وليس لديها إجراءات لمنع الإبادة ضد الفلسطينيين في رفح طالما هناك "حسن الظن" بأداء الاحتلال وبعدم المس بالمدنيين، وكأن في رفح هناك جيش للمقاومة يحارب الاحتلال.
كابوس رفح المرتقب، والذي عايشنا ما يماثله في كل مناطق ومدن غزة، لن يبدده التهذيب الأكثر حفاوة مع الاحتلال الذي تمارسه سياسات عربية تخسر من رصيدها الوطني ومن أمنها ومصالحها، لأن عمق غزة وفلسطين لا يتزحزح في وجدان الشارع العربي، حتى لو تزحزح هذا العمق في وجدان طغاة وسكن محله "تقدير صهيوني" مؤقت
وبعض الرسائل السياسية للنظام المصري أوردتها صحيفة وول ستريت جورنال بأن النظام سيوقف العمل باتفاقية السلام بينه وبين إسرائيل، لكن أوضحت إذاعة جيش الاحتلال أن هذا التهديد هو للاستهلاك الإعلامي، ولإظهار النظام أمام شعبه بأنه يفعل شيئا وأن الأمور تجري من خلال الاتصالات بين الجانبين بلغة "أكثر تهذيبا".
نتنياهو مستمر في استخدام القوة الأكثر فاشية ودمارا ضد الفلسطينيين في غزة، ووزير أمنه بن غفير يواصل بث مكنونات الحكومة الصهيونية بالطلب من رئيس أركان الاحتلال إطلاق النار على النساء والأطفال الذين يقتربون من حدود غزة مع كيان الاحتلال، وبصريح العبارة يكمل هذا الفاشي المأفون أن إسرائيل لن تعود لمفاهيم السادس من تشرين الأول/ أكتوبر لدولة "طبيعية" تحمي نفسها.
بكل الأحوال، كابوس رفح المرتقب، والذي عايشنا ما يماثله في كل مناطق ومدن غزة، لن يبدده التهذيب الأكثر حفاوة مع الاحتلال الذي تمارسه سياسات عربية تخسر من رصيدها الوطني ومن أمنها ومصالحها، لأن عمق غزة وفلسطين لا يتزحزح في وجدان الشارع العربي، حتى لو تزحزح هذا العمق في وجدان طغاة وسكن محله "تقدير صهيوني" مؤقت، وحتما سيأتي بكابوس مماثل ومناقض لرغبات الطغاة والاحتلال ولو بعد حين.
twitter.com/nizar_sahli
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه غزة رفح الإبادة الجماعية إسرائيلية إسرائيل غزة رفح الإبادة الجماعية مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة جیش الاحتلال فی وجدان فی غزة فی رفح
إقرأ أيضاً:
الفيتو الأمريكي يقتل أبناء الشعب الفلسطيني
باختصار، أمريكا هي رأس الشر والإرهاب والإجرام في العالم، فها هي وللمرة الرابعة تستخدم حق النقض «الفيتو» لمنع إصدار قرار يقضي بوقف العدوان الوحشي المتواصل على قطاع غزة!
فهل رأيتم إجراماً أكبر من هذ الفعل الأمريكي الآثم؟
ثم ماذا يعني استخدام الفيتو الرابع بعد مرور أكثر من 400 يوم متواصلة غير المزيد من العدوان والقتل والإجرام والحصار والتجويع..
كان مجلس الأمن المؤلف من15عضوا، قد صوت مؤخرا على مشروع قرار تقدم به أعضاؤه العشرة غير الدائمين في اجتماع، دعا إلى «وقف فوري وغير مشروط ودائم لإطلاق النار» وطالب بشكل منفصل بالإفراج عن المحتجزين في غزة، فيما لم يطالب بالإفراج عن عشرات الآلاف من المحتجزين والمفقودين الفلسطينيين في سجون الاحتلال الصهيوني، وقمة الانحطاط.. أن تصوت الولايات المتحدة الأمريكية بكل صلف وعنجهية وغرور وحدها ضد القرار، مستخدمة حق النقض «الفيتو» بصفتها عضوا دائما في المجلس ومنع صدور القرار الذي يقضي بوقف إطلاق النار والحلول دون التحرك العاجل لإنقاذ غزة.
أمريكا تزيح الستار عن وجهها القبيح الفاقد للضمير الإنساني والأخلاقي، ولا يهمها ما يتعرض له أطفال ونساء غزة من حرب إبادة جماعية..
أمريكا تعطي لنفسها حق الهيمنة والتسلط على مقدرات ومصير الشعوب وتستقوي على المستضعفين والمظلومين في الأرض وبكل وقاحة تمنع قراراً قدم لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، فما هو دور الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن: فرنسا، وبريطانيا ناهيكم عن روسيا والصين التين تتقمصان دور الثعلب المراوغ؟
ثم لماذا تحتكر هذه الدول الخمس الدائمة العضوية وعلى رأسها أمريكا راعية الإرهاب حق الفيتو فيما بينها؟.. هل فقط لأنها دول تمتلك أسلحة نووية وتضحك على العالم بمعاهدة نشرها على الشعوب والدول الحرة اليوم..؟
على الدول والشعوب الحرة أن تشغل عقولها إلى أقصاها لامتلاك ناصية العلم وصولا لحق امتلاك ذلك السلاح اللعين الذي تمتلك دول الفيتو بموجبه حق المنع، وذلك كي تمنع وقوع المزيد من الظلم والطغيان والهيمنة والغطرسة على شعوبها والمستضعفين في الأرض، وصولا لامتلاك حق الاعتراض على أي قرار يقدم لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة دون إبداء أسباب.
الجدير بالذكر أن امتناع أو غياب العضو الدائم عن التصويت لا يعيق اعتماد مشروع القرار، ومن المهم أن نلاحظ أن حق النقض هذا لا يمتد إلى التصويت «الإجرائي»، وهو القرار الذي يتخذه الأعضاء الدائمون أنفسهم، بالإضافة إلى ذلك، يمكن للعضو الدائم أن يعيق اختيار الأمين العام، دون الحاجة إلى حق النقض الرسمي، حيث يتم التصويت بشكل سري.
ومنذ بدء الحرب في أكتوبر الماضي، استخدمت الولايات المتحدة حق النقض «الفيتو» للمرة الرابعة ضد قرار وقف العدوان على غزة.. نعم هذه المرة الرابعة التي تستخدم فيها واشنطن حق النقض «الفيتو» لمنع إصدار قرار يقضي بوقف العدوان الوحشي المتواصل على قطاع غزة- ووقف حرب الإبادة التي يقوم بها كيان العدو الإسرائيلي المحتل في قطاع غزة منذ 7 أكتوبر 2023م، بدعم أمريكي مطلق، ما أسفر عن نحو 148 ألف شهيد وجريح من الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قتلت عشرات الأطفال والمسنين، في إحدى أسوأ الكوارث الإنسانية بالعالم.
فقط تشترط الإدارة الأمريكية الشيطانية قرارا يدعو إلى الإفراج الفوري عن المحتجزين في إطار وقف إطلاق النار فقط للمحتجزين والأسرى الصهاينة، فيما يقبع في سجون الاحتلال عشرات الآلاف من المحتجزين من أبناء الشعب الفلسطيني..
وها هي للتو محكمة العدل الدولية في لاهاى تصدر مذكرة اعتقال بحق مجرمي الحرب الصهاينة وعلى رأسهم «النتن ياهو» ووزير دفاعه المقال غالانت، وهو ما يضع المجتمع الدولي والأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي والهيئات والمنظمات التابعة لهما أمام آخر اختبار حقيقي للخروج من دائرة الصمت والخذلان والتنفيذ الانتقائي للقانون الدولي والإنساني والأخلاقي والمواثيق والأعراف الإنسانية..
أما العرب والمسلمون فإنهم أمام خيارين لا ثالث لهما، إما التصعيد ودعم وإسناد محور المقاومة أو الانحناء والخضوع لسياسة الفيتو الأمريكي وانتظار التصعيد الكبير الذي لن يستثنيهم والدور القادم على البقرة الحلوب والمعنى في بطن ترامب اللعين..