تصدع بنيان «إيكواس» يفاقم اضطرابات غرب أفريقيا
تاريخ النشر: 13th, February 2024 GMT
دينا محمود (لندن)
أخبار ذات صلةيفرض إعلان مالي والنيجر وبوركينا فاسو أواخر الشهر الماضي انسحابها من المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا المعروفة باسم «إيكواس»، تحدياً خطيراً على هذا التكتل الإقليمي، وتزايدت في السنوات الأخيرة المصاعب التي تواجهه على مختلف الأصعدة السياسية والأمنية والاقتصادية.
فخطوة الانسحاب التي أعقبت إبرام الدول الثلاث اتفاقاً أمنياً مشتركاً في سبتمبر من العام الماضي، تشكل وفقاً لخبراء الشؤون الأفريقية، الأزمة الأكبر التي تعترض طريق «إيكواس»، منذ إنشائها عام 1975، بهدف تعزيز التعاون الاقتصادي والتبادل التجاري، بين دول غرب القارة السمراء.
وحذر هؤلاء الخبراء من أن الانسحاب الذي اعتبره بعضهم بمثابة «بريكست» على الطريقة الأفريقية، قد يُذكي الاضطرابات القائمة من الأصل في المنطقة، لا سيما وأنه ترافق مع توجيه قادة مالي والنيجر وبوركينا فاسو اتهامات لـ «إيكواس»، بالفشل في تقديم الدعم لدولهم، في حربها ضد تنظيميْ «القاعدة» و«داعش» الإرهابييْن.
كما شملت اتهامات البُلدان الثلاثة، وهي كلها حبيسة وتقع في منطقة «الساحل» المضطربة، القول: إن هذه المجموعة الإقليمية، فرضت عقوبات اقتصادية «لا عقلانية وغير مقبولة عليها»، بعد الانقلابات العسكرية، التي شهدتها خلال السنوات الأربع الماضية.
وشدد الخبراء على أن خروج مالي والنيجر وبوركينا فاسو من «إيكواس» سيُحدث إرباكاً لحركة التجارة ونقل البضائع وتنقل الأفراد على نحو أكبر، بين البلدان الـ 15 الأعضاء، التي تمتد على مساحة تزيد على خمسة ملايين كيلومتر مربع، وتضم عدد سكان يفوق 424 مليون نسمة.
وأشاروا إلى أن تخفيف التبعات المحتملة للصدع الراهن في جدران ذلك التجمع، يتطلب من قادته تذكر أن الهدف الرئيس الذي شُكِلَ لأجله، تمثل في تعزيز التنمية والتكامل على الصعيد الاقتصادي بين الدول الأعضاء فيه، وليس التعامل مع الملفات السياسية والأمنية، ومسائل التحول الديمقراطي في هذه البلدان.
ويستلزم ذلك، وفقاً لتصريحات نشرها موقع «ذا مونيتور» الإلكتروني الإخباري المعني بشؤون أفريقيا، أن تولي الدول الرئيسة الأعضاء في المجموعة، مزيداً من الاهتمام لتذليل العقبات، التي تحول دون اندماج بُلدن غرب أفريقيا اقتصادياً، وتفعيل السبل التي تفضي لتوطيد الأواصر، بينها وبين بعضها بعضاً.
ويدعو خبراء الشأن الأفريقي قادة «إيكواس»، إلى تبني نهج أكثر عملية للتعامل مع الانقلابات العسكرية، التي وقعت في عدد من دول المنطقة في الفترة الأخيرة، بما ينطوي على إمكانية الانخراط في مفاوضات، تتمخض في نهاية المطاف عن إطلاق عمليات تحول ديمقراطي، قد تستمر ما بين سنتين أو ثلاث سنوات، وذلك إذا لم تُجْدِ العقوبات التي فرضتها المجموعة في هذا الصدد نفعاً.
وتبدو مثل هذه الحلول ذات الطابع البراجماتي أمراً لا غنى عنه، بالنسبة لمنطقة «الساحل الأفريقي»، التي تسيطر الجماعات الإرهابية على مساحات واسعة من أراضيها، إلى حد أن هجمات تلك التنظيمات أدت في المنطقة الحدودية المشتركة بين مالي والنيجر وبوركينا فاسو، إلى سقوط أكثر من 20 ألف قتيل، وتشريد ما يقارب 4.2 مليون آخرين، على مدار سنوات قليلة.
ومن بين المقترحات المطروحة لتجنب أي اضطرابات إضافية قد تنجم عن تصدع بنيان «إيكواس»، أن تضاعف الدول المتبقية في المجموعة جهودها، لتعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية في أراضيها، على أن يتم التوصل بشكل مشترك، إلى سياسات أمنية ودفاعية فعالة، تكفل حماية بُلدان المنطقة. وينبغي أن يتواكب ذلك، مع التزام الأمم المتحدة وغيرها من الجهات المانحة الدولية، بتوفير ما يلزم من دعم مالي للبرامج الهادفة للحد من الفقر وإرساء الاستقرار في غرب أفريقيا، فضلاً عن تقديم المانحين التمويل والمساعدات اللوجيستية الضرورية، لتعزيز القدرات العسكرية للمجموعة، بغية تمكينها من مواجهة أي مخاطر حالية أو مستقبلية.
واعتبر الخبراء أن عملية استعادة الاستقرار الإقليمي في الغرب الأفريقي «لن تكون بالمهمة اليسيرة»، قائلين: إن التقاعس في مواجهة التهديدات التي تُعرِّض وجود «إيكواس» للخطر، قد يؤدي إلى إغراق المنطقة بأسرها، في مزيد من الاضطرابات وأعمال العنف.
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: أفريقيا إيكواس مالي النيجر بوركينا فاسو مالی والنیجر وبورکینا فاسو غرب أفریقیا
إقرأ أيضاً:
موقع فرنسي: انسحاب بوركينا فاسو ومالي والنيجر من سيداو.. زلزال جيوسياسي يغير موازين القوى
نشر موقع "ليه ديبلوماتيه" تقريرًا سلّط فيه الضوء على انسحاب بوركينا فاسو ومالي والنيجر من المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا "سيداو"، معتبرًا أنه نقطة تحول في العلاقات الإقليمية، مبيناً أن هذا القرار جاء بعد تهديد "سيداو" بالتدخل عسكريًا في النيجر لإعادة الرئيس المخلوع.
وقال الموقع، في التقرير الذي ترجمته "عربي21"، إن انسحاب بوركينا فاسو ومالي والنيجر من المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إكواس) يمثل نقطة تحول تاريخية في العلاقات الدبلوماسية والاستراتيجية للمنطقة. فبعد شهور من التوترات المتصاعدة، تعلن الدول الثلاث التي تقودها مجالس عسكرية قطع علاقاتها مع منظمة يعتبرونها منحازة وغير فعالة في التعامل مع مشاكلهم الداخلية، ولا سيما في مكافحة انعدام الأمن والتدخلات الخارجية.
انفصال حتمي
أوضح الموقع أن الحدث الحاسم الذي أدى إلى هذا الانسحاب يعود إلى يوليو/تموز 2023، عندما هددت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إكواس) بالتدخل عسكريًا في النيجر لإعادة الرئيس محمد بازوم، الذي أطيح به في انقلاب. هذه التهديدات، إلى جانب العقوبات الاقتصادية القاسية المفروضة على نيامي، عززت استياء السلطات النيجيرية الجديدة، وكذلك نظيراتها في بوركينا فاسو ومالي، حيث اعتبروا موقف إكواس تدخلاً غير مقبول في سيادتهم الوطنية.
ومع ذلك، فقد صرح رئيس مفوضية إكواس، عمر أليو توري، بأن المنظمة لا تزال منفتحة على الحوار، داعيًا إلى إجراء مناقشات تقنية لتحديد إجراءات الانسحاب، وهذا الموقف يعكس رغبة في الحفاظ على علاقات عملية، وتجنب قطيعة مفاجئة قد تؤدي إلى تفاقم التوترات الإقليمية.
عواقب الانسحاب
وذكر الموقع أنه مع هذا الانسحاب، ستنخفض عضوية المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إكواس) من 15 إلى 12 دولة، مما سيُضعف ثقلها الجيوسياسي. ومع ذلك، فقد وضعت المنظمة تدابير انتقالية، حيث سيتمكن مواطنو الدول الثلاث المنسحبة من الاستمرار في استخدام جوازات سفرهم وبطاقات هويتهم التي تحمل شعار إكواس، كما سيستمر تبادل السلع والخدمات وفقًا للبروتوكولات المعمول بها، وتهدف هذه الإجراءات إلى تجنب حدوث أزمة اقتصادية حادة والحفاظ على درجة معينة من التكامل الإقليمي.
نظام إقليمي جديد قيد التشكل
وأشار الموقع إلى أنه برغم ذلك، فإن بوركينا فاسو ومالي والنيجر لن تتخلّى عن المشهد الإقليمي، بل قامت بإضفاء الطابع الرسمي على اتحادها داخل تحالف دول الساحل، وهو اتحاد يهدف إلى إعادة تشكيل ميزان القوى في غرب أفريقيا. إذ تنتقد هذه الدول العقوبات التي فرضتها إكواس، واصفةً إياها بأنها "غير إنسانية وغير قانونية وغير شرعية"، متهمةً المنظمة بخدمة مصالح أجنبية بدلًا من تلبية الاحتياجات الفعلية للشعوب المحلية.
وعلى الصعيد الدبلوماسي؛ تتجه هذه الدول نحو شركاء إستراتيجيين جدد، حيث تتراجع مكانة القوة الاستعمارية السابقة، فرنسا، لصالح تنامي نفوذ روسيا وتركيا وإيران، فيعكس هذا التحول الجيوسياسي إعادة تشكيل التحالفات في غرب أفريقيا، مع تزايد رفض المؤسسات التي يُنظر إليها على أنها خاضعة للغرب.
نحو إعادة تشكيل التوازنات
ووفقا للموقع فإنه على الرغم من هذه القطيعة مع إكواس، لا تزال الدول الثلاث أعضاء في الاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب أفريقيا وتواصل استخدام الفرنك الإفريقي، وقد تعكس هذه الوضعية المتناقضة رغبتها في التحرر من الأطر السياسية التي تعتبرها مقيِّدة، مع الحفاظ في الوقت نفسه على قدر من الاستقرار الاقتصادي.
وبالفعل قد بدأت بعض دول المنطقة، مثل توغو وغانا، في تطبيع علاقاتها مع تحالف دول الساحل. ومؤخرًا، عيّن الرئيس الغاني جون ماهاما مبعوثًا خاصًا للتواصل مع هذا الكيان الجديد، في إشارة إلى أن الديناميكيات الإقليمية تشهد تحولًا ملحوظًا.
وختامًا يؤكد الموقع أن خروج بوركينا فاسو ومالي والنيجر من إكواس يعكس أزمة عميقة داخل المنظمات الإقليمية الأفريقية، التي تواجه تحديات تتعلق بالسيادة الوطنية، والتأثيرات الخارجية، والحاجة إلى تحقيق تكامل اقتصادي فعّال. وبينما تسعى تحالف دول الساحل إلى ترسيخ نفسها كقطب جديد للتعاون، يبقى مستقبل إكواس، التي باتت الآن أقل حجمًا، غير مؤكد، وسيكون الحوار بين الأطراف أمرًا حاسمًا وحلًّا وحيدًا للحفاظ على استقرار غرب أفريقيا في سياق إعادة هيكلة التوازنات الإقليمية والدولية.