ندرك جيدًا حجم التحديات والمخاطر التى تواجهها مصر، خاصة فيما يتعلق بالحدود الشرقية للبلاد منذ بدء الحرب الإسرائيلية على الفلسطينيين وتحديدًا ما يحدث فى قطاع غزة، فى الوقت الذى تخرج فيه التصريحات من الجانب الإسرائيلى بشكل استفزازى بين الحين والآخر.
ونفهم أيضًا أن مصر كتب عليها أن تعيش هذه الفترة وسط تصاعد الأحداث فى دول الجوار من ناحية، وفى دول ترتبط ارتباطًا وثيقًا مع مصر فى الكثير من الأمور من ناحية أخرى، الأمر الذى يعنى فى النهاية أننا نعى ما يمكن أن نقبل عليه خلال الفترة القادمة للحفاظ على الأمن القومى المصرى بمختلف جوانبه.
لكن الحقيقة الواضحة فى الداخل الآن أن غالبية الشعب المصرى يعيش المأساة اليومية لارتفاع الأسعار بشكل جنوني، وسط التصريحات الوردية لبعض الوزراء بشأن توافر السلع والأسعار المناسبة والتى هى فى الحقيقة لم تكن سوى فى مخيلتهم وبياناتهم الرسمية فقط، دون أى تطبيق على أرض الواقع.
والسؤال الذى يفرض نفسه الآن ويسأله ملايين المصريين لأنفسهم قبل توجيهه لأى مسئول هو إذا كان هذا الوضع الذى نعيشه الآن بهذا الشكل ووسط هذه الأسعار فماذا سيكون الوضع حال اضطررنا للدخول فى حرب فى أى جهة للحفاظ على أمننا وسلامة أراضينا؟!.هذا السؤال لابد من التفكير فيه، خاصة بعد التصريحات التى خرجت من الدكتور على المصيلحى وزير التموين والتجارة الداخلية التى أكد فيها على توفير السلع بأسعار مناسبة فى عدة منافذ بكل محافظة استعدادًا لشهر رمضان المقبل.
وتصريحات وزير التموين تحمل فى مضمونها الاعتراف الواضح بالفشل فى إدارة ملف السلع بالاشتراك فى المسئولية مع أى جهة معنية بهذا الملف،فهل المطلوب أن يموت الشعب المصرى لحين فتح هذه المنافذ التى لم تعد تختلف كثيرًا عن الأسواق الخارجية؟!، وإذا كانت الأجهزة الرقابية قد ألقت القبض على عصابات ومافيا الفساد والتلاعب فى الأسواق مؤخرًا فما هو السبب لاستمرار الأزمة فى السلع والأسعار حتى كتابة هذه السطور؟!.
والغريب فى الأمر هو حديث بعض الجهات الرسمية أو الدوائر الاقتصادية فى وسائل الإعلام عن انخفاض أسعار الدولار فى السوق السوداء، فى الوقت الذى لم يشهد المواطن المصرى أى رد فعل للأسعار المعلنة على أرض الواقع بانخفاض أسعار السلع المستوردة أو المرتبطة بمواد خام نستوردها من الخارج!.
ولعل المؤكد فى هذا الصدد أن ما يحدث لم يكن سوى محاولات لتصدير وبيع الوهم عن تحسن الأوضاع الاقتصادية ومن ثم السيطرة على الأسعار، وهى فى الحقيقة أسعار وهمية تثير القلق والخوف أكثر ما تبعث بالطمأنينة، لأنه ببساطة إذا كان انخفاض سعر السوق السوداء للدولار يأتى بهذه السرعة المكوكية، فمن المحتمل فى أى وقت أن يرتفع بضعف السعر ذاته بسرعة جنونية خلال أيام، لأن الانخفاض لم يكن بشكل تدريجى بناء على حلول اقتصادية واضحة.
خلاصة القول. إن التصريحات الوردية البعيدة عن الواقع لا تحترم عقل الشعب المصري، وأصبحت غالبية وسائل الإعلام منافذ لبيع وتصدير الوهم فى انفصال واضح عن الحياة الحقيقية التى يعيشها المواطن الذى تطالبه حكومة الدكتور مصطفى مدبولي، ووزير التموين فى حكومته بانتظار منافذ شهر رمضان لكى يأكل ويشرب.. وللحديث بقية إن شاء الله.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: وزير التموين المواطن المصرى شهر رمضان قطاع غزة الحرب الإسرائيلية على الفلسطينيين
إقرأ أيضاً:
"إجادة" وصناعة الوهم
د. سيف بن سالم المعمري
منظومة "إجادة" التي كان يُعوَّل عليها أن تعزز القيم الوظيفية والمهنية في قطاع الخدمة المدنية، جاءت على النقيض من ذلك، فتنامت حالة السخط بين الموظفين تجاهها؛ فعلى ما يبدو أنَّ التطور الذي ينشده الموظفون بات مرهونًا بإكراههم على تطبيق أنظمة تتعارض مع القيم المهنية، وتؤجج الصراعات الضيقة والفئوية والمحسوبية، وتعطل الإبداع والابتكار والإخلاص في بيئة العمل، وتؤدي إلى تراجع الأداء المؤسسي إلى مستويات لا نقبلها جميعًا.
والقائمون على "إجادة" لديهم قناعة بأنَّ السخط بين فئات الموظفين تجاهها ما هو إلّا انعكاس لـ"مقاومة التغيير"، وهو في الحقيقة مقاومة للظلم، وأن اعترافهم بمقاومة "التغيير" يؤكد على عدم صوابية قرارهم في إلزام الموظفين بها، وأن عدم الالتفات إلى أصوات هؤلاء الموظفين سينعكس سلبًا على العمل المؤسسي.
لقد أحدثت "إجادة" تشظيًا في المجتمع الوظيفي نتيجة السخط والامتعاض والصراعات اللفظية بين الموظفين وبين مرؤوسيهم، وربما تتطور إلى ما لا يُحمد عُقباه مع الحديث عن ربط إجادة بالترقيات.
ألم يهتدِ القائمون على "إجادة" لتبني أدوات موضوعية ومهنية مُنصفة لتقييم الموظفين إلّا بما جاءت به هذه المنظومة الظالِمة؟!
نعم.. هي منظومة ظالمة، ولا يكاد موظف في الجهاز الإداري للدولة يتحدث عن "إجادة" إلا ويعقبها بكلمة "الظالمة"؛ بل حتى الموظفين الذي حصلوا على تقدير مُمتاز وجيد جدًا ينعتونها بتلك الصفة الذميمة، وما يُكتب في شبكات التواصل الاجتماعي أقل بكثير مما يدور في أحاديث الناس في مجالسهم! وسخط المجتمع الوظيفي على "إجادة" ونعتها بالظالمة، ليس لأنها قصرت التكريم على 10% من الموظفين؛ بل لأنها انتزعت حق التقدير لعدد 55% من الموظفين.
فضلًا عن ذلك، فإن الأهداف التي يضعها الموظف لا يُلتَفَت إليها، وأن ما يُعرف بالإنجازات ما هي إلّا مهامه الوظيفية التي يؤديها دون سواها، ولا يوجد موظف لديه القدرة الخارقة التي تُمكِّنه من تحويل المؤسسة إلى ما يفوق المألوف، إلّا إذا تهيأت له الموارد البشرية والمادية وفي حدود مسؤولياته الوظيفية. ولم نرَ مسؤولًا يُحوِّل مؤسسته إلى ما يفوق المألوف، رغم وجود الموارد البشرية والمادية بين يديه حتى ومع حصوله على "امتياز" في إجادة!! فلماذا يُطلب ذلك من كل موظف بالمؤسسة؟!
في حال استمرت المنظومة بنفس الآلية الحالية، فإن ذلك يتنافى مع قيم العدالة والنزاهة التي ينشدها الجميع، وإن حالة الاحتقان في بيئة العمل ستجدَّد، وهو ما يعني إخلالًا بالأمن الوظيفي، وأن من سيحصل على تقدير دون الممتاز سيتعرض لظلم مُركَّب، بحرمانه من الترقية وحرمانه من الترشح لوظيفة أعلى، أو حرمانه من فرص التدوير الوظيفي وكذلك حرمانه من الحصول على فرصة دراسية.
فهل القائمون على "إجادة" استوعبوا تجربة السنوات الماضية، وانحراف المنظومة عن أهدافها النبيلة؟ أم سيستمرون في إيهام الجميع بنجاحها، وسيتحملون مآلاتها؟! وهل يمكن أن تصبح "إجادة" مُرحباً بها بين الموظفين؟!
بلا شك.. يمكن أن تتناغم إجادة بين متطلبات التطوير وتطلعات المجتمع الوظيفي إذا أخذت بالمرئيات التالية:
التفريق بين مفهومين رئيسيين؛ وهما: تقدير الموظف (حقه الطبيعي)، وتحفيز الموظف (حق المسؤول المباشر) مع وجود أدوات مهنية قابلة للقياس والضبط والربط؛ فمن حق كل موظف أن يحصل على التقدير الذي يستحق كثمره جهده وتأديته لواجباته الوظيفية، وتقيُّده بالأنظمة والقوانين التي تحافظ على قدسية الوظيفة، بحيث يحصل على حقه في التقدير (ممتاز، جيد جدًا، جيد، ضعيف)، بينما من حق المسؤول المباشر أن يختار الموظف المُجيد (الأكثر تميُّزًا) الذي يمكن تكريمه حسب العدد المقرر لكل تقسيم إداري. إلغاء التحديد المُسبَق لعدد الذين يحصلون على تقدير (ممتاز، جيد جدًا، ...)، مع تحمل المسؤول المباشر إثبات حق كل موظف في التقدير الذي منحه له. إلغاء الأهداف الفردية، وقيام رئيس الوحدة بصياغة أهداف مُحدَّدة لمؤسسته بحيث لا تتعدى 5 أهداف على الأكثر، وأن يتم تكليف كل موظف في المؤسسة بمسؤوليات تحقق أهداف المؤسسة، بناءً على مهامه واختصاصاته الوظيفية والموارد المالية فيها. تشكيل لجان محايدة للتظلمات في كل مؤسسة مكوَّنة من أعضاء من: (المؤسسة، وزارة العمل، وزارة العدل والشؤون القانونية، جهاز الرقابة المالية والإدارية). عدم ربط العلاوات الدورية والترقيات السنوية بمنظومة "إجادة". يمكن إلغاء الترقيات السنوية بشرط استبدالها برفع مبلغ العلاوة الدورية بنسبة (100%). إلغاء المكافآت الفردية واستبدالها بمنح كل مؤسسة تميزت في الإجادة المؤسسية بمبالغ سنوية لتكريم موظفيها المجيدين بمبالغ نقدية محددة. رابط مختصر