رغم ما تعانيه مصر من أزمة اقتصادية طاحنة طالت الغنى والفقير وعصفت بالطبقة المتوسطة التى كانت دائما العمود الفقري للمجتمع الا اننى أرى أن الفرصة مازالت قائمة للخروج من هذه الازمة بسلام شريطة الاستعانة بخبراء متخصصين على أعلى مستوى لإدارة الأزمة والاستعانة بالشباب الذين يصل عددهم الى 22 مليون نسمة بنسبة 21% من إجمالي السكان، وفتح آفاق جديدة أمامهم للمساهمة في بناء اقتصاد قوى، ووضع خطة قصيرة المدى للمرور من عنق الزجاجة واخرى طويلة المدى للوصول الى الاكتفاء الذاتى من القمح والارز والسكر وباقى المحاصيل الاستراتيجية للعودة بمصر الى ما كانت عليه قرون طويلة ك»سلة لغذاء العالم».
فأنا لست مع الاصوات المتشائمة التى تروج لفكرة المجاعة لان مصر بإذن الله، قادرة على تجاوز كل المحن كما ان الاستشهاد بما حدث فى مصر ايام الشدة المستنصرية فيه كثير من الاجحاف للانجازات التى تمت خلال السنوات الماضية، فالظرف مختلف تماما، والمقارنة ليست فى محلها.
فالشدة المستنصرية أطلقت على المجاعة التى حدثت بمصر ايام الخليفة المستنصر كانت نتيجة غياب مياه النيل بمصر لسبع سنين متواصلة وعرفت بالسنين العجاف وكانت فى نهاية عصر الخليفة الفاطمي المستنصر بالله في بداية النصف الثاني من القرن الخامس الهجري من تاريخ الدولة الفاطمية في مصر 1036–1094.
وروى عنها المؤرخون أحداثًا قاسية، فقيل إن الأرض تصحرت وهلك الحرث والنسل وخطف الخبز من على رؤوس الخبازين وأكل الناس القطط والكلاب حتى أن بغلة وزير الخليفة الذي ذهب للتحقيق في حادثة أكلوها وجاع الخليفة نفسه حتى أنه باع ما على مقابر آبائه من رخام وتصدقت عليه ابنة أحد علماء زمانه وخرجت النساء جائعات صوب بغداد.
وعن نفس الفترة ذكر ابن إياس أن الناس أكلت الميتة وأخذوا في أكل الأحياء وصنعت الخطاطيف والكلاليب؛ لاصطياد المارة بالشوارع من فوق الأسطح وتراجع سكان مصر لأقل معدل في تاريخها.
لكن الحمد لله فإن ما تمر به مصر من أزمة اقتصادية حاليا مازالت محتملة وهناك اجراءات من الدولة لمحاولة احتواء آثارها على المواطنين، صحيح ان العلاوات اقل بكثير من غول الاسعار الذى يلتهم كل شىء لكن لابد ان نتشبث بالامل لحين الخروج من هذه الازمة وخاصة ان مصر كانت وستظل صامدة امام كل المحن.
وكما أن دعاة التشاؤم يستشهدون بتاريخ مصر مع المجاعات فإن التاريخ ايضا يذكر أن قمح مصر وشعيرها كانا يطعمان ويسقيان الامبراطورية الرومانية خلال فترة الاحتلال التي تجاوزت 600 عام، وقبلها كانت سفن الغلال تسير من ميناء الأسكندرية إلى مدن اليونان القديم. وتذكر الكتب نفسها أن موقع مصر وكونها «سلة غذاء العالم» كانا سببين كافيين لجعلها مطمعا للغزاة.
ومصر ايضا ظلت على مدار آلاف السنين يطعم قمحها العالم القديم، أتمنى أن تعود مصر لتتبوأ مكانتها بين الدول الزراعية الصناعية والعظمى، الموضوع ليس مستحيلا ولدينا نماذج مثل ماليزيا ورواندا اجتازت أزماتها وتحولت إلى دول متقدمة.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: المجاعة غول الاسعار ميناء الأسكندرية
إقرأ أيضاً:
من كانت تقاتل إسرائيل في غزة؟
د. أحمد بن علي العمري
تدخلت حركة حماس مع حركات المقاومة الفلسطينية الأخرى في السابع من أكتوبر 2023 في غفوة من النظام الإسرائيلي باستخباراته وقوته، وأسرت العديد من الجنود والمجندات الإسرائيليين وحتى بعض المدنيين، والعالم كله يعرف بما فيه إسرائيل أن حركات المقاومة لا تعني الأسر بالمعنى المُطلق له ولكنها تأسر من أجل إنقاذ أسرى لها مظلومين في السجون الإسرائيلية، ساعتها هبَّ العالم المنافق كله متداعيًا لأجل إسرائيل، مدعين أنَّ حركات المقاومة هي الظالمة والمعتدية وحتى الإرهابية، ونسوا أن أكبر كثافة سكانية على الإطلاق في العالم في قطاع غزة، محاصرة منذ سبعة عشر عامًا.
لقد عانوا تحت هذا الحصار ولم يبق أمامهم إما العيش بكرامة أو الموت بكرامة، وما أصعب على الإنسان أن يختار بين العيش والموت.
المهم حصل ما حصل والعالم شاهد على ذلك، ولكن الغطرسة الإسرائيلية والجبروت الصهيوني لم يقبل ذلك فقد أعلن الحرب على غزة في حدودها الضيقة جدًا وجغرافيتها الصغيرة، معلنًا أن أهداف الحرب تتمثل في القضاء على حماس وتحرير الأسرى.
ولكن ماذا حصل بعد 471 يومًا من الحرب؟ هل تم القضاء على حماس وهل تحرر الأسرى؟
كلا، لم يحدث من ذلك شيء؛ بل العكس، هُزم الجيش الذي يزعم أنه لا يُقهر، على الرغم من الدعم الأمريكي المنقطع النظير والدعم الأوروبي الوفير، فلقد بقي المجاهدون أمام أعتى القوات العالمية وانتصروا بكل بسالة وشجاعة.
نعم هكذا هي المقاومة عندما يتقدم قادتها رجالهم المقاتلين ولا يبقون في الصفوف الخلفية فلقد استُشهد القائد إسماعيل هنية واستُشهد يحيى السنوار وشهد له العالم أجمع بأنه استشهد مقبلًا غير مدبر، ولم يكن محتميًا بالأسرى ولا بالدروع البشرية كما ادعى العدو.
وعند توقيع إسرائيل اتفاقية وقف إطلاق النار مرغمة على الرغم من الدعم الأمريكي والأوروبي لها، ماذا حدث؟ ومع تسليم أول دفعة من الأسيرات الإسرائيليات ماذا الذي ظهر؟ ظهر رجال المقاومة بكل عدتهم وعتادهم وسياراتهم منتشين رافعين الروس.
إذن.. فمن كانت تقاتل إسرائيل ومن قتلت وفي عددهم 50 ألف شهيد وأكثر من 100 ألف جريح.
الظاهر والواقع والحقيقة أنها لم تقتل ولم تجرح سوى المدنيين الأبرياء العزل، وقد عاثت فسادًا بتجريف الشوارع وهدم المدارس والمساجد والمستشفيات والجامعات، وحتى نبش القبور وفي أكبر المظاهر الإنسانية اشمئزازًا سماحها للكلاب الضالة بنهش الجثث.
فهل بعد هذا إنسانية؟
ولله في خلقه شؤون.
رابط مختصر