د. زاهي حواس يكتب: في حضرة «توت».. الفرعون الذهبي يبهر العالم بسحره
تاريخ النشر: 12th, February 2024 GMT
لنا أن نتصور حجم الدعاية التي حصلنا عليها لمصر بالمجان، وهو مكسب إعلامي وسياحي ضخم انعكس على حجم السياحة إلى مصر بعد هذه الدعاية الضخمة والذي ظهر في عدد الحجوزات السياحية»
تصورت أن توت عنخ آمون ذلك الفرعون الصغير ما زال حيا يرزق، فما سر هذا الهوس الإعلامي والتاريخي والعلمي بهذا الفرعون الذهبي الصغير؟ فلم أكن أتصور للحظة واحدة كل هذا الاهتمام الهائل من جانب وسائل الإعلام بمؤتمر صحفي مهما كان موضوعه مثلما شاهدت، حينما دعوت لمؤتمر صحفي في المتحف المصري لإعلان نتائج الاكتشافات الخاصة بعائلة الفرعون الذهبي توت عنخ آمون.
امتلأت ساحة المتحف المصري المقابلة للمدخل الرئيسي بكاميرات التليفزيونات العالمية ومندوبي وكالات الأنباء، والجميع ينقل وقائع المؤتمر على الهواء مباشرة إلى كل دول العالم. وفى الليلة السابقة للمؤتمر كنت ضيفًا على برامج تليفزيونية يقدمها مشاهير الإعلاميين، أحدها كانت تنقل مباشرة إلى أمريكا، وأخرى تنقل على الهواء مباشرة إلى العالم كله.
ولا أتذكر عدد الأحاديث والمقابلات التليفزيونية التي أجريتها مع أكثر من ٢٥ محطة تليفزيونية مختلفة، هذا الاهتمام هو بالطبع دليل على سحر الحضارة المصرية القديمة واهتمام العالم كله بالفرعون الذهبي الصغير الذي لاتزال حياته ووفاته سرا من أسرار هذه الحضارة العظيمة.
ولقد جاءت عدة اكتشافات لتلقى مزيدا من الضوء على حياة وعائلة الفرعون الصغير "توت".. وكذلك لتنفى عددًا كبيرًا من نظريات لباحثين وعلماء جاءوا بأكثر من سبب لوفاة الملك "توت" في هذا السن الصغيرة حوالي ثمانية عشر عامًا، ومنها ما ادعى أن الملك الصغير قد اغتيل، كذلك جاءت تلك الاكتشافات لتبين لنا وبشكل قاطع من هي عائلة الملك توت؟
وكان السؤال الدائم لمعلقي البرامج التليفزيونية والإذاعية هو لماذا توت عنخ آمون بالذات؟ وكان الرد بالطبع لأن الملك "توت" يعرفه الصغير والكبير فى كل العالم، ولو سُئل طفل صغير لم يبلغ من العمر ثماني سنوات عما يعرفه عن مصر لقال على الفور "توت عنخ آمون" أو الفرعون الذهبي.
لنا أن نتصور حجم الدعاية التي حصلنا عليها لمصر بالمجان، وهو مكسب إعلامي وسياحي ضخم انعكس على حجم السياحة إلى مصر بعد هذه الدعاية الضخمة والذي ظهر في عدد الحجوزات السياحية، وقد أخبرني كل الإعلاميين والمعلقين على البرامج التليفزيونية والإذاعية برغبتهم في المجيء إلى مصر لكي يشاهدوا هذه الاكتشافات العظيمة التي هزت العالم كله.
وبعيدا عن مكاسب هذه الدعاية الضخمة فقد حدثت أشياء أخرى، بعضها يدعو إلى الأسف وبعضها يثير الضحك، فقد حدثني أحد أساتذة الآثار قائلًا إن أحد الأشخاص يقول في كل مكان أنه أول من قام بدراسة المومياوات باستخدام تقنية الحمض النووي. ولم أجد أمامي غير الضحك لأن المشروع المصري لدراسة المومياوات والذي أشرف برئاسته هو أول من استخدم تحليل الحمض النووي بمصر فقط لدراسة المومياوات.
وقلت لعالم الآثار المصري إنني أتوقع بعد هذا الاهتمام العالمي الكبير بما حققناه من اكتشافات أن يظهر طابور أعداء النجاح وبعض مجانين الشهرة في محاولة لحشر أنوفهم فيما آلت إليه أبحاثنا، ويأتي النشر العلمي متوجًا لما قمنا به من عمل وجهد على مدار أكثر من عامين، وقد قبل البحث العلمي الذي تقدمنا به للنشر من خلال مجلة جاما العلمية بعد أن راجعه نخبة من العلماء المعروفين على المستوى العالمي.
ولقد كان من المغالطات التي سمعناها هو القول بأن نتائج الـ DNA مؤكدة بنسبة ٤٠٪ فقط، وهذا بالطبع غير صحيح، فإن نتائج تحليل الحمض النووي في حال اتخاذ كل الاحتياطات العلمية تثبت بنسبة مائة في المائة.
فعن طريق الـ DNA عثرنا على مومياء الملكة "تي" وهي مومياء موجودة داخل المقبرة ٣٥ بوادي الملوك، وكان بعض العلماء قد قاموا بأخذ عينة من الشعر الذي عثر عليه هيوارد كارتر داخل مقبرة توت عنخ آمون في صندوق كُتب عليه اسم الملكة "تي"، وتم تحليل الشعر ومقارنته بشعر هذه المومياء، واتضح التشابه الكبير بينهما، ثم جاء تحليل الحمض النووي ليؤكد أن هذه المومياء هي خاصة بالملكة "تي". إنني أدعو من قلبي إله الشر "ست" أن يصمت هذه المرة!.
سر الهوس الإعلامي والتاريخي والعلمي بالملك الصغير
زاهي حواس: من أهم الأثاريين المصريين، وزير سابق للآثار، يحاضر فى العديد من الدول الغربية حول الآثار الفرعونية وتاريخ قدماء المصريين. له مؤلفات بالعربية والإنجليزية فى هذا المجال.. يكتب مقاله الثالث على التوالى ليبهرنا بعالم الفرعون الذهبى توت عنخ آمون.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: الدكتور زاهي حواس الفرعون الصغير الفرعون الذهبي توت المتحف المصري الأثاريين المصريين الفرعون الذهبی الحمض النووی توت عنخ آمون
إقرأ أيضاً:
زاهي حواس: اكتشافات أثرية في ظلال معبد الملكة حتشبسوت بالأقصر
أعلن عالم الآثار المصرية الدكتور "زاهى حواس" رئيس البعثة الأثرية المشتركة التابعة لمؤسسة زاهي حواس للآثار والتراث بالتعاون مع المجلس الأعلى للآثار بوزارة السياحة والآثار عن العديد من الإكتشافات الأثرية، بحضور المهندس عبدالمطلب عمارة محافظ الأقصر.
وأكد "حواس" انه على مدار ثلاث سنوات من البحث والحفائر العلمية التي بدأت في سبتمبر ٢٠٢٢ تمكنت البعثة من تحقيق عدد من الاكتشافات الأثرية المهمة في المنطقة الواقعة عند بداية الطريق الصاعد لمعبد الملكة حتشبسوت بالدير البحري.
معبد الوادي للملكة حتشبسوت (١٤٧٩ – ١٤٥٨ قبل الميلاد)كشفت البعثة عن جزء من أساسات معبد الوادي الذي كان يقع عند مشارف الوادي وهو بوابة الدخول الرئيسية للمعبد الجنائزي للملكة حتشبسوت المسمى "جسر جسرو" والذي يعد أجمل المعابد الفرعونية على الإطلاق.
وأشار زاهي حواس الي ان البعثة عثرت على عدد كبير من نقوش معبد الوادي والتي تعد من أندر وأجمل نماذج فن النحت في عصر الملكة حتشبسوت وتحتمس الثالث، والتى لا يوجد مثيل لها في المتاحف المصرية سوى نماذج قليلة في متحفي الأقصر والمتروبوليتان، وتعد مجموعة النقوش الملكية المكتشفة حديثاً هي الأكمل على الإطلاق من بقايا معبد الوادي والذي تعرض للهدم خلال عصر الرعامسة والأسرة التاسعة عشرة.
وقال الدكتور محمد إسماعيل خالد الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار ان البعثة عثرت على أكثر من مئة لوحة حجرية من الحجر الجيري والرملي مسجل عليها أسماء وخراطيش الملكة حتشبسوت (اسم الميلاد واسم التتويج على العرش) وتعد جزء من ودائع الأساسات التي تؤكد على ملكية صاحب المعبد وهي المعروفة بـ Stone Name.
ومن بين تلك اللوحات الحجرية لوحة حجرية فريدة من الحجر الجيري تحمل بالنقش البارز إسم ولقب المهندس المعماري للملكة حتشبسوت المهندس "سنموت" ولقبه المشرف على القصر، وتعد مجموعة ودائع الأساسات الكاملة للملكة حتشبسوت من أهم مكتشفات البعثة والتي تأتي بعد مرور ما يقارب القرن من الزمان منذ أن كشف العالم الأمريكي هيربرت وينلوك عن أخر مجموعة كاملة من ودائع الأساسات للملكة حتشبسوت في موقع المعبد الجنائزي (١٩٢٣ - ١٩٣١).
وأكد "حواس" ان البعثة عثرت علي عدد من المقابر الصخرية من عصر الدولة الوسطى (٢٠٥٠ – ١٧١٠ قبل الميلاد)، وكشفت بموقع معبد الوادي عن التسلسل التاريخي للموقع والذي بدأ إشغاله في عصر الدولة الوسطى وإستمر حتى بداية الأسرة الثامنة عشرة عندما أمر المهندس الملكي سنموت بوقف الدفن في المنطقة وإختاره لها كموقع لتشييد معبد الوادي وجزء من إمتداد الطريق الصاعد الذي يربط بين معبد الوادي والمعبد الجنائزي. قام سنموت بدفن هذة الجبانة أسفل كميات كبيرة من الرمال وذلك ضمن أعمال تمهيد الموقع لتشييد معبد الوادي.
وأضاف "حواس" ان البعثة عثرت علي عدد من المقابر الصخرية التي تعود لعصر الأسرة الدولة الوسطى وعثر بها على عدد من القطع الأثرية المهمة ومنها موائد القرابين المصنوعة من الفخار وعليها مجسمات للقرابين من خبز ونبيذ ورأس وفخذ الثور، وتعد هذه الموائد من الأثار المميزة لعصر الدولة الوسطى.
واوضح زاهي حواس انه تم الكشف ايضا عن عدد من أبيار الدفن من عصر الأسرة السابعة عشرة (١٥٨٠ – ١٥٥٠ قبل الميلاد) المنحوتة في الصخر والتي تعود لعصر الأسرة السابعة عشرة وعثر بداخلها على عدد من التوابيت الخشبية بالهيئة الإنسانية والتي تعرف بالتوابيت الريشية وهي المميزة لعصر الأسرة السابعة عشرة ومن أهم تلك التوابيت تابوت لطفل صغير مغلق وموثق بالحبال والتي لا تزال على هيئتها منذ دفنها قبل ٣٦٠٠سنة. وبجانب تلك التوابيت تم العثور على حصير ملفوف لايزال بهيئتة المكتشف عليه وتعد البعثة حالياً برنامج خاص لترميمة ونقله للعرض بمتحف الحضارة، حيث قامت البعثة المصرية بنقل واحد من أهم مكتشفاتها وهو سرير من الخشب والحصير المجدول الى متحف الحضارة في موسم الحفائر الماضى ٢٠٢٣ – ٢٠٢٤ والذي يعود الى تلك الفترة وكان يخص أحد حراس الجبانة حيث عثر عليه في حجرة صغيرة مخصصة لإعاشة حرس الجبانة.
وأشار "حواس" إنه تم العثور على أقواس الرماية الحربية واحد من المكتشفات المهمة للبعثة المصرية والتي تشير الى وظيفة أصحاب هذة القبور وخلفيتهم العسكرية وكفاحهم لتحرير مصر من الهكسوس.كما تم العثور علي مقبرة المدعو جحوتي مس، المشرف على قصر الملكة تتي شيري الجدة الكبرى لملوك الأسرة الثامنة عشرة التي توصف بالعصر الذهبي للحضارة المصرية القديمة.
وكشفت البعثة عن مقبرة المشرف على قصر الملكة تتي شيري جدة الملك أحمس محرر مصر من الهكسوس وأم والده الملك سقننرع أول ملك شهيد في حرب الكفاح والتحرير من أهم الإكتشافات الأثرية التي تلقي كثير من الضوء على تلك الفترة المهمة من تاريخ مصر والتي لم يعثر لها على كثير من الأثار، وتؤرخ المقبرة بالعام التاسع من حكم الملك أحمس الأول (١٥٥٠ – ١٥٢٥ قبل الميلاد) كما أكد التاريخ المكتوب على اللوحة الجنائزية لجحوتي مس التي عثر عليها بالمقبرة.
تخطيط المقبرة
المقبرة لها تخطيط بسيط عبارة عن حجرة مربعة منحوتة في الصخر تتقدمها مقصورة من الطوب اللبن المكسو بطبقة من الملاط الأبيض ولها سقف مقبي. وداخل حجرة المقبرة عثر على بقايا رسوم ملونة باللون الأحمر على طبقة من الملاط الأبيض. وفي أرضية الحجرة عثر على بئر مستطيل يودي الى حجرتي دفن. وفي البئر تم العثور على مائدة قرابين من الحجر الجيري وكذلك على اللوحة الجنائزية لصاحب المقبرة جحوتي مس.
وعلى الرغم من اللقب المهم الذي كان يحمله صاحب المقبرة بوصفة المشرف على قصر الملكة تتي شيري أهم وأقوى ملكة في التاريخ المصري القديم إلا أن هيئة وبساطة المقبرة تعطي الكثير من المعلومات الإقتصادية عن بدايات الأسرة الثامنة عشرة والتي جاءت بعد حروب مريرة من أجل التحرير إستنزفت إقتصاد الدولة.
واكد "حواس" انه تم الكشف عن جزء من جبانة بطلمية ممتدده شغلت موقع الطريق الصاعد ومعبد الوادي وشيدت مقابرها من الطوب اللبن وأجزاء من حجارة معبد الملكة حتشبسوت هذة الجبانة كان قد تم الكشف عن بعض من أجزائها عن طريق بعثات أجنبية في بدايات القرن الماضي ولم يتم توثيقها بشكل مناسب.
كما كشفت البعثة المصرية عن عدد كبير من الأثار من تلك الفترة ومنها عملات برونزية تحمل صورة الإسكندر الأكبر وتعود لعصر بطلميوس الأول (٣٦٧ - ٢٨٣). وكذلك تم العثور على آلعاب أطفال من التراكوتا (الطين المحروق) وبأشكال أدمية وحيوانية، وكذلك عدد من قطع الكارتوناج والماسكات الجنائزية التى كانت تغطي المومياوات وعدد كبير من الجعارين المجنحة والخرز والتمائم الجنائزية.